سيام 2024.. فتح سوق الاتحاد الأوروبي أمام واردات العسل المغربي    المالية العمومية: النشرة الشهرية للخزينة العامة للمملكة في خمس نقاط رئيسية    تتويج المغربي إلياس حجري بلقب القارىء العالمي لتلاوة القرآن الكريم    مكناس .. تتويج 12 زيت زيتون من أربع جهات برسم النسخة 14 للمباراة الوطنية    رسميا.. الجزائر تنسحب من البطولة العربية لكرة اليد المقامة بالمغرب    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    المغرب يصدر 2905 تراخيص لزراعة وإنتاج القنب الهندي إلى غاية أبريل الجاري    الوكالة الوطنية للغابات تخرج عن صمتها بخصوص ظهور "القط الأنمر" في إحدى غابات طنجة    بحر طنجة يلفظ جثة شاب غرق خلال محاولته التسلل إلى عبارة مسافرين نحو أوروبا    غدا تنطلق أشغال المؤتمر الثامن عشر لحزب الاستقلال    الفروع ترفع رقم معاملات "اتصالات المغرب"    مطار مراكش المنارة الدولي .. ارتفاع حركة النقل الجوي خلال الربع الأول    ارتفاع أرباح اتصالات المغرب إلى 1.52 مليار درهم (+0.5%) بنهاية الربع الأول 2024    تظاهرات تدعم غزة تغزو جامعات أمريكية    توقعات أحوال الطقس اليوم الخميس    هذا الكتاب أنقذني من الموت!    سيمو السدراتي يعلن الاعتزال    المعرض المحلي للكتاب يجذب جمهور العرائش    جراحون أميركيون يزرعون للمرة الثانية كلية خنزير لمريض حي    14 ألف مواطن إسباني يقيمون بالمغرب    تحويل الرأسمالية بالاقتصاد اليساري الجديد    بسبب تعديلات مدونة الأسرة.. البرلمانية اليسارية التامني تتعرض لحملة "ممنهجة للارهاب الفكري"وحزبها يحشد محاميه للذهاب إلى القضاء    تأملات الجاحظ حول الترجمة: وليس الحائك كالبزاز    حفل تقديم وتوقيع المجموعة القصصية "لا شيء يعجبني…" للقاصة فاطمة الزهراء المرابط بالقنيطرة    مهرجان فاس للثقافة الصوفية.. الفنان الفرنساوي باسكال سافر بالجمهور فرحلة روحية    نجم مغربي يضع الزمالك المصري في أزمة حقيقية    بوغطاط المغربي | محمد حاجب يهدد بالعودة إلى درب الإرهاب ويتوّعد بتفجير رأس كل من "يهاجمه".. وما السر وراء تحالفه مع "البوليساريو"؟؟    الدراجات النارية وحوادث السير بالمدن المغربية    عملية رفح العسكرية تلوح في الأفق والجيش الاسرائيلي ينتظر الضوء الأخضر من نتانياهو    واشنطن طلبات من إسرائيل تعطي إجابات بخصوص "المقابر الجماعية" ف غزة    أكاديمية المملكة تعمق البحث في تاريخ حضارة اليمن والتقاطعات مع المغرب    بطولة فرنسا: موناكو يفوز على ليل ويؤجل تتويج باريس سان جرمان    الصين تكشف عن مهام مهمة الفضاء المأهولة "شنتشو-18"    الولايات المتحدة.. أرباح "ميتا" تتجاوز التوقعات خلال الربع الأول    ماركس: قلق المعرفة يغذي الآداب المقارنة .. و"الانتظارات الإيديولوجية" خطرة    أخنوش: الربط بين التساقطات المطرية ونجاح السياسات العمومية "غير مقبول"    بني ملال…تعزيز البنية التحتية الرياضية ومواصلة تأهيل الطرقات والأحياء بالمدينة    المنتخب المغربي ينهزم أمام مصر – بطولة اتحاد شمال إفريقيا    المنتخب المغربي لأقل من 18 سنة يفوز على غواتيمالا بالضربات الترجيحية    ما هو سيناريو رون آراد الذي حذر منه أبو عبيدة؟    