لليوم الثالث .. "منع استباقي" ومطاردات تبصم احتجاجات شبابية وسط الرباط    إنزال أمني يمنع شبابا من الاحتجاج    الدار البيضاء: إيقاف شخص ينشر صور وفيديوهات للاحتجاجات ببعض الدول الأجنبية ويدمجها مع مظاهر للإحتجاج داخل التراب الوطني    نتنياهو: إسرائيل ستتولى الأمن بغزة    قطر تأمل نهاية الحرب في غزة    مباراة المغرب والبحرين.. بيع أزيد من 42 ألف تذكرة إلى غاية السادسة مساء    مولاي الحسن يفتتح معرض الفرس    الحوز .. ارتفاع ب6 في المائة في عدد ليالي المبيت السياحية عند متم يوليوز الماضي (مرصد)    ناشط مغربي ب"أسطول الصمود": ننتظر الوصول إلى غزة بفارغ الصبر    تأجيل مباراة فالنسيا وريال أوفييدو بسبب سوء الأحوال الجوية    احتجاجات "جيل زد".. نحو 40 شابا رهن الحراسة النظرية بالرباط والدار البيضاء في انتظار قرار النيابة العامة    الحسيمة.. شاب يفارق الحياة في ظروف غامضة قرب حانة "كانتينا"    توقيف شقيق بارون "دولي" للمخدرات بطنجة    جبهة القوى الديمقراطية تدعو إلى مناظرة وطنية شاملة حول قطاع الصحة    بورصة البيضاء تُغلق على أداء سلبي    الركراكي يلتقي بالصحافيين في سلا    صحافة الشيلي: فوز المغرب على إسبانيا يفجر أولى مفاجآت "مونديال U20"    أمطار رعدية قوية مرتقبة في المغرب    النصب بالعملات الرقمية يوقف شابيْن    دي كابريو يتصدر شباك السينما بأمريكا الشمالية    الصندوق المغربي للتقاعد يعلن صرف معاشات المتقاعدين الجدد التابعين لقطاع التربية والتعليم    القانون 272 يدفع المصابين بألأمراض المزمنة إلى الهشاشة الاجتماعية    علماء روس يبتكرون أدوية "ذكية" يتحول شكلها داخل الجسم    الخارجية الأمريكية تبرز مؤهلات المغرب ك'قطب استراتيجي' للأعمال والصناعة    برامج شيقة تمزج بين الإبداع والتجديد في الموسم التلفزي الجديد لقناة الأولى        فرع أولاد صالح بإقليم النواصر يُشعِل شعلة العمل الحزبي الحداثي    فتح باب الاعتمادات الصحافية لمباراة المنتخب الوطني أمام البحرين    عام أخير لحكومة "أخنوش".. تحديات وتطلعات وأجندة انتخابية (تحليل)        نشرة إنذارية: زخات رعدية محليا قوية مصحوبة بتساقط للبرد مرتقبة اليوم الاثنين بعدد من مناطق المملكة    مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية    أكبر جمعية حقوقية بالمغرب ترصد الانتهاكات التي رافقت "قمع" احتجاجات الشباب وتطالب بوقف الترهيب    وجدة تحتفي بالسينما المغاربية والدولية في الدورة 14 للمهرجان الدولي المغاربي للفيلم    المعهد المتخصص في الفندقة و السياحة بالحوزية ضمن المتوجين في الدورة 11 للمعرض الدولي ''كريماي'' للضيافة وفنون الطبخ    كأس العالم تحت 20 سنة.. المنتخب المغربي يتصدر المجموعة بعد تعادل البرازيل والمكسيك    باريس سان جيرمان: ديمبلي يسافر إلى قطر لاستكمال تعافيه    بنسعيد: الراحل سعيد الجديدي أغنى المكتبة الوطنية بإنتاجات أدبية وصحفية قيمة    الباييس: إسبانيا فرضت رقابة على القواعد الأمريكية على أرضها لمنع نقل شحنات أسلحة إلى إسرائيل            