زيادة كبيرة في أرباح "نتفليكس" بفضل رفع أسعار الاشتراكات    كأس أمم إفريقيا لكرة القدم للسيدات.. المغرب يبلغ المربع الذهبي بفوزه على مالي    أخنوش: تنظيم مشترك لكأس العالم 2030 يسرع التحول الاستراتيجي للمغرب    المغرب يقسو على مالي بثلاثية ويبلغ نصف نهائي كأس أمم إفريقيا للسيدات    لقجع:كأس إفريقيا 2025 ومونديال 2030.. مقاربة إستراتيجية للبنيات التحتية والاستثمار تقوم على الاستمرارية من أجل إرث مستدام    الصيادلة يرفضون مرسوم سعر الأدوية.. وإضراب مرتقب يشمل صيدليات الناظور    تزاول عملها بالمغرب.. محامية متورطة في الاستفادة من المساعدات الاجتماعية ببلجيكا    حادث سير إثر انقلاب سيارة تقودها سيدة مقيمة بهولندا في منحدر بالحسيمة    القسام: جاهزون لمعركة استنزاف طويلة والاحتلال قتل جنودا حاولنا أسرهم    توقيف شخصين وحجز كميات من مخدر الشيرا        "لبؤات الأطلس" يهزمن مالي بثلاثية ويبلغن نصف نهائي كأس إفريقيا    رياض مزور يكشف التحول الصناعي نحو الحياد الكربوني    وليد كبير: بيان خارجية الجزائر ضد الاتحاد الأوروبي ليس أزمة عابرة.. بل تعرية لنظام يحتقر المؤسسات ويخرق القانون الدولي    مجلس المستشارين يعقد جلسة عامة سنوية يوم الثلاثاء المقبل    جمعية أبناء العرائش بالمجهر تتضامن و تنتقد تغييب المنهج التشاركي في تنفيذ مشروع الشرفة الأطلسية والمنحدر الساحلي بمدينة العرائش    إشارة هاتف تقود الأمن إلى جثة الطبيبة هدى أوعنان بتازة    انطلاق الموسم الصيفي لصيد الأخطبوط عقب فترة راحة بيولوجية    أخنوش: التنظيم المشترك لمونديال 2030 عامل تسريع لتحول استراتيجي للمغرب    ميناء الحسيمة : انخفاض طفيف في كمية مفرغات الصيد البحري خلال النصف الأول من العام الجاري    توقعات أحوال الطقس ليوم غد السبت    390 محكوما ب"الإرهاب" بالمغرب يستفيدون من برنامج "مصالحة"    إحداث أزيد من 6200 مقاولة مع متم ماي الماضي بجهة الشمال    اتحاديو فرنسا يرفضون إعادة إنتاج "الأزمة" داخل الاتحاد الاشتراكي    حرارة الصيف تشعل أسعار الدجاج وتحذيرات من الأسوأ    البيت الأبيض يكشف: ترامب مصاب بمرض مزمن في الأوردة الدموية    بأمر من المحكمة الجنائية الدولية.. ألمانيا تعتقل ليبيا متهما بارتكاب جرائم حرب وتعذيب جنسي    نادي الهلال السعودي يجدد عقد ياسين بونو حتى 2028    سقوط من أعلى طابق ينهي حياة شاب في طنجة    كيف يمكن للذكاء الاصطناعي مساعدة الكتاب والأدباء والإعلاميين وصناع المحتوى..    حزمة عقوبات أوروبية تستهدف روسيا        حرب خفية على المنتجات المغربية داخل أوروبا.. والطماطم في قلب العاصفة    اشتباكات بين عشائر ومقاتلين "دروز"    قاضي التحقيق يودع ثلاثة موظفين سجن عكاشة بملف سمسرة قضائية    ترامب يهدد صحيفة أمريكية بالقضاء    "أنا غني".. سجال هاشم يستعد لإشعال صيف 2025 بأغنية جديدة    مدينة تيفلت تفتتح سهرات المهرجان الثقافي الخامس بباقة موسيقية متنوعة    دراسة: الذكاء الاصطناعي يحول تخطيط القلب العادي إلى أداة فعالة لاكتشاف عيوب القلب الهيكلية        رحيل أحمد فرس.. رئيس "فيفا" يحتفي بالمسيرة الاستثنائية لأسطورة كرة القدم الإفريقية    افتتاح بهيج للمهرجان