طنجة.. توقيف المتورط الرئيسي في سرقة قبعة "كوتشي" بحي بئر الشعيري    "كان فوتسال السيدات" يفرح السايح    عادل الفقير    محمد وهبي: كأس أمم إفريقيا لأقل من 20 سنة (مصر – 2025).. "أشبال الأطلس" يطموحون للذهاب بعيدا في هذا العرس الكروي    حكومة أخنوش تُطلق أكبر مراجعة للأجور والحماية الاجتماعية    الملك يهنئ أعضاء المنتخب الوطني لكرة القدم داخل القاعة للسيدات بمناسبة فوزه بكأس إفريقيا للأمم 2025    نواب بريطانيون عن الصحراء المغربية: مخطط الحكم الذاتي محفّز حقيقي للتنمية والاستقرار في المنطقة بأكملها    سيدات القاعة يفلتن من فخ تنزانيا في ليلة التتويج بلقب كأس إفريقيا    افتتاح فندق فاخر يعزز العرض السياحي بمدينة طنجة    ترامب يستقبل رئيس الوزراء الكندي    انطلاقة أشغال المركز الفيدرالي لتكوين لاعبي كرة القدم بالقصر الكبير    منتخب المغرب لأقل من 20 سنة يدخل غمار كاس افريقيا للأمم غدا بمصر    بهدف قاتل.. منتخب السيدات للفوتسال يتوج بلقب الكان في أول نسخة    زخات رعدية مصحوبة بتساقط البرد وهبات رياح قوية مرتقبة بعدد من أقاليم المملكة    جهة طنجة-تطوان-الحسيمة تتصدر تعيينات الأطباء المتخصصين لسنة 2025 ب97 منصباً جديداً    طنجة .. كرنفال مدرسي يضفي على الشوارع جمالية بديعة وألوانا بهيجة    عبد النباوي: العقوبات البديلة علامة فارقة في مسار السياسة الجنائية بالمغرب    الاستيلاء على سيارة شرطي وسرقة سلاحه الوظيفي على يد مخمورين يستنفر الأجهزة الأمنية    خبير صيني يحذر: مساعي الولايات المتحدة لإعادة الصناعات التحويلية إلى أراضيها قد تُفضي إلى نتائج عكسية    تجار السمك بالجملة بميناء الحسيمة ينددون بالتهميش ويطالبون بالتحقيق في تدبير عقارات الميناء    سلطات سوريا تلتزم بحماية الدروز    مأسسة الحوار وزيادة الأجور .. مطالب تجمع النقابات عشية "عيد الشغل"    القصر الكبير.. شرطي متقاعد يضع حداً لحياته داخل منزله    موتسيبي: اختيار لقجع قناعة راسخة    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها على وقع الأخضر    إدريس لشكر …لا ندين بالولاء إلا للمغرب    المغرب يتلقّى دعوة لحضور القمة العربية في العراق    المغرب يواجه حالة جوية مضطربة.. زخات رعدية وهبات رياح قوية    مُدان بسنتين نافذتين.. استئنافية طنجة تؤجل محاكمة مناهض التطبيع رضوان القسطيط    الإنتاج في الصناعات التحويلية.. ارتفاع طفيف في الأسعار خلال مارس الماضي    الشخصية التاريخية: رمزية نظام    فلسفة جاك مونو بين صدفة الحرية والضرورة الطبيعية    دراسة.. الأوروبيون مستعدون للتخلي عن المنتجات الأميركية    وزارة الأوقاف تحذر من الإعلانات المضللة بشأن تأشيرات الحج    العراق ولا شيء آخر على الإطلاق    إلباييس.. المغرب زود إسبانيا ب 5 في المائة من حاجياتها في أزمة الكهرباء    مسؤول أممي: غزة في أخطر مراحل أزمتها الإنسانية والمجاعة قرار إسرائيلي    انطلاق حملة تحرير الملك العام وسط المدينة استعدادا لصيف سياحي منظم وآمن    العلاقة الإسبانية المغربية: تاريخ مشترك وتطلعات للمستقبل    الإمارات تحبط تمرير أسلحة للسودان    ندوة وطنية … الصين بعيون مغربية قراءات في نصوص رحلية مغربية معاصرة إلى الصين    رحلة فنية بين