يوجدُ عدد من مرافق المستشفى الإقليمي الغساني بمدينة فاس في وضعيّة "مُزريّة"، حسبَ ما عاينتْه هسبريس خلال جولةٍ بالمستشفى. في إحْدى الساحات ثمّة أكوام من المتلاشيات والأزبال في مشهدٍ أشبه ب"مزبلة" صغيرة، في حين أنّ النظافة من الأمور الأساسية التي يتوجّبُ أن تتوفّر داخل المؤسسّات الصحيّة. في الممرّ المؤدّي إلى قسم المستعجلات تظهر نافذة كبيرة جزءٌ من زجاجها مكسور، دون أنْ يتمّ إعادة تركيب الزجاج الذي سقط، أوْ نزْع ما تبقّى منه حفاظا على سلامة زوار المستشفى، وعلى جانب ممرّ آخر في الحديقة الكبيرة للمستشفى ثمّة عمودُ كهرباء سقَط على الأرض وظلّ دون أن يُزيحه أحَدٌ من مكانه. داخلَ مرافقَ المستشفى يبْدو الوضعُ أسوأ بكثير. في محيط مستودع الأموات على يسار الباب الرئيسي للمستشفى تنتشر رائحة كريهةٌ يصعبُ تحمّلها، وكُلما دَنا الزائر من المستودع تشتدّ الرائحة الكريهة. في الدّاخل ثمّة مكتبٌ صغير وُضعتْ عليه أوراق بشكل فوضوي. هنا لا يحتمل المرءُ البقاء لدقائق بسبب الرائحة الكريهة المنبعثة من ثلاجات حفظ الموتى. أمّا في الخارج، فيزداد الوضع سوءً. في رُكْن على يسار باب مستوْدع الأموات يوجدُ صندوق قُمامة صغير، وإلى جانبه عُلب كرتونيّة فارغة في مشهد مقزّز، ويصلُ التقزز ذرْوتهُ حينَ يقترب المرْء من رُكامٍ من الأقمشة البيضاء ملطّخة بالدماء، تعود للموتى، ويتمّ رميها بجانب المستودع، دونما أدنى مراعاةٍ لشروط السلامة الصحيّة، أو احترام مشاعر أهالي الموتى. الوضعية المُزرية التي يعيشها مستودع الأموات بالمستشفى الإقليمي الغساني بمدينة فاسَ دفعتْ بفاعلين جمعويين إلى الاتصال بوزير الصحة الحسين الوردي منذ ثمانية شهور قصْدَ التدخّل لإعادة الأمور إلى نصابها، لكنْ بدون جدوى، حسب فاعل جمعوي، وما زالَ المستودعُ على حاله، تنبعثُ منه الروائح الكريهة، وتُحيط به النفايات، والأقمشة الملطّخة بدماء الموتى. ويوضح كريم المالحي وهو فاعل جمعوي، متحدّثا عن وضعية المستشفى، بعدَ زيارةِ معاينة قائلا، "كايْن الخنز والشراوط عامرين بالدّم مْليوحين في كل مكان، اتصلنا بالوزير الوردي أنا ونائبُ عمدة المدينة، وقلنا لو هادشي مباشرة ولكنه لم يتدخّل"، ويُضيف المتحدّث "دخلت إلى مكان حفظ الجثث داخل المستودع، داكشي خانز حاشاك، وقبيح بزاف وما فيه ما يتشاف". ولا تبْدو باقي مرافق المستشفى الإقليمي الغساني أفضلَ حالًا، من ناحية النظافة. داخل المرافق يُمكن أن تعثر على خُبْزٍ يابس، وعلى صناديق قمامة تفيض بالأزبال، كما هو الحالُ في المركّب الجراحي، حيثُ وجدْنا صندوق قمامة داخل مرحاض مليء عن آخره بالأزبال دونَ أنْ يتمّ إفراغه، أمّا عنْ وضعيّة المرحاض فحدّث ولا حرج. ثمّة مراحيضُ أخرى لا تغلقُ أبوابها، لافتقارها إلى مِزلاج. قبْل ولوج المراحيض سألنا سيّدة، فدلّتنا عليها وأردفت "ما فيها ما يتشاف"، وكانتْ صادقة فيما قالت. المغاسلُ مخنوقة، والصنابير مكسورة ولا تُجيد بقطرة ماءٍ واحدة، وإلى جانب المغسل قطْعتا خُبزٍ. في كلّ مكان من مرافق مستشفى الغساني