بعد سنوات من الصراع في سوريا وما رافقه من تدهور اقتصادي واسع النطاق، تشير تقديرات رسمية وتصريحات صادرة عن خبراء اقتصاديين محليين إلى وجود تحولات ملموسة في مسار الاقتصاد السوري خلال العام الأخير منذ سقوط نظام الرئيس السابق بشار الأسد، مدفوعة بحزمة سياسات حكومية تستهدف إعادة تنشيط القطاعات الإنتاجية وتثبيت الاستقرار المالي. وقال الخبير في الشأن الاقتصادي علي محمد، إن "دمشق شرعت منذ العام الماضي في تنفيذ ما يوصف ببرنامج تعافٍ تدريجي، مستفيدة من استقرار نسبي في المناطق التي استعادت الحكومة السيطرة عليها". ويرى محمد علي أنّ نجاح بعض الإجراءات الاقتصادية كان ممكنا رغم استمرار العقوبات الخارجية جزئيا، مشيرا إلى دور دعم سياسي واقتصادي من دول إقليمية مثل السعودية وتركيا في تسريع بعض الملفات الاقتصادية. ومن أبرز الخطوات التي اتخذتها حكومة المرحلة الانتقالية في سوريا، بحسب الخبير الاقتصادي ذاته، إعادة تفعيل القطاعات الإنتاجية، عبر توجيه الدعم نحو إعادة تحريك الصناعة والزراعة باعتبارهما ركيزتين أساسيتين في تأمين احتياجات السوق المحلية وتقليص عجز الميزان التجاري. وأشار إلى أنّ تطوير استراتيجية تعنى بدعم الإنتاج الزراعي أسهم في رفع مستويات الاكتفاء الذاتي، خصوصا في المنتجات الغذائية الأساسية، ما خفّض الضغط على الواردات في ظل محدودية القدرة على الاستيراد. وفي قطاع الطاقة، أكد محمد علي وجود تحسّن متدرّج في إنتاج النفط والغاز في المناطق التي شهدت استعادة العملية الإنتاجية، بعد إعادة تأهيل منشآت حيوية، واعتبر أنّ هذه الخطوة "محورية" في ضمان إمدادات أكثر استقرارا للكهرباء والوقود، وبالتالي دعم خطوط الإنتاج المحلية التي تأثرت على مدى سنوات بفجوات الطاقة. إلى جانب ذلك، بتابع الخبير الاقتصادي، اعتمدت الحكومة حزمة حوافز استثمارية عبر تخفيف الأعباء الضريبية وتسهيل الإجراءات الإدارية، ما سمح بعودة تدريجية لبعض الصناعيين إلى العمل، خصوصا في القطاعات الخفيفة والمتوسطة، وهو ما انعكس على مستويات التوظيف ووتيرة النشاط الاقتصادي. وعن السياسة المالية والنقدية والمساعي لضبط السوق، قال محمد علي: "على المستوى النقدي، سجّل سعر صرف الليرة السورية درجة من الاستقرار النسبي خلال الفترة الأخيرة، مدفوعا بإجراءات تقييد حركة السيولة، وتعزيز الرقابة المصرفية، وإعادة هيكلة مؤسسات مالية حكومية. وتشير تقديرات محلية إلى دخول استثمارات محدودة من رجال أعمال سوريين في الخارج، ما وفر سيولة داعمة لمشاريع محلية". في السياق ذاته، ذهب الخبير الاقتصادي ياسر المشعل إلى حد اعتبار عام 2025 "محطة مفصلية" في السياسات الاقتصادية للحكومة السورية بقيادة الرئيس السوري للمرحلة الانتقالية أحمد الشرع، موضحا أنّ الإدارة الاقتصادية اعتمدت نهجا أكثر تركيزا على دعم الإنتاج المحلي وتقليل التبعية للمصادر الخارجية. وأشار المشعل إلى إطلاق برامج تمويل موجّهة للمزارعين، مع توفير دعم لوجستي لتأهيل الأراضي وتسهيل الحصول على المواد الزراعية، وهو ما انعكس على زيادة إنتاج القمح ومحاصيل أخرى ذات أولوية في سلة الأمن الغذائي. وفي قطاع الصناعة، تعمل الحكومة، بحسب المشعل، على إعادة تفعيل مصانع الأدوية والمواد الغذائية ومواد البناء عبر توفير مدخلات الإنتاج وتسهيل دخول استثمارات جديدة، مع التركيز على جذب رؤوس أموال إقليمية. وعن الانفتاح الإقليمي وتوسّع العلاقات التجارية، أشار الخبير الاقتصادي إلى أن دمشق تحاول أيضا توسيع قنوات تعاونها الاقتصادي في محيطها المباشر؛ إذ تم توقيع اتفاقيات تجارية واستثمارية مع العراق ولبنان، إضافة إلى تعزيز التنسيق مع روسيا والصين في مجالات الطاقة والبنى التحتية والصناعة التحويلية. ويرى المشعل أنّ هذا الانفتاح "اتجاه ضروري" لإيجاد منافذ جديدة للمنتجات السورية واستقطاب تدفقات استثمارية تساعد في تعويض فجوات الموارد الداخلية. وخلص الخبيران الاقتصاديان إلى أنه على الرغم من أنّ الاقتصاد السوري لا يزال يواجه تحديات جوهرية تتمثل في محدودية الموارد، واستمرار العقوبات، وضعف البنى التحتية، وارتفاع كلفة إعادة الإعمار، إلا أن المؤشرات التي قدّماها تشير إلى بداية تحرك في عجلة الإنتاج، وتوجه حكومي نحو إدارة أكثر تشددا للقطاع المالي، ومحاولة بناء شراكات اقتصادية أوسع. ومع ذلك، تبقى قدرة هذه السياسات على تحقيق تحول مستدام مرهونة باستقرار بيئة الأعمال، وتوسّع نطاق الاستثمارات الخارجية، وتخفيف القيود الخارجية التي لا تزال تفرض ضغوطا على الاقتصاد الوطني. ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري السابق بشار الأسد، تدعو الإدارة السورية الجديدة المجتمع الدولي لإسقاط العقوبات التي كانت فُرضت على النظام السابق، لإنعاش الاقتصاد المنهك جراء النزاع الذي بدأ عام 2011. وكانت المعارضة السورية المسلحة، بقيادة أحمد الشرع، قد تمكّنت من دخول العاصمة دمشق يوم 8 دجنبر 2024، والسيطرة على مفاصل الدولة والإعلان عن إسقاط نظام الرئيس بشار الأسد، الذي فر هاربا خارج البلاد، بعد معارك مع القوات النظامية استمرت نحو 12 يوما بدأت في ريفي حلب وإدلب. ونهاية يناير 2025، أعلنت الإدارة السورية الجديدة قرارات عدة، أبرزها تولي القائد العام للإدارة الجديدة في سوريا، أحمد الشرع، رئاسة البلاد في المرحلة الانتقالية، علاوة على تعليق العمل بالدستور وحل مجلس الشعب.