في وقت تستعد فيه العاصمة البريطانية لندن لاستقبال نحو مليوني زائر لحضور مهرجان "نوتينغ هيل" السنوي، تثير خطط الشرطة لنشر كاميرات التعرف على الوجوه في محيط الفعالية جدلاً واسعاً، وسط تصاعد الانتقادات الحقوقية بشأن استخدام هذه التقنية على نطاق غير مسبوق في المملكة المتحدة. وتُعد بريطانيا الدولة الأوروبية الوحيدة التي تستخدم تقنيات التعرف على الوجوه في الوقت الفعلي على هذا المستوى الواسع، حيث تُركب الكاميرات أمام مداخل ومخارج المهرجانات، وفي محيط المتاجر الكبرى، وتربط بقاعدة بيانات تحتوي على صور آلاف المشتبه بهم المطلوبين لدى الشرطة. وصرّح قائد شرطة لندن، مارك رولي، بأن التقنية تُستخدم "لتحديد مواقع المجرمين في بؤر الجريمة"، مشيرًا إلى أنها أسفرت عن "أكثر من 1000 اعتقال منذ بداية عام 2024′′، واصفاً إياها بأنها "أداة شرطية فعالة". لكن منظمات حقوقية ترى في ذلك تهديداً مباشراً للخصوصية والحريات المدنية. وقالت ريبيكا فينسن، المديرة المؤقتة لمنظمة "بيغ براذر ووتش"، إن "هذا الاستخدام المفرط للتكنولوجيا يحوّل المواطنين إلى مشتبه بهم دائمين"، مشيرة إلى أن "غياب التشريع الخاص يجعل من الصعب وضع ضمانات حقيقية". ووفقاً لمنظمة "ليبرتي"، جرى خلال عام 2024 مسح نحو 4.7 مليون وجه، باستخدام أنظمة ذكاء اصطناعي يجري تثبيتها غالبًا داخل عربات شرطة، حيث تُصدر تنبيهات فورية عند رصد وجه مطابق لقائمة المراقبة. ويُستخدم النظام حاليًا من قبل الشرطة في المهرجانات، وأمام الملاعب، وفي الحفلات الكبرى، كما تم اعتماده من قبل عدد من متاجر السوبرماركت وسلاسل الملابس لمواجهة الارتفاع الحاد في سرقات التجزئة، باستخدام تطبيق "فيس ووتش" الذي يُصدر تحذيرات لحظة دخول شخص مدرج ضمن "قائمة سوداء" إلى المتجر. ويحذر خبراء من أن هذه التقنية تغيّر "مفهوم العيش في المدينة"، وفق تعبير داراغ موراي، المحاضر في قانون حقوق الإنسان بجامعة كوين ماري في لندن، الذي قال إن "الوجود الدائم للمراقبة يقيّد الحريات السياسية والثقافية، ويهدد حق الناس في التظاهر دون خوف من التتبع". وتأتي هذه الانتقادات في ظل غياب إطار قانوني شامل، رغم إعلان وزيرة الداخلية البريطانية، إيفيت كوبر، نيتها إعداد تشريع يركّز على تنظيم استخدام التقنية في "الجرائم الأشد خطورة". إلا أن وزارتها وافقت مؤخراً على توسيع استخدام هذه الأنظمة في سبع مناطق جديدة، وسط قلق من إضفاء طابع دائم عليها. وأثار قرار الشرطة تثبيت كاميرات ثابتة في منطقة كرويدون جنوبلندن الشهر المقبل جدلاً إضافياً، باعتباره سابقة في استخدام المراقبة البيومترية الدائمة في الأماكن العامة. ووجهت إحدى عشرة منظمة حقوقية، بينها "هيومن رايتس ووتش"، رسالة إلى شرطة لندن، حذّرت فيها من "التحيّز العنصري المحتمل" للأنظمة المعتمدة على الذكاء الاصطناعي، مطالبةً بعدم استخدام هذه التقنية خلال مهرجان نوتينغ هيل، لما يشكله من "استهداف غير عادل" للجالية الإفريقية الكاريبية. كما رفعت منظمات دعاوى قانونية ضد استخدام التقنية، آخرها قضية شون تومبسون، وهو رجل أسود قال إنه اعتُقل خطأ بعد أن تعرفت عليه الكاميرا كمشتبه به، ما دفعه إلى مقاضاة الشرطة. يُذكر أن الاتحاد الأوروبي حظر منذ فبراير الماضي استخدام تقنيات التعرف على الوجوه في الوقت الفعلي، باستثناء حالات استثنائية تتعلق بمكافحة الإرهاب، وهو ما يزيد من عزلة التجربة البريطانية في هذا المجال، وفق ما تؤكده المنظمات الحقوقية.