10 أعمال مغربية ضمن قائمة ال9 لأفضل الأعمال في جائزة كتارا للرواية العربية    حموشي يستقبل اللواء خالد العطية لتعزيز التعاون في الرياضة الشرطية العربية    أسعار الخضر والفواكه تسجل انخفاضا في أسواق المملكة    الوكيل العام للملك يكشف حيثيات العثور على سيون أسدون مغمى عليه بمنزله    48 قتيلا حصيلة حوادث السير بالمناطق الحضرية خلال الأسبوع المنصرم    المغرب يسجل مستوى قياسيا في الحرارة        عفو ملكي سامٍ يشمل 1472 مستفيداً بمناسبة ثورة الملك والشعب وعيد الشباب    تخمينات الأطباء تقادمت.. الذكاء الاصطناعي يتنبأ بموعد ولادة الأطفال بدقة عالية    تيكاد-9 .. وزير الشؤون الخارجية الياباني يجدد التأكيد مرة أخرى على عدم اعتراف طوكيو بالكيان الانفصالي    ترامب يؤكد أن واشنطن ستساهم في توفير ضمانات لأمن أوكرانيا    النيابة العامة تكشف الحقيقة الكاملة في حادث سيون أسيدون وتفند الروايات الكاذبة        للمرة الرابعة على التوالي‮ ‬وبعد أقل من شهر على سابقتها ‮، ‬بعد الاختراق البري‮ ‬وتسجيل أول عملية بعد اندلاع الحرب،‮ ‬المغرب‮ ‬يختار‮. ‬النقل الجوي‮ ‬السريع للمساعدات‮ ‬    مهرجان القنيطرة يفتح أبوابه للاحتفاء بالإبداع ويجمع نجوم الفن والرياضة في دورة شبابية مميزة    الجديدة.. إيداع شخص رهن الحراسة النظرية للاشتباه في هتك عرض طفل والتحقيقات متواصلة    الشعب المغربي يخلّد الذكرى ال72 لملحمة ثورة الملك والشعب    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها على وقع الانخفاض    إنجاز علمي مغربي.. رسم الخريطة الجينية الكاملة لشجرة الأركان يمهد لآفاق جديدة    مساعدات المغرب لغزة تعزز التضامن    كالياري الإيطالي يحسم صفقة حمدوة    إسبانيا.. توقيف عنصرين موالين ل»داعش» بالتعاون مع المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني    أخبار الساحة    وزارة الصحة تطلق صفقة ضخمة تتجاوز 100 مليون درهم لتعزيز قدرات التشخيص الوبائي    اجتماع طارئ ل "برلمان المغرب التطواني".. هل يعلن المكتب المسير عن استقالته؟    محامي عائلة "محمد إينو" يعلن عن تطورات جديدة في ملف "القتل العمد ضد مجهول"    تراجع أسعار النفط    مهرجان سينما الشاطئ يحط الرحال بأكادير    "البريمرليغ" يقترب من رقم قياسي جديد في سوق الانتقالات الصيفية    عودة ظاهرة سرقة الدراجات المائية واستعمالها في الهجرة السرية        بعد زيادتين متتاليتين.. انخفاض محدود في سعر الغازوال    الأمن يضع يوقف أما وابنتها قامتا بالنصب والاستيلاء على أزيد من 180 مليون    الألماني هانزي فليك يضغط على إدارة برشلونة لتسجيل مارتن    رسميا.. الرجاء الرياضي يرفع عقوبة المنع ويطوي صفحة النزاعات    الأمم المتحدة.. 