لن يتجادل عاقلان في أن أي مشروع بناء لإضاءة شمعة في بحر ظلمات المسألة التعليمية في المغرب لا يمكن إلا أن ندعم إنجاحه، إلا أن إنتاج وصفات ترقيعية و غير مكتملة الإخراج و دون إعداد بنية الاستقبال لأدائها، لا يمكن توصيفه إلا بالضحك على ذقون أمهات و آباء يتحرقون على المصير المحبط لفلذات أكبادهم و في كل أسلاك التعليم الفاشل بسبق الإصرار و الترصد. و حتى لا يعتبرنا البعض رفضويين و عدميين كما وُصفنا ذات خطاب، إن الأصل في الاحتجاجات التلاميذية الأخيرة تنفيس عن ما تراكم و لسنين طويلة من عبث بمصير أبنائنا، كما عُبث بمصيرنا أيضا عندما كنا تلاميذ، وما كانت تظاهرات حرب الخليج إلا ملاذا لتفريغ حجم الممانعة ضد فشل المناهج التعليمية و مدبريها و التي كانت تستهدف بالأساس إنتاج "جيل من الضباع" كما قيل، رعايا لا يتقنون إلا تصريف فكرة "سكان المغرب الأولون"، تتالى على المغرب المولى1،2،3،...... ألا يطلعنا فلذات أكبادنا إلى أن مسألة تدريس العلوم الحقة في المؤسسات التعليمية المغربية تحتاج إلى مخيلة الشاعر لاستيعاب معادلاتها، فلا محاليل كيميائية متوفرة، ولا آلات فيزيائية بالمخابر الثانوية، فعلماء المستقبل عندنا هم أقرب إلى الشنفرة، و أشد بعدا من ماري كوري. ألم تفقد الأجيال الجديدة صلتها باللغات الأجنبية وسط حقل التجارب التي استهدفت الفئران، عفوا التلاميذ، من تعريب خارج أي منهجية تراعي المستقبل الدراسي الجامعي، إنه التيه المدبر الذي يرمي لإنتاج تقنيين متوسطين "التكوين المهني" لتوفير يد عاملة رخيصة تجيب على جشع رأسمال سوق الشغل، و يتساءلون ببشاعة لماذا ترتفع معدلات البطالة لذا حاملي الشهادات العليا ؟؟؟؟، رفاقي المعطلون إنكم خارج خططهم التعليمية. كم أحن لأحد أهم الكتب المدرسية التي طبعت حمولتي المعرفية، كتاب بخطوط برتقالية و صفراء، أشرف عليه أهم فطاحلة التفكير المغربي : "دروس في الفلسفة"، لماذا أُسقطت هذه الثروات من مناهجنا، لن يكون الجواب طبعا إلا لإنتاج "جيل من الضباع"، كما يحق للبعض أيضا أن يحن إلى روائع "إقرأ"، وسط هذا العبث العام بأجيال ستحكم مغرب المستقبل و أدمغتها تخضع للتجويف الممنهج. لماذا يقر الملك بفشل التعليم بالمغرب دون أن يقوم بتقييم علني : ماذا حدث بالضبط و من المسؤول ! و كما يقول ضحايا سنوات الرصاص : "حتى لا يتكرر هذا"، إنهم يتقنون التوصيف المزيف و لا يجرؤون على عمليات استئصال الورم التعليمي. ما موقع المدرسة العمومية من زحف الرأسمال على خوصصة المسألة التعليمية بالمغرب و التي أنساق مع سيلها الجارف النهم المرضي لبعض وصوليي الحقل التعليمي، وسط تشجيع مخزني لعملية البيع و الشراء هاته ، تحت شعار الجودة، و تهميش مقصود لأبناء الأسر المغربية بالتعليم العمومي. فمشروع المسار ما هو إلا الأكمة التي تخفي الغابة المظلمة لمنظومة التعليم المخزني، رغم ما قد يلوح في الأفق من شعارات إدخال المنظومة التعليمية إلى العالم الرقمي، إن الاختلال يعم المناهج الفاشلة، انعدام الوسائل التعليمية، غياب توجيه و تاطير كفاءات و مهارات التلميذ، هزالة البنية التحتية، انعدام التخطيط المستقبلي لأطفالنا..... و حتى نختم بالأرقام التي تترسخ بسهولة في أذهاننا حين تكون صادمة، الميزانية المخصصة للتعليم العمومي في المغرب هي في حدود 5%، مقابل المليارات التي تروج في سوق، نعم سوق المدارس الحرة، فالمطروح الآن هو توجيه المعركة الحقيقية اتجاه المطالب الحقيقية، تحقيق العدالة أمام ولوج المغاربة لتعليم ديمقراطي، علمي