الوطني للعيطة في دورته ال23 بأسفي تحت الرعاية الملكية السامية        لوفيغارو الفرنسية: المغرب وجهة مثالية لقضاء عطلة صيفية جيدة    جيش الاحتلال الصهيوني يواصل مجازره ضد الفلسطينيين الأبرياء    بعد تشخيص إصابة ترامب بالمرض.. ماذا نعرف عن القصور الوريدي المزمن    "مهرجان الراي للشرق" بوجدة يعود بثوب متجدد وأصوات لامعة    سانشيز: "الهجرة تساهم بشكل إيجابي في الاقتصاد الإسباني"    البيت الأبيض يعلن إصابة ترامب بمرض مزمن    "حزب الكتاب" يدافع عن آيت بوكماز    وزير الثقافة يعزي في وفاة الفنانين الأمازيغيين صالح الباشا وبناصر أوخويا    وداعا أحمد فرس    دراسة تكشف العلاقة العصبية بين النوم وطنين الأذن    زمن النص القرآني والخطاب النبوي    "مدارات" يسلّط الضوء على سيرة المؤرخ أبو القاسم الزياني هذا المساء على الإذاعة الوطنية    التوفيق: معاملاتنا المالية مقبولة شرعا.. والتمويل التشاركي إضافة نوعية للنظام المصرفي    التوفيق: المغرب انضم إلى "المالية الأساسية" على أساس أن المعاملات البنكية الأخرى مقبولة شرعاً    التوفيق: الظروف التي مر فيها موسم حج 1446ه كانت جيدة بكل المقاييس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عقيدة بيغن: "حق إسرائيل في أن تملك وحدها السلاح النووي"
نشر في الأيام 24 يوم 13 - 07 - 2025

Getty Imagesمناحم بيغن وقع مع أنور السادات اتفاقية كامب ديفيد في سبتمبر أيلول 1978
يوم 18 أبريل نيسان 2025، نشرت صحيفة جيروسالم بوست الإسرائيلية مقالاً افتتاحياً، تدعو فيه حكومة، بنيامين نتنياهو، إلى "التحرك بمفردها إذا تطلب الأمر، لضرب المنشآت النووية الإيرانية، وتدميرها في أقرب وقت ممكن".
وقالت الصحيفة، في حضها للحكومة الإسرائيلية على شن الهجمات، التي وقعت فعلاً يوم 13 يونيو حزيران، إن "عقيدة بيغن، لا ينبغي أن تبقى مجرد حدث تاريخي في الذاكرة، وإنما لابد أن تكون سياسة تمارس في الواقع اليومي".
ما عقيدة بيغن، وماذا تعني؟
تنسب هذه العقيدة إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي مناحم بيغن ( 1977 إلى 1983). وهو زعيم صهيوني يميني. ولد عام 1913 في بيلاروسيا حالياً، ودرس في بولندا. ومات في تل أبيب عام 1992. ويعرف أكثر بتوقيعه اتفاق تطبيع العلاقات الدبلوماسية بين إسرائيل ومصر عام 1979.
ومنح بيغن جائزة نوبل للسلام، في عام 1978، مناصفة مع الرئيس المصري، أنور السادات، بعد توقيعهما على معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل.
وفي مطلع الثلاثينات من القرن الماضي، تولى بيغن قيادة منظمة مسلحة تعرف باسم، إيرغون. وهي منظمة يهودية متطرفة، تناهض الانتداب البريطاني، وتعادي العرب في فلسطين. وتدعو إلى إقامة دولة يهودية على ضفتي نهر الأردن.
* تسريبات نووية هزّت العالم: من تشيرنوبل إلى فوكوشيما
* ماذا نعرف عن معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية؟
وفي عام 1946، فجرت منظمة إيرغون، بقيادة مناحم بيغن، فندق الملك داوود في القدس. وقتل في العملية 91 شخصاً، بينهم جنود بريطانيون. وأصبح بيغن بعدها مطلوبا للسلطات الأمنية البريطانية بتهمة "الإرهاب". وعرضت بريطانيا مكافأة مالية لمن يقبض عليه.
