تيزنيت : وقفة احتجاجية غاضبة من تردي أوضاع المستشفى الإقليمي و المراكز الصحية بالإقليم ( فيديو )    القنوات الناقلة لمباراة المغرب وزامبيا اليوم في تصفيات كأس العالم    طقس اليوم الإثنين بالمغرب    تأجيل إبحار «أسطول الصمود» من تونس لكسر حصار غزة إلى الأربعاء    زلزال الحوز .. دينامية متواصلة لإعادة الإعمار في جميع الأقاليم المتضررة    الإصابات تربك حسابات الركراكي    كرة القدم .. المنتخب الوطني لأقل من 20 سنة يتعادل مع نظيره الأمريكي (0-0)    بعثة منتخب الجزائر تصل إلى البيضاء    زلزال الحوز .. دينامية متواصلة لإعادة الإعمار في جميع الأقاليم المتضررة    "منظمة حقوقية تشيد بأجواء جنازة أحمد الزفزافي وتلتمس العفو عن معتقلي "حراك الريف    فيدرالية اليسار بالفقيه بن صالح تتضامن مع أحد أعضاءها وتدين الاستدعاءات المتكررة        البيئة ليست قضية اختيارية أو محلية بل هي قضية وجود الإنسان والحياة    برقية تعزية ومواساة من جلالة الملك إلى الرئيس البرتغالي على إثر الحادث المأساوي لخروج القطار المائل السياحي عن مساره    هيئات مهنية ونقابية تصعد ضد مشروع إعادة تنظيم المجلس الوطني للصحافة    الزفزافي‮:‬ ‬سجين ‬من ‬على ‬سطح‮..‬ ‬الحرية‮!‬    جديد الشاعرة المغربية سعاد الرايس: «لوحات الإبحار» اهتمامات إنسانية وعشق للكتابة بقلق وجودي    أعمال أدبية وفنية مغربية تستفيد من منح الصندوق العربي للثقافة والفنون    أنا وأنا وما بينهما .. رسائل بين عبدالله المتقي ومحمد بوحوش    أمير المؤمنين يصدر أمره إلى المجلس العلمي الأعلى بإصدار فتوى شاملة توضح للناس أحكام الشرع في موضوع الزكاة    الفانوس " يضيء ليالي مهرجان المسرح التجريبي والضنحاني يوقع النسخة العربية والإنجليزية للمسرحية    روسيا تعلن جاهزية أول لقاح ضد السرطان    فيلم مريم التوزاني يمثل المغرب بأوسكار 2026    مسؤول أممي يحرج الأنظمة العربية: دعمها للاجئين الفلسطينيين يتراجع 90% ودعوة عاجلة للتحرك    مايكروسوفت تحذّر من بطء محتمل لخدمة الأنترنيت جراء انقطاع كابلات بحرية في البحر الأحمر    المغرب ثالث أكبر منتج للأفوكادو في إفريقيا بإيرادات صادرات بلغت 179 مليون دولار    إطلاق خط بحري جديد بين المغرب وأوروبا الغربية بإشراف دي بي وورلد    برقية تهنئة من جلالة الملك إلى الرئيس البرازيلي بمناسبة العيد الوطني لبلاده    سلا.. تفكيك شبكة لترويج المخدرات وحجز أكثر من 1200 قرص مهلوس وكوكايين    الأمم المتحدة: هلال يختتم بنجاح المفاوضات بشأن الإعلان السياسي للقمة الاجتماعية الثانية المرتقبة في الدوحة    "غروب".. مسرحية تفتش في وجع الإنسان وتضيء انكساراته بلوحات شعرية    غزو القضاء يتواصل بإطلاق 24 قمرا اصطناعيا جديدا    رصد فلكي غير مسبوق لمذنب يقترب من المجموعة الشمسية    المغرب يستقبل شحنات جديدة من الأعلاف الروسية    زيادة ملحوظة في حركة المسافرين عبر مطار الحسيمة الشريف الإدريسي        السطو المسلح يقود ستة أشخاص للإعتقال بالدار البيضاء    الفتح الرباطي يدخل الموسم الجديد بطموح المنافسة على الألقاب    تواصل أشغال الربط السككي بميناء الناظور غرب المتوسط ب111 مليون درهم    المغرب يسجل واحداً من أعلى معدلات السمنة في إفريقيا.. والنساء الأكثر تضرراً    هزائم تدفع رئيس وزراء اليابان للتنحي    المراهق الإيطالي الراحل كارلو أكويتس يصبح أول قديس لجيل