الذهب يتجاوز عتبة 3800 دولار للأوقية وسط تزايد توقعات خفض الفائدة    "طريقة الكنغر" تعزز نمو أدمغة الأطفال المبتسرين    البرلمان البرتغالي يناقش مقترح الاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء        اقتراع سوريا يستبعد "مؤيدي الأسد"    تراجع طفيف لأثمان الإنتاج الصناعي    الصين تهدف تحقيق نمو يزيد عن 5 في المائة في صناعة البتروكيماويات خلال 2025-2026    محمدي يجمع الرواية والسيرة والمخطوط في "رحلة الحج على خطى الجد"    عرض "نشرب إذن" ينافس في بغداد    التضليل الإلكتروني بمؤامرة جزائرية لخلط الأوراق: مشاهد قديمة تُقدَّم كأحداث راهنة بالمغرب    دراسة: الموسيقيون يتحملون الألم بشكل أفضل من غيرهم            بوريطة: تخليد ذكرى 15 قرنا على ميلاد الرسول الأكرم في العالم الإسلامي له وقع خاص بالنسبة للمملكة المغربية        الجدل حول الإرث في المغرب: بين مطالب المجتمع المدني بالمساواة وتمسك المؤسسة الدينية ب"الثوابت"    الرسالة الملكية في المولد النبوي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المهدي ‬المنجرة ‬.. عالم المستقبليات الذي ‬أُريدَ ‬له ‬أن ‬يكون ‬ماضيا

بعد ‬مسار ‬مليئ ‬بالعطاءات ‬والإنجازات ‬والكتب ‬والمحاضرات ‬تعكس ‬غيرة وخوفا ‬على ‬مستقبل ‬المغرب، توفي يوم الجمعة الماضي، المفكر المغربي وعالم المستقبليات المهدي المنجرة عن سن يناهز 81 عاما، إثر معاناة مع المرض.
‬عاش الرجل إلى حدود يوم الجمعة ‬طريح ‬الفراش، ‬أما ‬المسؤولون ‬الذين ‬طالما ‬أرقهم ‬كلامه ‬فإنهم ‬نسوه، ‬بل ‬تناسوه، ‬لأن ‬المرض ‬ناب ‬عنهم ‬في ‬منعه ‬من ‬محاضراته ‬التي ‬تزعجهم.
هسبريس تعيد نشر بورتريه الراحل الذي أعده الزميل إسماعيل التزارني في أبريل 2013.
في ‬سنة ‬1924 ‬كان ‬الطيار ‬امحمد ‬المنجرة ‬من ‬بين ‬المؤسسين ‬لأول ‬نادي ‬للطيران ‬في ‬المغرب، ‬بل ‬في ‬العالم ‬العربي، بعدها ‬بتسع ‬سنوات ‬قرر ‬المغرب ‬إجراء ‬أول ‬رحلة ‬جوية ‬في ‬اتجاه ‬الجارة ‬الجزائر، ‬لكن ‬الطيار ‬امحمد ‬اعتذر ‬عن ‬المشاركة ‬في ‬هذه ‬الرحلة ‬لأن ‬زوجته ‬حامل ‬على ‬وشك ‬الوضع. ‬هكذا ‬تخلف ‬عن ‬هذه ‬الرحلة ‬التي ‬شارك ‬فيها ‬صديقه ‬الطيار ‬المهدي ‬الصقلي ‬الذي ‬كان ‬من ‬أبرز ‬الوطنيين ‬آنذاك.
‬على ‬الساعة ‬السادسة ‬صباحا ‬طرق ‬ساعي ‬البريد ‬بالرباط ‬بيت ‬المنجرة ‬ليسلمه ‬برقية ‬وجد ‬فيها: "‬لقد ‬وصلنا ‬بخير ‬والرحلة ‬مرت ‬على ‬أحسن ‬وجه.. ‬تحيات ‬المهدي ‬الصقلي‮"‬، ‬وفي ‬الصباح ‬ذاته ‬من ‬سنة ‬1933 ‬وضعت ‬زوجة ‬الطيار ‬المنجرة ‬مولودا ‬ذكرا ‬قرر ‬والده ‬أن ‬يسميه ‬المهدي ‬تيمنا ‬بصديقه ‬المهدي ‬الصقلي.‬
ابن ‬الطيار
إنه ‬عالم ‬المستقبليات ‬المهدي ‬المنجرة ‬الذي ‬درس ‬بمدرسة ديكارت ‬بالعاصمة ‬الإدارية ‬الرباط، ‬وهي ‬من ‬أعرق ‬المدارس ‬الفرنسية ‬بالمغرب. ‬كما ‬تلقى ‬دراسته ‬الجامعية ‬بالولايات ‬المتحدة ‬الأمريكية ‬بجامعة ‬كورنيل، ‬حصل ‬على ‬الإجازة ‬في ‬البيولوجيا ‬والعلوم ‬السياسية ‬ثم ‬تابع ‬دراسته ‬بإنجلترا ‬وحصل ‬هناك ‬على ‬الدكتوراه ‬في ‬الاقتصاد.