وهاجمت مجموعة مسلحة، تابعة لمنظمة إيرغون، في 1948 قرية دير ياسين الفلسطينية، وقتلت فيها 100 شخص على الأقل. وكانت "مجزرة دير ياسين" من بين الأحداث الدامية، التي عجلت بنزوح الكثير من الفلسطينيين عن ديارهم، خوفاً على حياتهم.
أما عقيدته فتقوم على مبدأ استراتيجي مفاده بأن إسرائيل "لها الحق في منع أي دولة، تراها معادية، من الحصول على السلاح النووي". ويكون ذلك بضرب الأهداف، التي تحددها لهذا الغرض. وتوصف هذه العمليات العسكرية، في عقيدة بيغن، بأنها "دفاع استباقي عن النفس".
وعرض رئيس الوزراء الإسرائيلي عقيدته هذه أول مرة في 1981، بقوله: "لن نسمح لأي عدو بأن يطور أسلحة الدمار الشامل فيستعملها ضدنا". ومن أجل تحقيق ذلك، وضع أساساً أمنياً تلتزم به الدولة، وتتعهد فيه بشعار أن "ندافع عن شعبنا بكل الوسائل المتاحة لنا".
ويعتقد أنصار بيغن أن إسرائيل من "حقها ضرب الأهداف العسكرية، التي ترى فيها تهديداً محتملاً لأمنها". ويرون أيضاً أن "الضربات الاستباقية" من شأنها أن "تردع خصوم إسرائيل، وتجعلهم يترددون في تطوير الأسلحة النووية، مخافة أن تضربها إسرائيل".
وكان بيغن يحرص، في الترويج لعقيدته، على ربطها بالمحرقة اليهودية. وقال لتبرير الغارات الجوية على المنشأة النووية العراقية تموز في 1981، إن "محرقة أخرى كانت ستقع في تاريخ الشعب اليهودي"، لو أن إسرائيل لم تنفذ ضربتها.
Getty Imagesمفاعل ديمونا النووي الإسرائيلي بني بمساعدة فرنسية منذ خمسينات القرن الماضي
"القنبلة النووية الإسرائيلية"
Getty Imagesفيرنهر فان براون كان أبرز علماء الصواريخ النازية قبل أن يصبح رائدا في برامج تكنولوجيا الفضاء الأمريكية
لا يعرف أحد حجم الترسانة النووية الإسرائيلية. ولا يمكن لأحد أن يعرف بالتدقيق. فإسرائيل تنتهج سياسة التعتيم على هذا الملف. فلا تعترف ولا تنفي امتلاكها للأسلحة النووية. ولكن هذه المسألة أصبحت اليوم من الأسرار المكشوفة.
ففي عام 1999 نشر الباحث الإسرائيلي الأمريكي، أفنير كوهين، كتاباً بعنوان "إسرائيل والقنبلة". اعتمد فيه على آلاف الوثائق الحكومية الأمريكية والإسرائيلية، التي رُفعت عنها السرية. واستند على حوارات أجراها مع فاعلين في المشروع النووي الإسرائيلي.
وكشف الباحث أن إسرائيل أنتجت أول قنبلة نووية في عام 1967، يوماً واحداً قبل اندلاع حربها مع جيرانها العرب. وبدأ المشروع مع ديفيد بن غوريون، بإنشاء اللجنة الإسرائيلية للطاقة الذرية في 1952، بمساعدة من فرنسا، التي أمدتها بالتكنولوجيا المطلوبة.
ويقول الكاتب إن إسرائيل تكتمت على برنامجها النووي في الداخل والخارج، حتى لا تثير مخاوف جيرانها العرب. وأخفت حقيقته العسكرية حتى عن الإدارة الأمريكية، التي كانت وقتها قلقة بشأن انتشار أسلحة الدمار الشامل في العالم.
والواقع أن عقيدة بيغن تعود إلى مطلع ستينات القرن الماضي. فكانت إسرائيل تجتهد في تطوير الأسلحة النووية لنفسها. وتعمل في الوقت نفسه، بكل "الوسائل المتاحة لها"، على تدمير أي محاولة من جيرانها للحصول على هذه التكنولوجيا.
