تغير المناخ أدى لنزوح ملايين الأشخاص حول العالم وفقا لتقرير أممي    انخفاض طلبات الإذن بزواج القاصر خلال سنة 2024 وفقا لتقرير المجلس الأعلى للسلطة القضائية    مباحثات تجمع العلمي ونياغ في الرباط    أخنوش: تنمية الصحراء المغربية تجسد السيادة وترسخ الإنصاف المجالي    "أسود الأطلس" يتمرنون في المعمورة    الأحزاب السياسية تشيد بالمقاربة التشاركية للملك محمد السادس من أجل تفصيل وتحيين مبادرة الحكم الذاتي    رفض البوليساريو الانخراط بالمسار السياسي يعمق عزلة الطرح الانفصالي    تنصيب عمر حنيش عميداً جديدا لكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية السويسي بالرباط    الرايس حسن أرسموك يشارك أفراد الجالية أفراح الاحتفال بالذكرى 50 للمسيرة الخضراء    أخنوش يستعرض أمام البرلمان الطفرة المهمة في البنية التحتية الجامعية في الصحراء المغربية    أخنوش: الحكومة تواصل تنزيل المشروع الاستراتيجي ميناء الداخلة الأطلسي حيث بلغت نسبة تقدم الأشغال به 42 في المائة    إطلاق سراح الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي وإخضاعه للمراقبة القضائية    تداولات بورصة البيضاء تنتهي "سلبية"    المعارضة تقدم عشرات التعديلات على مشروع قانون المالية والأغلبية تكتفي ب23 تعديلا    رسميا.. منتخب المغرب للناشئين يبلغ دور ال32 من كأس العالم    ندوة حول «التراث المادي واللامادي المغربي الأندلسي في تطوان»    مصرع شخص جراء حادثة سير بين طنجة وتطوان    أمن طنجة يُحقق في قضية دفن رضيع قرب مجمع سكني    نادية فتاح العلوي وزيرة الاقتصاد والمالية تترأس تنصيب عامل إقليم الجديدة    كرة أمم إفريقيا 2025.. لمسة مغربية خالصة    "حماية المستهلك" تطالب بضمان حقوق المرضى وشفافية سوق الأدوية    المنتخب المغربي لأقل من 17 سنة يضمن التأهل إلى الدور الموالي بالمونديال    انطلاق عملية بيع تذاكر مباراة المنتخب الوطني أمام أوغندا بملعب طنجة الكبير    المجلس الأعلى للسلطة القضائية اتخذ سنة 2024 إجراءات مؤسسية هامة لتعزيز قدرته على تتبع الأداء (تقرير)    لجنة الإشراف على عمليات انتخاب أعضاء المجلس الإداري للمكتب المغربي لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة تحدد تاريخ ومراكز التصويت    "الإسلام وما بعد الحداثة.. تفكيك القطيعة واستئناف البناء" إصدار جديد للمفكر محمد بشاري    صحة غزة: ارتفاع حصيلة شهداء الإبادة الإسرائيلية في قطاع غزة إلى 69 ألفا و179    تقرير: احتجاجات "جيل زد" لا تهدد الاستقرار السياسي ومشاريع المونديال قد تشكل خطرا على المالية العامة    تدهور خطير يهدد التعليم الجامعي بورزازات والجمعية المغربية لحقوق الإنسان تدق ناقوس الخطر    تلاميذ ثانوية الرواضي يحتجون ضد تدهور الأوضاع داخل المؤسسة والداخلية    ليلى علوي تخطف الأنظار بالقفطان المغربي في المهرجان الدولي للمؤلف بالرباط    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الثلاثاء    ألمانيا تطالب الجزائر بالعفو عن صنصال    باريس.. قاعة "الأولمبيا" تحتضن أمسية فنية بهيجة احتفاء بالذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء    82 فيلما من 31 دولة في الدورة ال22 لمهرجان مراكش الدولي للفيلم    قتيل بغارة إسرائيلية في جنوب لبنان    200 قتيل بمواجهات دامية في نيجيريا    رئيس الوزراء الاسباني يعبر عن "دهشته" من