تعزيز التعاون الفلاحي محور مباحثات صديقي مع نائبة رئيسة مجلس النواب التشيكي    أخرباش تشيد بوجاهة القرار الأممي بشأن الذكاء الاصطناعي الذي جاء بمبادرة من المغرب والولايات المتحدة    الرئيس الموريتاني يترشح لولاية ثانية    نور الدين مفتاح يكتب: العمائم الإيرانية والغمائم العربية    كأس إيطاليا لكرة القدم.. أتالانتا يبلغ النهائي بفوزه على ضيفه فيورنتينا (4-1)    رابطة للطفولة تعرب عن قلقها من التركيز المبالغ فيه على محور التربية الجنسية والصحة الإنجابية للمراهق في دورة تكوين الأطر    جنايات أكادير تصدر حكمها في ملف "تصفية أمين تشاريز"    عاجل.. كأس إفريقيا 2025 بالمغرب سيتم تأجيلها    قميصُ بركان    لأول مرة في التاريخ سيرى ساكنة الناظور ومليلية هذا الحدث أوضح من العالم    الفوائد الصحية للبروكلي .. كنز من المعادن والفيتامينات    دراسة: تناول الأسبرين بشكل يومي يحد من خطر الإصابة بسرطان القولون        كلمة : الأغلبية والمناصب أولا !    دراسة تبيّن وجود صلة بين بعض المستحلبات وخطر الإصابة بمرض السكري    في شأن الجدل القائم حول مدونة الأسرة بالمغرب: الجزء الأول    "نسب الطفل بين أسباب التخلي وهشاشة التبني"    الإيمان القوي بعودة بودريقة! يجب على الرجاء البيضاوي ومقاطعة مرس السلطان والبرلمان أن يذهبوا إليه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كلمات عربية في حلة الألمانية
نشر في هسبريس يوم 12 - 11 - 2022


من يعرف نفسه والآخرين
سوف يتعرف هنا أيضا على أن
الشرق والغرب
لا يمكن الفصل بينهما
تفتح هذه الأبيات للشاعر الألماني يوهن فولفغانغ غوته، كوة نطل من خلالها على تلك العلاقة الجدلية التي تجمع بين الشرق والغرب، علاقة ذات هوية مطلسمة يساعد تاريخ اللغة في فك بعض جوانب رموزها وإشكالاتها. فهذه العلاقة القديمة بين الشرق والغرب تبرز نفسها من خلال الكلمات والمصطلحات العربية المتغلغلة داخل هذه اللغات الأوروبية وذلك منذ قرون عديدة، كلمات مازالت تعيش في عمق هذه اللغات حتى يومنا الحاضر حية، كمكون علمي أو كتعبير يومي في تركيبات الصياغات اللغوية الغربية الحية ونخص هنا بالذكر لغة وبيئة الشاعر غوته نفسه الألمانية. إن للعربية حضور بين الكلمات المستعملة الألمانية اليوم مثل :
Admiral, Koffer, samt, Mütze, Joppe, Gamaschen, Tasse, Zucker, Karaffe, Limonade....
