لأنَّ الفعل في العلاقات الديلوماسيَّة غالبًا ما يجيءُ مقرونًا بردِّ الفعل، ما كانتْ الحادثتان اللتان طفتا على سطح الرباطوباريس، مؤخرًا على إثرِ استدعاء المدير العام لمراقبة التراب الوطنِي، عبد اللطيف الحموشي، في العاصمة الفرنسية، للتحقيق في اتهاماتٍ ذات صلة بالتعذيب، زيادةً على نسبةِ تصريحاتٍ مقذعة في حق المغرب، إلى سفير فرنسا بنيويورك، جرارد أرو، من السينمائي الإسبانِي خافيير باردِيم، لتمضيَا دون اضطرار المغرب إلى الردٍّ على إساءةٍ ما كانَ ليتوقعهَا من حليفه التقليدي. الردُّ المغربي لمْ يتأخرْ، فوجدَ سفير فرنسا لدى الرباط، شارل فريس، نفسه مُستدعًى لتبليغ الاحتجاج الشديد إلى بلاده، بعدمَا اعتبر المغرب حضور سبعةٍ من أفراد الأمن إلى مقر سفارته خطوةً خطيرة وغير مسبوقة، ولأنَّ إساءَتيْ باريس تزامنتَا في وقتٍ واحد، فقدْ رأى التصريحاتِ المنسوبة إلى سفير فرنسا مشينة ومسيئة للمغاربة، نفتْ الخارجيَّة الفرنسيَّة أنْ يكون سفيرها قدْ ذكرها، وإنْ لمْ تنفِ لقاءهُ بباردِيم. ما بين البياناتِ الرسميَّة لحكومة عبد الله بنكيران في الرد على فرنسا، ومهاتفة الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، العاهل المغربي، وصولًا إلى تجمِيد كافَّة الاتفاقيات القضائيَّة، فِي رسالةٍ تشِي أنَّ المياه لمْ تبلغ بعد صفوها، أمورٌ تقود إلى التساؤل حول ما إذَا كان المغرب موفقًا فِي الردِّ على الإساءات بالطريقة اللازمة، أمْ أنَّ ارتباكًا شابَ ما صدرَ عنه من ردود فعل؟ السليمي: الخارجيَّة لا زالتْ تتدربُ على صياغة البيانات رئيس المركز المغاربِي للدراسات الأمنيَّة وتحليل السياسات، عبد الرحيم المنار السليمي، يبدي ملاحظةً يرى فيها أنَّ تدبير الأزمة مع فرنسا جاء موسومًا بتعدد الجهات المغربية في الرد، وكأننا أمام حكومات متعددة؛ مشيرًا إلى م صدر عنْ وزارة الخارجية وزارة العدل وزارة الاتصال، الأمر الذِي يظهر أنَّ مكونات الحكومة تعاني من خلل كبير في التواصل أثناء الأزمات، يقول السليمي "بالرغم من كون الأحداث كلها ذات صلة بفرنسا، إلَّا أنَّ كل طرفٍ أصدر بيانٍ في الشق الذي يهمه. أكثر من ذلك يوردُ السليمي أنَّ وزارة الخارجيَّة لا زالتْ تعوزها تقنياتُ التواصل، حيث إنها تصدرُ بياناتٍ على عجلٍ تفقدُ قيمتها بسرعة وسط الأحداث، مما يجعلها تخلقُ انشطاريَّة لدى الأطراف الأخرى كما لدى الرأي العام، "الأزمة أظهرتْ أيضًا أنَّ الخارجيَّة لا زالتْ تتدربُ على البيانات، فمضمون بياناتها ضعيفٌ وخطير يظهرُ أنَّها انفعاليَّة في بعض الأحيان، وغير قادرة على تشخيص الأحداث، وبناء الجواب المناسب". السليمي يسوقُ مثالًا عن الارتباك الحاصل، منْ الرد على استدعاء الحموشي، حيث ذهبت الخارجيَّة بشكلٍ مباشر إلى مناقشة المساطر ووصفها بالفجة، في الوقت الذِي كان يتوجب مناقشة قضيَّة المس بسيادة دولة وحصانة ديبلوماسييها على أرض دولة أجنبية، الأمر الذِي يكشف أنَّ لغة القانون الدولِي والديبلوماسي لا تزالُ بعيدةً عن بيانات الخارجيَّة. مشكل التواصل وضعف البيانات والبلاغات كما التصريحات، ينضافُ إليه ما يعتبره الأستاذ السليمي نوعا من الاحتشام في طلب توضيح صريح من الحكومة الفرنسية، رغم أن تصريح وبلاغ السفير المغربي، شكيب بنموسى، كان أكثر حرفية من تصريحات وبلاغات وزارة الخارجية