مذكرات الملك خوان كارلوس وينصح بعدم قراءتها    الإمارات ترجّح عدم المشاركة في القوة الدولية لحفظ الاستقرار في غزة    الحكومة تعلن من الرشيدية عن إطلاق نظام الدعم الخاص بالمقاولات الصغيرة جداً والصغرى والمتوسطة    برشلونة يهزم سيلتا فيغو برباعية ويقلص فارق النقاط مع الريال في الدوري الإسباني    مكتب التكوين المهني يرد بقوة على السكوري ويحمله مسؤولية تأخر المنح    إصابة حكيمي تتحول إلى مفاجأة اقتصادية لباريس سان جيرمان    الدكيك: المنتخب المغربي لكرة القدم داخل القاعة أدار أطوار المباراة أمام المنتخب السعودي على النحو المناسب    العالم يترقب "كوب 30" في البرازيل.. هل تنجح القدرة البشرية في إنقاذ الكوكب؟    لفتيت: لا توجد اختلالات تشوب توزيع الدقيق المدعم في زاكورة والعملية تتم تحت إشراف لجان محلية    ساعة من ماركة باتيك فيليب تباع لقاء 17,6 مليون دولار    دراسة تُفنّد الربط بين "الباراسيتامول" أثناء الحمل والتوحد واضطرابات الانتباه    وفاة زغلول النجار الباحث المصري في الإعجاز العلمي بالقرآن عن عمر 92 عاما    الكلمة التحليلية في زمن التوتر والاحتقان    الدار البيضاء: لقاء تواصلي لفائدة أطفال الهيموفيليا وأولياء أمورهم    وفاة "رائد أبحاث الحمض النووي" عن 97 عاما    سبتة تبدأ حملة تلقيح جديدة ضد فيروس "كورونا"    دراسة: المشي يعزز قدرة الدماغ على معالجة الأصوات    بينهم مغاربة.. منصة "نسك" تخدم 40 مليون مستخدم ومبادرة "طريق مكة" تسهّل رحلة أكثر من 300 ألف من الحجاج    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    حِينَ تُخْتَبَرُ الْفِكْرَةُ فِي مِحْرَابِ السُّلْطَةِ    أمير المؤمنين يأذن بوضع نص فتوى الزكاة رهن إشارة العموم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سبعة قوانين قرآنية في الانتصار والانكسار
نشر في هوية بريس يوم 17 - 09 - 2021

القرآن الكريم مرجعية المسلمين الشاملة العليا، وهوكتاب هداية وعقيدة وإرشاد، ودستور الله الشارح للكون، المفسر للوجود، الشامل للحياة، المستوعب للوقائع والأحوال والمجتمعات، لم يترك ظاهرة اجتماعية إلا غطاها، ولا وضعا نفسيا إلا عالجه، ولا واقعا ثقافيا إلا واكبه، بالبيان والتوجيه، وبالتقويم والتصحيح.
والمحور الاجتماعي من أهم وأخطر المحاور الموضوعية في القرآن الكريم، وهو محور يزخر بما لا يحصى من سنن الله في الاجتماع البشري، وقوانينه في الأنفس والمجتمعات، في أحوالها المختلفة، وأوضاعها المتباينة، قوة وضعفا، استقامة وانحرافا، صعودا وهبوطا، انتصارا وانكسارا.
وفي هذه العجالة المناسبة لمقامها، سنقف مع بعض من تلك السنن والقوانين، نعرض لها بنوع من الإيجاز، ونستدل بها على الباقي، مما لا يتسع المقام لذكره والتفصيل فيه:
القانون الأول: النصر توفيق وتيسير من الله:
ومفاده أن النصر لا يكون بعدد ولا عدة، ولا بقدرات وإمكانيات، وإن كان الاجتهاد في ذلك وإعداد المستطاع منه واجبا شرعيا وضرورة اجتماعية، عملا بقوله تعالى: ﴿وَأَعِدُّوا۟ لَهُم مَّا 0سۡتَطَعۡتُم مِّن قُوَّة وَمِن رِّبَاطِ 0لۡخَيۡلِ تُرۡهِبُونَ بِهِۦ عَدُوَّ 0للَّهِ وَعَدُوَّكُمۡ﴾ الأنفال: 60، النصر عطاء ومنة من الله، لمن استكمل شروط النصر القلبية والعملية، الواردة في قوله تعالى: ﴿يَٰۤأَيُّهَا 0لَّذِينَ ءَامَنُوۤا۟ إِن تَنصُرُوا۟ 0للَّهَ يَنصُرۡكُمۡ وَيُثَبِّتۡ أَقۡدَامَكُمۡ﴾محمد: 8.