إن لهذه العلاقة اللغوية بين أوروبا والثقافة العربية رحلة تاريخية قديمة، بدأت مع التجار الوافدين من الشرق الإسلامي إلى أوروبا أو الزائرين للشرق من أوروبا. رحلة عرفت عددا من المحطات على مدى خريطة القرون الوسطى. غير أن لهذه العلاقة خصوصية متميزة مع الثقافة الجرمانية، التي تعود إلى القرن التاسع الميلادي، إلى فترة الملك كارل الأكبر وهو من يعرف أيضا بشرلمان (742 814) والذي يعد الأب الأول للاتحاد الأوروبي والخليفة العباسي هارون الرشيد (766 -809). إنها علاقة ذات وجوه علمية وسياسية متعددة. ففي الوقت الذي كانت فيه بغداد عاصمة الدنيا العلمية والثقافية ومدارسها ومعاهدها تعج بأشهر علماء وأطباء وفلاسفة العالم آنذاك ورفوف مكتباتها ترزح تحت ثقل مئات الآلاف من المخطوطات في شتى التخصصات العلمية والادبية، كان كارل الأكبر حاكم بلاد الإفرنجة أميا لا يعرف الكتابة ولا القراءة، مثله مثل بقية سكان القارة الأوروبية بأكملها. مع ذلك كان هذا الحاكم ذكيا وله اهتمام بحركة التطور والتقدم العلمي الذي كان يجري شرقا من مملكته بزعامة بغداد العباسية وجنوبا بصدارة قرطبة الأموية. فبعد عودة مستشاريه، الذين سبق وبعثهم كجواسيس في صفة تجار إلى كل من الشرق والغرب الإسلامي، قدموا له تقارير عن ما وصل إليه المسلمون من تقدم ورقي في كل المجالات. هنا طرح كارل الأكبر عليهم سؤالا هاما، سوف يكون مفتاح تغيير تاريخ أوروبا لاحقا: "لماذا هم متقدمون ونحن لا؟"، فكان جواب مستشاريه حدهما كان يهوديا اسمه اسحاق والآخر مسيحيا اسمه زيكسموند Siegesmund: "بكل بساطة، إنهم يكتبون ويقرؤون ونحن لا نكتب ولا نقرأ".
لقد أنار هذا الجواب للملك كارل الأكبر الطريق أمامه للقيام بطفرة البدئ بتعليم نفسه أولا ثم أسرته ثانية ثم الأعيان فالشعب، القراءة والكتابة. ولأجل ذلك يحتاج إلى مدرسين لتعليمه لغة التقدم والعلوم، العربية. فبعث وفدا إلى بغداد محملا بالهدايا، كجلود الحيوانات وكلاب الصيد الألمانية الشهيرة ومعادن ثمينة وغير ذلك. ومن ضمن أعضاء الوفد كان المستشاران سابقا الذكر، اسحاق وسيكموند، لطلب مساعدة الخليفة العباسي في عملية التعليم هذه وايضا لتسهيل عملية حج المؤمنين المسيحيين إلى الأرض المقدسة فلسطين. لأن كارل الأكبر لم يكن بإمكانه أن يصبح إمبراطورا لرومانيا، الذي لقب به لاحقا، إلا إذا تمت له السيادة الرمزية على القدس، أقدس مقدسات المسيحيين. في المقابل رأى هارون الرشيد في طلب كارل، فرصة للتعرف أولا على بلاد الإفرنجة، ثم ربط تحالفا عسكريا مع هذا الملك القوي، مقابل القضاء على أعداءه اللدودين الأمويين في الأندلس. لقد تم الاتفاق وعلى إثره بعث الخليفة العباسي هو الآخر وفدا من العلماء ومعهم هدايا من بينها فيل أبيض اسمه أبو العباس وساعة مائية إلى بلاط كارل في مدينة أخن في أقصى غرب ألمانيا الحالية. فبمجرد أن بدأت الساعة تعمل وتسقط من منقار أحد طيورها الاثني عشر، كرة نحاسية في طست كل ساعة، وتحدث رنة، حتى فر سكان البلاط لاعتقادهم أنها جني. غير أن حملة كارل الأكبر من أجل السيطرة على إسبانيا والقضاء على الأمويين، منيت بالفشل لنفس الأسباب التي منيت بها حملة أبيه بيبي الأكبر أو بيبي الثالث، من قبل في السيطرة على إسبانيا، حيث تعرضت كلتا الحملتين لهجومات قبائل منطقة الجوثين الفاصلة بين شمال إسبانيا وفرنسا الحالية عند جهة البحر الأبيض المتوسط. فتبادل الوفود هذا لم تُسجل تفاصيله إلا من طرف المؤرخين الغربيين فقط، أما المصادر العربية المتوفرة لحد الآن، فلم تشر إليه، ربما لم ير فيه المؤرخون المسلمون أهمية تستحق الذكر.