383 قتيلا من عمال الإغاثة في 2024 نصفهم تقريبا في غزة    تربية الأحياء المائية.. الوكالة الوطنية تنطلق في مراجعة المخططات الجهوية    الغلوسي: "تواطؤ داخل البرلمان يهدد استقلال القضاء ويؤسس لدولة داخل دولة"    صيادلة المغرب يحتجون بحمل الشارات السوداء ويهددون بالتصعيد ضد الوزارة (فيديو)    ارتفاع طفيف للدولار أمام العملات الرئيسية    20 غشت.. ذكرى ثورة الملك والشعب    روبوتات دردشة تقدم محتويات جنسية لأطفال تقلق حكومة البرازيل    دراسة: المعمرون فوق المئة أقل عرضة للإصابة بالأمراض المتعددة    البرغوثي المحرر من السجن في فلسطين ينضم إلى أزلام المطبعين مع الانحلال في المغرب    بطولة انجلترا: الاسكتلندي بن دوك ينتقل من ليفربول لبورنموث    أفغانستان.. زلزال بقوة 5,1 درجات يضرب منطقة هندوكوش    خبيرة أمريكية تكشف مدة النوم الضرورية للأطفال للتركيز والتفوق    "غوغل" تضيف تحديثات إلى تطبيق الترجمة    مهرجان "أصوات نسائية" يختتم مرحلته الأولى وسط أجواء احتفالية    سعد لمجرد يعود لمعانقة الجماهير المغربية عبر منصة مهرجان القنيطرة في سهرة استثنائية    المغرب.. حين تُحلّق الطائرات محمّلة بالحياة نحو غزة    مؤسسة المهرجان المتوسطي للثقافة الأمازيغية بطنجة تنعي الروائي الكبير صنع الله إبراهيم    مهرجان الشواطئ يواصل جولته ويشعل مرتيل والناظور والسعيدية    "بعيونهم.. نفهم الظلم"    بطاقة «نسك» لمطاردة الحجاج غير الشرعيين وتنظيم الزيارات .. طريق الله الإلكترونية    هنا جبل أحد.. لولا هؤلاء المدفونون هنا في مقبرة مغبرة، لما كان هذا الدين    الملك محمد السادس... حين تُختَتم الخُطب بآياتٍ تصفع الخونة وتُحيي الضمائر    المغاربة والمدينة المنورة في التاريخ وفي الحاضر… ولهم حيهم فيها كما في القدس ..    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قراءة في سلوك ابتسام لشكر
نشر في هسبريس يوم 18 - 08 - 2025

إن السلوك الإنساني لا يُقرأ فقط من زاوية الرغبة الفردية في التعبير عن المواقف، بل يُفهم في سياق أعمق يتقاطع فيه النفسي والاجتماعي والقانوني. حين نضع حالة الناشطة المثيرة للجدل ابتسام لشكر التي أعلنت إلحادها بشكل علني وأمعنت في الإساءة للذات الإلهية، ندرك أننا لسنا أمام مجرد خيار شخصي في الاعتقاد، بل أمام ممارسة تنطوي على تناقض نفسي صارخ وعدوان اجتماعي فجّ. فمن حيث المنطق البسيط، من لا يعترف بوجود الله لا يمكن أن يكون معنيا بالإساءة إليه؛ إذ إن الإساءة إلى ما لا يُعترف بوجوده تكشف عن عقدة سيكولوجية عميقة، وعن صراع داخلي غير محسوم مع صورة الإله في وعيها أو لا وعيها. هذا التناقض الفج يجعل خطابها غير قائم على الحرية التي تدّعيها، بل على نزعة عدوانية تستبطن رغبة في استفزاز المؤمنين وإهانة معتقداتهم. وهو ما يحوّل موقفها من مجرد تعبير عن قناعة شخصية إلى فعل يهدد السلم الاجتماعي ويخرق التعايش الذي تقوم عليه المجتمعات الحديثة.