كل ‬هذا ‬المسار ‬العلمي ‬للمنجرة ‬ساعده ‬في ‬أن ‬يتقن ‬علم ‬المستقبليات، ‬المجال ‬الذي ‬ألف ‬فيه ‬عددا ‬كبيرا ‬من ‬الكتب، ‬بل ‬وحاضر ‬فيه ‬في ‬العديد ‬من ‬الدول، ‬لكنه ‬بالمقابل ‬منع ‬أزيد ‬من ‬عشر ‬مرات ‬من ‬المحاضرة ‬بمدن ‬مغربية ‬من ‬طرف ‬السلطات.‬
سنة ‬1958 ‬كان ‬المهدي ‬المنجرة ‬من ‬بين ‬الأساتذة ‬الأوائل ‬الذين ‬قاموا ‬بالتدريس ‬بجامعة ‬محمد ‬الخامس. ‬وقبلها ‬بأربع ‬سنوات ‬فقط ‬كان ‬قد ‬شد ‬الرحال ‬إلى ‬لندن ‬لتحضير ‬الدكتوراه ‬في ‬موضوع ‬حول ‬الجامعة ‬العربية، ‬وفي ‬السنة ‬الموالية ‬أي ‬1955 ‬حصل ‬على ‬منحة ‬من ‬مؤسسة ‬روكفلر ‬مكنته ‬من ‬السفر ‬إلى ‬مصر ‬للالتقاء ‬ببعض ‬المسؤولين ‬في ‬الجامعة ‬العربية. ‬
وهناك ‬في ‬بلاد ‬الفراعنة ‬التقى ‬بأسد ‬الريف ‬المجاهد ‬امحمد ‬بن ‬عبد ‬الكريم ‬الخطابي، ‬كما ‬حظي ‬باستقبال ‬من ‬الراحل ‬محمد ‬الخامس ‬بباريس ‬وهو ‬في ‬طريق ‬عودته ‬من ‬المنفى ‬إلى ‬أرض ‬الوطن ‬قبيل ‬الاستقلال.
‬ليلتقيه ‬للمرة ‬الثانية ‬سنة ‬1959 ‬إذ ‬استقبله ‬الراحل ‬كأول ‬أستاذ ‬مغربي ‬بكلية ‬الحقوق، ‬وأصغر ‬الأساتذة ‬سنا ‬بها ‬وعينه ‬مديرا ‬للإذاعة ‬والتلفزة ‬المغربية ‬خلفا ‬لقاسم ‬الزهيري.‬
الكلب ‬والسفر ‬إلى ‬أمريكا
كان ‬المهدي ‬المنجرة ‬سنة ‬1948 ‬بأحد ‬المسابح ‬بمدينة ‬إفران، ‬حيث ‬كان ‬في ‬المسبح ‬عدد ‬من ‬المغاربة ‬والفرنسيين. ‬بينما ‬هو ‬هناك، ‬اقترب ‬كلب ‬من ‬المسبح ‬وبدأ ‬يشرب ‬من ‬مياهه، ‬الأمر ‬الذي ‬أثار ‬حفيظة ‬إحدى ‬النساء ‬التي ‬طالبت ‬بإبعاده.
‬لكن ‬أحد ‬الفرنسيين ‬خاطبها ‬قائلا:‬‮"‬إذا ‬كان ‬العرب ‬يسبحون ‬في ‬المسبح ‬فلماذا ‬نمنع ‬الكلاب ‬من ‬ذلك‮"‬ ‬وهي ‬العبارة ‬العنصرية ‬التي ‬أغضبت ‬الشاب ‬المهدي ‬المنجرة ‬لينخرط ‬في ‬مشادات ‬كلامية ‬مع ‬هذا ‬الفرنسي.