السبق الحضاري
عن هذه الفترة التاريخية وتأثير الثقافة العربية الإسلامية في الغرب كتب المؤرخ والمستشرق الألماني هنز لايشت Hans Leicht في مقدمة كتابه "ابن بطوطة رحلة إلى أقصى الدنيا"، "ففي هذه الفترة الزمنية، التي كانت لا تزال أوروبا تغرق في مجاهيل التخلف، وصلت العلوم والآداب والثقافة في البلدان الإسلامية أوجها، حتى أن الكتابات في العهد الكارنكي، (نسبة إلى سلالة كارل الأكبر أو شارلمان، الذين يسمون الفرنكيون وحكموا في ألمانيا إلى حدود 911 وفي فرنسا إلى سنة 987) تناولت حدث الانبهار، الذي استقبلت به الهدية العلمية المتطورة جدا آنذاك التي بعث بها الخليفة العباسي هارون الرشيد إلى ملك الفرنكيين كارل الأكبر (حكم المملكة الفرنكية وهي فرنسا وألمانيا ونصف إيطاليا وغرب بولونيا الحالية من 768 إلى سنة 814) في حين كانت الساعات المائية في القرن الثامن الميلادي تتواجد في كل ساحات العواصم الإسلامية وبعد هذا الحدث بمئة سنة فقط، قامت بعثة من العلماء العرب بزيارة إلى كل من مدينة بدربورن Baderborn (غرب ألمانيا) وماكدبوزغ Magdeburg (شرقها) من أجل تكوين انطباع مباشر عن الصقالبةSachsen (اسم لا يزال يطلق حتى اليوم على إحدى الولايات الألمانية).
لقد بدأ تأثير هذه البعثة واضحا على كارل الأكبر حيث أعطى تعليماته بتحويل الكتابة من الحروف الكبيرة majuscule إلى الطريقة الرومانية إلى الحروف الصغيرة الملتصقة الصغيرة minuscule إلى طريقة الكتابة العربية وبذلك تم اقتصاد أدوات الكتابة من جلود وألواح خشبية وعظام الحيوانات، لأن الورق لم تعرفه ألمانيا إلا سنة 1390. بينما كان المسلمون يعرفون الورق في القرن الثامن الميلادي نقلا عن الصينيين.
إن وجود الاسم والمصطلح العربي في اللغات الأوروبية لم يأت صدفة، بل له مقدمات، ساهم التبادل التجاري بين الشرق والغرب واحتكاك الثقافي العربي-الإسلامي والغرب المسيحي المتواصل على مدى التاريخ، في انتشار الكلمات العربية في الأوساط الغربية حتى أصبحت تشكل قاعدة اساسية لدراسة العلوم وتعبيرا حضاريا في استعمالات الحياة اليومية وخاصة عند النخبة، حتى أنه كان من لا يتكلم العربية ولو بعض الكلمات منها يعتبر متخلفا.
قبلة العلوم والمعارف
فالوجود العربي الإسلامي في إسبانيا ابتداء من 714 قد لعب دورا كبيرا في توسيع مساحة التعبير العربي في البلاد الأوروبية، حيث كانت كل إسبانيا تعتبر جزءا من الدولة الأموية في دمشق. ففي خلافة عبد الرحمان الثالث (912 – 961) وصلت الحضارة العربية الإسلامية في الأندلس ذروتها، ونظرا لقرب المعاهد الأندلسية من الدول الغربية، التي أقام فيها عدد من كبار مفكري العالم الإسلامي لفترات بين القصيرة والطويلة كعلماء زائرين أو تجار، كان الطلبة يفدون على هذه المعاهد، من كل أنحاء أوروبا وهم في الغالب من أبناء الأعيان، بل وحتى رجال الدين، مثل غيربرت فون أوريلاكن الذي سيصبح لاحقا (البابا سيلفسير الثاني) (946 -1003)، الذي درس أولا في قرطبة وإشبيلية قبل رحيله إلى فاس من أجل تعميق دراسته في جامعة القرويين.
