مسالكُ ضيقَة تجتازهَا العلاقات بين باريس والرباط، هذه الأيام، بعد استشعار المغربِ إساءةً منْ صديقٍ فوق العادة، بيد أنَّ القراءاتٍ تبدُو أكثر رحابةً، فِي تبصر ما إذَا كانَ الحليفان سيطويان الصفحة المزعجة على عجل، أمْ أنَّ الندوب لنْ تبرحَ ما وسمته، خلال الأسبوع الأخير، على إثر استدعاء المدير العام لمراقبة التراب الوطنِي، عبد اللطيف الحموشي، خارج أعراف الديبلوماسية، وإثارة السينمائي الإسباني، خافيير بارديم، بلبلةً بنسبة توصيفٍ مقذع، إلى سفير فرنسا لدى واشنطن. الأستاذ في العلاقاتِ الدوليَّة، الدكتور محمد تاج الدين الحسيني، يبسطُ فِي حديثٍ مع هسبريس، قراءتهُ للحادث الديبلوماسي الأخير بين البلدين، وعنْ مآلات الخلاف، الذِي حاولَ الرئيس الفرنسي، فرانسوا هولاند، أنْ يلطف من حدته، يومَ أمس، عبر مهاتفة الملك المغربِي، محمد السادس، الذِي يواصلُ جولته بدول القارة السمراء. خصومُ الصداقة المغربيَّة الفرنسيَّة كثُر يرى الدكتور الحسيني أنَّ تاريخ العلاقاتِ المغربيَّة الفرنسيَّة، لمْ يسلمْ دائما، من طفو إشكالاتٍ على السطح بين الفينة والأخرى، سيما أنَّ وضعية المغرب وفرنسا ليست بالعادية، بقدر ما تجسدُ شراكة جد عميقة تشملُ مناحيَ سياسيَّة واقتصاديَّة واجتماعيَّة، وبالتالِي فإنَّ ثمَّة تشابكًا كبيرًا في العلاقات بين الطرفين، وكلمَا زاد التشابك، إلَّا وكانت إمكانيَّة حصول رجاتٍ، من هذا النوع جد ممكنة، خاصةً أنَّ المغرب وفرنسا يوجدان في وضعيَّة يحسدان عليها، لأنَّ خصوم الوحدة الترابيَّة، أوْ خصوم الصداقة المغربيَّة الفرنسيَّة، "التشويش يتزايد، خصوصًا في المرحلة التي يقوم إبانها العاهل المغربي بزياراتٍ قويَّة إلى بلدانٍ إفريقيَّة". تبعًا لذلك، يقول المتحدث إنَّ هذا النوع من الأحداث التي تقع بهذا الشكل، هي في الحقيقة نوعٌ من التشويش على دور المغرب داخل إفريقيا، ومن جهة ثانية، على وضعيَّة المغرب في علاقته مع فرنسا، خاصة في وقتٍ جد حساس، مع اقتراب شهر أبريل، والإقبال على عرض ملف الصحراء مجددًا أمام مجلس الأمن، "ونحن نعلم جيدًا أنَّ فرنسا تدافعُ بشكلٍ قوِي عن الموقف المغربِي في تلك المنتديات". "أعتقد أنَّ التصريح المنسوب لسفير فرنسا في واشنطن، والذي وصف المغرب بأوصاف غير مقبولة على الإطلاق، إضافة إلى تقديم إحدى الجمعيَّات شكاية تضم شخصين في اتهامات ذات صلة بالتعذيب، وإقدام السلطات الفرنسية على توجيه استدعاء للمدير العام لمراقبة التراب الوطني، بكيفيَّة متعسفة من طرف سبعة أفراد شرطة، إلى مقر السفارة المغربيَّة في باريس، أمورٌ تضعنا أمام عددٍ من التجاوزات على المستوى الديبلوماسي، خاصة أنَّ الشخص المعني يتمتعُ بالحصانة الديبلوماسية في إطار اتفاقية فيينا". يردفُ الحسيني. مكالمَة هولاند..محاولة لتجاوز الأزمة الأكاديميُّ المغربي، يقرأُ في مهاتفة الرئيس الفرنسي، فرانسوَا هولاند، للملك المغربي محمد السادس، محاولةً لتجاوز الأزمة بطريقة ذكيَّة عن طريق فتح حوار ديبلوماسي، بني حكومتي الدولتين، حتى وإنْ كان الرئيس الفرنسي، يبقى ذا صلاحياتٍ محدودة، لأنَّ هناك مؤسسات تشتغلُ كما هو الشأنُ بالنسبة إلى مؤسسة القضاء، التي تتمتعُ باستقلاليتها. الأستاذ الحسيني يضيفُ أنَّ العلاقات المغربية الفرنسية، شأنها شأن العلاقات بين الشركاء، تمرُّ بفترات حرجة في بعض الأحيان، لكن الحكمة والتبصر والنظر إلى المستقبل بعينٍ واعدة، ربما يكون أحسن وسيلة لتجاوز هذا النوع من الأزمات، التي تبقى ذات طبيعة شكليَّة، وظاهريَّة وليستْ عميقة، بخلافِ ما قام حول قضيَّة المهدِي بن بركة، خلال عقد الستينات واستمرت لعدة عقود، وبالتالي فإنهَا سحابة صيفٍ عابرة، ولنْ تؤثر على عمق العلاقات. "أعتقد أنَّ الأزمة قد تكون أصبحت متجاوزةً، بعد المكالمة الهاتفية بين الرئيس الفرنسي والملك المغربي، حيث من المفترض أنْ تكون تعليماتٍ قدْ أعطيتْ للجهات المختصة للدخول في حوار مفتوح". يضيف الباحث. هل وضعَ المغربُ كلَّ بيضه في سلةِ فرنسا؟ المغرب لم يضع كل بيضه في سلَّة واحدة، وفقَ الحسيني، محيلًا إلى السنة الماضية، حين قدمت الإدارة الأمريكية مشروعًا ، أمام مجلس الأمن، "حيث لاحظنا تحركا قويا للديبلوماسية المغربيَّة، أتمنى أنْ يكون مستمرًا، من خلال فتح قنوات الحوار المعمق مع كل الأطراف، سيما جبهاتٍ قويَّة مع كلٍّ من روسيا، والصين، وتقوية الصلات بالبلدان الإفريقيَّة في الساحل وجنوب الصحراء". في ضرورة المحافظة على العلاقات تبعًا لما سلف، يشددُ الباحث على أنَّ فرنسا شريك متميز، لكونها المستمثر الأول، بالنظر إلى الحضور القوي لمخلفات الاستعمار الفرنسي في تكوين بنية العلاقات المغربية الفرنسية ومتابعتها، مما يجعلُ المغرب مدعوًا إلى أنْ يضع بيضه في عدة سلالٍ، من أجل تفادِي العمليَّات الحادَّة، لكن لا يمكنه في الوقت نفسه أن يضحي بعلاقاته مع شريكه، في الاستثمار والصناعة والتجارة والثقافة.