تشعر من البلاغ الأخير للأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية حاجة هذا الأخير الملحة إلى من يدعو إلى الكفر. وإلى ظهور الشياطين في المغرب. والملاحدة. والماسونيين. وبني علمان. و الليبراليين. وأنصار المادة. والماركسيين. وعبدة الأصنام. والعراة. والفاسقات. ومن اللغة التي كتب بها البلاغ. ومن حديثه عن المساواة في الإرث. وعن "انتهاك فج للسيادة الوطنية لفرض نموذج غريب للأسرة قائم على الانحلال والصراع والتفكك". تحس أنهم في حزب العدالة يبحثون عن خطاب نقيض ينقذهم من الانقراض. ولأنه غير متوفر في الوقت الحالي. فهم يتخيلون في العدالة والتنمية خصوما وأعداء لهم. ويكتبون عن "دعوات" مع أن لا أحد دعا إلى أي شيء. ويحذرون منها. ويختلقون صراعا لم يعد موجودا في المغرب. ويحفزون خصمهم كي يتطرف. ويناشدونه بأن يظهر بأعداد كبيرة ويدعو إلى المساواة في الإرث. ويترجونه. ويستجدونه بطريقة غير مباشرة. كي يعود. وكي يواجههم. ويمنحهم قبلة الحياة. ولو بمقابل. ولو اضطرهم الأمر إلى اقتناء خطابي يضاد خطابهم. ولو كان ثمنه مرتفعا. فهم مستعدون لأن يدفعوا فيه أي مبلغ كي يمنحهم ذلك مبررا للوجود. وحافزا للمعارضة. ولاسترجاع ما فقدوه في الانتخابات السابقة. ولاستعادة الشارع الذي انقلب عليهم. ولم يعد يهتم كثيرا بأخلاقياتهم التي تخلوا عنها وهم في الحكومة. ولم يدافعوا عنها. ولم يكتبوا عنها أي بلاغ. ورغم أن لا شيء يقع. ورغم أن لا شيء يحدث في المغرب. ولا حركة. ولا تكتلات سياسية. ولا تقاطبات. ولا أحزاب. ولا يسار. ولا أحد. ورغم أن الموجود الوحيد هو الدولة. وهي تارة محافظة. وطورا حداثية. ومنفتحة. حسب المزاج. وحسب السياق. وحسب مصالحها. رغم ذلك أصدر حزب العدالة والتنمية بلاغه. ضد دعوات لم يسمع بها أحد. وضد خطاب مجهول. وربما يقصدون وزير العدل عبد اللطيف وهبي. وهم يتمنون في قرارة أنفسهم أن يذهب أبعد. وأن يعبىء لإصلاحاته. وأن يتكاثر. وأن تتحرك معه الجمعيات والأحزاب. وأن تخرج المظاهرات. والمسيرات. وأن ينقسم المجتمع. وأن يتكرر التاريخ. وأن نعود إلى ما قبل أكثر من عشرين سنة. وإلى "الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية". وإلى مسيرتي الرباط والدار البيضاء. والحال أنه في تلك الفترة من التاريخ كان هناك خصم حقيقي للإسلاميين. وكان التناوب. وكان خلف الحكومة "شعب" من الديمقراطيين الحداثيين. وكان هناك إسلاميون لم تدنسهم السلطة بعد. ولم يجربوا الواقع. ولم يهزمهم بعد. أما الآن فلا شيء. ولا حركات إسلامية. ولا أحزاب تقدمية. ولا مجتمع حي. ووسط هذا الخلاء السياسي وفي هذا الفراغ يواجه حزب العدالة والتنمية الأشباح ويتخيل أعداء لله.. ويدبج البلاغات المحذرة منهم. و يصلي كي ينقذوه من الغرق. وكي ينتشلوه من القاع الذي سقط فيه.