ولسوء ‬حظ ‬المنجرة ‬كان ‬هذا ‬الفرنسي ‬رئيس ‬فرقة ‬الأمن ‬الإقليمي ‬بإفران، ‬لذلك ‬لم ‬يتردد ‬في ‬اعتقاله ‬مدة ‬عشرة ‬أيام. ‬بعد ‬خروجه ‬من ‬الاحتجاز ‬أرسله ‬والده ‬إلى ‬الولايات ‬المتحدة ‬الأمريكية ‬لمتابعة ‬دراسته ‬هناك.‬
وهناك ‬في ‬بلاد ‬العم ‬سام ‬أسس ‬النادي ‬العربي، ‬وعمل ‬مديرا ‬للمجلس ‬الدولي ‬للطلبة. ‬كما ‬كان ‬أحد ‬مؤسسي ‬النادي ‬الشرقي ‬وعضوا ‬في ‬جمعية ‬من ‬أجل ‬عالم ‬جديد، كل ‬هذه ‬الدينامية ‬والحيوية ‬كانت ‬توحي ‬بأن ‬المهدي ‬المنجرة ‬سيكون ‬له ‬شأن ‬عظيم ‬في ‬المستقبل.‬
في ‬سنة ‬1954 ‬حيث ‬كان ‬المنجرة ‬مازال ‬يتابع ‬دراسته ‬في ‬أمريكا، ‬نشبت ‬حرب ‬مع ‬كوريا ‬فطلب ‬من ‬الطالب ‬المهدي ‬التجنيد ‬لأنه ‬يتوفر ‬على ‬البطاقة ‬الخضراء ‬لكنه ‬رفض، ‬أما ‬هجرته ‬إلى ‬اليابان ‬فجاءت ‬بعد ‬منعه ‬من ‬إلقاء ‬محاضرة ‬بمدينة ‬فاس.‬
السؤال ‬المؤرق
إن ‬السؤال ‬الذي ‬يؤرق ‬عالم ‬المستقبليات ‬هو: ‬إلى ‬أين ‬نسير؟ ‬خصوصا ‬وهو ‬يلاحظ ‬غياب ‬رؤية ‬مستقبلية ‬لدى ‬القائمين ‬على ‬الأمور ‬في ‬البلاد. ‬
لذلك ‬لا ‬يتردد ‬في ‬القول ‬كلما ‬سمحت ‬له ‬الفرصة ‬لذلك: ‬‮"‬أتحدى ‬أي ‬شخص ‬أن ‬يعطي ‬رؤية ‬شاملة ‬حول ‬مستقبل ‬المغرب، ‬للأسف ‬الكل ‬مشغول ‬بالآنية ‬وما ‬يسمى ‬بالانتقال، ‬وأنا ‬أتساءل ‬الانتقال ‬إلى ‬أين؟‮"‬ ‬.
هكذا ‬ظلت ‬هذه ‬الأسئلة ‬تؤرق ‬بال ‬المنجرة ‬الذي ‬يؤكد ‬أن: ‬‮"‬علم ‬المستقبليات ‬ليس ‬تنبؤا ‬لأنه ‬موجود ‬عند ‬البشر، ‬والتنبؤ ‬كان ‬لخاتم ‬الرسل ‬محمد ‬صلى ‬الله ‬عليه ‬وسلم‮"‬ ‬وما ‬يزيد ‬من ‬قلق ‬المهدي ‬المنجرة ‬على ‬الوضع، ‬ليس ‬فقط ‬انشغال ‬السياسيين ‬بالآني، ‬بل ‬حتى ‬صمت ‬المؤرخين ‬وانكبابهم ‬فقط ‬على ‬تاريخ ‬القرون ‬الوسطى ‬متناسين ‬الحاضر ‬وغافلين ‬كليا ‬عن ‬المستقبل. ‬
تفتقت ‬عبقرية ‬المنجرة ‬منذ ‬ريعان ‬شبابه ‬فقد ‬طرد ‬من ‬ثانوية ‬ليوطي ‬سنة ‬1948 ‬لأسباب ‬سياسية ‬محضة، ‬لقد ‬كان ‬يواجه ‬الأساتذة ‬الفرنسيين ‬ويناقشهم ‬بحدة ‬فيما ‬يخص ‬موضوع ‬الاستعمار ‬الفرنسي ‬للمغرب. ‬في ‬سنة ‬1954 ‬حصل ‬على ‬جائزة ‬الإمبراطور ‬الياباني ‬عن ‬بحث ‬بخصوص ‬أهمية ‬النموذج ‬الياباني ‬بالنسبة ‬للعالم ‬الثالث.‬
سابق ‬لعصره
‮"‬التغيير ‬آت ‬أحب ‬من ‬أحب ‬وكره ‬من ‬كره"..
