أيها الأصدقاء والطلاب، يا محبي الحكمة، لقد عدت إليكم من القرن السابع عشر.. لأتفقد أحوال الفلسفة، والمنهج، والكوجيطو، والرياضيات، وأخبار الاستدلال الهندسي.. فوجدت العقول تحتفل بميلاد فلسفة الكذب! يا للعجب، يا للمضرة.. يا للمهانة، صار الكذب "مشروعًا نقديًا"؛ تأويليًا، أنطولوجيًا.. أدبيًا، وبرنامجًا انتخابيًا. وصار الفيلسوف يُقاس بقدرته على تجميل الوهم وإقناع الجمهور بأن الحقيقة مجرد خطأ نحوي. في زمني، كان الجميع يقول: أنا أفكر إذن أنا موجود، ضدًا في عفاريت الكنسية وتماسيحها ونقدًا للجمود والعقم المدرسي.. اسألوا ميشال فوكو وجيل دولوز عن ذلك.. وقبلهما برتراند راسل. أما اليوم فالموضة الجديدة هي: أنا أكذب إذن أنا مؤثر. أو أنا تافه إذن أنا مؤثر.. أو أنا فارغ إذن أنا مؤثر.. يعيش البسطاء في طوفان من كوجيطو: الكذب، والتفاهة، والعقول الفارغة. كان الشك عندي طريقًا إلى اليقين، فأصبح عندهم طريقًا إلى "الترند". الكذب لم يعد خطيئة فكرية، أو أخلاقية كما قال صديقي إيمانويل كانط والقديس أغسطين. الكذب اليوم أصبح مهارة اتصالية، تدرس في جامعات التواصل الاجتماعي تحت عنوان: "كيف تكذب دون أن يلاحظك أحد؟" كيف تكذب فتركب الترند؟ كيف تكون فارغًا لتملأ الفضاء ضجيجًا؟ كيف تكون عميلًا لتفاهتك بنقرة واحدة؟ هم يكتبون مقالات عن "جمال الزيف"، ويدافعون عن "حق الكذاب في التعبير عن ذاته المتخيلة". يقولون إن الحقيقة مفهوم متقادم، و"الصدق ممل وغير تفاعلي". فاخترعوا لنا منطق التسلط.. كتب عنه الكاتب، تسلط بالتضليل واستفراغ التفاهة. وأنا أقول لهم: ما الفرق بين فيلسوف كهذا وبين مرآة مكسورة ترى ألف وجه ولا تعكس وجهًا واحدًا صحيحًا؟ أيها الفلاسفة الجدد، هنيئًا لكم.. اصمدوا.. راقبوا الحقيقة.. حاصروها، سفهوا الواقع.. جمدوه.. انسلخوا عن جلدكم.. خلعوه. إنكم لم تكتشفوا فلسفة الكذب، بل الكذب عن أنفسكم. وإذا كان العقل قد صار موظف دعاية، فدعوني أعود إلى قبري بكرامة، قبل أن أجبر على القول: أنا أضحك، إذن أنا موجود!