ازدواجية المعايير في الدفاع عن الحريات: قضية بوعلام صنصال تكشف التواطؤ مع النظام الجزائري    احتياطي المغرب من العملات الصعبة يسجل رقما قياسيا جديدا        بورصة البيضاء تبدأ الأسبوع بانخفاض    موجة حرارة قياسية تجتاح المغرب .. 19 مدينة تتجاوز عتبة 40 درجة        نبيل فهمي يقترب من خلافة أبو الغيط في منصب الأمين العام لجامعة الدول العربية    الدولار يستقر مع ترقب المستثمرين لتوضيحات حول السياسة النقدية الأمريكية    لفتيت يحذر الولاة والعمال من الاستغلال الانتخابي لبرامج التنمية الترابية    نادي الجزيرة الإماراتي يُنهي تعاقده مع الحسين عموتة    فتيان الدراجة المغربية يعودون بفضية من ليبيا    كومان: لا أطيق الانتظار.. واخترت النصر السعودي لهذا السبب    كالافيوري يقود أرسنال لهزم مانشستر يونايتد في قمة الجولة الأولى من الدوري الإنجليزي        اغتصاب جماعي لطفل قاصر بموسم مولاي عبد الله أمغار    خرائط ‬تنبؤ جديدة ‬لمواجهة ‬حرائق ‬الغابات ‬بالمغرب    باحث يفكك خلفيات واقعة رفع أعلام البوليساريو الوهمية في مقبرة الكصابي بكلميم (فيديو)    درك واد لاو يشن حملة واسعة لمحاربة الجريمة وضبط الدراجات النارية المعدلة والمخالفة للقانون            الإفراط في ممارسة ألعاب الفيديو يُعرض المراهقين للتوتر والاكتئاب    ابتسام لشكر وإشكالية الحرية...    وفد دبلوماسي أمريكي رفيع المستوى يزور الصحراء المغربية    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الاثنين    المغرب واستفزازات الجزائر!    إصلاح التقطيع الجماعي..    "خيرونا" يجهّز عرضًا جديدًا لأوناحي    مصر تؤكد الدعم لإعادة إعمار غزة    دراسة: العنف يرفع خطر إصابة المرأة بأمراض القلب والأوعية    فيدرالية اليسار الديمقراطي بتيسة تدق ناقوس الخطر بشأن الأوضاع الاجتماعية وتنتقد المنع والتهميش    زيلينسكي والقادة الأوروبيون يبحثون في البيت الأبيض شروط اتفاق سلام في أوكرانيا    كأس آسيا لكرة السلة: المنتخب الأسترالي يتوج باللقب على حساب نظيره الصيني    قرار هدم يثير الجدل بأزمور: مهاجر مغربي يشتكي من قائدة الملحقة الادارية الاولى    مظاهرات في إسرائيل تطالب بإنهاء الحرب في غزة وإعادة الرهائن ونتانياهو يعتبرها "تعزز" موقف حماس    ماكرون: بوتين يريد استسلام أوكرانيا    بطولة إفريقيا للاعبين المحليين لكرة القدم.. المغرب يتأهل إلى ربع النهائي بفوزه على الكونغو الديمقراطية    الصحافة من بوابة الثقافة في ذكرى رحيل غلاب    "سينما الشاطئ" تحل بطنجة وتحتفي بالإبداع المغربي في الهواء الطلق    مؤرخان إسرائيليان ‬يقارنان المحرقة.. ‬والإبادة في‬ غزة!‬    إدغار موران : إسرائيل/ فلسطين : ثنائية النَّظرة    الملك محمد السادس يهنئ رئيس جمهورية الغابون بمناسبة العيد الوطني لبلاده        لأول مرة..