على بعد أسابيع قليلة من انطلاق كأس إفريقيا للأمم المقرر تنظيمها في المملكة المغربية خلال الفترة ما بين 21 ديسمبر 2025 و18 يناير 2026، يواجه المنتخب الوطني المغربي تحت قيادة المدرب الوطني وليد الركراكي تحديات كبيرة ورهانات متعددة، تفرضها حدة المنافسة وثقل المسؤولية التاريخية، باعتبار المغرب البلد المضيف لكأس إفريقيا 2025 وصاحب الأداء المتميز في كأس العالم قطر 2022. فالتطلع للفوز باللقب الإفريقي للمرة الثانية بعد تحقيق اللقب عام 1976، يظل حلماً مشروعاً ظل يراود الجماهير المغربية العاشقة للمنتخب الوطني لسنوات طويلة، رغم صعوبة المهمة. فرغم المشاركات العديدة للمنتخب في نهائيات كأس الأمم الإفريقية، اقتصرت رصيده على لقب وحيد فقط عام 1976 حققه جيله الذهبي بقيادة الأسطورة أحمد فراس، الذي فاز في نفس العام بكرة الكرة الذهبية الإفريقية. المملكة المغربية.. تنظيم تاريخي للبطولة يُعد تنظيم كأس إفريقيا للأمم المغرب 2025 حدثاً رياضياً قارياً ضخماً واستثنائياً، نظراً لمستوى المنافسة الكروية المتميز. فكأس الأمم الإفريقية تُعتبر أكبر حدث رياضي في القارة السمراء، وتتمتع بشعبية جماهيرية واسعة ومتابعة غير مسبوقة من قبل عشاق كرة القدم الإفريقية حول العالم، إلى جانب تغطية إعلامية دولية واسعة النطاق، والمستوى التقني المرتفع للمنافسات الذي يتجلى في مشاركة نجوم الكرة الإفريقية البارزين مثل المغربي أشرف حكيمي، والمصري محمد صلاح، والنيجيري أديمولا لوكمان، والسنغالي ساديو ماني وغيرهم. كل هذه المميزات تضاف إلى البنى التحتية عالية الجودة المتوفرة في المملكة المغربية، والتي تشمل ملاعب متطورة وخدمات نقل وإيواء وظروف مناخية ملائمة. هذه العوامل مجتمعة تجعل من تنظيم كأس إفريقيا للأمم في المغرب عام 2025 حدثاً رياضياً تاريخياً بامتياز في ظل المعطيات الحالية، خاصة بعد تنظيمها للبطولة لأول مرة عام 1988. المنتخب الوطني.. موعد مع التاريخ يخوض المنتخب الوطني المغربي منافسات البطولة بصفته الفريق المضيف، حيث سيلعب جميع مبارياته في العاصمة الرباط أمام جمهوره المتحمس، مستفيداً من الدعم الجماهيري الكبير من قبل عشاق كرة القدم في كل المدن والقرى المغربية. لكن هذا الدعم قد يشكل في الوقت نفسه ضغطاً إضافياً على اللاعبين المغاربة، مما يتطلب من الجميع، وخاصة وسائل الإعلام الرياضية المغربية، توفير أجواء من التلاحم والهدوء والتركيز للاعبين خلال منافسات البطولة، إلى جانب الإدارة الجيدة للجوانب البدنية والتقنية والنفسية (الذهنية) لتمكين اللاعبين المغاربة من تقديم أداء متميز في جميع المباريات. وبالتالي، يخوض المنتخب الوطني المغربي موعداً مع التاريخ، حيث تبقى فرصة الفوز باللقب الإفريقي الثاني كبيرة وممكنة إذا استغل الفريق نقاط قوته، وأبرزها اللعب على أرضية الوطن والدعم الجماهيري الكاسح. المنتخب الوطني.. قراءة تقنية يشارك المنتخب الوطني في البطولة بعد نجاحه في ضمان التأهل للمرة السابعة إلى كأس العالم 2026 التي ستستضيفها الولاياتالمتحدةالأمريكية وكندا والمكسيك، وذلك في ظل تغييرات كبيرة في تشكيلة الفريق مقارنة باللاعبين الذين شاركوا في نسخة كأس الأمم الإفريقية الأخيرة (كوت ديفوار 2023) وكأس العالم قطر 2022. فالغياب المحتمل لبعض الركائز الأساسية في المنتخب خلال السنوات الأخيرة، سواء بسبب الإصابة أو تراجع المستوى (مثل زياش، بوفال، سايس، شادي رياض، أملاح، عطية الله، الصابيري، أخوماش)، إلى جانب انضمام لاعبين جدد للمعسكرات خلال السنة الأخيرة (مثل ماسينا، بنصغير، ازنو، بلعمري، ايكمان، الطالبي، الصحراوي)، يشكل دون شك تحدياً كبيراً للطاقم الفني بقيادة وليد الركراكي. فطبيعة المنافسة الشديدة في كأس الأمم الإفريقية تفرض عادة الاعتماد