برزت في الآونة الأخيرة أصوات وسط نشطاء سياسيين تطالب بتخصيص لائحة وطنية خاصة بالشباب خلال الانتخابات التشريعية المقبلة، تتيح لهذه الفئة من الفاعلين السياسيين إمكانية ولوج المؤسسة البرلمانية، والمساهمة في تنشيط المشهد السياسي الوطني. وإذا كان البُعد الاستراتيجي لهذا المطلب يتأسس على كون المرحلة الحالية، من خلال ما يشهده الشارع المغربي من حراك سياسي واجتماعي، تقتضي بالضرورة تجديد النخب السياسية وتشبيبها - وهو مبرر معقول وإجراء مقبول لضخ دماء جديدة في حقلنا السياسي الهَرِم - فإن الآلية القانونية التي يُطالب هؤلاء النشطاء بإعمالها لتحقيق هذا الهدف، تبدو موغلة في الانتهازية، ومن شأنها خلق طبقة سياسية جديدة تقتات من نوع جديد من الريع السياسي يسمى اللائحة الوطنية.
شبابنا المغربي، الذي لا يمكن أن يجادل أي أحد في قدرة فئة كبيرة منه على الارتقاء بالفعل السياسي وتحمل المسؤولية في مجالات التدبير والتسيير والتأطير، ليس في حاجة إلى كوطا سياسية ممنوحة تدفع به إلى الواجهة وتجود عليه بموقع ما، في أجهزة القرار التشريعي أو التنفيذي، بل هو في حاجة إلى فرض وجوده داخل هياكله الحزبية المتهرّئة، من خلال خلخلته لهذه الهياكل من الداخل، وإجبار المتحكمين في دواليب العمل الحزبي على الاعتراف بقدراته ومؤهلاته، وإلزامهم بالانصياع إلى مطلب تجديد النخب وتشبيب القيادات عبر انتخابات داخلية حرة ونزيهة، وليس عبر ضغط خارجي.
فما الذي يمنع من أن يتصدر فاعل سياسي شاب اللائحة الانتخابية لحزبه سواء في الاستحقاقات التشريعية أو الجماعية، إذا راكم هذا الشاب ما يكفي من الخبرة السياسية، وأثبت جدارته في تحمل المسؤوليات الحزبية؟ فهل رئيس بريطانيا العظمى ديفيد كامرون الذي حاز على ثقة حزبه وتقدم للانتخابات البرلمانية سنة 1997 عن دائرة ستافورد وهو لا يزال في الحادية والثلاثين من عمره، كان في حاجة إلى لائحة وطنية لكي يُثبت أحقيته بتمثيل حزبه في الانتخابات؟ وهل جون كينيدي الذي حكم الولاياتالمتحدة وهو في سن الثالثة والأربعين، وفاز بعضوية مجلس النواب عن ولاية ماساتشوستس وهو في سن الثلاثين، اختاره الشعب الأمريكي لتحمل هذه المناصب الجسيمة بناء على هبة سياسية جاد بها عليه الحزب الديمقراطي عبر لائحة أُعِدّت إرضاءً لخاطر الشباب الأمريكي؟ وهل الرئيس الإسباني الحالي خوسي لويس ثاباطيرو كان في حاجة إلى لائحة خاصة بالشباب لكي يصبح برلمانيا سنة 1986 عن الحزب الاشتراكي العُمالي وهو لا يزال في السادسة والعشرين من عمره؟
بالتأكيد أن الشباب المغربي يواجه عوائق عديدة داخل الأحزاب المغربية تحول دون منحه إمكانية تصدّر اللوائح الانتخابية، ومن ثمة الفوز بمقعد في البرلمان، وهي عوائق مرتبطة بهيمنة طبقة سياسية من ذوي النفوذ المالي، توظف سلطتها وشبكات علاقاتها مع أصحاب القرار، للانقضاض على رئاسة اللوائح، وقد يوجد ضمن هؤلاء النافذين ماليا، والمتحكمين في بعض المؤسسات الاقتصادية، شبان ظهروا إلى الساحة السياسية وفي أفواههم ملاعق من ذهب، فتمكنوا من الوصول إلى البرلمان بقوة المال، مثل ما حدث في انتخابات شتنبر 2007 في مدينة طنجة مع حزب الأصالة والمعاصرة (سمير عبد المولى)، وفي مدينة مراكش مع حزب الاتحاد الدستوري (نجيب الرفوش). لكن هذه العوائق لا تبرر على الإطلاق التجاء الشباب إلى أسلوب الاستجداء السياسي من خلال المطالبة بالامتيازات التي تضمنُها اللائحة الوطنية، والتي تتيح للمتصدرين لهذه اللائحة فرصة الاستفادة من الحملات الانتخابية التي يُبرع فيها أصحاب الأموال في باقي الدوائر، لتحقيق فوز سهل وسريع.
شبابنا المغربي مُلزم بالتصدي للفساد السياسي والتردي الحزبي من الداخل، للإطاحة بالقيادات السياسية الشائخة، ومُطالب بالعمل على كل الواجهات، الثقافية والجمعوية والتربوية والمهنية، لكسب دعم المواطنين، وامتلاك ثقة المجتمع. فالمرحلة تقتضي وجود أطر سياسية مؤهلة ب للإجابة عن إشكالات المجتمع، ليس فقط بالحماس وترديد الشعارات، بل بالعلم والمعرفة والحيوية والنضال الحقيقي داخل الساحة الاجتماعية التي تنوء بأنواء المفسدين والانتهازيين.