الصين تكشف عن روبوت برحم صناعي قادر على الحمل والولادة    البيجيدي يسائل وزير الداخلية حول مشاركة طوطو في مهرجان القنيطرة وضمانات التزامه بقيم المجتمع    أنفوغرافيك | خلال 2024.. المغرب ثاني وجهة استثمارية في شمال إفريقيا    ميرغت.. الزمان والمكان والذاكرة    130 سربة و42 ألف خيمة.. موسم مولاي عبد الله أمغار يسجل مشاركة غير مسبوقة    الصيادلة يصعدون ضد وزارة الصحة بسبب تجاهل مطالبهم المهنية    "لاغتيست" يشعل منصة "رابأفريكا"    بورصة الدار البيضاء تنهي أسبوعها على وقع ارتفاع طفيف لمؤشر مازي    هكذا يتجنب عشاق ألعاب الفيديو متاعب العين    دراسة: أطباء يفشلون في تشخيص السرطان بالذكاء الاصطناعي    دموع الأم ووفاء الوطن.. لحظات استثنائية في حفل كزينة بالرباط    "بعيونهم.. نفهم الظلم"    بطاقة «نسك» لمطاردة الحجاج غير الشرعيين وتنظيم الزيارات .. طريق الله الإلكترونية    هنا جبل أحد.. لولا هؤلاء المدفونون هنا في مقبرة مغبرة، لما كان هذا الدين    الملك محمد السادس... حين تُختَتم الخُطب بآياتٍ تصفع الخونة وتُحيي الضمائر    المغاربة والمدينة المنورة في التاريخ وفي الحاضر… ولهم حيهم فيها كما في القدس ..    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كاتبة ألمانية متزوجة بمغربي: في بيتنا متحرش
نشر في فبراير يوم 30 - 06 - 2016

الكتابة عن أحداث التحرش في مدينة كولونيا الألمانية في رأس السنة 2016 بمثابة المشي على الأشواك لأن كل تعقيب عليها يمكن أن يجلب انتقادات عديدة من فئات مختلفة من القراء. رغم ذلك تكتب إليزابيت ليمان عن الحادث.
ربما يجدر بي التخلي عن فكرة كتابة نص عن هذا الموضوع فهو لن يجلب لي إلا المتاعب، إذ أكاد أرى الانتقادات قادمة من كافة الجهات. كتابة نص جديد عن "اعتداء غوغاء من شمال أفريقيا على نساء ألمانيات ليلة الاحتفال بالعام الجديد"، بمثابة المشي على الأشواك كما أن كل شيء عن هذا الموضوع قد قيل تقريبا.
وبالمناسبة فأنا مرتبطة برجل "ينحدر من شمال أفريقيا". وكعادة معظم المرتبطين ممن هم في مثل عمرنا، فقد تعرفنا على بعضنا (لا ليس بالقرب من محطة القطارات) بل في حفلة. كان هذا في وقت راج فيه تعبير "شركاؤنا في الوطن من أصول مهاجرة" في ألمانيا وكان من التعبيرات "الأنيقة". الخلاصة أني ارتبطت ب"الشريك في الوطن". ومنذ هذا الوقت مرت على ألمانيا العديد من المناقشات وشهدت علاقتنا العديد من عهود الكياسة السياسية.
أشعر بسعادة بالغة في استخدام بعض الألقاب في وصف شريك حياتي. فعندما أرغب في إغضابه أصفه بالعربي، رغم أنه يميل للدقة في وصف نفسه بالأمازيغي. ومن ناحية الدقة يمكن القول إن شريك حياتي ألماني. وهو بالفعل ألماني لأنه يحمل جواز سفر جمهورية ألمانيا الاتحادية. لكن كما علمت من موظف إداري في البلدية من فترة ليست بالطويلة، فإن صديقي هو "ألماني بجواز السفر". لم يكن التوصيف معروفا بالنسبة لي وبحثت عنه أولا على الانترنت لأدرك سوء هذا الوصف، لكن لنترك هذا الأمر الآن.
وإذا نظرنا إلى طريقة تفكيره، فإن شريك حياتي ألماني للغاية، فهو محترف في الدقة كما تكشف تفرقته بين مصطلحي العربي والأمازيغي، وبالتالي فهو متوافق في طريقة تفكيره تماما مع خط الدولة الألمانية. فمع كل نقاش جديد حول الهجرة والمواطنين غير الألمان، يخرج الساسة والإعلام وأصدقاء اللياقة السياسية بتعريفات جديدة يزعمون أنها أكثر دقة، للمجموعات المختلفة داخل المجتمع وهذا ما يطلق عليه التعميم الدقيق.