صواريخ عبد الناصر
في 2022، رفع الموساد السرية عن وثائق، عمرها 40 سنة، تكشف كيف تعقب جهاز الاستخبارات الإسرائيلي، عالماً ألمانياً وقتله في عام 1962. والسبب أنه كان يشرف على برنامج مصري، لتطوير صواريخ طويلة المدى، في عهد الرئيس جمال عبد الناصر.
وكان هانس كروغ من العلماء، الذين طوروا صناعة الصواريخ الألمانية في الحرب العالمية الثانية. وبعد سقوط النازية، تسابقت العديد من الدول لتوظيف هؤلاء العلماء والاستفادة من كفاءتهم وخبرتهم، في صناعاتها العسكرية، من بينها الولايات المتحدة وفرنسا.
ولعل أشهرهم ، فيرنر فان براون، الذي كان عضواً بارزاً في الحزب النازي، وفي جهاز مخابراته، ورائد صناعة الصواريخ الألمانية. ودفع التنافس مع الاتحاد السوفييتي بالولايات المتحدة إلى توظيف فان براون ليقود برامجها الصاروخية والفضائية في وكالة ناسا.
وأقنعت السلطات المصرية بدورها كروغ ومجموعة من زملائه العلماء بمساعدتها في تطوير الصواريخ وصناعتها محلياً. ووصلت المعلومات عن البرنامج المصري إلى إسرائيل، فاعتبرت ذلك تهديداً مباشراً لأمنها. وقررت، وفق وثائق الموساد، إيقافه بكل الوسائل.
وبدأت المهمة بتخويف العلماء وتهديدهم ليتركوا العمل مع الحكومة المصرية. وانتهت بالاختطاف والقتل. وتذكر وثائق الموساد أن تصفية كروغ تمت في غابة قريبة من ميونيخ، على يد عميل ألماني، متهم بجرائم الحرب، اسمه أوتو سكورزني.
وكان سكورزني، قبل أن يصبح عميلاً للموساد، عضواً في الحزب النازي، ومخابراته، ومن رجال زعيمه أدولف هتلر المقربين. ومنحه هتلر وسام الفارس الصليبي الحديدي، لأنه أنقذ في سبتمبر أيلول 1943 صديقه، بينيتو موسيليني، من السجن.
أوزيراك، مفاعل تموز العراقي
كانت فرنسا، التي زودت إسرائيل بالتكنولوجيا النووية بداية من الخمسينات، تسعى إلى موطئ قدم لها في المنطقة العربية بثروتها النفطية الهائلة. وأقامت باريس منذ الستينات علاقات متميزة مع بغداد، أثمرت عن صفقات مربحة لشركاتها، وعلى رأسها توتال.
ووقعت حكومة، جاك شيراك، في 1975 اتفاقاً مع حكومة، صدام حسين، تبني بموجبه فرنسا مفاعلاً نووياً للعراق. ولكن بناء مفاعل الماء الخفيف، الذي يستعمل حصراً لإنتاج الطاقة الكهربائية، حسب تأكيد المسؤولين الفرنسيين، لم ينطلق إلا بعد 4 سنوات.
وكان العراق انضم منذ 1970 إلى معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، التي تسمح له باستعمال التكنولوجيا النووية لإنتاج الطاقة الكهربائية. ولكن إسرائيل، التي لم توقع على المعاهدة إلى اليوم، كانت تنظر إلى نظام صدام حسين على أنه تهديد مباشر لأمنها.
"عمليات تخريبية مشبوهة"
تعثر إنجاز مشروع أوزيراك، بتسميته الفرنسية، أو مفاعل تموز، عند الحكومة العراقية، مرات عديدة، على الرغم من العلاقات المتميزة بين البلدين. وتعرض قبل انطلاقه إلى عراقيل و"عمليات تخريب" مشبوهة، لم يكشف فاعلها رسمياً إلى اليوم.
التزمت فرنسا بتزويد العراق بمركز للبحث النووي، وتدريب 600 مهندس عراقي. وفي أبريل نيسان 1979، كانت تجهيزات مفاعل تموز 1، في مخازن ميناء، لاسين سور مير، جنوب شرقي فرنسا، تنتظر شحنها إلى العراق. وكان معها 65 كيلو من اليورانيوم المخصب.