طنجة وغرناطة .. "كرسي الأندلس" يستعيد تجربة فورتوني    ابن يحيى : التوجيهات السامية لجلالة الملك تضع الأسرة في قلب الإصلاحات الوطنية    فيلم "البوز".. عمل فني ينتقد الشهرة الزائفة على "السوشل ميديا"    المغرب يروّج لفرص الاستثمار في الأقاليم الجنوبية خلال معرض "إنوفيشن زيرو" بلندن    مهرجان هوا بياو السينمائي يحتفي بروائع الشاشة الصينية ويكرّم ألمع النجوم    جسور النجاح: احتفاءً بقصص نجاح المغاربة الأمريكيين وإحياءً لمرور 247 عاماً على الصداقة المغربية الأمريكية    مؤسسة شعيب الصديقي الدكالي تمنح جائزة عبد الرحمن الصديقي الدكالي للقدس    حقن العين بجزيئات الذهب النانوية قد ينقذ الملايين من فقدان البصر    اختبار بسيط للعين يكشف احتمالات الإصابة بانفصام الشخصية    دراسة: المضادات الحيوية تزيد مخاطر الحساسية والربو لدى الأطفال    دراسة: متلازمة التمثيل الغذائي ترفع خطر الإصابة بالخرف المبكر    اختيار نوع الولادة: حرية قرار أم ضغوط مخفية؟    التدين المزيف: حين يتحول الإيمان إلى سلعة    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    كردية أشجع من دول عربية 3من3    وداعًا الأستاذ محمد الأشرافي إلى الأبد    قصة الخطاب القرآني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التوكال.. هل هو وهم أم حقيقة؟
نشر في هسبريس يوم 03 - 07 - 2010

تنهدت ندى بعمق وهي تصف لصديقتها هند ما تكابده من ضمور جسدها بسبب انسداد شهيتها للطعام وشعورها بآلام حادة في البطن، معبرة عن حيرتها من هذا المرض، الذي لم يجد له الأطباء الذين زارتهم دواء ناجعا يضع حدا لمعاناتها.. فجأة مطّت شفتيها وضغطت بأصابع يدها اليمنى فوق صدرها النحيف لتكشف لزميلتها، التي تتابع حديثها بتأثر واهتمام، عن شعورها بغصة مستمرة بين النحر والمريء والمعدة، تُعسر عليها ابتلاع الطعام والشراب وتضيّق عليها التنفس...
هنا اتسعت حدقتا عيني هند فاندفعت وكأنها كشفت الداء الذي يؤرق رفيقتها ندى، ثم صاحت قائلة: "إنه التوكال يا صاحبتي.. أنا أيضا مررت بنفس حالتك، لكني اليوم استرجعت صحتي بعد أن عولجت منه".
ولم تنتظر هند (21 سنة) أن تطرح عليها ندى (20 سنة) السؤال البديهي الذي يشغل بالها، وهو: "كيف عولجت من المرض؟"، لكنها مضت تسرد عليها قصتها بكل تفاصيلها، فقالت: "قبل سنة خطبني من أهلي شاب، وبينما كنا نحتفل بتلك المناسبة مع الأهل والجيران، أهدتني فتاة من الجيران حلوى لم أكن أتوقع أنها ستقلب حياتي حينما سآكلها".
قاطعتها ندى التي علت علامات الدهشة وجهها الشاحب، لتسألها إن كانت قد أكلت الحلوى أم لا؟ فاستطردت هند قائلة: "بالطبع أكلتها، وما هي إلا فترة حتى بدأت صحتي في التدهور شيئا فشيئا.. وبدأت شهيتي للأكل تقل بشكل كبير.. وتطورت الأمور إلى أن صرت حادة الطباع وعصبية المزاج وكثيرة الإغماء، وهو ما أرغمني على الانقطاع عن الدراسة حينها".
"وماذا بينك وبين تلك الفتاة حتى تفعل بك كل هذا؟"، تسأل ندى رفيقتها هند التي تدرس معها في نفس المؤسسة التعليمية بدمنات، فتجيب: "لم أكن أعلم أن تلك الفتاة كانت تود الارتباط بخطيبي، فعمدت إلى التخلص مني بتلك الطريقة لكي يخلو لها الطريق.. وهو ما تأتى لها فعلا، إذ فسخ أهلي خطوبتي منه بمجرد حدوث الواقعة".