بفاس يُطرحُ سؤال السلامة الصحيّة للمرضى، فداخل المرحاض وجدْنا صينيّة يُحمل عليها الطعام إلى المرضى موضوعةً على مغسلٍ داخل مرحاض. في المركّب الجراحي، وفي باقي الأجنحة، لا توجدُ داخلَ الغرف حيثُ يرقد المرضى كراسي فيضطرّ الزوار إلى الجلوس على الأرض، أمّا داخل جناح الولادة فثمّة اكتظاظٌ داخل الغرف. في إحدى الغرف وجدْنا سيّدة ترقدُ فوقَ فراشٍ على الأرض بجانب الباب رفقة مولودها الصغير، أمّا سقْفُ الغرف فقد تبدّل لوْنه من الأبيض وصار يكتسي لونا أقربَ إلى السواد بفعل الرطوبة. ويبْقى الأخْطرُ أنّ غُرفةَ التعقيم داخلَ المركّب الجراحي بالمستشفى كان بابها مفتوحا عن آخره كما عاينتْ هسبريس، ويُمْكن لأيّ كانَ أنْ يدخل إليه، خصوصا أثناء وقت الزيارة، أمّا أدوات وآلاتُ التعقيم (Autoclaves) فقالَ مصدرٌ طبيّ من المستشفى إنّها تتعطلُ بسبب الأعطاب التي تطالها، ويضيفُ المصدر أنّ الطاولات التي تُجرى عليها العمليّات الجراحيّة قديمة. مصدرٌ آخرُ من المستشفى الإقليمي الغساني بمدينة فاس قالَ إنّ المُركّبَ الجراحيّ تمّ توقيفُ إجراءِ العمليّات الجراحيّة به وتمّ إغلاقه حواليْ أربعة أسابيع، بدعوى تعطل آليات إجراء العمليات الجراحية، وأضاف المتحدّث أنّ هناك "أيادٍ خفيّة" دفعتْ في اتجاه تعطيل إجراء العمليات الجراحيّة، من أجل نقْل المرضى إلى المصحات الخاصّة. وحسبَ المعلومات التي أدْلى بها المصدر يُرجّح أنْ يتمّ إعادة فتْح المركّب الجراحي لكنّ الإشكال، يردف المتحدّث، هو أنّ المُركّب الجراحي سيُفْتحُ وستُجرى فيه العمليات الجراحية بنفس الآليات التي كانتْ تُستعملُ قبْل إغلاقه، والتي قيلَ إنّها مُعطّلة، وهذا يعني أنّه كان بالإمكان إصلاح تلك الآليات وعدم إغلاق المركّب الجراحي، وأضاف "لهذا تظلّ علامات الاستفهام مطروحة، سواء فُتحَ المركب الجراحي أم أغلق". غيْرَ أنّ المندوب الإقليمي لوزارة الصحة بفاس محمد أسباعي نفَى أنْ يكون المركّب الجراحي قدْ أغلق لمدّة أربعة أسابيع، كما نفى وجود "أيادٍ خفيّة" تقف خلْف إغلاق المركّب، وقال لنا في اتصال هاتفي إنَّ ما حدث هو أنَّ سوء فهم وقع بين الأطباء حول برنامج العمليات الجراحية، بعْد إغلاق قسم المستعجلات لإجراء إصلاحات، وتمّ توقيف إجراء العمليّات بسبب ذلك الخلاف لمدّة أسبوع. وأضاف أسباعي أنّ "الأمور أصبحت عادية وعادت إلى طبيعتها، ولم يعد هناك أيّ مشكل مقارنة مع الأيام الماضية"، واصفا توقيف إجراء العمليات الجراحية داخل المركّب الجراحي بأنها كانت "حالة عابرة"، في حين رفضَ مدير المستشفى الإقليمي الغساني الإدلاء بأيّ تصريح حوْل هذا الموضوع عبْر الهاتف، واشترطَ الحضورَ إلى مكتبه للإجابة عن أيّ سؤال بخصوص وضعية مستشفى الغساني. وفي ظلّ تضاربِ الآراء حوْلَ دوافعِ وأسباب إغلاق المركّب الجراحي، والمدّة التي دامها الإغلاق، لا يحتاجُ زائرُ المستشفى إلى توْضيحات بشأن الوضعية "المزرية" التي يُوجد عليها عدد من مرافق المستشفى، والتي يلْحظها الزائرُ بالعيْن المجرّدة ولا تحتاجُ إلى أيّ تعليق.