السؤال ‬الوحيد ‬الذي ‬يجب ‬أن ‬نفكر ‬فيه ‬هو ‬ثمن ‬هذا ‬التغيير، ‬فكل ‬تأخير ‬سيدفع ‬عنه ‬الثمن‮"‬ ‬هذه ‬العبارة ‬قالها ‬عالم ‬المستقبليات ‬المهدي ‬المنجرة ‬قبل ‬الربيع ‬العربي ‬بكثير، ‬وهي ‬العبارة ‬التي ‬تلقتها ‬العديد ‬من ‬الآذان ‬باعتبارها ‬ترفا ‬فكريا ‬لا ‬غير. ‬لكن ‬أحداث ‬الربيع ‬العربي ‬التي ‬افتتحتها ‬ولاعة ‬البوعزيزي ‬أكدت ‬أن ‬كلام ‬الرجل ‬علم ‬مدروس ‬بدقة. ‬
كما ‬تأكد ‬كلامه ‬الذي ‬قسم ‬فيه ‬الزمن ‬إلى ‬ما ‬قبل ‬التغيير ‬وما ‬بعد ‬التغيير‮"‬ ‬في ‬عهد ‬ما ‬قبل ‬العهد ‬الجديد، ‬فالتغيير ‬هو ‬مفهوم ‬منظومي ‬يأتي ‬بصورة ‬شمولية، ‬إذ ‬عندما ‬يحدث ‬يطال ‬جميع ‬الميادين‮…‬ ‬والتغيير ‬الوحيد ‬الذي ‬لاحظناه ‬هو ‬تغيير ‬الذين ‬أتوا ‬بقصد ‬التغيير ‬دون ‬أن ‬نلمس ‬أي ‬تغيير‮".
أما ‬ثمن ‬التغيير ‬الذي ‬طالما ‬حذر ‬منه ‬فإنه ‬جاء ‬غاليا.‬
‮"‬يكتب ‬لفترة ‬لا ‬يعتقد ‬أنه ‬سيعيشها، ‬أي ‬أنه ‬لا ‬يكتب ‬من ‬أجل ‬مصالحه ‬اللحظية ‬والقصيرة ‬المدى‮"‬ ‬هذا ‬هو ‬علم ‬المستقبليات ‬بتعبير ‬المهدي ‬المنجرة. ‬
يقول ‬في ‬كتابه ‬‮"‬الإهانة ‬في ‬عهد ‬الميغا ‬إمبريالية‮"‬: ‬الرفض ‬أن ‬تقول: ‬‮"‬لا…لا ‬للاستبداد ‬لا ‬للظلم ‬لا ‬للقمع‮…‬ ‬هذا ‬الرفض ‬كله ‬بلا ‬عنف، ‬وبلا ‬انتفاضة ‬حجر، ‬وبلا ‬رصاص، ‬فقط ‬بقوة ‬لا‮"‬ ‬وهو ‬ما ‬حدث ‬تماما ‬في ‬ثورات ‬الربيع ‬العربي، ‬إذ ‬خرج ‬المتظاهرون ‬بصدور ‬عارية ‬وتمكنوا ‬من ‬الإطاحة ‬بالأنظمة.‬
رجل ‬الكرامة
رغم ‬أنه ‬أهين ‬في ‬العديد ‬من ‬المرات ‬في ‬بلده ‬المغرب، ‬حيث ‬منعت ‬محاضراته ‬في ‬مدن ‬مغربية ‬دون ‬أن ‬تخبره ‬السلطات ‬عن ‬سبب ‬المنع، ‬إلا ‬أنه ‬ما ‬فتئ ‬يدافع ‬عن ‬الكرامة ‬الإنسانية ‬كلما ‬سنحت ‬له ‬الفرصة ‬بذلك. ‬لم ‬يتوقف ‬أثناء ‬نضاله ‬من ‬أجل ‬الكرامة ‬عند ‬حد ‬الكلام ‬والكتابة ‬والمحاضرات. ‬بل ‬إنه ‬خصص ‬من ‬ريع ‬كتبه ‬جائزة ‬لذلك.‬
كان ‬المنجرة ‬قد ‬أحدث ‬جائزة ‬‮"‬الحوار ‬الثقافي ‬شمال-‬جنوب‮"‬ ‬عقب ‬صدور ‬كتابه ‬‮"‬ ‬الحرب ‬الحضارية ‬الأولى، وهي ‬الجائزة ‬التي ‬تمنح ‬منذ ‬1992 ‬يوم ‬17يناير ‬من ‬كل ‬سنة، ‬وهو ‬اليوم ‬الذي ‬يصادف ‬ذكرى ‬اندلاع ‬حرب ‬الخليج ‬الأولى، ‬هذه ‬الجائزة ‬حولها ‬المنجرة ‬إلى ‬جائزة ‬الكرامة، ‬ينالها ‬كل ‬من ‬يدافع ‬عن ‬الكرامة.‬
بعد ‬هذا ‬المسار ‬المليئ ‬بالعطاءات ‬والإنجازات ‬والكتب ‬والمحاضرات ‬تعكس ‬غيرة ‬المهدي ‬المنجرة ‬وخوفه ‬على ‬مستقبل ‬المغرب، ‬بل ‬مستقبل ‬البشرية ‬جمعاء، عاش المهدي ‬المنجرة ‬‬طريح ‬الفراش، أما ‬المسؤولون ‬الذين ‬طالما ‬أرقهم ‬كلامه ‬فإنهم ‬نسوه، ‬بل ‬تناسوه. ‬لأن ‬المرض ‬ناب ‬عنهم ‬في ‬منعه ‬من ‬محاضراته ‬التي ‬تزعجهم.