وشرعت هند تحكي لندى قصتها الماراطونية للبحث عن العلاج، وكيف أن أهلها طرقوا جميع الأبواب الممكنة وعرضوها على عدد من الأطباء المختصين من أجل معالجتها من الداء الذي ألمّ بها فجأة، وبينت كل الكشوفات التي أنجزت عليها أنها تعاني من "قرحة المعدة"، لكن لم تنفع كل الأدوية التي ابتلعتها في تخليصها من المرض الذي نغص عليها حياتها، حسب تعبيرها.
وأضافت أن أهلها اضطروا إلى تغيير الاتجاه صوب الطب التقليدي، حيث عرضوها على معالج مختص في "إزالة التوكال"، فأخضعها لعدة جلسات تقيؤ انتهت بإفراغها لما كان في أحشائها من سم، كما قالت.
رحلة البحث عن العلاج
صبيحة الأحد الماضي، كانت ندى على موعد مع صديقة أخرى تعاني من نفس الأعراض. سلمى (17 سنة)، بدورها تحس منذ مدة وكأن شيئا ما يجثم على صدرها ويُفقدها شهيتها للأكل، لذلك قررت مرافقة ندى لزيارة أحد معالجي "التوكال" بمنطقة سيدي رحال (إقليم قلعة السراغنة)، بعد أن أقنعتهما هند بتجريب ذلك.
عندما دقت الساعة التاسعة صباحا، كانت سيارة أجرة قادمة من مدينة دمنات قد قذفت بندى وسلمى و"أخبار اليوم" قرب الطريق المؤدية إلى قرية "تازمّورت"، حيث يقطن معالج "التوكال" المقصود.
قالت ندى "إن هناك شرطا ضروريا هو عدم الإفطار، لذلك استيقظنا باكرا لنصل في وقت باكر"، فقاطعتها سلمى وهي تضع يدها على بطنها مشتكية من الجوع قائلة: "أتمنى ألا نجد المكان مزدحما بالناس لأني لن أتحمل الإحساس بالجوع كثيرا".
تتبعنا خطوات ندى وسلمى وترجّلنا عبر المسلك المترب المحاط بالقصب وأشجار الزيتون، ثم اخترقنا أربعة محلات تعرض ديكورات عبارة عن أحجار متلألئة محلية الصنع، قبل أن نصل إلى بيت "الشريف مولاي ابراهيم".
كان باب بيته المُشرع يعجّ بأصناف مختلفة من الناس الغرباء عن المنطقة، أما جوانب الطريق التي تخترق الدوار فقد كانت مكتظة بسيارات مختلفة الأحجام والأنواع، وتشير لوحات ترقيمها إلى أنها آتية من مدن بعيدة.
ما إن دلفنا إلى بهو المنزل حتى لاح لنا طابور طويل من النساء والرجال يجلسون على كراس بلاستيكية بيضاء، داخل قاعة الانتظار وخارجها، بينما "الشريف" كان يستقبل -في كل ربع ساعة تقريبا- 3 أو 4 زوار في غرفة مجاورة.
زبائن من كل مكان
داخل غرفة الانتظار، كان بعض الزوار يتبادلون أطراف الحديث مع الآخرين محاولين كسر الصمت الذي لم يكن يقطعه سوى أصوات سعال حاد يصدر عن أحدهم. كانوا يخوضون في أي موضوع يشغلهم عن سماع أصوات التقيؤ، التي تبلغ آذانهم من الغرفة المجاورة...
تطوعت إحدى النسوة وسألت –بلكنة مراكشية- امرأة أخرى تجلس قبالتها إن كانت قد خضعت لهذا العلاج من قبل، فأجابتها بأن هذه هي الجلسة الثالثة بالنسبة إليها، وقالت إنها تتكبد عناء السفر من جماعة "تاكلا" بإقليم أزيلال تاركة وراءها 5 أطفال بينهم بنت حديثة الولادة.
ولم تتردد المرأة الثلاثينية في الثناء على المعالج الذي وجدت على يديه الشفاء من مرض "المصران الغليظ"، على حد تعبيرها.
ويبدو أن الحديث الذي دار بين المرأتين استأثر باهتمام الآخرين، الذين أبدوا اهتماما بالغا بكلام المرأة الأخيرة، وبدأ كل منهم يستفسرها حول ما إذا كانت بركة "الشريف" ستنفع مع العلة التي جاء من أجلها.
