حلّ بمدينة العيون، كبرى حواضر الصحراء المغربية، الخميس، وفدٌ برلماني إفريقي رفيع المستوى يمثل 18 دولة للمشاركة في الدورة العاشرة للجمعية العامة لشبكة البرلمانيين الأفارقة لتقييم التنمية (APNODE)، وذلك في إطار زيارة دبلوماسية لتعزيز حضور المملكة داخل الفضاء البرلماني الإفريقي وترسيخ موقع العيون كمنصة إقليمية تجمع بين أوراش التنمية المتقدمة ومجالات التعاون جنوب–جنوب. في هذا الصدد، قاد محمد ولد الرشيد، رئيس مجلس المستشارين، بمعية عبد السلام بكرات، والي جهة العيون الساقية الحمراء، وحمدي ولد الرشيد، رئيس جماعة العيون، أزيد من 120 عضوا من البرلمانيين والوزراء السابقين والخبراء في جولة ميدانية همّت مشاريع ضخمة ومرافق كبرى تجسّد التحولات الهيكلية التي تعرفها الأقاليم الجنوبية. استهلت الجولة بمحطة تحلية مياه البحر بالمرسى، حيث وقف الوفد البرلماني الإفريقي، الذي يقوده جيريمي أدوماهو، رئيس الجمعية العامة لشبكة البرلمانيين الأفارقة لتقييم التنمية، على التطور الكبير الذي حققه المغرب في مجال الأمن المائي، وقدرة هذه المنشأة على ضمان تزويد مستدام بالماء الشروب في ظل التحديات المرتبطة بندرة الموارد المائية. وخلال هذه الزيارة، عبّر عدد من النواب الأفارقة عن إعجابهم بالمستوى المتقدم للتجهيزات والآليات المعتمدة، وبنهج المملكة القائم على إدماج الطاقات المتجددة في منظومة إنتاج الماء، انسجاما مع رهانات الاستدامة والتحولات المناخية. وتوجّه الوفد بعد ذلك إلى منشآت فوسفاط بوكراع بالمرسى، حيث قدمت له عروض تقنية وبيانات حول منظومة استخراج ومعالجة الفوسفاط، باعتباره إحدى الركائز الاقتصادية الكبرى بالجهة، قبل أن يطلع البرلمانيون الأفارقة على سلسلة الإنتاج من الاستخراج إلى التصدير، وعلى البرامج الاجتماعية التي تشرف عليها مؤسسة فوسبوكراع في دعم الساكنة وفي تعزيز التنمية المحلية. كما زار الوفد الإفريقي مشروع المركز الاستشفائي الجامعي بالعيون، الذي بلغت نسبة الأشغال به 95%، بطاقة استيعابية تصل إلى 500 سرير وبميزانية تناهز 1.3 مليار درهم، قبل أن يقف أعضاء الوفد على التجهيزات الطبية الحديثة ومسارات استكمال اللمسات الأخيرة قبل الافتتاح المرتقب لهذه المنشأة الصحية، مؤكدين أن "هذا الصرح الصحي يعكس رؤية استراتيجية تروم جعل الأقاليم الجنوبية قطبا صحيا مرجعيا على المستوى القاري والإقليمي والوطني". شملت الزيارة أيضا مدينة المهن والكفاءات وكلية الطب، حيث قُدمت للوفد شروح حول البرامج التكوينية والورشات التطبيقية ومؤشرات الطاقة الاستيعابية، إلى جانب المسارات الموجهة للشباب المغاربة والأفارقة في تخصصات تستجيب لحاجيات سوق الشغل. وقد أبدى أعضاء الوفد تقديرهم للبنية البيداغوجية المتقدمة لهذه المؤسسات، التي تعكس، بحسبهم، "إرادة المملكة في جعل التكوين المهني والتعليم العالي ركيزتين أساسيتين للنموذج التنموي الجديد". وبموازاة الزيارات الميدانية، شدد العديد من البرلمانيين الأفارقة على أهمية الدينامية التي تعرفها الأقاليم الجنوبية منذ إطلاق النموذج التنموي سنة 2015، مشيرين إلى أن "المشاريع الكبرى التي وقفوا عليها تجسّد رؤية واضحة تجمع بين التنمية الاقتصادية والبعد الاجتماعي، وتؤكد قدرة المملكة على استثمار المؤهلات المحلية ضمن تصور شامل للتنمية". وفي هذا الصدد، قال جيريمي أدوماهو، رئيس الجمعية العامة لشبكة البرلمانيين الأفارقة لتقييم التنمية (APNODE)، إن وجوده بمدينة العيون يشكّل محطة دالة في مسار التعاون البرلماني