في غمرة حملة انتخابية حامية الوطيس ،وبينما أنا غارق في نومي أتابع فيلما خياليا عن الحوريات الجميلات بكل الأحجام والألوان والأجناس وهن ىيسبحن في أكواريوم أحلامي ، بعيدا عن عالم السياسة والسياسيين المليء بصداع الراس ، إذا بطيف شبح مقنع غريب عني يخترق باب شقتي الحديدية مثل شعاع الليزر ويهزني من فراشي الوطيء هزا وكأن زلزالا ضرب جدران العمارة من الأساس ،فألفيتني على الفور أغمغم وحيدا أتقلب في فراشي : من أنت وماذا تريد ؟ خطا طيف الشبح المقنع خطوتين حيث ضوء القمر المنبعث من شباك النافذة فاستبان لي حجم هيكله وبدأ يقهقه ثم قال لي : -ألا تعرفني.. دقق النظر في ياكاتب ..أنا الزعيم العظيم . قلت له :كيف لي أن أعرفك وأنت مقنع بقناع أسود سميك . أكشف عن وجهك الحقيقي حتى أرى من أنت ..فالزعماء كثروا في هذه الأيام.. أجابني: لو قبلت طلبي سأكشف لك عن وجهي وعن أشياء أخرى أهم ربما ستسمعها عني لأول مرة يكون لك فيها السبق الصحفي . قلت له : وما طلبك ؟ أجابني : أن تقوم بتغطية صحفية من شغال يديك بمناسبة تقديم مرشحنا الجديد ..فأنت الذي وقع عليه اختياري من ضمن آلاف الصحفيين والكتبة ..قلمك ذباح وأسلوبك ساحر.. فكرت قليلا ثم أجبته : -ومن هو مرشحكم الجديد لابد أنه مناضل كبير ومعروف في حزبكم ؟ بدا مرتبكا ثم رد علي بانفعال : -مناضل..مناضل..مناضل اشمن نضال بقى....عصر المناضلين كما تتصوره أنت وأمثالك يا عزيزي قد انتهى ..معركة الإنتخابات عندها رجالها الماليها أما المناضلون فتخمة في الكلام ،وجوع في الإنتخابات والسلام ..عالة علينا وخلاص.. بدأت أتفهم غرض صاحبنا جيدا من زيارته الطارئة لي، في هذه الليلة الصيفية القمراء ، فقلت مع نفسي ، سأصغي لزعيمنا جيدا ، أجيبه عن كل أسئلة بلباقة وأدب ، أداريه نخويولو لمزيودة لكن أثناء المواقف الحاسمة ، تالله لن أفعل إلا ما أومن وأقتنع به . فقلت له بنبرة من هو على استعداد لخدمته : - أشاطرك رأيك في مناضلي هذا الزمان ، فهم عملة نادرة ومع ذلك فهي بائرة شعاع المناضل الذهبي كان يتلألأ وهاجا يخترق بنوره الربوع ،أضحى اليوم شعلة خافتة لا تكاد تضيء محيطها .. ما فرسك البديل الذي ترمي عليه بسهمك ورهانك في معركة الإنتخابات المقبلة يا سعادة الزعيم العظيم ؟ -فرسي رهاني في سباق الإنتخابات هو : هُوبْ..هُوبْ...هُوبْ ...شبيك ..لبيك ..مرشحنا العظيم بين يديك.. .ما أن نطق الزعيم العظيم بهذا الكلام الذي قرأنا مثله في قصص التلاوة مثل علاء الدين والمصباح السحري وغيره وكشف عن وجهه الحقيقي فغدا معروفا لدي مثل الثور الأبلق ،حتى انتصب أمامي شبح آخر أكبر حجما منه لا قناع له خارجا من كتلة ضبابية بيضاء ذكرتني ،ببياض بشرة الحوريات ، سرعان ما تلاشت ثم استأنف زعيمنا العظيم قائلا وهو يدور حول هيكل رهانه وكأنه مروض حيوانات محترف في سرك : - هذا هو المرشح الذي سيشفي غليلي في الأعداء داخل هذه الغابة الإنتخابية غير الإستوائية .. ..