فجأة التفت أحد الرجال إلى عمر (ملالي في الخمسينات من عمره)، الذي لم ينقطع سعاله، ليسأله عن سبب تأزم وضعه الصحي إلى هذا الحد، ليردّ عليه وهو يخرج من جيب قميصه علبة سجائر وأشار إليها وقال بصوت متحشرج وكلمات مقتضبة، إن التدخين هو الذي نخر صدره. وأضاف، وهو يغالب السعال، أنه يتقيأ ويسعل دما، لكنه لا يقدر على ترك التدخين.
هنا بدأت عبارات اللوم والعتاب في التقاطر عليه من كل جانب.. واصفين إياه بالمُلقي بنفسه إلى التهلكة والموت.. وهكذا استمر الحديث عن التدخين وعواقبه بالرغم من انصراف عمر إلى غرفة العلاج بعد حلول دوره...
قياس التوكال
بابتسامة عريضة يستقبل "مولاي ابراهيم" زواره ويدعوهم إلى الجلوس داخل غرفة العلاج: غرفة مستطيلة الشكل ومفروشة بحصير وزربية ووسائد، تستقبل 3 إلى 4 راغبين في العلاج في نفس الآن. على الجانب الأيمن منها، توجد مقصورة يضع فيها "الشريف" لوازمه ومستحضراته.
ما إن يأخذ الزوار أماكنهم ويجلسون القرفصاء، حتى يتقدم نحوهم "الشريف"، الذي يضع حبلا متينا حول عنقه كما يصنع الأطباء مع سماعة الأذن، فيشرع في عملية قياس "التوكال" لكل واحد منهم.
يمسك أصابع اليد اليمنى لزبونه أو زبونته فيبدأ في قياس الأصابع بالحبل، بحيث يضع طرف الحبل عند بداية الأصبع وينتهي به عند حافته، ثم يضع النقطة الأخيرة من الحبل عند بداية الأصبع الموالي وهكذا حتى يحاكي الحبل شكل أصابع اليد اليمنى بدقة.. بعدها يضع النقطة الأخيرة من الحبل على مرفق نفس اليد، ثم يمده باتجاه السبابة، فإذا كان الحبل يتجاوز الأصبع، فإن صاحب اليد سليم من "التوكال"، أما إذا وقع طرف الحبل على الأصبع فذلك يعني أن الزبون مريض وفق منطق "الشريف".. ويحدد المعالج درجة مرضه استنادا إلى المسافة التي تفصل طرف الحبل عن بلوغ طرف السبابة.
سألنا الشريف أن يشرح لنا هذه العملية، لكنه رفض متذرعا بأن ذلك يدخل في إطار "سر المهنة" الذي ورثه عن والده.
جلسات التقيؤ
عندما حان دور ندى وسلمى، أجرى الشريف عليهما عملية القياس فكشف أنهما تعانيان من "التوكال". مباشرة بعد ذلك، انزوى وراء مقصورته وبدأ في تحضير المشروب المحرّض على التقيؤ.
"نستعمل الحليب والماء الدافئ وبعض الأعشاب لكي نحرّض الذات على الاستفراغ"، يجيب "مولاي ابراهيم" (شاب في الثلاثينات من عمره) بكلمات مقتضبة وصوت خفيض، مشيرا إلى أنه يزاول هذه المهنة منذ سنة 1995، بعد وفاة والده الذي مارسها هو الآخر طيلة حياته.
ما نوع الأعشاب المطحونة التي تمزجها مع الحليب؟ لا جواب، "لأن هذا أيضا يدخل ضمن سر المهنة"، غير أنه استطرد مضيفا أنها أعشاب نافعة وليست ضارة بالجسم، مؤكدا أنه لا يستعمل "الغاسول" في وصفاته مثلما يفعل بعض المعالجين، على حد قوله.
قبل أن يقدم المشروب للمرضى، يأتي أولا بإناء (بانيو) متوسط الحجم ويضعه أمام كل واحد، ثم يعود ليوزع المشروب الغريب عليهم.
لا يكاد يصل المشروب إلى بطن المريض حتى يهتز جوفه ويبدأ في التقيؤ.. أما الشريف فإنه يراقب العملية ويشجع المرضى على شرب كل الكمية حتى يتقيؤوا أكثر. وعندما يتوقف أحدهم نهائيا، يعاود الشريف عملية قياس "التوكال"، ليرى إن كان المريض في حاجة إلى الخضوع لجلسة أخرى أم لا.
