كانت بلاغة الملك الراحل الحسن الثاني أكبر من الإدراك الفرنسي الذي قَصُرَ فهم ساسته ونخبه عن بلوغ مقاصد ما رامَهُ العاهل المغربي حين قال "علقوها على جدران القصر ودعوها هنا". لم يكن وريثُ عرش تليد لبلد عظيم وحضارة مجيدة، لِيَقبَلَ بتكريمٍ من مستوى منحِ الجنسيةِ الفرنسية عِرفاناً بمساهمة جلالته طيب الله ثراه في ترميم قصر ألكسندر دوما DUMAS ويتسلم شهادة المواطنة الفرنسية خلال مراسيم التدشين التي كشفت ثِقل بلد ووزْن قائد لا يُكتال بوثيقة ممهورة من يد سلطة لا تحوز من تاريخ الدولة المغربية قَدْر قطمير. بلاغةُ الحسن الثاني أوجزتها كلمة خفيفة في اللسان ثقيلة في الميزان، مرت سريعةً ولكنها ترسَّختْ في العمران، "دعوها هنا علقوها على الجدران" وربما ما تزال بِرْوازاً يؤثت بهوا او إحدى غرف قصر دوما DUMAS ولكنه درسٌ عميقُ الدلالة أن المغرب بملكيته وبنظامه أكبرُ من فرنسا. ولعل البلاهةَ لدى الفرنسيين احتاجتْ بعد حوالي 40 سنة إلى ملك المغرب محمد السادس ليستفزَّ ذاكرة النخب الفرنسية حتى تتَيَقَّظ أمام بَْروازِ وثيقةِ الجنسية الفرنسية التي رفضها والده الحسن الثاني ليسترجعوا الدرس الذي فاتَهُم فهمُهُ في حينه أن المملكة المغربية عصيَّةٌ عن فرنسا ثالوثِ الشعارِ الموءود. وما تزال العقليةُ الفرنسية متحجِّرة متمسكة بالإرث الاستعماري لا تبْرحُه رغم ان العالم من حول فرنسا يتطور ويتحول فيما الفرنسيون جامدون وهم محط سخرية الجوار الأوربي لنظرتهم الضيقة إلى الأشياء وانحسار الأفق في أعينهم رغم اتساعه... فلا هم استوعبوا تبخيس الحسن الثاني للجنسية الفرنسية ولا فهموا دلالة رفض الملك محمد السادس النزول من سيارته في مراسيم افتتاح مؤتمر قمة المناخ إلا أن يكون رئيس فرنسا فرانسوا هولاند واقفا بشخصه في استقبال جلالته على تمام الإجراءات البروتوكولية وكمالها المرعية في استقبال ملوك ورؤساء كبار الدول؛ وفاتهم التقاط الإشارات الواضحة من ظرفية الأزمة الصامتة للعلاقات المغربية- الفرنسية لوقف التنسيق والتعاون الحكومي مع فرنسا وعدم رد الملك على اتصالات قصر الاليزيه ومكالمات الرئيس إيمانويل ماكرون؛ ثم تبلَّدوا أشد بلادة في مقاومتهم لصلابة المغرب في الدفاع عن وحدته الترابية وسيادته على كامل أراضيه من طنجة إلى الكويرة، فوهنوا وجاء كبيرهم إلى الرباط بالإشادة والثناء على رجال ونساء المغرب في دفاعهم عن فرنسا وعن حرية الفرنسيين من موقف ما أملته الإنسية المغربية والعقيدة الإسلامية فوقف الرئيس الفرنسي وحكومته وسط البرلمان المغربي يعترف بسيادة المغرب على الصحراء. وما أشفقَ سوى على "لوموند" الذي صَغُرَ في عيون الفرنسيين حتى إنهم عَموا أن ينظروا إلى حقيقة واقعٍ يفقأُ العيون بصدْقِ الحال عن ملك يتَّكئ على عكاز يمشي الْهُوَيْنى على بساطِ الزغاريد والهتاف بحياته من ملايين شعبه في حشود الآلاف حجّوا إلى شوارع العاصمة حين دعاهم موكِب جلالته وفي رَكْبه رئيس فرنسا الزائرُ. أمَا فَهِمَ لوموند (العالم) الفرنسي -وما أضيقه-، رسالةَ العكازة ومَشْيَ التُّؤَدة خلال استقبال فخامة الرئيس ماكرون في زيارة الدولة للمغرب وحَرِيٌّ بهم أن يتساءلوا وما تلك بيمينك يا جلالة الملك ليأتيهم جواب موسى عن عصاه!!؟؟؟ إن ملوك المغرب لا يهِنون ولا يضعفون وإذا توكأوا فبيدهم الصولجان وعُمْرُه مائتان وألْفُ عام ليس لفرنسا منها غير ما فَضُلَ عن الألف سنة وبعضِ ما تَخلَّفَ من ومْض الأنوار. وحَسِبَ لوموند الفرنسي أن سِعةَ العالم جميعا فسحةٌ خاطفة على ساحل البحر في بقعة جغرافية محصورة بين شاطئَي المضيق والفنيدق، يمارس العاهل المغربي فيها رياضته المفضلة كما تعود في عطلة الاستجمام الصيفية على غرار أبناء شعبه الذين يصطاف بعضهم إلى جانبه في مقامه؟ وسقط من خريطة لوموند (العالم) الفرنسي قارة أفريقيا التي مد إليها الملك محمد السادس رجليه بقوة ناعمة ظن الفرنسيون بالعكازة أن قدمه بها خَدَرٌ وأن الركبة كسيحةٌ فانتكسَ نفوذ فرنسا في القارة السمراء وتراجع دورها، كما تقلص موقعها في المغرب لصالح قوى عالمية أخرى في إطار شراكات قوية متوازنة لأن الفرنسيين نظروا إلى العكازة ولم ينظروا إلى من بيده العكازة. فملك المغرب كأي الناس إنما هو إنسان يأكل الطعام ويمشي مثل كل البشر في الأسواق، لكن الملكية في المغرب لا شبيه لها في نُظُم الملكية التي يخالها الفرنسيون مجرد حاكم بتاج فوق الرأس وعلى الصدر نيشان. ملكية المغرب عالم كبير فسيح عميق من الأسرار ليس ك"لوموند" ضيق مظلم خانق كريه من الغل والأحقاد... الملكية في المغرب مخزن لتقاليد وأعراف عريقة تاريخية مجيدة عمرها 12 قرنا تكتنز حضارة أمة وهوية شعب ضاق لوموند الفرنسي فعجزت عن الاستيعاب رقعته. وما كان لِلَّذي ضاق عالمُه واغمضَّت عيناه وانسد أفقه وعَمي بصره أن يرى الملكية شمسا من المغرب شارقةٌ فكيف لفرنسا أن ترى النظام المغربي وهي تعيش بين وريق هذا "لوموند" الضيق عمياء!!!!!!