ومنذ أحداث ليلة الاحتفال بالعام الجديد في مدينة كولونيا، تحولت من مصطلح "عربي" الذي أغضب به شريك حياتي، إلى مصطلح "مواطن منحدر من شمال أفريقيا". فكلمة عربي عامة للغاية تشتمل أيضا على السوريين، اللاجئين الذين لم يكونوا هناك على الإطلاق. بالإضافة إلى ذلك فهم ضحايا ولا نقاش في ذلك. أما احتمالية وجود أفراد بينهم لا يتسمون باللطف الشديد، فهي مسألة غير مطروحة على الإطلاق. سيثير هذا المقطع غضب "الطيبين"، أعلم ذلك ولكن يمكنني التعايش معه فأنا أيضا واحدة منهم.
النظرات والتصفيرات والعبارات التي تخدش الحياء، واللمس، جزء من حياة المرأة في القاهرة. وأظهرت دراسة للأمم المتحدة العام الماضي أن أكثر من 99 بالمئة من المصريات تعرضن مرة واحدة للتحرش الجنسي، بداية من عبارات المعاكسة التي يزعم البعض أنها غير ضارة، وحتى الاغتصاب.
شريك حياتي إذن هو "مواطن منحدر من شمال أفريقيا" فهو مغربي المولد، بالصدفة على فكرة. لا أعلم إن كان رد فعلي على محاولاته التقرب مني في أول لقاء، سيختلف إذ كانت أحداث كولونيا وقعت قبل اللقاء أم لا. لكن ما أعرفه هو أنه لم يتحرش بي في لقائنا الأول وإنما تحدث معي بطريقة "متحضرة" تماما".
وفيما يتعلق بهذه النقطة تحديدا، أعتقد أني سأواجه النقد من النساء ضحايا أحداث التحرش في كولونيا، بدعوى أني أخفف من حدة ما تعرضن له، أكاد أرى تعليقاتهن حول كوني أقلل من خطورة العنف وأجعله نسبيا أو أني أهين الضحايا وربما كنت سأفكر بطريقة مختلفة إن كنت في مكان إحداهن. لكني هنا أطلب منك أيها الناقد العزيز، مواصلة قراءة النص حتى النهاية.
التحرش الجنسي هو شيء تعرضتُ له بشكل يومي لمدة عامين، فقد عدنا إلى برلين قبل عدة أسابيع فقط وقبلها كنا في مصر، معقل التحرش الجنسي، وكلمة "تحرش" كانت أول كلمة عربية تعلمتها في القاهرة. والآن دعوني أسرد لكم تفاصيل أحد أيامي في القاهرة: أسير على أحد جسور النيل العديدة في يوم مشمس من شهر أبريل مرتدية سروالا طويلا من القماش وقميصا بنصف كُم غير ملفت للنظر وحذاء بدون كعب وعلى وجهي ماكياج خفيف. وبالرغم من كل هذا شعرت بنظرات الرجال تلتصق بجسدي وشعرت بأني عارية. خلاصة هذه التجربة وبعد 10 دقائق: ثمانية اعترفات بالحب وأربع مرات مداعبة بلقب "بوسي" ويد غريبة على مؤخرتي.
نعم إنه أمر مثير للاشمئزاز ومهين، أحقر سلاح يمكن استخدامه ضد المرأة لاسيما وإن لم يكن للمرأة إمكانية مواجهته بالرغم من كونها واثقة من نفسها ومتحررة. في مصر كنت أتمنى ترك صدري (ثدْيَيَّ) في المنزل قبل الخروج لأحظى بقليل من الهدوء، فالتحرش هناك رياضة شعبية، كدت أكسر رأسي وأنا أحاول يوميا على مدار عامين تفسير أسبابها.