بالنسبة إلى مرافقتينا ندى وسلمى، وجد الشريف أن طرف الحبل اقترب قليلا من طرف السبابة، لذلك اقترح عليهما العودة بعد شهر من الآن، ولم ينس أن ينصحهما بالابتعاد عن تناول كل شيء حار وحامض، خاصة خلال اليومين الأولين.
وفي ختام الزيارة، دست كل من ندى وسلمى ما تيسر من الدراهم في يد الشريف، الذي ألقى بها في جيبه دون أن يتفحصها، مثلما يفعل مع جميع مرضاه.
في طريق العودة، كانت الفتاتان تقهقهان بصوت عال وهما تعبران عن شعورهما بتحسن حالتهما الصحية. وقالت ندى التي انشرحت أسارير وجهها وهي تضع يدها على صدرها: "سبحان الله.. لم أعد أحس بتلك الغُصة التي كانت تضايقني من قبل!".
"التوكال" من المنظور الطبي
لا يوجد مصطلح "التوكال" في الميدان الطبي، لكن تقابله عبارة "تسمم غذائي متعمد"، هذا ما أكدته الدكتورة غزلان العوفير، الأخصائية في التسممات بالمركز المغربي لمحاربة التسمم.
تقول الدكتورة العوفير: "إننا نستقبل في المركز عدة حالات لأشخاص يشتكون من تعرضهم للتسميم المتعمد (التوكال)، لكن عندما نطلب منهم إحضار عينة من الطعام المشكوك فيه لنجري عليه التحاليل، يتعذر عليهم ذلك بسبب تأخر اكتشاف وقوع التسمم وصعوبة العثور على عينة".
وتؤكد الأخصائية أن "علاج هذا النوع من التسممات يتوقف على معرفة المواد التي استخدمت في التسميم، لكن في حالة تعذر ذلك يصعب تشخيص الداء ووصف العلاج المناسب له".
وحول طريقة العلاج عن طريق التقيؤ، قالت الدكتورة العوفير: "إننا لا نستطيع أن نجزم بفعالية التقيؤ إلا في حالة واحدة، وهي إذا كانت عملية التسمم حديثة، أي لم يمض عليها وقت طويل".
وبررت الدكتورة لجوء بعض المصابين إلى الطرق التقليدية بالقول "إن المرضى ينشدون دائما العلاج السريع، لذلك تجدهم يسلكون أقرب الطرق حتى وإن كانت لن تنفعهم في شيء".
وقللت من أهمية طرق العلاج التقليدية التي تعتمد على التقيؤ، مشيرة إلى أن المريض إذا تقيأ فإنه لن يتقيأ سوى المواد التي تناولها في الأمس، وبالتالي فإن هذه الطرق لا تنفع شيئا، حسب تعبير الأخصائية في التسممات.
«التوكال» في المخيال الشعبي*
«التوكال» كلمة تخيف العامة، وتعني بالتعبير الدارج كل ما يتم دسه للإنسان في الطعام أو الشراب من مواد سامة، بغية إلحاق الأذى به. وحسب الاعتقاد، فإن حالة التسمم التي تنتج عن «التوكال»، تظهر من خلال بعض الأعراض المعروفة، كانتفاخ الجسم، والتقيؤ، وظهور بعض الأمراض الجلدية، وسقوط الشعر...
ويكفي إلقاء نظرة على مصنفات الطب القديمة اليونانية والعربية لنكتشف مدى اهتمام الأطباء العرب واليونانيين بأنواع السموم وطرق معالجة التسمم، ولاتزال تستعمل حتى الوقت الراهن في بعض الوصفات التي عرفت قديما لعلاج أعراض «التوكال».
وصفات الموت
قسم الدكتور شارنو، وهو طبيب شرعي، في دراسة له عن «التوكال» خلال الفترة الاستعمارية، المواد المستعملة في المغرب، في وصفات التسمم الشعبية (المعروفة باسم التوكال) إلى ثلاثة أنواع:
- سموم من أصل حيواني.
- سموم من أصل نباتي.
- سموم من أصل معدني.
