يعود ملف الصحراء المغربية إلى واجهة النقاش السياسي داخل أروقة الأممالمتحدة مع انعقاد الدورة الثمانين للجمعية العامة مطلع شتنبر المقبل، بحيث تتطلع اللجنة الرابعة المختصة في إنهاء الاستعمار إلى أن تتدارس التقرير السنوي للأمين العام للأمم المتحدة خلال الفترة ما بين فاتح يوليوز 2024 و30 يونيو 2025، قبل أن يُحال على الجلسة العامة للجمعية. وكان الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، قدّم تقريره السنوي الممتد على سبع صفحات بموجب قرار الجمعية العامة رقم 79/98، رصد من خلاله مختلف جوانب العملية السياسية التي يقودها المبعوث الشخصي ستيفان دي ميستورا، وأنشطة بعثة المينورسو، بالإضافة إلى الوضع الإنساني وحقوق الإنسان في مخيمات تندوف، وقضايا مكافحة الألغام وتحديات التمويل. وتشكل اللجنة الرابعة فضاء لاحتدام النقاش بين الأطراف والدول الأعضاء، حيث تسعى كل جهة إلى توظيف مضامين التقرير لخدمة مقاربتها: المغرب عبر إبراز وجاهة مقترح الحكم الذاتي كخيار جدي وواقعي، والبوليساريو بدعم من الجزائر عبر الدفع بخيارات تجاوزها الزمن مثل الاستفتاء. كما يتزامن عرض التقرير هذه السنة مع اقتراب مرور خمسين عاما على اندلاع النزاع، وبروز مواقف دولية جديدة داعمة للمبادرة المغربية للحكم الذاتي، خصوصا من طرف الولاياتالمتحدة وفرنسا وإسبانيا وبريطانيا، كما يأتي في ظل استمرار التوترات شرق الجدار الأمني، واستمرار معاناة آلاف اللاجئين في مخيمات تندوف، ما يعزز الرهانات المرتبطة بمناقشة التقرير على مستوى الجمعية العامة ولجانها الفرعية، ويشكل مرجعا أساسيا للدول الأعضاء لتقييم آخر المستجدات المرتبطة بالنزاع. غموض أممي يعمق الصراع عبد الوهاب الكاين، رئيس منظمة "أفريكا ووتش"، قال إن "الأمين العام للأمم المتحدة أعد تقريره المرفوع إلى الدورة الثمانين للجمعية العامة المزمع عقدها في أكتوبر القادم انطلاقا من القرار 79/98، وبناء على توصية تقرير لجنة المسائل السياسية الخاصة وإنهاء الاستعمار (اللجنة الرابعة)، وهو ما يمهّد لبدء مناقشات رفيعة المستوى لدراسة إمكانية إحياء المسار السياسي المرتبط بالبحث عن حل نهائي لقضية الصحراء المغربية". وأضاف الكاين، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن "أدبيات الأممالمتحدة مازال يكتنفها الكثير من الغموض على مستوى المفاهيم والأطر المنظمة لبناء المواقف بشأن مختلف القضايا المعروضة على هيئاتها الفرعية ولجانها"، كما وقف على "تعارض واضح بين منطلقات مجلس الأمن والجمعية العامة ولجنة المسائل السياسية الخاصة وإنهاء الاستعمار". وكشف نائب منسقة تحالف المنظمات غير الحكومية الصحراوية أن "الأمين العام أورد في تقريره أن مجلس الأمن يتناول قضية الصحراء المغربية باعتبارها مسألة تتعلق بالسلام والأمن، داعيا إلى تكثيف الجهود للتوصل إلى حل سياسي عادل ودائم ومقبول للطرفين، بينما تنظر اللجنة الرابعة واللجنة الخاصة المعنية بحالة تنفيذ إعلان منح الاستقلال للبلدان والشعوب المستعمرة إلى الملف باعتباره قضية إقليمية غير متمتعة بالحكم الذاتي، ومسألة مرتبطة بإنهاء الاستعمار". وأوضح المتحدث ذاته أن "اختلاف الأسس التي تبنى عليها القرارات في الجمعية العامة ولجانها ومجلس الأمن لا يسهم إطلاقا في بناء تراكم يسهم في التوصل إلى حل ينهي النزاع، بل يتيح للأطراف الرئيسية في الصراع الاستمرار في المراوغة لاستدامة الوضع وتحقيق مكاسب ميدانية، وفي مقدمتها تغيير الجغرافيا السياسية للمنطقة لضمان تحكم هذه الجهات في مصير ومستقبل سكان الصحراء، عبر إنشاء كيانات غير دولتية تؤثر على رفاه واستقرار المنطقة وسكانها". "إن قرار الأمين العام المزمع مناقشته على هامش الدورة الثمانين للجمعية العامة يسلط الضوء على أبرز التطورات خلال الفترة المشمولة بالتقرير، وعلى رأسها الموقف الفرنسي الجديد الذي يشدد على ضرورة أي حل مستقبلي للنزاع ضمن إطار مقترح الحكم الذاتي المقدم سنة 2007، مع احترام كامل لمقومات السيادة المغربية، فضلا عن موقف المملكة المتحدة الذي يعتبر خطة الحكم الذاتي الأكثر مصداقية وقابلية للتطبيق"، يسجل الباحث في خبايا النزاع، قبل أن يضيف: "رغم ذلك مازالت لغة زمن إنهاء الاستعمار في ستينيات القرن الماضي حاضرة بقوة في الخطاب الأممي، ما يعكس استمرار تباطؤ تبني مقاربات جريئة لحل الملف". وأبرز الكاين أن الأممالمتحدة