القانون الثاني: استحقاق النصر مشروط باستيفاء شروطه:
قال عز من قائل في محكم التنزيل:﴿يَٰۤأَيُّهَا 0لَّذِينَ ءَامَنُوۤا۟ إِن تَنصُرُوا۟ 0للَّهَ يَنصُرۡكُمۡ وَيُثَبِّتۡ أَقۡدَامَكُمۡ﴾محمد: 8.: والمعنى حسب المفسرين: أن نصرة الله إنما تكون بلزوم طاعة الله، وتمثل شرعه، عقائد وأخلاقا، قيما وتشريعات، أحكاما ومقاصد، على المستوى القلبي والعملي على حد سواء، وما يستوجبه ذلك من امتلاك لأنواع من الفقه: كفقه الدين، وفقه الواقع، وفقه التنزيل، وفقه الموازنات والأولويات والمآلات، ذلك أنه لا عمل صحيح، ولا تمثل قويم، ولا تطبيق سليم، بغير علم صحيح، وفقه دقيق عميق، يجمع بين الشرع والواقع، ويفقه مناطات تنزيل شرع الله، ويحسن ترتيب الأعمال والواجبات، والموازنة بين المصالح والمفاسد، ويجيب استشراف المآلات وتوقع النتائج والعواقب.
القانون الثالث: العوامل الذاتية أقوى أثرا من العوامل الموضوعية في صناعة الانتصارات والانكسارات:
يقول سبحانه في بيان أسباب النكسات والانكسارات: (أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّىٰ هَٰذَا ۖ قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) آل عمران: 165: والمعنى أن السبب الرئيس للأزمات والنكسات، أسباب ذاتية، وأوضاع داخلية، تعبر عن خلل تصوري، أو انحراف قلبي، أو فساد عملي، يقع فيه الأفراد والجماعات البشرية على حين غرة، وقد لا ينتبه إلى تداعياته، ولا يبادر بمعالجته، فينتشر ويستفحل، ويصنع حالة من الضعف الذاتي والترهل الداخلي، وحالة من الهزيمة النفسية، تنتج قابلية الهزيمة والانكسار، عند الاصطدام بأول تحد خارجي، أو مهدد موضوعي، مهما كان ضعيفا.
القانون الرابع: العوامل النفسية والمشاعر القلبية حاسمة في الانتصارات والانكسارات:
كان عدد المسلمين في غزوة حنين حوالي ثمانية عشر ألف مجاهد، وهو أكبر عدد اجتمع للمسلمين في غزواتهم مع قائدهم المصطفى عليه السلام، فأعجب المسلمون واغتروا بعددهم، ونسوا أن الناصر هو الله، حتى قال بعضهم: "لن نغلب اليوم من قلة"، فشاء الله سبحانه تربيتهم وتأديبهم، فسلط عليهم أعداءهم، فباغتوهم وأثخنوهم قتلا وجرحا، حتى اضطربت صفوفهم، وتفرق جمعهم، وانفرط عقدهم، وولوا مدبرين، لولا أن تداركتهم رحمة الله، الذي ربط على قلب نبيه، وألهمه الثبات والصمود: "أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب"، فجعل يناديهم ويحرضهم، حتى اجتمع شملهم، والتأمت صفوفهم، فانقلب الانكسار إلى انتصار، والهزيمة إلى نصر، وأنزل لله فيها قرآنا يتلى إلى يوم القيامة، يحذر الصف الإسلامي من خطورة العجب والغرور، وضعف اليقين، ونقص التوكل على الله:(لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ ۙ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ ۙ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ ثُمَّ أَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا ۚ وَذَٰلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِن بَعْدِ ذَٰلِكَ عَلَىٰ مَن يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ). التوبة: 25 – 27.