ويندرج ضمن النوع الأول بيض بعض الزواحف وبعض الحشرات، وأيضا رأس الغراب المحروقة وغيرها، وبالنسبة إلى الصنف الثاني، ذي الأصل النباتي، يتضمن الأوراق أو الثمار السامة لبعض النباتات البرية كتفاح الجن (بيض الغول) الشديد الخطورة على صحة الإنسان، و"شدق الجمل" الشديد التسميم، حيث يكفي غرام واحد منه لقتل إنسان!
أما النوع الثالث من أنواع السموم ذات الأصل المعدني، فأشهرها الرهج (وهو حجر مستدير أصفر اللون في حجم حبة الحمص). وتباع هذه العناصر السامة لدى العطارين كأي مستحضرات عادية أخرى، رغم خطورتها الشديدة على صحة الإنسان، وتستعمل أغلبها مذابة في الوجبات المحلية الشهيرة كالكسكس والحريرة (التي تخلط المادة السامة مع عناصرها «الثقيلة») وأيضا بعض المشروبات كالقهوة بدون حليب.
ويمكن أن نضيف إلى تقسيم الدكتور شارنو نوعا رابعا من المواد التي يعتقد العامة أنها تحتوي على عناصر سامة، وتتكون في الغالب من أجزاء من جسم الإنسان كالأظافر ودم حيض المرأة، الذي يستعمل في وصفات التسميم طريا.
ولأن الموت في اعتقاد المغاربة يُعدي، فإن كل ما يلمس جسد الميت، وكل ما يوجد في المقبرة ينتج بالضرورة الموت، ولذلك نجد من بين المواد المستعملة في وصفات «التوكال» أيضا: التراب المجلوب من سبع مقابر مختلفة، وأضلع الموتى وعظامهم وأظافرهم، وماء غسل الميت...
العلاج
من أطرف أنواع العلاج المعروفة لشفاء المصاب ب«التوكال»: أن يضع الفقيه المعالج «جدولا» يحمله المريض معه، ويذهب لينام كي يرى في منامه الشخص الذي ناوله المستحضر السحري السام، فيعترف له (في المنام) بنوعه، وحين يستيقظ يخبر بدوره الفقيه الذي يسهل عليه العلاج بعد ذلك.
وهناك طرق أخرى يلجأ إليها المختصون في صرع الجن، تقوم على تسخير مخلوقات الخفاء للكشف عن أصل ونوع الإصابة، ففي ضريح «بويا عمر»، حيث تنعقد «محكمة الجن الكبرى»، «ينطق» الجن خلال حصص «الصريع» فيكشف عن اسم واضع التوكال ونوعيته!
وتعالج أمراض التوكال في هذا الضريح، الذي يؤمه زهاء مليون زائر في السنة، من خلال القيام بطقوس غريبة تتضمن تناول المريض لتراب الولي (المعروفة بالحنة) ممزوجا بماء تساوت (النهر الذي يخترق المنطقة)، ثلاث مرات في اليوم قبل الأكل، ويثير هذا الأسلوب العلاجي الغثيان لدى المريض فيتقيأ بكثرة كما يصاب بالإسهال.
وفي زعم المشرفين على العلاج أن القيء والإسهال يسمحان «بطرح» «التوكال» خارج الجسم.
ومن الوصفات الشعبية المستعملة لعلاج «التوكال»، تحضير محلول يشربه المصاب بهدف إثارة الغثيان، ثم القيء المطهر «للجوف»، ويتكون المحلول من ماء البحر وأوراق الدفلى، "فليو" و"شنتكورة" و"سرغينة"...
والغريب أنه في الوقت الذي يستعمل بيض الحرباء للتسميم، نجد أن الكثير من وصفات العلاج من «التوكال» تتضمن استعمال لحم الحرباء، والذي يطبخ غالبا مع بعض العناصر والمواد الأخرى ليأكلها المريض.
وحسب بعض العطارين، فإن كل المصابين يطلبون منهم في الغالب الحرابي (جمع حرباء) حية مع مواد أخرى يصفها لهم الفقهاء المعالجون.
وتثار ملاحظة حول نمطية طرق العلاج التقليدية ل"التوكال" لدى المعالجين، حيث لكل واحد منهم طريقته التي يصفها لجميع أنواع الإصابات.. بينما رأينا في سياق هذا المقال أن أسباب التسمم مختلفة!
*من كتاب "المعتقدات السحرية في المغرب" ل: ذ.مصطفى واعراب
عن جريدة "أخبار اليوم"


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.