الألفية    تل أبيب: وقف الحرب مرهون بشروط    الجمارك تحجز باخرتين بالأبقار البرازيلية وتطالب بملياري سنتيم ضريبة    دراسة: عصير الشمندر يُخفّض ضغط الدم لدى كبار السن    دراسة : السلوك الاجتماعي للمصابين بطيف التوحد يتأثر بالبيئة    البراهمة: "استمرار اعتقال نشطاء الريف ينص جرحا مفتوحا في مسار العدالة والحقوق بالمغرب"    العصبة الاحترافية تفرج عن برنامج الجولتين الأولى والثانية من البطولة الوطنية    منير الحدادي يفاجئ الجميع بتوقيعه لفريق إيراني    أسعار المحروقات تتراجع دوليا وتباع بضعف قيمتها محليا    فيليز سارسفيلد يحرز لقب كأس السوبر الأرجنتيني بفوزه على سنترال كوردوبا    المهرجان السينمائي الدولي للبندقية.. فيلم "Calle Malaga" لمريم التوزاني يفوز بجائزة الجمهور    مختبر المغرب و البلدان المتوسطية و مؤسسة شعيب الصديقي الدكالي يوقعان اتفاقية شراكة    نقد مقال الريسوني    الصحة العالمية تقرر رفع حالة الطوارئ بخصوص جدري القردة    الملك محمد السادس يأمر بإصدار فتوى توضح أحكام الشرع في الزكاة    المجلس العلمي الأعلى يعلن إعداد فتوى شاملة حول الزكاة بتعليمات من الملك محمد السادس    مبادرة ملكية لتبسيط فقه الزكاة وإطلاق بوابة رقمية للإجابة على تساؤلات المواطنين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الديمقراطية بين التوافق والتشارك..؟
نشر في هسبريس يوم 07 - 11 - 2014

الديمقراطية التوافقية والتشارك هما علاج ديمقراطية الإقصاء والتهميش..؟
أثناء تحرير هذا الجزء الأخير من الحديث عن الديمقراطية التوافقية حدثت أمور كثيرة على مستوى العالم الإسلامي والعربي، تشير كلها في غير ليس ولا موارية، إلى ضرورة تجاوز المراحل التحكمية والانفراد بالحكم وسلطة القرار، سواء على مستوى الأنظمة المستبدة التي لا تخجل من الحديث عن الشورى والديمقراطية، وهي تعيش قمة التحكم والاستبداد، وإن كانت لا ترى مانعا في تسليح جماعة هنا أو تمويل أخرى هناك، ما دام ذلك يؤدي دورا ما في إبعاد الخطر والأنظار عن الممارسات غير الديمقراطية وغير العادلة، وما حدث كذلك يدعو الحكومات التي وصلت إلى السلطة بواسطة انتخابات حرة أو شبه حرة وتريد أن تفرض وجهة نظرها بقطع النظر عن الشركاء الآخرين الذين لهم رأي فيما يجري في أوطانهم لأنه يمس حياة المجتمع ككل وهم جزء من هذا المجتمع الذي ينبغي أن يكون أمر القرار فيه معبرا عن اكبر ما يمكن من شرائح المجتمع، وهذا كله لا يتم إلا عن أسلوب توافقي في اتخاذ القرارات وتنفيذها صيانة للاستقرار السياسي والانسجام المجتمعي داخل المجتمع وهذا لا يمكن أن يتم إلا عن طريق ديمقراطية توافقية.
وهذا ما يروم حديث الجمعة في هذا الأسبوع أن يبرزه من خلال الحديث عن مظاهر وشروط الديمقراطية التوافقية.
*******
توحيد الرؤية
نواصل في هذا الحديث الكلام عن الديمقراطية التوافقية والتي ترمي في الواقع للحيلولة دون هضم حقوق الناخبين الذين اختاروا رأيا لم يحظ بأكثرية ولو بسيطة مثل الرأي الآخر، بل إننا نشاهد اليوم في القضايا الكبرى والشائكة غالبا ما يلتجئ المسؤولون إلى محاولة توحيد الرأي والمواقف حولها عن طريق التوافق بين مختلف الآراء وهكذا فربما لن يمر وقت طويل حتى تكون قاعدة التوافق أصلا من الأصول الأساس لتحقيق الديمقراطية التي تراعي مختلف الآراء والاتجاهات داخل المجتمع أو المؤسسات المجتمعية من أحزاب وهيآت وجمعيات مجتمع مدني.