مازالت ترافق هذه اللغة إلى جانب التقدمات المحرزة من قبل مجلس الأمن للتوصل إلى حل نهائي، وهو ما يكرّس وفقه "جمودا مفاهيميا وبطءا شديدا في تبني مواقف جريئة لدفع عملية السلام إلى الأمام؛ فضلا عن تمسك الجمعية العامة بقاعدة خلق توازنات بين مختلف مكونات الجهاز الرئيسي، حتى وإن تعارض فرض التوازن مع مبادئ وقواعد القانون الدولي وما تم التوافق عليه في تسوية النزاعات بطرق سلمية". وفي هذا السياق يرى المتحدث أن "المعالجة متفاوتة السرعات لا تساعد على تطوير الممارسة الدولية في فض النزاعات، وهو ما يستدعي إعادة النظر في مسألة تناغم وتناسق الخطط والإستراتيجيات واللغة المستعملة في صياغة وإعداد القرارات الأممية المرتبطة بمساعي حل النزاعات". وأنهى عبد الوهاب الكاين حديثه لهسبريس بالتأكيد على أن "توحيد اللغة المستعملة والتنسيق في المقاربات المتبناة لإعداد جداول أعمال الجمعية العامة في دوراتها واجتماعات لجانها ومناقشات مجلس الأمن من شأنه دعم تضافر الجهود وتوحيد الرؤى وتقارب المنطلقات، والوصول إلى نتائج فعالة ترتب التزامات على أطراف النزاع، مانحة أملا حقيقيا لسكان مخيمات تندوف للعودة إلى أرضهم والاستقرار بها وبناء مستقبل يضمن لهم حياة كريمة". تخبط آليات الأممالمتحدة من جانبه سجل بيبوط دداي، فاعل سياسي وباحث في التاريخ المعاصر والحديث، أنه بعد دراسة مشروع تقرير الأمين العام المرفوع إلى الدورة الثمانين للجمعية العامة للأمم المتحدة، والاطلاع على أهم النقاط المدرجة فيه، سواء ما تعلق بالتطورات الرئيسية خلال الفترة الممتدة من فاتح يوليوز 2024 إلى 30 يونيو 2025، عملا بقرار الجمعية رقم 98/79، أو ما يخص الحالة في الميدان ومستجدات العملية السياسية والأنشطة الإنسانية وحقوق الإنسان، "يتضح حجم التحديات التي مازالت مطروحة". وأضاف بيبوط، في تصريح لهسبريس، أن "المضمون رغم ما قدمه الأمين العام وفريقه من مصوغات يكشف بوضوح تخبط آليات الأممالمتحدة في التعاطي مع النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية، واستمرار الأمانة العامة في اعتماد معجم مفاهيمي متناقض مع سعيها المعلن نحو إيجاد حل سياسي، ومع الجهود الجادة التي يبذلها مجلس الأمن وأطراف دولية صادقة للدفع بالمسار الأممي نحو الحل". وأبرز المتحدث أن "الفاعلين السياسيين في الأقاليم الجنوبية لا يسعهم إلا التعبير عن استيائهم من لجوء الأمانة العامة للأمم المتحدة إلى مفاهيم متجاوزة تتناقض مع تطور القانون الدولي وتحولات السياق العالمي للنزاعات"، إذ لا يعقل، في نظره، "الاستناد بحرفية إلى جزء من مقتضيات التوصية 1514، وخاصة ما يتعلق ب'تقرير المصير' بمعناه المؤدي إلى الانفصال، في محاولة لزج قضية الصحراء المغربية في خانة تصفية الاستعمار، بينما هي في جوهرها قضية استكمال للوحدة الترابية والحفاظ على السلامة الإقليمية للمملكة المغربية". كما استحضر دداي مجددا "غياب أي إشارة إلى الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان بمخيمات تندوف، رغم توثيق تقارير المقررين الخاصين التابعين لمجلس حقوق الإنسان هذه الممارسات الخطيرة، في مقابل استمرار الأممالمتحدة في ترديد مزاعم بوجود خروقات لحقوق الإنسان بالأقاليم الجنوبية دون الاستناد إلى أدلة أو وقائع داعمة، مع تغييب التقدم المحرز في المغرب، وخاصة في الصحراء، سواء على مستوى التشريعات الوطنية المتقدمة المنسجمة مع الاتفاقيات الدولية أو على مستوى الممارسة الميدانية". ونبه المتخصص في نزاع الصحراء المغربية إلى أن "تغاضي الأممالمتحدة ومجلس الأمن، في أكثر من مناسبة، عن التعامل الحازم مع خروقات وقف إطلاق النار المتكررة من قبل جبهة البوليساريو، التي تهدد حياة المدنيين وأفراد البعثة الأممية، يعرقل أي تقدم في العملية السياسية"، معتبرا أن "الحل لن يتحقق إلا من خلال تبني تدابير وإجراءات أممية قوية ضد هذه الخروقات وضد محاولات بعض الأطراف، وفي مقدمتها الجزائر، لإفشال المساعي الأممية والدولية لدفع الأطراف إلى التفاوض بحسن نية وبواقعية". وعزا مصرح هسبريس الأمر إلى أن "الصحراويين حسموا خيارهم في دعم مبادرة الحكم الذاتي باعتبارها الحل الواقعي والعملي، الكفيل بإنهاء معاناة العائلات وعودتها إلى وطنها الأم، للعيش في كرامة بعيدا عن الارتهان لسياسات خارجية طالما استغلتهم لمعاكسة إرادة المغرب في لمّ شمل أبنائه".