القانون الخامس: الخطط والبرامج مؤثرة في العواقب والمآلات:
في غزوة أحد اختلف المسلمون في ميدان القتال، فكان رأي النبي عليه الصلاة والسلام، أن يقاتل المسلمون داخل المدينة فيستفيدوا من معرفتهم بأرض المعركة، ويحرموا قريشا من ذلك، وكان رأي الشباب المتحمس الذين فاتهم الجهاد في بدر، الخروج لملاقاة العدو خارج أسوار المدينة، كما لا حظ النبي عليه السلام أن قوة جيش العدو، إنما ترجع إلى فرسانهم، فوضع خمسين من الرماة فوق الجبل، وأمرهم – على سبيل الحتم – بلزوم أماكنهم، فما أن بدأ القتال، وحمي الوطيس، وكانت الجولة الأولى للمسلمين، حتى غادر الرماة مواقعهم، وراحوا يجمعون الغنائم، ناسين أوامر نبيهم وتذكير أميرهم، فلما لاحظ خالد بن الوليد ذلك، التف على المسلمين من وراء الجبل، فحوصر المسلمون، ارتبكوا واضطربوا، وسرعان ما تحول النصر إلى هزيمة. ولقد أنزل الله في بيان أسباب الهزيمة آيات بينات مفصلات، جاء فيها: (وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُم بِإِذْنِهِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُم مِّن بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ ۚ مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الْآخِرَةَ ۚ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ ۖ وَلَقَدْ عَفَا عَنكُمْ ۗ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (152) ۞ إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَىٰ أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِّكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ وَلَا مَا أَصَابَكُمْ ۗ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّن بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُّعَاسًا يَغْشَىٰ طَائِفَةً مِّنكُمْ ۖ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ ۖ يَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ الْأَمْرِ مِن شَيْءٍ ۗ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ ۗ يُخْفُونَ فِي أَنفُسِهِم مَّا لَا يُبْدُونَ لَكَ ۖ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَّا قُتِلْنَا هَاهُنَا ۗ قُل لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَىٰ مَضَاجِعِهِمْ ۖ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا ۖ وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (155) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى لَّوْ كَانُوا عِندَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَٰلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ ۗ وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ ۗ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (156) وَلَئِن قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ وَلَئِن مُّتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ (158) فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159) إِن يَنصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ ۖ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ ۗ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ).
وقد ذكرت الآيات عددا من الأسباب الذاتية للهزيمة، منها: الفشل، والتنازع، وعصيان أمر القائد، والافتتان بالغنائم، والفرار من ميدان القتال، وغيرها.
القانون السادس: الهزائم والانكسارات ليست شرا محضا:
مثل حادث الإفك الذي عرفه المسلمون بالمدينة، زلزالا عنيفا هز كيانهم، وامتحانا عسيرا لعقيدتهم ومواقفهم وثباتهم، ومؤامرة استهدف من خلالها المنافقون البيت النبوي الطاهر، ورغم ما كان له من نتائج وتداعيات، ومن ارتباك واضطراب، مس الحماعة المسلمة برمتها، بما يجعله في خانة المفسدة المطلقة والشر المستطير، فقد أنزل الله فيه من التوجيهات والتصويبات، ما يجعل منه خيرا للمؤمنين:﴿ إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ ۚ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم ۖ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۚ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ ۚ وَالَّذِي تَوَلَّىٰ كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ النور: 11. والمعنى: أن ما ترتب على حديث الإفك من مصالح للمسلمين، أكبر بكثير مما ترتب عليه من مفاسد، لأن الله كشف – من خلاله – للمؤمنين خطورة النفاق وقبح المنافقين، وبرأ عرض نبيه من فوق سبع سماوات، فتجاوز المسلمون المحنة، وخرجوا منها، أكثر قوة ومنعة، وأكثر خبرة واستعدادا لصد المؤامرات وتجاوز الأزمات، التي لا يخلو منها طريق الدعوة والإصلاح، والتي تستوجب أقصى درجات الصبر والحكمة واليقظة.
القانون السابع: الأيام دول بين الناس ولا دوام لانتصارات ولا انكسارات:
قال سبحانه تعقيبا على بعض الهزائم والانكسارات، التي عاشها الصحابة مع أعدائهم: (وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (139) إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ ۚ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (140) وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ، أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ).
وقال أيضا: (وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ ۖ إِن تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ ۖ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ ۗ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا) النساء: 103: فالهزيمة ليست آخر الأمر ولا نهاية المطاف، وإنما هي شوط من أشواط التدافع بين الناس، وجولة من جولات الصراع بين الحق والباطل. وفي سياق مشابه، يقول الله تعالى:﴿فَإِنَّ مَعَ 0لۡعُسۡر يُسۡرًا إِنَّ مَعَ 0لۡعُسۡرِ يُسۡرًا﴾ الشرح: 5- 6، وبينها النبي عليه السلام بقوله: (لن يغلب عسر يسرين) رواه الحاكم، برقم 3950، والبيهقي في شعب الإيمان، برقم 10013، والسيوطي في الجامع الصغير، برقم 7374، وقال: مرسل صحيح الإسناد: وكلها نصوص تثبت أفئدة الصحابة، وتربط على قلوبهم، وتبين لهم أن طريق الإصلاح محفوف بالمصاعب والمشاق، وليس مفروشا بالورود، وأنه لا غنى فيه عن رصيد كاف، من الصبر والجلد، وطول النفس، والثقة بالله، لبلوغ المقاصد، وتحقيق الأهداف.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.