تحديد مفهوم
ولعل بعد هذا المدخل حان الوقت لمحاولة بسط مفهوم الديمقراطية التوافقية وذلك من خلال ما أورده صاحب كتاب (الديمقراطية التوافقية في مجتمع تعددي) والكتاب حاول مؤلفه ان يحيط فيه بوجهات النظر المختلفة أولا في تحديد مفهوم المجتمع التعددي والمعايير التي بمقتضاها يعتبر مجتمع ما مجتمعا متعددا أو مجتمعا غير متعدد.
الاستقرار والتجانس
ان الغاية التي تهدف إليها الدولة في مفهومها السياسي كما قيل منذ القديم هو وجود نوع من الاستقرار السياسي من خلال وجود تجانس اجتماعي وهذان الاستقرار والتجانس الاجتماعي يعتبران شرطين مسبقين للديمقراطية المستقرة، إذ الانقسامات داخل المجتمع تحمل في طياتها عدم الاستقرار وبالتالي انهيار الحكم الديمقراطي.
ما التعددية؟
وإذا كان الكثير من الناس اليوم يستعملون في الألفاظ المتداولة كلمة تعددية فإن التعددية المقصودة في وصف المجتمع بالتعددية هو ذلك (المجتمع الذي تعيش ضمنه مختلف قطاعات المجتمع جنبا إلى جنب ولكن بانفصال داخل الوحدة السياسية الواحدة) وقد يضاف إلى هذا نوع من التمايز الإقليمي.. وقد يكون ما يميز هذا الفصيل عن ذاك معتقدات دينية أو أصول اثنية أو إيديولوجية أو لغوية، وهذا التمايز في الواقع قد يوجد ضمن مؤسسة سياسية حزبية أو حتى جمعية مجتمع مدني داخل مجتمع، ولعل التيارات المتساكنة ضمن هيئة معينة أن تكون نوعا من المجتمع التعددي وتحتاج هي بدورها إلى نوع من التوافق ويلاحظ اليوم أنه داخل حزب سياسي تتعايش تيارات متعددة بل تضع لنفسها مسارا للتعايش.
سمات ومظاهر
ان الباحثين يذكرون للديمقراطية التوافقية خصائص وسمات مهمة من بينها:
1 - انها تتيح تعاون النخب السياسية فيما بينها، فالنخب التي يمكن ان تتباعد وان تتصارع من خلال التصويت العادي والآلي في الديمقراطية غير التوافقية يمكنها عن طريق التوافق ان تتعاون وان تتضافر جهودها من خلال هذا الأسلوب الديمقراطي والتوافقي.
2 - وعن طريق هذا التعاون يتم صيانة النظام وهذه سمة أخرى من سمات التوافق لأن الكل يشعر أنه جزء من النظام ومن تم يبذل مجهودات خاصة لصيانة هذا التوافق، الذي يرى فيه الجميع ضمانة لتحقيق المصالح المشتركة.
3 - وتأتي تبعا لذلك سمة أخرى وهي احترام النظام المدني والابتعاد عن كل مغامرة من شأنها ان تقوض أسس المجتمع واستقراره اذ الاستقرار أساس العمل التنموي البناء وهو كذلك يفضي إلى سمة أخرى وهي:
4 - احترام الشرعية فالشرعية القائمة من خلال التوافق لا يشعر أي طرف فيها بالإقصاء أو التهميش ولكن الجميع يرى فيها مجهوداته الخاصة ودوره في البناء المجتمعي، وهذا يفضي إلى سمة أخرى يذكرها الباحثون لهذه الديمقراطية وهي:
5 - الفعالية إذ بدون فعالية لا يمكن لأي نظام أو أي مشروع ان ينجح إذ الفعالية مظهر بل شرط لكل عمل يراد له تحقيق أهدافه وان يكون لبنة قوية من لبنات صرح الحكم الديمقراطي الذي يعطي نتائجه في تنمية اقتصادية واجتماعية التي هي الغاية من الحكم ومن دعم التعاون والاستقرار.