وفي ليل 5 إلى 6 أبريل نيسان وصلت مجموعة من الأشخاص، في هيئة سياح، على متن حافلة إلى مدينة تولون. وقصدوا الميناء. ونزل 5 منهم وتسلقوا الجدار. ووصلوا إلى المخازن، التي فيها تجهيزات المفاعل النووي، وثبوا فيها متفجرات تعمل بالتحكم عن بعد، وغادروا المكان.
وبعد دقائق، دمر الانفجار 60 في المئة من التجهيزات، وتسبب في خسائر قدرها 23 مليون دولار. وتأخر التسليم بذلك سنة كاملة. ولم تسفر التحقيقات الفرنسية عن شيء. ولكن مهندساً إسرائيلياً أكد لصحيفة هآرتس، في 2021، مسؤولية الموساد عن تلك التفجيرات.
BBCالمسار التقريبي للطائرات الإسرائيلية التي أغارت على مفاعل تموز النووي العراقي عام 1981
وفي صباح يوم 14 يونيو حزيران 1980، عثرت عاملة التنظيف، بفندق مريديان في باريس، على نزيل مقتول في غرفته. كان المهندس المصري، يحيى المشد، يبلغ من العمر 48 عاماً، ومن أبرز علماء الذرة في العالم العربي وقتها.
كلفته وكالة الطاقة الذرية العراقية بتمثليها في التواصل مع المسؤولين الفرنسيين. وكان يفترض أن يستلم منهم، في اليوم التالي، تجهيزات ومواد علمية ينقلها إلى العراق. ولم تكشف التحقيقات الأمنية الفرنسية، مرة أخرى، عن هوية القاتل أو الجهة المسؤولة عنه.
وبعد أيام من اندلاع الحرب العراقية الإيرانية، أغارت طائرات فانتوم 4 الإيرانية، في سبتمبر أيلول 1980، على مجمع التويثة للبحث النووي، في بغداد. ولكن الهجمات أصابت البناية من الخارج، ولم تتسبب في أي خسائر بالمنشأة نفسها.
أول غارة على مفاعل نووي
واصل العراقيون إنجاز مشروعهم بالتعاون مع الفرنسيين. وكان يفترض أن يبدأ المفاعل في العمل، وفق تقارير الاستخبارات الإسرائيلية، في سبتمبر أيلول 1981. ويعتقد أن إسرائيل حددت يوم 10 مايو أيار 1981 لضرب المنشأة العراقية. وتزامن ذلك مع الانتخابات الرئاسية في فرنسا.
ولكن زعيم المعارضة وقتها، شيمون بيريز، طلب من بيغن تأجيل الضربة، حتى لا تفسد أخبارها عرس الانتخابات على صديقه الحميم الرئيس، فرانسوا متيران. وتقرر تنفيذها يوم 7 يونيو حزيران، الذي يصادف ذكرى حرب الستة أيام 1967، بين إسرائيل وجيرانها العرب.
في منتصف نهار 7 مايو أيار 1981، أقلعت 8 مقاتلات أف 16 إسرائيلية مدعومة بطائرات اعتراضية أف 15 من قاعدتها في سيناء المصرية، التي كانت تحتلها إسرائيل. وعبرت الأجواء الأردنية والسعودية إلى الأجواء العراقية، دون أن ترصدها الرادارات.
وحلقت على ارتفاع 30 متراً فوق مجمع التويثة في بغداد، وأطلقت عليه صواريخها، فدمرت مفاعل أوزيراك - تموز تماماً. حدث كل ذلك في دقيقتين من الزمن. وعادت الطائرات الإسرائيلية إلى قواعدها سالمة. ولم تنتبه لها الدفاعات الجوية في عودتها أيضاً.
لم يعلن العراق عن الهجوم إلا بعد 24 ساعة من وقوعه، عندما صرحت به إسرائيل. وقالت في بيان إن: "القنبلة الذرية، التي كان بمقدور ذلك المفاعل إنتاجها، بحجم قنبلة هيروشيما. ويعني هذا أنه كان خطراً قاتلاً، يتطور ليهدد شعب إسرائيل".