على لاعبين مخضرمين وبنسبة جاهزية تامة لمواجهة المدارس الكروية العريقة في القارة الإفريقية (مثل مصر، الكاميرون، نيجيريا، السنغال، كوت ديفوار، تونس)، مما يضع المدرب الوطني أمام مسؤولية كبيرة في انتقاء الأسماء التي ستضمها القائمة النهائية للبطولة. إلى جانب اختيار اللاعبين، يبقى النهج التكتيكي والخططي الذي سيعتمده المدرب وليد الركراكي تحدياً كبيراً وعاملاً أساسياً لحسم المباريات والفوز باللقب الإفريقي. فالمنتخب الوطني المغربي سيكون مطالباً بالفوز في جميع مبارياته أمام جماهيره العريضة، من حيث النتيجة والأداء، مما يشكل عبئاً إضافياً يتطلب إدارة حكيمة. في كأس العالم قطر 2022، اعتمد المدرب الوطني وليد الركراكي نهجاً دفاعياً إلى حد ما، وهو أمر كان مبرراً في ذلك الوقت نظراً للفوارق البدنية والتقنية والتكتيكية مع المنتخبات الكبيرة التي واجهها (إسبانيا، فرنسا، البرتغال، كرواتيا، بلجيكا). أما في كأس الأمم الإفريقية الأخيرة في كوت ديفوار، والتي جاءت بعد الإنجاز التاريخي في قطر 2022، فقد تبنى المنتخب المغربي أسلوباً هجومياً في دور المجموعات، لكنه عاد إلى التردد الهجومي في مباراة دور ال16 أمام جنوب إفريقيا، مما كلفه الخسارة والإقصاء غير المستحق، مع الأخذ بعين الاعتبار عوامل مؤثرة مثل الرطوبة العالية والأخطاء التحكيمية. في كأس العالم قطر 2022، اعتمد وليد الركراكي على نهج تكتيكي تميز بالطابع الدفاعي الصارم (4-3-3) في معظم المباريات، مع الاعتماد على الهجمات المرتدة السريعة بالاستفادة من سرعة الثلاثي الهجومي (زياش، بوفال، النصيري)، مدعوماً بخط دفاعي قوي ومتماسك (سايس، أكرد، حكيمي، مزراوي) ووسط ميدان يجمع بين القوة والبراعة (أمرابط، أملاح، أوناحي). لكن تواتر الإصابات والإرهاق البدني أجبر على تعديل التشكيلة والنهج ليصبح أكثر تحفظاً في مباراتي نصف النهائي أمام فرنسا ومباراة المركز الثالث أمام كرواتيا. أما في كأس الأمم الإفريقية بكوت ديفوار 2023، فقد احتفظ المدرب الوطني تقريباً بنفس الأسماء التي شاركت في مونديال قطر 2022 وبنفس النهج التكتيكي، مع محاولة تعزيز وتطوير الجانب الهجومي. لكن إكراهات عديدة حالت دون نجاحه في فرض الأسلوب الهجومي، أبرزها الإرهاق البدني بسبب الرطوبة العالية وافتقاد بعض اللاعبين للتنافسية العالية قبل البطولة. في ظل هذه المعطيات، تمثل النسخة المقبلة من كأس الأمم الإفريقية في المملكة المغربية تحدياً كبيراً على جميع المستويات. فالجهاز الفني بقيادة وليد الركراكي، الذي يدرك جيداً حجم المسؤولية، مطالب أولاً بالنجاح في اختيار القائمة النهائية للمشاركة في البطولة، عبر الاعتماد على معايير أساسية مثل الجاهزية البدنية والخبرة والتنافسية. إلى جانب ذلك، يجب الاختيار المناسب لتشكيلة كل مباراة وتبني نهج تكتيكي مناسب يجمع بين الصلابة الدفاعية والفعالية الهجومية والمرونة التكتيكية، مع تنويع أساليب اللعب وفقاً لظروف كل مباراة، والتخلي عن التردد في اتخاذ القرارات الفنية في وقتها المناسب (مثل التغييرات). فالمنتخب الوطني المغربي، المصنف حادي عشر عالمياً في تصنيف الفيفا والأول إفريقياً وعربياً، يتكون حالياً من لاعبين يمارسون على أعلى المستويات في مختلف البطولات الأوروبية، ويجمع بين خبرة اللاعبين المخضرمين وطموحات الشباب القادرين على التأقلم مع مختلف الأساليب والمنافسين. هذه التوليفة يمكن أن تشكل عاملاً للنجاح إذا ما تم استغلالها بشكل optimal من قبل الجهاز الفني للمنتخب في البطولة المقبلة على أرض المغرب. كل هذه العوامل مجتمعة، مدعومة بالدعم الرسمي والشعبي غير المحدود، قادرة على جعل نسخة كأس إفريقيا للأمم في المملكة المغربية نسخة تاريخية بامتياز، سواء على مستوى التنظيم أو الإنجاز الرياضي.