ماذا بعد السمات؟
إلى حد الآن ونحن نتكلم عن الديمقراطية التوافقية وعن سماتها ومظاهرها والأهداف السياسية التي تحققها دون تعريف مُحدَّد لها. وإذا كان ما قدمناه يعطي مؤشرات واضحة لهذه الديمقراطية فان تعريفها تعريفا دقيقا من الصعوبات بمكان، ومع ذلك فإننا سنساير صاحب الكتاب في التعريف الذي وضعه لها وكذلك في الخصائص التي يرى أن هذا الأسلوب الديمقراطي التوافقي ينبني عليه ويميزه عن الديمقراطية التقليدية أو العتيقة أو المعيارية كما يعبر هو ويرى الكاتب.
تعريف وخصائص
انه يمكن تعريف الديمقراطية التوافقية استنادا إلى أربع خصائص.
1 - العنصر الأول والأهم هو الحكم من خلال ائتلاف واسع من الزعماء السياسيين من كافة القطاعات لهامة في المجتمع التعددي. ومن الممكن أن يتخذ ذلك عدة أشكال متنوعة، منها حكومة ائتلافية موسعة في النظام البرلماني، مجلس "موسع" أو لجنة موسعة ذات وظائف استشارية هامة، أو ائتلاف واسع للرئيس وسواه من كبار أصحاب المناصب العليا في نظام رئاسي. اما العناصر الثلاثة الأخرى في الديمقراطية التوافقية فهي:
2 - الفيتو المتبادل أو حكم "الأغلبية المتراضية"، التي تستعمل كحماية إضافية لمصالح الأقلية الحيوية.
3 - النسبة كمعيار أساسي للتمثيل السياسي، والتعيينات في مجالات الخدمة المدنية، وتخصيص الأموال العامة.
4 - درجة عالية من الاستقلال لكل قطاع في إدارة شؤونه الداخلية الخاصة.
وسنحاول أن نعطي شرحا مختصرا لكل واحد من هذه العناصر كما أبرزها صاحب الكتاب.
1 - الائتلاف الواسع
السمة الأساسية للديمقراطية التوافقية هي أن الزعماء السياسيين لكل قطاعات المجتمع التعددي تتعاون في ائتلاف واسع لحكم البلد.
ومن الممكن مقابلة ذلك بنمط الديمقراطية التي ينقسم فيها الزعماء إلى حكومة تتمتع بتأييد أكثرية هزيلة ومعارضة واسعة.
الائتلافات الواسعة تنتهك القاعدة القاضية بأن تحصل الحكومة في الأنظمة البرلمانية، وهي عادة تحصل، على تأييد الأكثرية ولكن ليس على تأييد الأكثرية الساحقة. فالائتلاف الصغير الحجم لا يسمح بوجود معارضة ديمقراطية فعالة فحسب، بل هو يتشكل بسهولة اكبر لأن ثمة عددا أقل من وجهات النظر والمصالح المختلفة المطلوب التوفيق بينها أيضا.
الملكية والتوافق
وهنا يشير الكاتب إلى دور رؤساء الدول في ضمان التوافق مع النزاهة والحياد ويشير بصفة خاصة إلى دور الملكية والملك ولعل من المناسب استحضار هذه الفقرة لأهميتها يقول الكاتب:
«إن كون البلد ذا نمط حكم جمهوري أو ملكي يؤثر أيضا في إمكانيات قيام ائتلاف واسع. وأهم أوجه الملكية في مجتمع تعددي هو الدرجة التي تشكل فيها رمزا للوحدة الوطنية وتعمل بذلك كقوة مقابلة للتأثيرات اللامركزية التي تمارسها الانقسامات القطاعية. والوظيفية الهامة الثانية هي أنها تستطيع توفير رئيس محايد للدولة وتجنيب البلد ضرورة العثور على مرشح واسع القبول لهذا المنصب – وهي مشكلة تشابه صعوبة العثور على رئيس غير منتم إلى أي حزب في نظام رئاسي». (ص:62)
التوافق والانسجام
والكاتب يرى انه حتى في البلدان التي هي ليست تعددية ولا توافقية، فقد يتم تشكيل ائتلاف واسع كوسيلة فعالة موقتة لمعالجة أزمة داخلية أو خارجية خطيرة. من ذلك أن بريطانيا العظمى والسويد، وكلاهما تنتميان إلى فئة الديمقراطيات المتجانسة والاجتماعية، فقد اعتمدتا حكومات ائتلاف واسع خلال الحرب العالمية الثانية. وهذا هو الحل الذي كان يفكر فيه روبرت دال عندما اقترح، في ذروة أزمة واترغيت في الولايات المتحدة، إدارة مشكلة من الحزبين الجمهوري والديمقراطي خلال الفترة الممتدة ما بين استقالة الرئيس نيكسون وتولي رئيس للسلطة التنفيذية منتخب من قبل الشعب.