المتحرش والفارس
حاولت في البداية تفسير الأمر بالإسلام وبإمكانية أن يكون السبب هو شعور الرجل المسلم بالفوقية على المرأة ونظرته لها كملك له، لكن ما تبرير وجود مسيحيين من بين المتحرشين بي على الكوبري؟ علاوة على ذلك فقد كنت ألتقي يوميا برجال مسلمين لا يمكن وضعهم في هذا القالب الفكري، إذ أن تصرفات أبناء جنسهم كانت تثير لديهم نفس الغضب وكان يعتريهم الخجل العميق من الأحداث التي تتكرر منذ الثورة في الاحتفاليات الكبرى والتي تتشابه مع سيناريو ما حدث في كولونيا، إذ تلتف مجموعة من الرجال حول سيدة ويعتدون عليها ويتحرشون بها أو يغتصبونها.
رأيت هذا الأمر بعيني في ميدان التحرير خلال الاحتفال بتنصيب عبد الفتاح السيسي رئيسا لمصر. ينتشر أحد فيديوهات الواقعة على شبكة الانترنت وهو ما كان كفيلا بقراري تجنب أي احتفالية كبرى في مصر بعد ذلك. الآن سأواجه نقدا جديدا لأني أكدت على كافة الأحكام المسبقة المنتشرة في ألمانيا عن العالم العربي. وربما يقول أحدهم الآن: "أرأيتم، من الواضح أن جميع العرب، عفوا أقصد المنحدرين من شمال أفريقيا، يتصرفون على هذا النحو".
وقفات للتنديد بالتحرش الجنسي توضح أن التحرش لا علاقة له بملابس المرأة. وترى إليزابيت ليمان من خلال تجاربها أن "التحرش لا علاقة له أيضا بالموطن الأصلي للمتحرش".
لهذا إليكم المفاجأة الكبرى: في القليل من دول العالم – والتحرش الجنسي بالنساء موجود في كل مكان، أكرر في كل مكان- تتم مواجهة التحرش بهذا الشكل المكثف كما هو الحال في مصر، فعالم الرجال هناك منقسم بين المتحرش والفارس وكلاهما متطرف في تصرفاته، فالطرف الأول يتمتع بكسر نفس النساء في حين يقوم الطرف الثاني بتنظيم دورات للدفاع عن النفس وإعداد خطوط تليفونية ساخنة للضحايا وأحيانا تشكيل مجموعات لحماية النساء.
خلال إحدى التجمعات الانتخابية تولى عشرات الرجال مهمة حمايتي أنا ومجموعة من الصحفيات الغربيات وبنوا حولنا دائرة بشكل يسمح بوجود مترين مسافة بيني وبين مجموعات المتحرشين. لم أطلب من أحد القيام بهذا الأمر، لكنها ببساطة الطريقة التي يسير بها المجتمع.
غريب في غرفتي
مصر بالتأكيد تمثل نموذجا متطرفا في هذا السياق، لكني عايشت في دول أخرى هذه المعادلة التي ترى أن المرأة عندما تتحدث مع رجل فهي ترغب في علاقة جنسية معه. قبل مغامرتي في القاهرة عشت وعملت لبعض الوقت في روسيا وتنقلت بين المدن هناك وحدي. وبالرغم من إتقاني للغة الروسية فقد احتجت لفترة طويلة لفك الشفرات الاجتماعية هناك. كامرأة غربية اجتماعية، فأنا معتادة على التواصل مع الرجال الغرباء دون أي نية أخرى.
وعندما كنت أرد كعادتي بأدب على رجل يحدثني في روسيا، فقد كان هذا بالنسبة له بمثابة إشارة الانطلاق للتفكير في أني أريد إقامة علاقة جنسية معه. وعندما يخرج الأمر من نطاق التفكير لنطاق الفعل لأجد أحد من يعيشون خارج نطاق المدن المتحضرة ممن أسكرتهم الفودكا الرخيصة، في غرفتي بالفندق، ماذا كنت أفعل؟ أصرخ وقد ساعدني هذا في معظم الأحيان.
ما المستفاد إذن من هذه الأحداث؟ التحرش لا علاقة له بالموطن الأصلي. التحرش صفة ذكورية. الآن أغضبت مجموعة أخرى من القراء. ألم أقل لكم أنه كان أجدر بي ألاّ أكتب هذا النص؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.