مع كل تطور جديد في ملف الدولي المغربي أشرف حكيمي، تتسع المسافة بين الرواية القضائية وبين التسريبات الإعلامية، ويزداد الانقسام بين من يرى في القضية مجرد ابتزاز واستغلال للنجم المغربي وبين من يصرّ على ضرورة حماية حقوق النساء، مهما كانت هوية المتهم.. لكن مع الكشف المتتالي عن الرسائل النصية والمواقف المتناقضة والشهادات المتضاربة، لم يعد السؤال عن الإدانة أو البراءة فقط؛ بل عن حدود المصداقية في زمن العواطف المتأججة والتسرّع في إطلاق الأحكام. التحقيق الذي نشرته صحيفة "ليكيب" واسعة الانتشار ألقى حجارة ثقيلة في بركة السردية الأولى. فبالإضافة إلى الرسائل التي تبادلتها المشتكية مع صديقتها ليلة اللقاء، والتي توحي بخلفيات تتجاوز "العفوية"، تبيّن أن جزءًا من هذه الرسائل قد تم حجبه عن الشرطة، قبل أن يُكشف لاحقًا في محاضر الاستماع إلى الصديقة. عبارات من قبيل: "سوف نذهب لابتزازه" و"اذهبي بأسلوب المرأة الفاتنة" و"حاولي أن تحصلي على الكود" فتحت الباب أمام فرضية وجود نية مبيتة لاستدراج اللاعب؛ وهو ما دفع محامية حكيمي منذ سنة 2023 إلى الحديث عن "محاولة ابتزاز ممنهجة". الأكثر إثارة في التحقيق كان الكشف عن رسائل أخرى، أرسلتها المشتكية قبل ساعات فقط من اللقاء، تحدثت فيها عن "تدبير الخطة" بشكل ساخر، ثم توصيف العلاقة المرتقبة بأنها "مغامرة مثيرة"؛ وهو ما يتناقض مع الصورة التي رسمتها لاحقًا في المحضر، ويزيد من حدة التباين بين الرسائل الهاتفية وبين محاضر الشرطة. في موازاة ذلك، أدلى كيليان مبابي، النجم الفرنسي وصديق حكيمي، بشهادته أمام الشرطة، مؤكدًا أن زميله لطالما كان "محترمًا مع النساء"، وأنه لم يسبق له – حتى في لحظات اللهو – أن تجاوز حدوده. وأضاف: "حتى حين كنت غائبًا، لم يصلني يومًا أن حكيمي تصرف بطريقة جارحة تجاه أية امرأة"، مشيرًا إلى أن هذا الموضوع لطالما شكّل محورًا للنقاش بينهما، في ظل تعقيدات الشهرة. أما من الناحية النفسية، فقد أجريت للمشتكية خبرتان متتاليتان. الأولى اعتبرت أن روايتها "صادقة في ظاهرها"؛ لكنها افتقرت إلى دلائل اضطراب نفسي، أو مؤشرات صدمة متوقعة في حالات الاعتداء. الخبيرة ذاتها سجّلت ملاحظة دقيقة: "اللغة التي تستخدمها المشتكية لا تعكس خطاب ضحية لاعتداء جنسي؛ بل خطاب امرأة شعرت بعدم التقدير أو بانعدام الاحترام". الخبيرة الثانية أضافت أن "التصور الذهني الذي كانت تحمله الفتاة عن اللقاء اصطدم بعدم تجاوب الطرف الآخر مع نواياها المفترضة"، في تعبير يوحي بأن سوء التفاهم، لا الإكراه، كان محور التوتر بين الروايتين. وسط هذه التفاصيل المتضاربة، لا يزال الملف مفتوحًا، والقضاء لم يُصدر قراره بعد؛ لكن الأكيد هو أن الصورة النمطية الجاهزة تنهار واحدة تلو أخرى. بدءا من البلاغ الشفهي دون شكوى، مرورا بتردد المشتكية، وليس انتهاء بتضارب شهاداتها وحجب بعض الأدلة... كلها معطيات تجعل الإدانة الفورية أمرًا محفوفًا بالشكوك، لا سيما في ظل ما وصفه الدفاع ب"فراغ الدليل الطبي" وغياب أي شاهد مباشر أو خبرة نفسية قاطعة. قضية أشرف حكيمي تتجاوز واقعة بعينها؛ إنها مرآة لحالة عامة باتت فيها الشخصيات العامة رهينة حكم مسبق، تصدره شبكات اجتماعية لا تعرف التدرج ولا تفهم الشك المشروع. فأن يكون اللاعب نجمًا لا يعني أن يكون مذنبًا أو بريئًا؛ لكنه يعني حتمًا أن معركته في ساحات القضاء لا تخلو من طعنات خارج النص. إن ما يُطالب به اليوم ليس طمس القضية، ولا طيّ الملف؛ بل احترام شروط المحاكمة العادلة كما تنص عليها القوانين الفرنسية والاتفاقيات الأوروبية، واحترام مبدأ قرينة البراءة لا كامتياز للنخبة، بل كحق أصيل لأي فرد. قد ينتهي الملف إلى إدانة، أو يُطوى بقرار براءة؛ لكن ما سيبقى عالقًا هو سؤال النزاهة الإجرائية، وسؤال آخر لا يقل أهمية: هل باتت وسائل التواصل الاجتماعي سلطة فوق العدالة؟