والواقع ان كل ما شعر مجتمع ما بالخطر يلجأ إلى الائتلاف وتأسيس حكومة وحدة وطنية وهذا يدل على أن الديمقراطية المعيارية أو العتيقة لا تمثل المجتمع تمثيلا وحدويا صحيحا يقيه ويحميه من الأخطار الكبرى التي قد يتعرض لها.
2 - الفيتو المتبادل:
أهم طريقة للحكم التوافقي، أي الائتلاف الواسع بصورة من الصور، تكمل بثلاث أدوات ثانوية: الفيتو المتبادل، النسبية، والاستقلال القطاعي. وتتصل هذه الأربعة بعضها ببعض، وهي كلها تستجر انحرافات عن حكم الأكثرية الخالص. ويمثل الفيتو المتبادل، الذي نتناوله أولا، حكم الأقلية السلبي.(ص:64 بتصرف)
3 - النسبية:
يمثل مبدأ النسبية أيضا انحرافا هاما عن حكم الأكثرية، فالفيتو المتبادل، وهو وثيق الصلة بمبدأ الائتلاف لواسع. تقوم النسبية بوظيفتين هامتين. الأولى، انها طريقة في توزيع التعينات في الإدارات العامة والموارد المالية القليلة على شكل مساعدات حكومية على مختلف القطاعات. ويمكن مقابلتها بمبدأ الرابح –يأخذ- كل- شيء في حكم الأكثرية غير المقيدة. نظرا إلى أن تقسيم "غنائم" الحكم على أصغر عدد ممكن من المشاركين هو أحد دوافع تشكيل الائتلاف الأصغر الرابح.(ص:67)
4 - درجة عالية من الاستقلال لكل قطاع في إدارة شؤونه الداخلية الخاصة.
في مجتمع تعددي ويتناول الكاتب الموضوع بكثير من التحليل باعتبار ما يترتب عليه وما يستلزم ذلك من ضرورة الحفاظ على الاستقرار.
إن تفويض سلطات صناعة الحكم وتنفيذه إلى القطاعات، مقرونا بالتوزيع النسبي للأموال الحكومية على كل قطاع، يشكل حافزا قويا لمختلف المنظمات القطاعية.
سؤال وجيه
هذا الامتداح للديمقراطية التوافقية ألا يمكن أن نجد من يقدح فيه وبعبارة أخرى هل هناك انتقادات ومآخذ على الديمقراطية التوافقية ان الكاتب يعقد فصلا للحديث عن مساوئ الديمقراطية التوافقية ويرى الكاتب أن هذا الانتقادات ربما تنقسم إلى قسمين فهي (ربما انتقدت لأنها ليست على درجة كافية من الديمقراطية ولأنها لا تتمتع بالقدرة الكافية على تحقيق حكومة مستقرة وفعالة).(ص:79)
المعارضة؟
وإذا كان ما يواخذ على الديمقراطية التوافقية هو عدم وجود معارضة أصلا أو وجود معارضة ضعيفة فإن هذا النقد غير منصف لأنه انتقاد يعتمد على مجتمعات متجانسة وليس على مجتمعات تعددية وفي هذا يرى الكاتب أنه «في ظل الظروف غير الموازية التي تمليها الانقسامات القطاعية تبدو الديمقراطية التوافقية مهما بعدت عن المثل الأعلى المجرد أفضل أنواع الديمقراطية التي يمكن توقع تحقيقها بصورة واقعية، وبعد أن يستعرض كل الانتقادات الموجهة لهذه الديمقراطية التوافقية ويجيب عليه يختم بقوله:
السهولة النسبية
إن السهولة النسبية في اطراح التوافقية تجعل من استمرار النظام الديمقراطي أوفر حظا. ويمكن لهذه الحجة أن تستخدم كرد نهائي على مختلف التهم المتعلقة بالصفة الديمقراطية الناقصة للديمقراطية التوافقية: فعندما يسود الشعور بأن مواطن الضعف هذه قد أضحت متزايدة الكلفة، ولاسيما عندما تعتبر متناقصة الضرورة لأن المجتمع قد أصبح أقل تعددية، فلن يكون من الصعب أن ينتقل المجتمع من نظام توافقي إلى نظام ديمقراطي تنافسي.
