" حكمت الغرفة الابتدائية في محكمة الاستئناف في سطات، بالإعدام في حق المتهم باغتصاب وقتل الطفلتين". كذا جاء الحكم القضائي ليرمّم ما تكسّر داخل والديْ الصغيرتين سارة وأمل، وداخلَ كلّ مواطنٍ شريف هزّه يومئذٍ خبرُ الجريمة. فهل يكفي الوالدين عزاءً أن يريا جثةَ الوحش تتدلى من حبل المشنقة؟ هل يكفي مثلُ هذا الحكم كلّ الأمهاتِ والآباءِ كي يطمئنوا على أطفالهم ولا يخافوا؟ من المؤكد أن القاضي، وهو يصدر أقصى عقوبة يستحقها هذا المجرم، لم يكن يسعى إلى حرمانه من الحياةِ فحسب، فالموتُ شنقاً أو لن يذيقَه العذابَ الذي أذاقه لضحيتيه وهو يغتصبُهما قبل أن يقتلهما. بل كان يعجّل بإرساله إلى الجحيم، حتى يَأْتِيَهِ عَذَابٌ غَلِيظ.حيث يصلى نَاراً كُلَّمَا نَضِجَ جلدُه بُدّل جلدا غَيْرَه، يُصبُّ فوقه الحميم، وإن يَستغثْ يُغَثْ بقيْحٍ يشوي الوجوه... يا ألله، هذا هو العقابُ الذي يعزّي حقّاً والدين مكلومين جدا جدا جدا. ولو كان بإمكانهما أن يريا ذلك في الدنيا لناشدا القاضي أن أرِنا عذابَه. ولكنها منظمات حقوق الإنسان ستنهضُ، وقد يتحول السفاح إلى ضحية تُذرف من أجله الدموع، وتُدبّج لإغاثته البيانات. فماذا لو لم يكن هذا المغتصبُ الطفلتين قاتلَهما؟ أكان القاضي سيرسله إلى الجحيم كما فعل الآن أم كان سيرسله إلى السجن ولو لثلاثين سنة كما حدث مع المجرم الإسباني دانيال؟ هل يدرك حرّاس العدالة أنهم لما يحكمون بالسجن على منتهكي أعراض الأطفال فإنهم ما أنصفوا الضحايا ولا عاقبوا المجرمين؟ هل يدركون إلى أيّ حدٍّ تسْودّ الحياةُ في عيون الضحية وذويها إذ الجاني ينعمُ في سجنه بالحياة؟ يأكلُ يشربُ يدخّن ينام يستحمّ يضحكُ يلعبُ يحلمُ... محرومٌ هو فقط من رؤيةِ العالم الذي ارتكب فيه جريمتَه، محرومٌ هو من العيش فيه الآن، لكنه بعد حين، وبانتهاء المدة أو بخطأ إداري، سيعود، سيعود إلى الحياة بكل معانيها، في الوقت الذي يستعصي على الضحايا أن يستعيدوا عمقَ الحياة. كم هو مفجعٌ ألا تكون العقوبة بحجم الجريمة، وكم هو مستفزٌّ لضمائرنا ولآدميتنا ولقوانيننا ألا يردَع السجنُ هؤلاء المجرمين، إذ يواصلون بعد السراحِ ارتكابَ جرائمهم، وليس غريبا أن يعاودوا. فهؤلاء المجرمون مرضى مدفوعون بشهواتهم الجنسية. ولأنهم مرضى وشهوانيون فلن يتوقفوا. ومثلما أوجد الإسلامُ عقوبةً للسارقين أنِ اقطعوا أيديهم بما كسبوا نَكالاً من الله، حتى يكفّ السارقُ المُدان مرغماً، ويُردع أمثالُه الطلقاءُ خائفين... فكذاك المغتصبُون المتحرشون بالأطفال ينبغي أن يلقوا ذات الجزاء. ليت لنا قانوناً يحكم على المتحرشين بالأطفال ومغتصبيهم بالإخصاء. اُخْصوهم، اِخْصُوهم، جرّدوهم من ذكورتِهم فحولتِهم التي وسوس لهم شيطانهم/ مرضُهم ليعيثوا بها في الأرض فسادا. إن يُخْصَواْ يُرْدعوا، ويفهموا معنى الشعور بالألم والخزي. ليت قانونا بعد ذلك يأتي، يجرّد هؤلاء المخصيين من كل حقوقهم السياسية كي يدركوا معنى الإحساس بالنبذ. من الضروري أن يُحرموا من كل ما يمكن أن يعيد إليهم الشعور بالقوة مجددا، فلو باشروا حقوقهم بعد إخصائهم، لربّما يصلُ بعضُهم إلى أعلى مواقع المسؤولية. ونصبحُ على ما فعلنا نادمين. ويا ويلَ بلدٍ فيها برلماني مخصيّ، أو وزير مخصيّ، أو نقابيّ مخصيّ، أو سياسيّ مخصيّ. "حكمتِ المحكمة"... متى تصبح هذه العبارة المهيبةُ ضربةً قاصمةً حقّاً للمجرمين، وضمانةً حقيقيةً لقرينات سارة وأمل كي يواصلْن الحياةَ؟