إن التحليل السيكولوجي يكشف أن الشخص حين يهاجم موضوعا يزعم أنه لا يؤمن به أصلا، فإنه يبرهن على تعلق مرضي به. فالناشطة المثيرة للجدل ابتسام لشكر التي تعلن الإلحاد لا تكتفي برفض الاعتقاد، بل تسعى إلى تقويض صورة الإله في وعي الآخرين، وهو ما يكشف عن عقدة لم تُحلّ: فهي مشدودة إلى الذات الإلهية برابطة سلبية، لا تستطيع التحرر منها إلا عبر السخرية والازدراء. وهنا يظهر الاضطراب: فالإلحاد الحقيقي يقوم على تجاوز الاعتقاد الديني، لا على الانغماس في مهاجمة الإله، أما حالتها فتنتمي إلى ما يسميه علماء النفس بالرفض العدواني، أي الانفعال الذي يعبّر عن صراع لم يجد توازنه، فيتحول إلى نزعة هدمية تجاه موضوع مكبوت. وهذا يجعل سلوكها أقرب إلى التعبير عن عقدة نفسية فردية منه إلى موقف فكري ناضج، ويجعل خطابها محكوما بالانفعال لا بالعقلانية.
ومن منظور اجتماعي، لا يمكن النظر إلى تصريحاتها إلا باعتبارها مساسا خطيرا بالتوازن القيمي للمجتمع المغربي، الذي يقوم على الاعتراف المتبادل بالحق في الاختلاف. فحرية المعتقد تظل مكفولة، ولكنها مشروطة بعدم الاعتداء على قناعات الآخرين أو استفزازهم في معتقداتهم. المجتمع لا يقوم على التوحيد القسري للرؤى، لكنه أيضا لا يحتمل تحويل حرية التعبير إلى أداة للتحقير من معتقدات الأغلبية. فحين تسخر الناشطة المثيرة للجدل ابتسام لشكر من الذات الإلهية، فإنها لا تمارس حرية، بل تمارس اعتداء رمزيا على ملايين المؤمنين الذين يرون في هذا الفعل طعنا في أقدس ما لديهم. وهنا ينتقل فعلها من كونه شأنا فرديا إلى كونه خطرا اجتماعيا يهدد قيم التعايش.
القانون والحقوق يقدمان هنا ميزانا دقيقا. فحرية المعتقد مضمونة في المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، كما أن حرية التعبير محمية دستوريا. غير أن هذه الحرية ليست مطلقة، بل مقيدة بعدم الإساءة للغير أو التحريض على الكراهية أو المساس بالكرامة الدينية. الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية يقران بوضوح أن ممارسة الحريات يجب ألا تنال من النظام العام أو حقوق الآخرين. ومن ثم، فإن سلوك الناشطة المثيرة للجدل ابتسام لشكر، الذي اتخذ شكل إساءة علنية للذات الإلهية، يدخل في باب التجاوز غير المشروع، لأنه يخلط بين حرية الاعتقاد الفردي وحرية الاعتداء على معتقدات الغير. هذا التمييز جوهري؛ إذ بدونه يتحول الحق إلى فوضى، وتتحول الحرية إلى وسيلة لتدمير التعايش.
إن التحليل الحقوقي يفرض علينا إذن النظر إلى فعلها باعتباره إساءة تتعارض مع المادة 19 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية التي تشترط أن تُمارس حرية التعبير بما لا يضر بسمعة أو حقوق الآخرين. الإساءة إلى الذات الإلهية ليست تعبيرا عن رأي، بل هي شكل من أشكال خطاب الكراهية الديني الذي يزرع الفتنة ويقوض السلم الاجتماعي. وهذا يتعارض أيضا مع الفصول الدستورية المغربية التي تنص على أن الإسلام دين الدولة، وأن الهوية الدينية للأمة جزء من ثوابتها. فهل يمكن اعتبار تصرفها ممارسة لحرية شخصية؟ الجواب القانوني والحقوقي الواضح هو: لا. إنها ممارسة عدوانية تسيء إلى النظام العام الرمزي للمجتمع وتخرق قواعد التوازن التي تقوم عليها الحريات.