فبعد تخرجه من هذه الجامعة الأولى في العالم، عاد إلى وطنه فرنسا، حاملا معه مثل جميع زملائه الطلبة الغربيين المتخرجين من هذه المعاهد إلى أوطانهم ومعهم، إلى جانب الكلمات العربية، كثيرا من أنماط حياة المجتمع الإسلامي العربي.
إلى جانب الأندلس لعب بلد آخر دورا هاما في انتشار الثقافة وانتشار المصطلح العربي في اللغات الأوروبية هو جزيرة العبور صقلية. يقول المستشرق والمتخصص في العلوم الإسلامية أوتو سبيسOtto Spies في كتابه (تأثيرات الثقافة الشرقية في الغرب) عن التأثير العربي الإسلامي في المجتمع الغربي: "لم يتم تبني نمط بلاط الدولة العربية واحتفالاتها الرسمية فقط، بل أيضا العادات والتقاليد والفنون والعلوم. فقد بقيت العربية لغة الدولة، وكان الديبلوماسيون مكونين إلى حد كبير عربيا، العملات كانت تضرب وفقا للنموذج العربي، ذلك أن الحكام النورمانديين (مجموعة من القبائل تشكلت في النورماندي شمال فرنسا) كانت لهم تقريبا عقلية إسلامية. في هذه الأجواء ترعرع فريدريش الثاني. وابنه مانفريد، حيث تكلموا اللغة العربية، العلوم العربية، درسوا الفلسفة العربية وجعلوا الأعمال العربية تترجم إلى اللاتينية... هكذا فليس من الغريب، أن تنتقل الروح والفكر الإسلامي عبر هذا الطريق إلى أوروبا".
لقد نقل الغربيون اكتشافات علماء المسلمين في المجالات علمية مختلفة، من طب وفلسفة وصيدلة وعقاقير وفلك وغيرها كثير، التي لا تزال تحمل أسماءها العربية إلى الوقت الحاضر. كما عملوا في نهاية القرن 11 على الاستفادة من المجلدات الضخمة، التي صنفت من طرف العلماء العرب والمسلمين حول ممارسات الطب، فقد نقلوا إلى إيطاليا عددا منها، كأسس علمية ومعرفية وقاعدة انطلاق لإنشاء أهم الكليات الطبية الأوروبية آنذاك في سليرنو Salerوبلرمو Palermo.
طور العلماء المسلمون الطب والصيدلة والعقاقير والنباتات وألفوا فيها مجلدات، تبرهن على تقدم العرب في توظيف الأعشاب والنباتات بشكل دقيق من أجل الأغراض الطبية. وفي هذا الصدد يقول العالم والباحث الألماني هومبولد (1769 1859): "فن الكيمياء الطبية هي من اكتشافات العرب، والكتابات الأولى العليا عن إعداد الأدوية، التي تسمى الآن (المستوصفات) Dispensatorien قد جاءت من عندهم، ثم انتشرت لاحقا في أوروبا عبر المدرسة الساليرنية Salerno".
