تعددت القراءات التي انصبت على دلالات استقبال الملك محمد السادس قبل أيام قليلة للمندوب السامي للتخطيط، أحمد الحليمي، ومدى اعتبار الخطوة الملكية نوعا من التحكيم "العادل" الذي جاء ليضع أوزار "حرب" كلامية نشبت أخيرا بين الحكومة والمندوبية السامية للتخطيط بخصوص أرقام تتعلق بنسب النمو الاقتصادي في البلاد. وذهب مراقبون إلى أن الاستقبال الملكي للحليمي في خضم التجاذب بين مندوبيته والحكومة "انتصارا" له، و"صفعة" مدوية للحكومة التي يقودها عبد الإله بنكيران، لكون الملك أكد على "ضرورة الحفاظ على استقلالية المندوبية السامية للتخطيط كمؤسسة رسمية للمعلومة الإحصائية" وفق تعبير بلاغ للديوان الملكي صدر عقب الاستقبال. وبالمقابل رأى البعض أن الملك لم يقف في صف المندوبية السامية للتخطيط ضد الحكومة، بقدر ما كان استقباله للحليمي محاولة لإيجاد نوع من التوازن في العلاقة "المتوترة" بين الحكومة ومندوبية التخطيط، خاصة أن البلاغ لفت إلى تأكيد الملك على "ضرورة الالتزام بالتعاون الناجع والتنسيق الوثيق بين جميع المؤسسات الحكومية والهيئات الوطنية المعنية بالمعطيات الإحصائية". وبعد استقبال الملك للمندوب السامي للتخطيط، رغم أنه جاء من حيث الظاهر في سياق تقديم الحليمي لمقترحات حول الاستعدادات الجارية لإحصاء السكان لعام 2014، سادت هدنة بادية في العلاقة بين الحكومة والمندوبية، وكفت ألسن الطرفين على إطلاق الانتقادات والاتهامات المتبادلة. الموساوي: تحكيم ملكي..وشعبوية حكومية هشام الموساوي، أستاذ الاقتصاد بجامعة مولاي سليمان ببني ملال، يعلق على الاستقبال الملكي للمندوب السامي للتخطيط بأنه يمكن عده نوعا من "الإنكار على الحكومة الحالية، من خلال وزيرها محمد الوفا، والتي حاولت إضعاف مصداقية أرقام المندوبية السامية للتخطيط". وذهب الموساوي إلى أن "اللقاء كان عبارة عن نوع من التحكيم الملكي المتوازن في النقاش الدائر بين الحكومة والمندوبية السامية للتخطيط، بخصوص أرقام قدمتها هذه المؤسسة الإحصائية تهم نسبة النمو و نسبة البطالة في البلاد". وتابع المحلل الاقتصادي أنه "بالرغم من كونها ليست المرة الأولى التي ظهرت فيها الاختلافات بين رؤية الحكومة وأرقام المندوبية السمية للتخطيط، لكنها المرة الأولى التي تذهب فيها الحكومة إلى حد بعيد في تصريحاتها التي تنتقد المندوبية السامية للتخطيط" وفق تعبيره. وأرف الموساوي "ما أجده مُضرا هو ردة فعل الحكومة بلغتها الشعبوية التي تريد بواسطتها تعميم السياسة في المجتمع، لكنها في نهاية المطاف جعلت السياسة أمرا مبتذلا، لأنه عوض أن نشهد مناقشة الأفكار، نحضر مشاهد جوفاء وعقيمة من لعبة "البينغ بونغ". ولفت المتحدث إلى أنه "في جميع الدول الديمقراطية والمتقدمة هناك هذا الصنف من النقاشات، ولكن كل طرف يحافظ على استقلالية وحرية إنتاجه وتحليله للأرقام"، مبديا أمنيته بأن "لا تؤدي الضمانة الملكية التي مُنحت لمندوبية التخطيط إلى إغلاق الباب أمام إطلاق نقاش وطني حول صدقية وجودة المعطيات". وخلص الأستاذ الجامعي إلى أن المغرب بحاجة إلى "مؤسسات مستقلة من أجل إرساء نقاش بناء حول المؤسسات العمومية، وهذا يتطلب إلغاء احتكار المعلومة والبيانات والمعطيات في بلادنا، بهدف إتاحة الفرصة للباحثين والأكاديميين ليدلوا بكلمتهم" يؤكد الموساوي. وكان جدل قد اندلع أخيرا بين الحكومة والمندوبية السامية للتخطيط، جراء توقعات أعلنتها هذه الأخيرة بخصوص نسب النمو الاقتصادي لسنة 2014، وهو ما لم يرق للحكومة كثيرا، حيث هاجم الوزير محمد الوفا المندوب السامي للتخطيط، أحمد الحليمي، متهما إياه "بالإضرار بالمصالح الكبرى للبلد".