حينما ظهرت قناة الجزيرة القطرية، في الساحة الإعلامية، استطاعت أن تخلق الحدث على مستوى العالم العربي، الذي كان وقتها يعرف نوعا من الركود الإعلامي، فكان لها أن تربعت على قلوب المغاربة، كونهم يبحثون عن الحقيقة وعن الخبر الجديد. استطاعت هذه القناة، يومها أن تعرف بقطر الخليج العربي، أكثر مما كانت تقوم به الهيئات الدبلوماسية، لكونها تتمركز في الرباط، في الوقت، الذي استطاعت في هذه القناة أن تتقاسم الخبر مع كل أسرة مغربية، حضرية كانت أم قروية، في السهل كانت أم في الجبل، في الجنوب كانت أم في الشمال المغربي، باحترافية عالية وجودة للصورة تمكنت من أخذ قلوب المغاربة. تدور الأيام وتبدأ الجزيرة تبدي الاهتمام أكثر بالمجتمعات المغاربية، إلى أن خصصت لها نشرة خاصة، نشرة الحصاد المغاربي، جاءت في وقت عرف فيه المغرب انفتاحا ديمقراطيا وترسيخا مهما للحريات العامة، فاستفادت هي الأخرى من هذا المناخ، بفتحها مكتبا لها بالرباط، سخرت له طاقما صحافيا مهما من المغاربة وآخرون من دول صديقة، كان لهذا الحدث أثر عظيم في نفوس المغاربة، كون هذه القناة القادمة من الخليج تبدي هذا الاهتمام بالمغرب، سوف لن يكون إلا جسرا قويا في توطيد العلاقات بين المملكة المغربية ودلة قطر الشقيقة. الجزيرة تشق طريقها الإعلامي في المحيط المغاربي، وصورة المغرب تواكب هذا الحضور، بمادة إعلامية تتراوح بين السلبي والايجابي وإن كان السلبي أكثر من الايجابي، كمتتبع كنت دائما أقنع نفسي، بأن مهمة الإعلام هي فضح المواقع المتعفنة في المجتمع، فما تقوم هذه القناة مشكورة، سوف يجعل المسؤولين يفتحون عيونهم على العديد من المشاكل، التي تعرفها البلاد، من أجل التدخل والإصلاح. أحداث وراء أحداث، بدأت الجزيرة تكشف عن وجه آخر غير ذلك الذي دخلت به إلى الفضاء المغربي. لقد تخلت عن الوجه الخليجي، الذي نعرفه ونكن له كامل التقدير والاحترام، هذا الخليجي، الذي ظل دائما مساندا للمملكة المغربية في كل القضايا، ولعل حضور وفد من دولة قطر الشقيقة في المسيرة الخضراء سنة 1975 خير دليل على هذه المساندة، فالخليج أهل كلمة بينما قناة الجزيرة بدأت تحيد عن هذه الكلمة. الجزيرة بدأت تلجأ في الحصاد المغاربي إلى استعمال العديد من المفاهيم، التي تروج لها الجزائر مثل « الصحراء الغربية /العيون عاصمة الصحراء الغربية» ، الجزيرة بدأت تقدم لنا خريطة وطننا في كل مساء مجزأة، على الأقل تحترم شعورنا نحن المغاربة، الذين نعرف حق المعرفة، بأن خريطة وطننا لم تكن في يوم ما من تاريخ هذا البلد مجزأة، ما عدا خلال فترة الاستعمار الفرنسي والاسباني الذي تقاسم مدن وقرى وصحاري هذا الوطن. إننا ندرك جيدا أهمية الصور في التعليم، وفي ترسيخ الخبر، فالجزيرة تسعى من وراء هذا العمل الإجرامي، الذي تتحيز فيه إلى الطرف الثاني، أن ترسخ في عقول أبنائنا نحن المغاربة وفي الأجيال العربية وطن اسمه المملكة المغربية مقسم إلى شمال وجنوب. إذا كانت الجزيرة تدعي أنها تروم من وراء هذا العمل الحياد، فهي مخطئة، لأن الحياد يلزمها احترام رؤية المغرب ورؤية الطرف الآخر للمجال المتنازع عنه. الجزيرة تواكب أحداث مسرحية أخرجتها الجزائر، يوم كانت تدافع عما أسمته «ملف حقوق الإنسان» بالجنوب المغربي، بل صارت تطالب من هيئة الأمم بالتدخل لمراقبة حقوق الإنسان بالتراب المغربي في الأقاليم الجنوبية. لقد كان هدف الجزائر هو أن تنتزع جزء هام من مسؤوليات المملكة المغربية، والمتمثلة في مراقبة التراب الوطني، حتى تستطيع التحرك بكل حرية داخل المغرب من أجل تقوية جبهة داخلية للانفصاليين. ولكي تبرر هذا الطرح، قدمت المسرحية، التي لعبت يومها أمينتو حيضر الدور بكل براعة وإتقان، في خضم أحداث هذه المسرحية كانت الجزيرة الجزائرية حاضرة، تغطية شاملة لكل الأحداث وبأدق التفاصيل، بالصوت والصورة. لكن، ستظهر الجزيرة الجزائرية بوجه محتشم، يوم كان حادث اختطاف مصطفى سلمى ولد سيدي مولود، بحيث في كثير من الأحيان تعمد فقد إلى قراءة الحدث بدون صورة، حتى لا تقلق العراب واللوبي الجزائري المهيمن داخل هذه القناة. غير بعيد، قدمت الجزيرة الجزائرية، صورة المراكشي، الذي يتحدث باسم أهل الصحراء، في ما أسموه ذكرى التأسيس، بالصورة وواكبت أنشطة أطلقت عليها احتفالات وكأن الأمر فعلا يتعلق بحدث دولي والحال أنها مجرد زوبعة نفخت فيها الجزائر من سمها ووزعتها القناة المذكورة على العديد من المشاهدين ممارسة الخداع والنفاق نفسه، الذي تمارسه الجزائر، حتى اختلط علينا الأمر، فلم نعد نميز بين الجزيرة والجزائرية. تزعم الجزيرة الجزائرية كلما طرحت عليها ذات الأسئلة من طرف المسؤولين والمهتمين المغاربة أنها محايدة وأن الأقاليم المغربية المتحدث عنها متنازع عنها، لهذا فهي تطبق مقتضيات القانون في التعامل مع هذا الملف. لكن، حيادها يقتضي منها التعامل مع هذا الملف بنفس القدر الذي تتعامل به مع كل طرف وإعطاء نفس المساحة الزمنية لكل الأطراف، بل إعطاء الحجم السياسي الحقيق لكل طرف. الجزيرة الجزائرية اليوم، تمادت في تشويه صورة المملكة وفي تقزيم الحجم السياسي الحقيقي للمغرب في تعاطيه مع القضية الوطنية، وفي خدش أحاسيسنا نحن المغاربة بتقديمها كل مساء خريطة وطننا ممزقة إلى قسمين وهذا يشكل خطورة على الأجيال القادمة. لهذا أتوجه إلى كل المغاربة بأن نتخذ خطوة ولو لأسبوع، أن نقاطع هذه القناة حتى تعود إلى صوابها. *أستاذ علم الاجتماع بجامعة ابن زهر/ أكادير