والمؤلف لم يترك جانب النقد أو تعداد المساوئ الوجهة للديمقراطية دون أن يشير إليها فقد عقد فصلا كاملا للحديث عن هذه المساوئ بعنوان: مساوئ الديمقراطية التوافقية.
مساوئ الديمقراطية التوافقية
نظرا إلى كون النموذج التوافقي لا يستعمل كتفسير عملي للاستقرار السياسي في مجموعة صغيرة من الديمقراطيات الأوروبية فحسب، بل كمثال معياري للمجتمعات التعددية في أماكن أخرى من العالم أيضا، فلابد من تقويم مواطن ضعفه الحقيقية والمزعومة. وتنقسم هذه إلى قسمين: فالديمقراطية التوافقية ربما انتقدت لأنها ليست على درجة كافية من الديمقراطية ولأنها لا تتمتع بالقدرة الكافية على تحقيق حكومة مستقرة وفعالة.
إذا ما اعتبر المرء وجود معارضة قوية مكونا جوهريا من مكونات الديمقراطية، فإن للديمقراطية التوافقية حد أقل ديمقراطية من نمط الحكومة البريطانية –ضد- المعارضة البريطانية، ذلك أن حكومة الائتلاف الواسع تستلزم حتما إما معارضة صغيرة وضعيفة أو غياب أية معارضة رسمية في المجلس التشريعي.
اعتراض غير منصف
غير أن هذا الاعتراض ليس اعتراضا منصفا تماما: فالمثال الأعلى للمعارضة السياسية القوية، والذي يمكن أن يتحقق إلى حد بعيد في المجتمعات المتجانسة لا يمكن أن يستعمل كمعيار لتقويم الأداء السياسي للمجتمعات التعددية. ففي ظل الظروف غير المواتية التي تمليها الانقسامات القطاعية، تبدو الديمقراطية التوافقية، مهما بعدت عن المثال الأعلى المجرد، أفضل أنواع الديمقراطية التي يمكن توقع تحقيقها بصورة واقعية.
غير صحيح
ويرى الكاتب ان هذا الاعتراض وإن كان غير منصف فهو غير صحيح كذلك ثم إن هذا الاعتراض غير صحيح: فهو يفترض أن الأحزاب تتناوب في الحكومة والمعارضة. والواقع أن الانقسامات القطاعية، على ما بيناه من قبل، تميل إلى ان تكون عديمة المرونة ولا تسمح بكثير من الحرية للأصوات في التحرك بين الأحزاب. لن يكون من الديمقراطية في شيء استبعاد القطاع أو القطاعات الأقلية بصورة دائمة من المشاركة في الحكم.
الائتلاف والمعارضة
ويرى الكاتب أن الائتلاف الواسع لا ينفي وجود المعارضة.
