خرج ذات صباح مشمس يحمل لافتة و مكبر صوت و قد قرر المشي في مسيرة نقابية صرخ فيها بأعلى صوته مطالبا بمغرب الكرامة و الحرية والعدالة الاجتماعية. عند المنعطف و قبل أن يتحرك هو و أصدقاءه يسارا، نحو الساحة حيث تختلط أصوات الفقراء بهديل الحمام و خرير مياه نافورة يتهددها الزوال، أغار رجال الأمن بزيهم الرسمي كما المدني على الشباب الذين تجاوزت شعاراتهم سقف انتقاد الحكومة الى انتقاد الملك فحُمِّلوا بالنواصي و الإقدام، داخل "سطافيتات" تحولت الى حلبات كيكبوكسنغ، نحو مفوضية الشرطة قبل إيداعهم السجن و متابعة تسعة منهم بتهم تبعث على الضحك. قالت السلطات، في محاضر رسمية، أن الشباب غرباء ومدسوسون وعنيفون لفظا وسلوكا وأن منظمي المسيرة طلبوا من الأمن التدخل للحيلولة دون حدوث الأسوأ. بعد أيام خرجت قيادات النقابات الثلاث تندد، في بيان رسمي، بالاعتقال "الذي يعيد الى المغرب الى الوراء.." بل وقع المنظمون المباشرون للمسيرة النقابية توضيحا يقولون فيه أنهم لم يتصلوا بأي شكل من الأشكال بعناصر الأمن ولم يطلبوا من أية جهة كانت التدخل في حق أي طرف من أطراف المسيرة لأن المسيرة "كانت مفتوحة في وجه عموم الموطنين..". نحن إذن أمام جهاز شرطة وله رأي سياسي لا يتفق مع ذلك الذي عبر عنه الشباب إبان مسيرة أبريل وهو ما جعل الشرطة، كتيار سياسي، تخون هويتها المؤسساتية وطبيعتها في إنفاذ القانون وتستعمل "العنف الشرعي" لتحييد معارضيها من الفضاء العام ! إن ما حدث في مسيرة 06 أبريل بمدينة الدارالبيضاء أمر خطير جدا ويظهر بشكل جلي أننا في بلد "سكيزو" خطابه متبجح بالانفتاح وسلوكه موغل في السلطوية. لقد ارتفع عدد النشطاء السياسيين الشباب في سجون المملكة بشكل كبير ففتحت الزنازين أبوابها منذ سنة 2011 لعدد من الطلبة و العاطلين المنخرطين في حركات مطالبة بالشغل و نشطاء اختاروا الاستمرار في التعبير عن غضبهم بعد انتهاء الحراك الشعبي معتمدين في احتجاجهم على التظاهر السلمي كوسيلة من وسائل النضال الديمقراطي. إن المتابع لهذه المحاكمات يفهم بشكل جلي أن القضاء كان أداة طيعة للانتقام ممن لم يروا في خطاب 9 مارس مدخلا للإصلاح و لم يجدوا في دستور المملكة الجديد وثيقة للانتقال نحو وطن الحرية والعدالة والرفاه. لقد وقف سمير برادلي، والى جانبه نو السلام القرطاشي و ليلى نسيمي و عدد من زملائه المعتقلين على خلفية مسيرة نظمت بسيدي البرنوصي صيف 2012، (وقف) أمام هيئة محكمة بعين السبع يحمل قميصه المدرج بالدماء و يشير ببنانه الى الجرح العميق الذي رسمته عصا السلطات على جمجمة الشاب إبان الحراسة النظرية غير أن القاضي لم يرف له جف و لم ينتصر لقسم الحياد و لم يكلف نفسه عناء التأكد من صحة الادعاءات. لقد غاب عن محاكمة الشباب كل رجال الأمن الذين قالوا أنهم تعرضوا للتعنيف و كل أصحاب المحلات الذين ذكروا أن محلاتهم و تجارتهم تعرضت للتلف بينما حضر كل شهود النفي الذين أكدوا، و قد حلفوا اليمين، أن سمير برادلي و من معه كانوا مسالمين مبتسمين كعادتهم وهم يسخرون من المخزن عبر شعراتهم المكتوبة بلغة دارجة و المغناة بلحن معاناة الأحياء الشعبية التي أنتجتها. إن السلطة اليوم تغظ الطرف بشكل ممنهج عن التعذيب اللفظي و الجسدي الذي يتعرض له جل المعتقلين إبان مراحل التحقيق الأولى كما تستمر محاكم المملكة في اعتماد محاضر الضابطة القضائية كقرآن منزل منزه لا يأتيها الخطأ من خلفها و لا من بين أيديها أما القضاة فلا يترددون في إنزال أحكامهم المنطوقة بإسم الملك على رؤوس ذئاب اتهمت بافتراس يوسف و "لو طارت معزة" ! قضى معاذ بلغوات عقوبتين حبسيتين نافذتين لا لشيء إلا لأنه اختار الغناء معتمدا على كلمات لم تكتب بمداد المدح و الثناء كما توبع علي أنوزلا في قضية عبثية عابثة تتجاوز خيال "كافكا" و تهمة الصحفي جرأته و وضوح كلماته التي كانت تنفذ نحو أماكن مغلقة أحاطتها أسوار القداسة و الأسطرة. في سجن عكاشة، عين قادوس، القنيطرة، مراكش، أكادير، الصويرة، تزنيت.. شباب من الريف و من الوسط و من الصحراء... إسلاميون و يساريون، مأسورون في زنازين جدرانها عنف و عفن تنخرهم الأمراض الجلدية و التعفنات الرؤية و قرحة المعدة و الأمعاء نتيجة الاكتظاظ وسوء التغذية. لقد استطاع المغرب طي صفحات "سنوات الرصاص"، حيث اعتمدت الدولة عبر أجهزتها الاختطاف القسري و التصفية الجسدية للقضاء على المعارضين السياسيين، ففتح صفحة "سنوات الرصاص المطاطي" بعدما استبدلت أجهزة الدولة المتحكمة الرصاصة الحية برصاصة أخرى متمثلة في إظهار المعارضة السياسية الجديدة في ثوب تجار المخدرات و دعاة عنف و غيرها من التهم الملفقة التي تستهدف التصفية الرمزية اعتمادا على مساطر شكلية و محاكمات صورية أثبت بالملموس أننا دولة قانون جائر قُطِع فيها حبل الصرة مع الحق و الحقوق. رحم الله إدريس بنزكري و رحم معه توصيات هيئة الإنصاف و المصالحة. إن للقمع وإن إليه لعائدون !