الإفريقي، لافتا إلى أن "احتضان الأقاليم الجنوبية أشغال الدورة العاشرة للجمعية العامة يعكس المكانة المتقدمة التي باتت تحظى بها المملكة في مجالات الحكامة وتقييم السياسات العمومية". وأضاف عضو الجمعية الوطنية لجمهورية بنين، في تصريح خص به جريدة هسبريس الإلكترونية، أن "الجولة الميدانية التي قام بها الوفد إلى محطة تحلية مياه البحر بالمرسى بيّنت بجلاء حجم الاستثمار الذي تعبئه المملكة لضمان الأمن المائي"، موردا أن "قدرة المغرب على إنتاج مياه محلاة بتكلفة مناسبة وباعتماد الطاقات المتجددة، تُعد تجربة رائدة يتعين على الدول الإفريقية الاستفادة منها". وأكد المسؤول الإفريقي أن "ما شاهده خلال الزيارة يترجم التقدم النوعي في الهندسة التقنية المستعملة، سواء في اعتماد المياه البحرية المباشرة أو المياه المستخرجة من الآبار العميقة"، مشيرا إلى أن "جودة المياه بعد المعالجة كانت جد ممتازة، وأن هذا النموذج يمكن أن يشكّل بارقة أمل للدول التي تعاني من ندرة الموارد المائية". وأوضح جيريمي أدوماهو أن المحطة الثانية للجولة، المتعلقة بالمنشآت الفوسفاطية بمرسى العيون، أبرزت بدورها حجم الاستثمارات المتراكمة عبر سنوات، موردا أن "سلسلة الإنتاج من مرحلة الاستخراج إلى المعالجة ثم التصدير، تعكس رؤية استراتيجية تجعل من فوسبوكراع رافعة تنموية حقيقية ومصدرا لإحداث قيمة مضافة داخل الأقاليم الجنوبية". وبخصوص الدينامية الاقتصادية التي لمسها خلال زيارته، قال المتحدث إن المشاريع المهيكلة بالصحراء المغربية تُترجم رؤية تنموية يقودها الملك محمد السادس، مضيفا أن "هذه الرؤية مكّنت من إطلاق أوراش كبرى في مجالات الصحة والتعليم والتكوين، بما في ذلك المركز الاستشفائي الجامعي وكلية الطب ومدينة المهن والكفاءات، وهي منشآت تُجسّد تحولا عميقا في بنية العرض العام داخل الجهة". ولفت رئيس الوفد الإفريقي إلى أن المغرب يعد اليوم نموذجا قاريا في مجال تقييم السياسات العمومية، بحكم إدماج هذا المبدأ في دستوره وتمكين البرلمان من آليات التتبع وقياس الأثر، مشددا على أن "عددا من الدول، على غرار السنغال وكوت ديفوار، شرعت في اعتماد الآليات نفسها، فيما تواصل دول أخرى، منها بنين، العمل على تطوير منظومتها التشريعية في هذا الاتجاه". وذكر أن الندوة التي ستحتضنها العيون في إطار اجتماع شبكة "APNODE"، "ستشكل مناسبة لتقاسم الخبرات بين الحكومات والبرلمانات والمؤسسات الدستورية والجامعات، بغرض تعزيز ثقافة التقييم ورصد فعالية السياسات العمومية". وخلص رئيس الجمعية العامة لشبكة البرلمانيين الأفارقة لتقييم التنمية إلى أن"التحديات المتزايدة المرتبطة بالمناخ والجيو-سياسة وندرة التمويل، تجعل من التقييم ضرورة استراتيجية"، مؤكدا أن "الهدف المشترك يتمثل في تمكين البرلمانات الإفريقية من اتخاذ قرارات مبنية على المعطيات والأثر، وهو الشيء الذي يضمن توجيه الموارد نحو حاجيات الشعوب الإفريقية وتحقيق تنمية مستدامة وشاملة". ويأتي احتضان العيون لأشغال الجمعية العامة لشبكة "APNODE" تتويجا للمجهودات التي يبذلها مجلس المستشارين في تعزيز الدبلوماسية البرلمانية المغربية، وتوسيع حضور المملكة داخل الفضاء التشريعي الإفريقي. كما يُبرزُ حجمُ الوفود المشاركة ونوعية المشاريع التي تمت معاينتها مكانةَ العيون المتنامية كمنصة إفريقية للتفكير في قضايا التنمية والتخطيط والحكامة، وواجهة من واجهات مغربية الصحراء التي باتت تقدّم نموذجا تنمويا متكاملا يستقطب اهتمام الشركاء الإقليميين والدوليين.