وأثارت الغارات الإسرائيلية، التي قتل فيها 10 عراقيين وفرنسي واحد، تنديداً دولياً واسعاً، لأنها كانت أول هجوم على مفاعل نووي. وأدان مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الهجوم بالإجماع، دون أن تعترض الولايات المتحدة على القرار.
وبعد أسبوعين من الهجوم على المنشأة العراقية، اعترفت إسرائيل، لأول مرة، بأنها تملك القدرة على إنتاج القنبلة النووية. ثم كشف الخبير الإسرائيلي، مردخاي فعنونو، في 1986 مشاركته، منذ السبعينات، في برامج إسرائيلية سرية لإنتاج الأسلحة النووية.
"اليورانيوم الفرنسي المغشوش"
بعد أربعين سنة، كشفت وثائق أمريكية، رفعت عنها السرية في 2021، أن الفرنسيين طمأنوا الأمريكيين في اجتماع يوم 25 يوليو تموز 1980 في باريس بأن مفاعل أوزيراك تموز لا يمكنه أن ينتج الأسلحة النووية نظراً لتصميمه، وبسبب نوعية المادة، التي تسلمها فرنسا للعراق.
وأكد الفرنسيون في الاجتماع أن تصميم المفاعل العراقي لا يسمح بإنتاج الوقود للقنبلة النووية. وكان المهندسون الفرنسيون يغيرون سراً التركيبة الكيميائية لليورانيوم، الذي يسلمونه للعراقيين، بطريقة تجعله غير صالح تماماً لإنتاج الأسلحة النووية.
"مفاعل الكبر" في سوريا
Reutersصورة للمفاعل النووي السوري المزعوم الذي استهدفته إسرائيل في 2007
وفي العاشرة والنصف ليلاً من يوم 5 سبتمبر أيلول 2007، انطلقت طائرات أف 16 مصحوبة بطائرات أف 15 من جنوب إسرائيل، باتجاه دير الزور في سوريا. وأغارت هناك على مجمع قالت إسرائيل إنه "مشروع مفاعل نووي تبنيه سوريا بمساعدة خبراء من كوريا الشمالية".
ولم تعترف إسرائيل بالهجوم، الذي قتل فيه عشرات السوريين، إلا في 2018. وكتب الرئيس الأمريكي، جورج بوش الابن، في مذكراته إنه رفض طلب رئيس الوزراء الإسرائيلي، إيهود أولمرت، بضرب المفاعل السوري المزعوم، "دون إعلان المبررات".
ولكن أولمرت رد عليه، حسب المستشار الأمريكي، إليوت أبراهامز: "إذا لم تتحركوا لضرب المفاعل، فإننا سنفعل بمفردنا". وقال في 2018: "عندما اكتشفنا وجود مفاعل نووي في سوريا. قررنا على الفور أن ندمره. يستحيل أن نقبل به على حدودنا".
وأثنت جيروسالم بوست على موقف أولمرت ووصفته بأنه يترجم عقيدة بيغن، التي ينبغي أن يلتزم بها نتنياهو في تعامله مع إيران. وقالت "إن الذين حذروه من رد سوريا في 2007، كانوا على خطأ. فسوريا لم ترد، مثلما لم يرد العراق في 1981".
"القنبلة النووية الإسلامية"
عندما أجرت الهند أول تفجير نووي في مايو أيار 1974، قررت باكستان الحصول على القنبلة النووية بأي ثمن. وينقل عن الرئيس، ذو الفقار علي بوتو، قوله بشأن ذلك: "سنأكل العشب ونحصل عليها". وتحقق طموح بلاده في مايو أيار 1998، على يد العالم النووي، عبد القادر خان.
وتعتقد باكستان أن إسرائيل سعت منذ السبعينات إلى إفشال برنامجها النووي. فقد تعرضت الشركات الأوروبية، التي كان عبد القادر خان يتعامل معها لتمويل مشروعه، إلى هجمات مشبوهة. وتعرض خان نفسه إلى مضايقات وتهديدات بقتله.
وذكر الجنرال الباكستاني، فيروز حسن خان، في كتابه "نأكل العشب"، أن باكستان كانت متخوفة من هجوم هندي إسرائيلي على منشأة كاهوتا النووية الباكستانية. ويعتقد أن الأمريكيين هم الذين نبهوا الحكومة الباكستانية إلى الأمر في 1984.
