لم يكن ما سُمِّي إعلاميًا ب"قصر الكرملين" في بوسكورة قصرًا حقيقيًا، ولا يشبه الكرملين الروسي في شيء. التسمية نفسها كانت أول خدعة، وأول تمويهٍ شعبوي غذّته وسائل التواصل الاجتماعي، تارة بالتهويل، وتارة بالسخرية. وهكذا تحوّل مبنى تجاري، بزخرفة باذخة وقباب مدببة، إلى رمز وهمي لا يستحقه، ولا يحمل منه شيئًا. في العديد من المدن التاريخية الروسية، الكرملين مجمّع محصّن، عسكري–ديني–سياسي، بطراز تاريخي صارم ودلالات رمزية ترتبط بالسلطة والسيادة. أما في بوسكورة، فقد شاهد المغاربة بناءً حديثًا متخمًا بالزخارف، لكنه فارغ من أي مضمون قانوني. ورغم ذلك، استُخدم الاسم بسذاجة، أو لغايات تسويقية شعبوية. ومع كل هذه البهرجة في التسمية، لم يتمكن صاحب المشروع من تقديم أبسط ما يُطلب من أي صاحب محل صغير: وثائق قانونية تُثبت حقّه. لا رخص بناء، لا تصميم مصادق عليه، لا عقود مقاولات، لا تراخيص بتغيير طبيعة المشروع، ولا حتى سند ملكية معروض بشكل واضح. وكأننا أمام مشروع في منطقة رمادية، خارج رقابة الجغرافيا القضائية، لا في إقليم يُدار من صلب جهة الدارالبيضاء. ما أثار الانتباه في القضية لم يكن حجم المخالفة وحده، بل طريقة مخاطبة الرأي العام: لا وثائق، لا أدلة، لا مستندات. فقط أرقام تُلقى في الهواء، وحديث متكرر عن "16 مليار سنتيم" قيل إنها صُرفت. لكن السؤال ما زال قائمًا: أين هذه الأموال؟ أين دفاتر الحسابات؟ أين فواتير التوريد؟ أين العقود؟ أين الوثائق التي تثبت أن الاستثمار تم وفق القانون؟ الأدهى أن صاحب المشروع لم يقدّم مستندًا واحدًا يقلب الرواية. لم يقل للرأي العام: "ها هي الرخص، وها هي التصاميم، وهذه هي الفواتير". وحده الكلام حضر. أما الوثائق فظلّت غائبة. في هذه القضية، لا تشفع الملايير المفترضة، ولا العلاقات، ولا التجييش الإلكتروني الشعبوي. فما بُني على خروقات صريحة، لا يتم تصحيحه إلا بجرافة القانون. ما سُمِّي "كريملين بوسكورة" ليس سوى نموذج من ظاهرة مزمنة: مستثمرون حقيقيون أو متطفلون، يشيدون أولًا، ثم يبحثون لاحقًا عن الغطاء القانوني. هذا النمط لم يعد مقبولًا. سقط "قصر بوسكورة"، وسقطت معه التسمية المصطنعة التي رُوّجت له، وسقط أخطر الأوهام: أن من يملك المال، يملك الحق في تجاوز القانون.