العد في السماء والأرض
لم يعرف السبق المعرفي العربي الإسلامي في مجالات الطب والنباتات الطريق إلى أوروبا وحده، بل البحوث الكيميائية للقرن 9 و10 حيث أنجزت الدراسات الأولى حول المسألة الكيماوية تحت خلق شروط اصطناعية. يقول الباحث اللغوي في تاريخ اللغة الألمانية الدكتور نبيل عثمان: "العلماء العرب وضعوا أولا تحول الأوزان بالنسبة للمعادن على أساس من الأكسدة ذاتها لأجل ذلك صنعوا موازين دقيقة. ولم يقتصر الكيميائيون العرب على الأبحاث الكيميائية الأولى وحدها، كما فعل زملاؤهم الأوروبيون، دون جدوى، صناعة الذهب. فقد استطاعوا المساهمة في صادرات تجارية هامة إلى أوروبا من خلال منتوجاتهم الصناعية القارة من الأدوية إلى جانب سوائل العطور، الزيوت والسكر أيضا انتشار تقدم علم العقاقير، علم الأدوية العربي كان في القرن 13 جد واسع بحيث أن عالم النباتات ابن البيطار (1197 1248) كان يعلم كيفية استعمال أكثر من 1400 وصفة نباتية ومخدر وقام بتصنيفها".
إن لم يتسع المجال بما فيه الكفاية للحديث عن كل العلوم العربية الإسلامية، التي لها فضل على النهضة الغربية، فيكفي أن نذكر علم الرياضيات الجبر Algebra، الذي لا يزال يحمل اسمه العربي حتى اليوم والذي أثبت فاعلية ممارسته محمد ابن موسى الخوارزمي (781 847) فقد كانت نظريته هذه تيسير العمليات الحسابية للتجار والمنفذين أو الجباة آنذاك. وعن طريق قناة التجارة، انتقلت طريقة الخوارزمي الرياضية إلى أوروبا، وعن طريق العلماء مثل غيربرت فون أوغيلاك (البابا سلفتر الثاني، الذي لم يدخل الأرقام العربية إلى أوروبا وحدها بل أدخل القانون الإسلامي، أي الفقه أيضا)، حيث اعتمدت ولقرون عديدة كطريقة لا يمكن الاستغناء عنها، وبذلك حلت الأرقام العربية مكان النظام الرقمي، الذي أخذه العرب عن الهنود، أو الأرقام وطريقة الحساب الرومانية المعقدة، التي بقيت مستعملة حتى القرن 12 و13 ومن هذا العمل ومصطلحاته نذكر الكلمات العربية المستعملة في علم الرياضيات الغربية مثل Algebra, Algorithmus, Chiffre, Ziffer. وغيرها. كما أن لمنهاج العد والحساب العربي تأثيرا واضحا على العد الألماني، الذي يقوم من اليمين إلى اليسار، الوحدات ثم العشرات واحد وعشرون Ein und Zwanzig مثل العد العربي، خلاف باقي طرق العد في اللغات الأوروبية الأخرى من اليسار إلى اليمين Twenty one, Vingt et un , ventuno, veintiuno
لا يخفى على أحد تقدم العلوم العربية الإسلامية في مجال الفلك، ذلك أن لهذا العلم علاقة مباشرة بالرياضيات، فقد أوجد العلماء المسلمون آلات قياس منازل النجوم والأفلاك، كما أوجدوا الاسترلاب وحددوا جد باكر مدارات الشمس، القمر ولكواكب. ومبكرا تم تصنيف مؤلفات حول حركة البحر من مد وجزر، تم حساب السنة الشمسية بدقة. وتبلورت نظريات حول نظام الكواكب أو قطر الأرض. وفي القرن 11 ذهب العلماء المسلمون إلى القول بكروية شكل الأرض. فجهود العلماء الأوروبيين التي جاءت لاحقا، يقول الدكتور عثمان، مثل نيكولاوس كبرنيكوس أو يوحنا كبلار، أو غالينيوس، لم يكن من الممكن تصورها إلا من خلال التمهيدات السابقة لجهود علماء الفلك في العالم الإسلامي. ودليل ذلك هو بقاء العديد من أسماء النجوم في اللغة الألمانية تحمل أسماءها العربية نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر :
آخر النهار، البراني، الجانين الغول، الغراب، الفرد، السموت، يد الجوزاء، دب، التنين، فم الحوت، ناذر... وغيرها كثير.