كما تجدر الإشارة إلى أن الائتلاف الواسع لا ينفي إمكانية قيام معارضة نفيا كليا. فطالما أن ثمة برلمانا أو هيئة أخرى يعتبر الائتلاف الواسع مسؤولا أمامها، فإن الانتقادات التي يدلي بها مؤيدو الأحزاب الأخرى يمكن أن توجه لا إلى الائتلاف. هذا ما أطلق عليه النمساويون عبارة (Bereichsopposition معارضة مجال الاختصاص) «معارضة ما يحدث في ظل ولاية الحزب الآخر المتفق عليها» خلال حقبة الائتلافات الواسعة الكاثوليكية – الاشتراكية. (ص:80)
الثالوث الديمقراطي
ويتعرض الكاتب لمجموعة أخرى من الانتقادات الموجهة للديمقراطية التوافقية ليحللها وبين أخطأها فيقول:
«المجموعة الأخرى من انتقادات النوعية الديمقراطية للنموذج التوافقي هي أنه يقصر عن الثالوث الديمقراطي المتمثل في الحرية، والمساواة، والإخوة. فالقطاع الذي ينتمي إليه الفرد قد يقف حائلا بينه وبين المجتمع الوطني والحكومي، وقد يكون القطاع متجانسا بصورة قاهرة، فالنموذج التوافقي يشبه «المجتمع الطائفي» في تصنيف وليام كورنهاوزر، الذي تكون فيه الجماعات الوسطية «جامعة» بمعنى أنها تميل إلى «احتواء كافة أوجه حياة أفرادها» وربما كان لمجتمع شديد التجانس والامتثالية نفس التأثير الكابت لحرية الأفراد. وليس في الأمر أية مفارقة: فالديمقراطية التوافقية تفضي إلى تقسيم المجتمع التعددي إلى عناصر أكثر تجانسا واستقلالية». (ص:81)
النظام المثالي؟
وهذا كله لا يرى الكاتب أن الديمقراطية التوافقية تشكل نظاما مثاليا ولكنها تتيح الفرصة لبناء توافقي في الحكم يحقق الاستقرار يقول:
«والتوافقية ليست نظاما مثاليا من حيث العنصر الثالث أيضا في الثالوث الديمقراطي. فالإخاء يعني السلام «الإيجابي»، أما مجرد السلام «السلبي» للديمقراطية التوافقية فيشحب إذا ما قورن به، بيد أنه ينبغي ألا نستهين بالتعايش السلمي. والسؤال هنا ليس أي من الاثنين يستحق أن يكون بالمطلق الهدف المرغوب، بل أي الهدفين يمكن تحقيقه واقعيا. السلام والتآخي الإيجابيان أولى طبعا بأن يتخذا غاية تستحق العناء من مجرد التعايش السلمي، ولكن في المجتمع التعددي يعتبر التعايش الديمقراطي السلمي أفضل بكثير من السلام غير الديمقراطي ومن ديمقراطية غير مستقرة يمزقها التصارع بين القطاعات». (ص:82)
سيادة النخبة
«الاعتراض الأخير على الصفة الديمقراطية للديمقراطية التوافقية هي أنها تستلزم ما يسميه نورد لينغر (سيادة النخبة المنظمة)، كما تستلزم، بالمقابل، دورا امتثاليا لكافة الجماعات غير النخبة. وتقع على عاتق زعماء القطاعات المهمة العسيرة المتمثلة في القيام بالتسويات السياسية مع زعماء بقية القطاعات وتقديم التنازلات لهم، والحفاظ على ثقة قواعدهم، لذلك يكون من المفيد أن يمتلكوا سلطة مستقلة كبيرة وموقعا آمنا في القيادة. غير أن هذا لا يستطيع موقعا شبه التردد وعدم الفعالية». (ص:82)
بطء القرار
ويتحدث المؤلف عن جانب آخر وهو بطء صنع القرار حيث يرى أن الفعالية قد تتأثر قبل الحصول على التوافق ويقول:
«فالحكم بواسطة الائتلاف الواسع يعني أن عملية صنع القرارات ستكون بطيئة. ذلك أنه من الأسهل أن يتم التوصل إلى اتفاق في ائتلاف محدود، أضيق طيفا في توجهاته السياسية، وأيسر من القيام بذلك ضمن ائتلاف واسع يشمل الطيف الكامل للمجتمع التعددي، وهذا من الأسباب، متى تساوت بقية العوامل، التي لأجلها كان تشكيل أصغر الائتلافات الرابحة أرجح من الائتلافات الواسعة أصلا. الفيتو المتبادل ينطوي على خطر إضافي يتمثل في تجميد صنع القرارات كليا». (ص:84)
هذه بعض مظاهر الديمقراطية التوافقية من محاسن ومساوئ ولكنها على أي حال هي أليق بمجتمعات مثل المجتمعات الإسلامية والعربية التي لم تتعود بعد على الديمقراطية المعيارية إن صح التعبير لأنها يمكنها ان تكون الخلاص الذي يساعد المجتمعات في الخروج من الاستقطابات الإيديولوجية أو الطائفية أو الاثنية أو اللغوية أو غيرها مما يعتري المجتمعات الإنسانية من الأهواء.
ولعل أن تكون هذه الديمقراطية اقرب إلى الشورى في فلسفتها وعمقها من حيث السعي لاعتماد التراضي بين الناس بدل الإقصاء أو التهميش باسم (الديمقراطية) و الأكثرية.
-أستاذ الفكر الإسلامي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.