على المستوى النفسي الاجتماعي، فإن مثل هذه التصريحات لا تؤذي فقط المؤمنين، بل تزرع أيضا بذور العنف الرمزي الذي قد يتطور إلى صراعات مفتوحة. المجتمع بحاجة إلى تربية على التسامح والاعتراف بالاختلاف، لكن هذا الاعتراف لا يعني تحويل الفضاء العام إلى ساحة ازدراء ديني. التسامح يعني أن يعيش المؤمن والملحد جنبا إلى جنب في إطار من الاحترام المتبادل، لا أن يستخدم أحدهما حريته لاحتقار الآخر. وهنا يتضح أن سلوك الناشطة المثيرة للجدل ابتسام لشكر لا يعبر عن نزعة تحررية، بل عن عقلية إقصائية تسعى إلى نفي المقدس من الفضاء العام بالقوة الرمزية للخطاب العدواني. وهذا يهدد التوازن الاجتماعي أكثر مما يحرره.
إن خطابها يعكس أزمة أعمق يعيشها جزء من النخب التي تحاول أن تبني شرعيتها على الاستفزاز بدل النقاش العقلاني. ففي مجتمع يعيش تحديات البطالة والفقر والتمييز، يصبح الاستهزاء بالمقدس نوعا من الهروب إلى الأمام، يقدَّم في صورة ثورية وهو في الحقيقة تعبير عن فراغ فكري. فالتحدي الحقيقي للنخبة هو أن تقدم مشاريع فكرية وسياسية بديلة، لا أن تسقط في مهاجمة قناعات الأغلبية التي تراها بمثابة جدار هويتها. ولهذا، فإن موقف الناشطة المثيرة للجدل ابتسام لشكر يكشف أيضا عن فشل في إدراك طبيعة الحرية ذاتها، التي لا تُبنى على العدوان بل على المسؤولية.
ومن زاوية حقوقية مقارنة، يمكن أن نلاحظ أن العديد من الديمقراطيات الغربية نفسها تجرم الإساءة إلى المعتقدات الدينية إذا كانت تحمل طابع التحريض على الكراهية أو ازدراء جماعي. فالحرية هناك ليست مطلقة، بل محكومة بضوابط تحمي التعددية. وإذا كان هذا هو الحال في دول تفصل الدين عن الدولة، فكيف بالمغرب حيث يشكل الإسلام جزءا عضويا من هوية الأمة؟ إن تجاهل هذه الحقائق يكشف عن جهل قانوني وحقوقي، بل عن استخفاف بالمشترك الاجتماعي الذي لا يمكن تجاوزه دون تهديد وحدة المجتمع.
وبالعودة إلى البعد السيكولوجي، يمكن القول إن تصرفها يعكس آلية دفاعية تسمى بالإسقاط، حيث يقوم الفرد بإسقاط صراعاته الداخلية على موضوع خارجي. فبدل أن تواجه عقدها النفسية المرتبطة بالدين أو الإله، اختارت أن تهاجم هذا الإله علنا لتخفيف التوتر الداخلي. لكن هذا الحل المرضي لا يحررها بل يعمق أزمتها، ويجعلها أسيرة لصراع داخلي متجدد. وهنا يظهر الطابع المرضي لسلوكها، الذي يفضح تناقضها مع نفسها قبل أن يفضح إساءتها للآخرين.
أن سلوك الناشطة المثيرة للجدل ابتسام لشكر ليس تعبيرا عن حرية، بل عن نزعة عدوانية متناقضة تكشف عن عقدة نفسية تجاه الذات الإلهية. إنه سلوك يخرق مبادئ الاحترام المتبادل التي يقوم عليها التعايش الاجتماعي، ويتناقض مع الضوابط الحقوقية والقانونية التي تنظّم الحريات. فمن حقها أن تكون ملحدة، لكن ليس من حقها أن تحوّل إلحادها إلى أداة لاحتقار معتقدات الآخرين. الحرية هنا تنقلب إلى فوضى، والتعبير يتحول إلى إساءة، والفكر يسقط في التناقض. وما يبقى في النهاية هو أن المجتمع يحتاج إلى حماية توازنه من مثل هذه السلوكات الفجة، عبر تعزيز التربية على الاحترام المتبادل، وتطبيق القوانين التي تردع خطاب الكراهية الديني أيا كان مصدره.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.