والحكومة. بينما أنتجتْ وزارة العدل موقفا ذكيا في تدبير أزمة القضاء لم تكن تتوقعه فرنسا، عبرَ تعليق العمل بالاتفاقيات القضائية، الذي يأتي موقفًا متقدم في تاريخ تدبير وزارة العدل للأزمات مادام قد بني على حجج أحرجت السلطات القضائية في فرنسا وأثارت أمامها مبدأ المساواة. المتحدث ذاته يخلصُ في قراءة تدبير الأزمة مع فرنسا، إلى أن وزارة الخارجية أنتجت بلاغا قابلا للتعويم، وذلك بفعل صدوره بسرعة دون الانتباه إلى المسافة الزمنية الملائمة لتعبئة الرأي وخلق حالة الانتظارية لدى الفرنسيين، لكي ينتج البلاغ أو البيان أثره، حتَّى البلاغات والبيانات التي توالت أعطتْ الانطباع بأنها بدون مرجعية فهي بيانات سطحية. كما أنها لا تعكس، وفق الأستاذ بجامعة محمد الخامس، استنادهَا إلى نظرة أو مقاربة استراتيجية، تجعل البيان أو البلاغ أداة تواصلية يلمسُ فيه الصدور عن المغرب كدولة أمة، بخارجيَّة مطالبة بالانتباه الى شكل ومضمون بلاغاتها واختيار اللحظة المناسبة لإصدارها والحرفية الملائمة لتمرير خطابها عبر وساىل الاعلام، "إلى لحد الآن يبدو أَن وزارة الخارجية تشتغل على الصورة والحضور أكثر مما تشتغلُ على المضمون والأثر". البلعمشي: رد الفعل المغربِي كان عاطفيًّا مدير المركز المغربِي للديبلوماسية الموازية، وحوار الحضارات، عبد الفتاح البلعمشِي، يرى أن من الممكن وصف رد الفعل المغربي بالعاطفي والمبالغ فيه، "ظاهريًّا، يمكن قول ذلك، بالنظر إلى واقع الدولتين والتوازنات الدوليَّة، وبالنظر إلى تاريخ العلاقات السياسية والاقتصاديَّة، حيث إنَّ العودة إلى المواقف والتصريحات الرسمية الصادرة، يستشفُّ منها أنَّ المغرب يتوفر على معلومات تفيد بضلوع أطراف من خارج فرنسا في محاولة خلق أزمة ديبلوماسية بين البلدين. البلعمشِي يسوق مثالًا منْ لغة الاستنكار في بلاغ الناطق الرسمي باسم الحكومة حول التصريحات المنسوبة للسفير الفرنسي، بالحديث عنْ "حملة مغرضة ومنظمة ضد القضية المقدسة لجميع المغاربة، وأن "السينمائي الذِي سرب التصريحات للصحافة الفرنسيَّة "ممثل إسباني معروف بعدائه المفرط للوحدة الترابية للمملكة. التصعيد الأبرز في التوتر المغربِي الفرنسي، وفقَ البلعمشي، يبرزُ مع تعليق الحكومة العمل بالاتفاقيات الثنائيَّة ذات الصلة بالتعاون القضائي مع فرنسا، واعتبارها بدون جدوى لعدم إمكانية احترامها، مما يجب معه وقفها ريثما يتم تحيينها. "فإذا تأكدت فرضيَّة ارتباط الموضوع بتدخل غير مباشر للجزائر أوْ البوليساريُو، وهي الفرضيَّة الأرجح لدى الحكومة المغربيَّة، وقدْ يفسرها أيضًا تفهم الإدارة الفرنسيَّة لهذه المواقف والتصريحات من خلال اتصال الرئيس الفرنسي بملك المغرب، وكذا بالنظر إلى لهجة الديبلوماسية الفرنسية عقب الاحتجاج المغربي التي عبرت عن أسفها. عنْ تطور الديبلوماسية المغربيَّة، يقول الباحث نفسه، إنَّ الديبلوماسيَّة المغربيَّة بدأت تتبنى أسلوبًا في تدبير السياسة الخارجيَّة، يقومُ على عدم التساهل مع الأدوار غير المباشرة التي يضطلع بها المتدخلون في ملف الصحراء، سيما الجزائر، وذلك عبر تسليط الضوء بكل الوسائل على بعض التنظيمات والفعاليات المدنيَّة، التي تعتبرها صديقة للخصوم داخل الدول الوازنة، والتي يرى المغرب أنها تسخر خدماتها لأجندة أحادية التصور تجاه قضيَّة الصحراء ومعادية.