Achermar,Adelbaran, Algenib, Algol, algorab, Alphard, Azimut, Beteieuze, Dubb, Etanin, foumalhaut, nadir
لا نريد أن نغفل في عجالة التأثير العربي الإسلامي في مجالات الفنون من الموسيقى والآلات الموسيقية الأدب، الموشح والقصص والحكايات وفنون العمارة وأسلوب المعيشة، الذي تزخر به المراجع الغربية نقلا عن الحياة الشرقية، وإنما سنكتفي بذكر بعض الأسماء، التي مازالت شاهدة حتى اليوم كجزء من اللغة الألمانية على تأثير اللغة العربية على هذه اللغة ليس في العلوم وحدها بل في الحياة اليومية .
أمير البحر Admiral, السق Jacke, المسخ Maske، الغطاس Albatros اليمون Limonade, السبانخ Spinat, الصفر Chiffre تعريف .Tarif
كما أن هناك كلمات أخرى بقية محتفظة بأصولها العربية رغم مراحل تدرجها وانتقالها من لغة إلى إخرى حتى استقرت في اللغة الإلمانية مثل:
Tambur, Baschir, Gazelle، Giraffe.
(زرافة، طنبور، طباشير، غزالة، جمل) فعلى سبيل المثال ذكر الدكتور نبيل عثمان أن كلمة Jacke أصلها العربي الشق، لباس فوقي للنساء والرجال يعرف هذا الاسم في الإسبانية والبرتغالية Jaco في الفرنسية Jaque de mille) (القميص الواقي) Jacket في السويسرية Jacka والدنماركية Jakke والإنجليزية jacket في الهولندية (القرن 19) Jackettفي القرن 15 كان الشق يعني بطانة السترة وورد في مدونة النبلاء للقرن 18. (1408) كاسم قديم للباس الدرع وكلمة عامية تختصر "لباس نساء، قصير كسترة أو بطانة ومن جهة يعني معطف الرجال".
المثال الثانيLimonade ، الليمون، وصل إلى ايطاليا في العصر الوسيط أثناء الحملة الصليبية ومنها إلى فرنسا وإسبانيا. اسم الليمون في الإيطاليةLimone وفي الكتلانية Limon في فرنسا وإسبانيا (القرن 15) Limo في البرتغالية Limon وفي الإنجليزية (القرن 14) ،Liman في الفرنسية (القرن 14)Limon في الهولندية Limon في اللغة الألمانية الوسطىLimon ، حوالي نهاية القرن 16 دخلت الليمونادا شراب الليمون إلى ألمانيا عن طريق إيطاليا، هناك أكثر من 500 كلمة ألمانية من أصل عربي، منها ما هو متداول في الحياة اليومية مثل Zucker السكر، Tasse الطست أو فنجان، Koffer القفة،Kippe القبة، وأخرى غير متداولة مثل الشاه Schach (ملك لعبة الشطرنج)، وفي العلوم مثل: Algebra الجبر، Chemie الكمياء .Alkohol الكحول.
إن هذه الكلمات في أصلها العربي لا تتحدث عن قصة العلاقة اللغوية العربية والأوروبية فحسب، ولكنها تمثل شواهد حية على المجهود العلمي والثقافي والفني، الذي ساهمت به الحضارة العربية الإسلامية كحلقة وسيطة هامة في تاريخ التطور والتقدم البشري. كما أن تعليم الشعب ونشر الثقافة ومحو الأمية كما أدركه وأطلق شرارته الأولى كارل الأكبر، شارلمان في أوروبا، كان هو مفتاح التقدم والتطور ثم لاحقا وحدة أوروبا رغم اختلاف ألسنتها وثقافاتها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.