الزلة ‬الوحيدة ‬التي ‬ارتكبها ‬المهدي ‬المنجرة ‬هو ‬أنه ‬ولد ‬في ‬وطن ‬عاق، ‬لا ‬يعترف ‬بالجميل ‬الذي ‬يقدمه ‬له ‬بعض ‬أبنائه.
المهدي ‬المنجرة ‬ليس ‬شخصا ‬لذاته
الحياة ‬الشخصية ‬والاجتماعية ‬للأستاذ ‬المهدي ‬المنجرة ‬تظهر ‬من ‬خلال، ‬زيارة ‬منزله. ‬فالداخل ‬إليه ‬سيجد ‬‮"‬صالونا ‬بلديا‮"‬ ‬وآخر ‬غربيا. والمنزل ‬كله ‬عبارة ‬عن ‬مكتبة، ‬وأينما ‬تجولت ‬في ‬أرجاء ‬المنزل ‬ستجد ‬كتبا ‬أو ‬مجلات، ‬ما ‬يعكس ‬تعلقه ‬بالقراءة ‬والكتابة. ‬
المنجرة ‬إنسان ‬منفتح ‬على ‬الحداثة، ‬لكنه ‬مغربي ‬أصيل ‬لا ‬يتنكر ‬لمغربيته، ‬بل ‬يعتز ‬بها ‬ولا ‬يمكن ‬أن ‬يزايد ‬عليه ‬أحد ‬في ‬ذلك، فرغم ‬أن ‬تكوينه ‬الأكاديمي ‬كان ‬بإنجلترا ‬إلا ‬أنه ‬يبقى ‬المهدي ‬المنجرة ‬المغربي ‬البسيط، ‬الذي ‬يعيش ‬الطقوس ‬والعادات ‬المغربية ‬بنوع ‬من ‬الاعتزاز.
أما ‬التهميش ‬الذي ‬يتعرض ‬له ‬المنجرة ‬فإنه ‬ليس ‬لذاته ‬كشخص، ‬وإنما ‬تهميش ‬لمنظومة ‬الحداثة ‬والتغيير ‬في ‬زمن ‬الرداءة. ‬فليس ‬المنجرة ‬وحده ‬من ‬تعرض ‬للتهميش، ‬فهناك ‬العديد ‬من ‬المفكرين ‬طالهم ‬التهميش.
لكن ‬المنجرة ‬كان ‬أكثر ‬تهميشا، ‬بل ‬إنه ‬تعرض ‬للمنع ‬من ‬المحاضرة ‬بجامعات ‬مغربية ‬رغم ‬أنه ‬كان ‬أول ‬أستاذ ‬مغربي ‬درس ‬بالجامعة ‬المغربية ‬وأصغر ‬أستاذ ‬بجامعة ‬محمد ‬الخامس.
المهدي ‬المنجرة ‬ليس ‬شخصا ‬لذاته ‬إنه ‬منظومة ‬وبنيان، ‬لقد ‬نظر ‬لقيم ‬عالمية ‬تجاوزت ‬ما ‬هو ‬ذاتي.‬


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.