وللتعبير عن قلقه من البرنامج النووي الباكستاني، كتب بيغن رسائل إلى قادة الدول العظمى، من بينها رسالة بعث بها في مايو أيار 1979 إلى رئيسة الوزراء البريطانية، مارغريت ثاتشر، يطالب فيها بمنع الشركات البريطانية من تمويل باكستان بالمواد والتكنولوجيا النووية.
وطمأنته ثاتشر في ردها يوم 19 يونيو حزيران 1979 بأن حكومتها ملتزمة بذلك. ولكنها نبهته إلى أن إسرائيل مطالبة هي الأخرى "بتجنب نشر الأسلحة النووية في الشرق الأوسط". وأضافت أن "إسرائيل وجميع الدول الأخرى مطالبة باحترام معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية".
Getty Imagesوزير الدفاع الإسرائيلي موشي ديان يعتقد أنه اقترح استعمال السلاح النووي في حرب 1973
"برنامج السعودية النووي"
عبّر ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان منذ 2018، عن عزم بلاده على امتلاك التكنولوجيا النووية. وقال لقناة فوكس نيوز الأمريكية، في 2023: "نحن قلقون من أي دولة تمتلك القنبلة النووية. وإذا نجحت إيران في تطوير قنبلة نووية، فإننا سنحصل على واحدة".
وحسب تقرير نشرته نيويورك تايمز، فإن السعودية اشترطت في مفاوضاتها مع الولايات المتحدة لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، مساعدتها في تطوير برنامجها النووي. ولكن إسرائيل رفضت هذا الشرط، كما اعترض عليه أنصار، جو بايدن، في الكونغرس.
وتصطدم عقيدة بيغن و "حق إسرائيل" في منع أعدائها من الحصول على الأسلحة النووية، مع "حق دول المنطقة المماثل"، في منع أعدائها أيضاً من الحصول على الأسلحة النووية. وهو ما عبر عنه ولي العهد السعودي بقوله: "نحن قلقون من أي دولة تمتلك القنبلة النووية".
وأكد على ذلك مدير المخابرات السعودي السابق، تركي الفيصل، في مقال أثار تفاعلاً واسعاً على مواقع التواصل الاجتماعي. ويدعو تركي الفيصل الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، "من باب العدل، إلى تدمير المفاعل النووي الإسرائيلي ديمونا، مثلما قصفت طائراته المنشآت النووية الإيرانية".
ويتسع الاعتقاد في الغرب، بين المثقفين والحقوقيين وخبراء الطاقة النووية، بأن الغارات الإسرائيلية الأمريكية على المنشآت النووية الإيرانية قد تزيد من إصرار النظام على تطوير السلاح النووي. وهو ما يدفع بمنطقة الشرق الأوسط إلى مواجهة نووية مدمرة.
سلاح "لإبادة البشرية وتدمير الأرض"
Getty Imagesمدينة هيروشيما اليابانية بعد إلقاء القنبلة النووية عليها
تذكر الحملة الدولية لمنع الأسلحة النووية أن رأساً نووياً واحدًا يمكنه أن يقتل مئات الألاف من البشر في لحظة واحدة. ويتسبب في أضرار فادحة للإنسان والبيئة. وقد يصل عدد ضحايا تفجير نووي واحد على مدينة، مثل نيويورك، إلى أكثر من 583 ألف قتيل.
وتملك الصين وفرنسا والهند وإسرائيل وكوريا الشمالية وباكستان وروسيا وبريطانيا والولايات المتحدة، مجتمعة أكثر من 12300 رأس نووي. قوة رأس واحد منها أكبر وأكثر فتكاً من القنبلة، التي ألقتها الولايات المتحدة على مدينة هيروشيما، في اليابان.
الدولة النووية الوحيدة
والدولة الوحيدة، التي تملك السلاح النووي في الشرق الأوسط، هي إسرائيل. أما تركيا فتؤوي أسلحة نووية أمريكية على أراضيها، ولكنها لا تملكها ولا تتصرف فيها. وتخزن الولايات المتحدة رؤوساً نووية، في بلدان أخرى هي بلجيكا وألمانيا وهولندا.