قلدة تبارك الله وشمن قلدة.. الزين والصح والفلوس اشبغيتو تاني ...بغيتو المرشحين المناضلين ديال بشكيطو ...الزلط والفرعنة ؟ -نعم...قلت مع نفسي .. قلدة واشمن قلدة.. واش بقات فالقلدة .ا . حينها بدأ الشبح بوقلدة يعرض عضلاته أمام طوفان من الجائعين والمعطوبين وهم مصطفون ينتظرون يصرخون..يصفقون.بنسائهم وأطفالهم وشبابهم لُمْفَرْوَحْ ... واوراق زرقاء وبنية وخضراء تخرج من جيوب بذلته الأنيقة ملونة تتطاير في الفضاء ، تتماوج فوق الرؤوس الكحلة تزقزق ضاحكة من بؤس هؤلاء الفقراء والمعطوبين وقد ملأت بسحرها كل القلوب و الجنبات ..ثم توقف المرشح البديل البدين بجانب الزعيم العظيم يقدمه للحاضرين وقد بح صوته من كثرة الكلام : - هذا هو صوتكم الأعلى..صوتوا عليه..سيغني فقيركم ..ويشفي مريضكم..ويسرح مسجونكم ..ويزوج عوانسكم..ويشغل عاطليكم...و..و..و.. صاحت أصوات الجائعين والمعطوبين بعدما تأكد لديها أن صاحب الصوت الأعلى هو المخلص من هذا البؤس ولو إلى حين : ( الدخول المدرسي وعيد الأضحى و...و..و.): _ المجد للصوت الأعلى ..نحن معك..عاش مرشحنا.. -عاش..عاش..عاش.....(وباش..عاش.فحياتو...باش.باش..باش..غير .ببحالكم يا الكباش..)!! ? وبين لحظة وأخرى يلتفت الزعيم العظيم ببصره جهتي ،مرة يحرك عينيه معبرا لي عن إعجابه بالحملة الإنتخابية وبعدد الناس الذين أحضرهم خدامه الخلص من الكاريان: ( الخزان الإنتخابي الذي لم ينضب منذ الإستقلال إلى اليوم ، استمراره طاقة فعالة وحاسمة لإصحاب الشكارة..هو الضربة القاضية .. ( ومرة يومئ لي بإشارة من يده بكتابة ما أراه وما أسمعه، أحرك له رأسي بالإيجاب , مذهولا من سلوك بعض شرائح هذا الشعب الذين يصفعونك بهذه البشاعة عند كل محطة انتخابية . في الصباح استعدت شريط الحملة الإنتخابية في الحلم ،فتبين لي أن ما رأيته في منامي هو الواقع نفسه .استعادت ذاكرة النضال زمرة من المناضلين الحزبيين يوم كانت الحملات معارك وطنية حقيقية مع ثلة من الأصدقاء في المقهى تطاردني لعنة زعماء الشياطين صائحا بأعلى صوتي : -_ المجد للمناضلين الشرفاء ..المجد للكتاب والصحفيين النزهاء...!!! قبل أن أنهي تغطيتي الصحفية الوهمية أخبر القارئ الكريم أني علقت يافطة على صدر كل من المرشح بوقلدة ومروضه الزعيم العظيم ، وقد تحولا معا بعد شروق شمس الله الوضاحة الفضاحة حقيقة ساطعة كشفت ذاكرة الزمن النضالي النقي الغطاء عنها مكتوب عليهابالبنط الغليظ : لقد أخطأتما العنوان ...صُبا َّ الماءَ على عورتيكما بعد قضاء الحاجة..( حشاكم ).. فأنا لست عبدا مأمورا ولا قلما مأجورا ...