أما روسيا فلها رؤوس نووية مخزنة في بلاروسيا المجاورة. وهناك دول أخرى لا تملك أسلحة نووية، ولا تؤويها على أراضيها، ولكنها توافق، بحكم معاداتها وتحالفاتها العسكرية، على تخزين الأسلحة النووية، أو مرورها أو إطلاقها من أراضيها.
كل هذه الدول، فضلاً عن 9 دول تمتلك أسلحة نووية، و6 دول أخرى تخزنها في أراضيها، موافقة على تفجير القنبلة النووية، في أي نزاع عسكري. وهددت روسيا مراراً باستعمال مقدراتها النووية التكتيكية في نزاعها مع الغرب، بشأن حربها في أوكرانيا.
ولكن الولايات المتحدة هي الدولة الوحيدة في العالم، حتى الآن، التي استعملت السلاح النووي. وألقت في 1945 قنبلة أولى على مدينة هيروشيما في اليابان، فقتلت 140 ألف شخص. ثم استهدفت قنبلة ثانية مدينة ناغازاكي بقنبلة ثانية، فقتلت 80 ألف إنسان في لحظة واحدة.
ضربة "يوم القيامة"
يذكر الباحث الإسرائيلي، أفنير كوهين، أن إسرائيل كانت مرتين على وشك استعمال السلاح النووي، في حربها مع جيرانها العرب. المرة الأولى كانت في حرب 1967، عندما أراد القادة الإسرائيليون توجيه رسالة إلى مصر والدول العظمى بأنهم يملكون "سلاح يوم القيامة".
وعندما فشل الهجوم الإسرائيلي المضاد على القوات المصرية في 1973، اقترح وزير الدفاع، موشي ديان، الخيار النووي يومي 9 و17 أكتوبر. ويبدو أن رئيسة الوزراء غولدا مائير وافقت، على إخراج صواريخ أريحا وتركيب الرؤوس النووية عليها، ثم تراجعت في آخر لحظة.
وحسب تقديرات الحملة الدولية للقضاء على الأسلحة النووية فإن روسيا تتصدر دول العالم من حيث عدد الرؤوس النووية بحوالي 5449 رأساً. وتليها الولايات المتحدة بحوالي 7277 رأساً، من بينها 20 رأسا تخزنها في منطقة الشرق الأوسط بتركيا.
وتقدر الحملة الدولية مقدرات إسرائيل النووية بعدد 90 رأساً على الأقل، ولا تفصح إسرائيل عن الأرقام الحقيقية. ولا تخضع لرقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وهذا يجعل منطقة الشرق الأوسط مخزناً لأكثر من 110 رؤوس نووية، تحت تصرف إسرائيل والولايات المتحدة.
66 مليون شخص مهددون بالإبادة
ويمكن لهذه الرؤوس النووية إذا فُجرت كلها، حسب الخبراء العسكريين، أن تبيد 66 مليون إنسان في لحظات. ويعني هذا أنها ستقضي تماماً على سكان سوريا والأردن وإسرائيل وفلسطين مجتمعين، فلا تبقي منهم أحداً. أو تقضي على 80 في المئة من سكان تركيا أو إيران.
وتملك إسرائيل والولايات المتحدة قوة نووية عسكرية مخزنة في الشرق الأوسط، بإمكانها إبادة سكان الجزائر وتونس وليبيا وموريتانيا، مجتمعين، أو القضاء على سكان السعودية ودول الخليج العربية الأخرى كلها، وفق تقديرات الحملة الدولية للقضاء على الأسلحة النووية.
أما إذا اندلعت حرب نووية مباشرة بين روسيا والولايات المتحدة فإنها ستؤدي إلى هلاك مئات الملايين من البشر. وتسبب الإشعاعات في تزايد الأمراض والتشوهات الخلقية. ويؤدي تدمير البيئة إلى مجاعة عالمية تمس المليارات من البشر على وجه الأرض.
* فرنسا وبريطانيا تعلنان لأول مرة عن تنسيق جديد في "الردع النووي" لحماية أوروبا، فما هو؟
* بعد حديث ترامب عن إعادة برنامج طهران النووي عقوداً للوراء، "البنتاغون" تقدّر المدة بقرابة عامين
* تركي الفيصل يدعو ترامب إلى تدمير المفاعل النووي الإسرائيلي كما فعل مع إيران


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.