مركزية القضية الفلسطينية و طوق الخطاب العربي: الحديث عن "المركزية " ارتبط في العالم العربي بالناصرية و الأحزاب القومية التي كانت تنظر إلى إسرائيل كحليف للاستعمار و الامبريالية، و ارتبطت القضية بالتحرر الوطني العربي الذي تعرقله إسرائيل. لكن بعد هزيمة 67 و صدور القرار 242 الأممي بالتقسيم و قبول الواقع العربي ب"الواقع الإسرائيلي"، أصبح التراجع السياسي عن مركزية فلسطين، و أصبح الحديث عن دعم الشعب الفلسطيني عوض تحرير فلسطين. بعد اتفاقية "كامب ديفيد" أزيل مفهوم المركزية و خرجت مصر من الصراع، و مصر تمثل مركزية ضمن مركزية القضية الفلسطينية، و تكون وعي مشوه بالقضية، و أصبحت تصورات ذهنية جديدة للانتماء العربي، و تم إذلال الفلسطينيين، و خلا الجو لإسرائيل للطغيان و الاستباحة. و استمر انفكاك النظام العربي عن مركزية القضية بالحرب العراقية الإيرانية، و ضاعت المركزية بغزو العراق للكويت سنة 90، و انحياز الموقف الفلسطيني لصدام مما أدى إلى وقف دعم دول الخليج لمنظمة التحرير، و أدت مشاركة الدول العربية في التحالف لتحرير الكويت إلى تبعثر ما تبقى من تضامن حول القضية، و أصبحت المصالح فئوية و قطرية. لقد غيبت القضية مع مفهوم الدولة القطرية، و اعتبر حق تقرير المصير الفلسطيني شأنا داخليا، و أصبحت دول الجوار تتوسط للتهدئة و اتفاقيات السلام، بل أصبح الفلسطيني متهما بالتدخل في شؤونها، و تشكل وعي معادي للفلسطينيين. إن القضية الفلسطينية تحرج الهويات الوطنية المصطنعة، التي أفرزها الاستعمار، فترد بإشاعة صورة سيئة عن الفلسطينيين (الذين باعوا أرضهم و فتحوا الباب للمحتل. ) و تستمر المركزية في التلاشي بعد مؤتمر مدريد حيث لجأت إسرائيل إلى التفاوض الثنائي مع الدول العربية، و تم فصل القضية الفلسطينية عن القضايا العربية. و قد كانت اتفاقية " أوسلو " المسمار الأخير في نعش القضية الفلسطينية و لسان الحال يقول هذا فراق بيننا و بين العرب، بعدها ربط 12 بلدا عربيا علاقات دبلوماسية و تجارية مع إسرائيل، و أصبحت " المركزية " بيدها، و " الوساطة " بيد أمريكا التي تدعي حل الصراع، و تم تقويض مقومات الدولة الفلسطينية، فأي دولة مع الاستيطان و بجدار عنصري و خنق اقتصادي و استباحة للشعب الفلسطيني؟. هكذا عزل الشعب الفلسطيني عربيا و دوليا، و تم تفكيك الوحدة بين الضفة و غزة و أراضي النكبة، و لم تعد السلطة الفلسطينية حرة في طلب عضوية مراقب في الأممالمتحدة، و لم تعد تتلقى الالتزامات المالية التي وعدت بها الدول العربية مقابل حجز إسرائيل أموال الضرائب العائدة للسلطة الفلسطينية، و تم حصار غزة و استباحتها على التوالي 2008 و 2009 و 2012، و ختم النظام المصري المشهد بإغراق الأنفاق التي يعيش منها الشعب الفلسطيني. و أدارت الدول العربية الظهر للفلسطينيين و اتجهت نحو الغرب، الذي يخدم إسرائيل، تقدم كل شيء بلا ثمن: نفط، رؤوس أموال في البنوك، و قواعد عسكرية و أسواق حرة و مشتريات أسلحة للاقتتال فيما بينها . و أصبحت الأولويات نابعة من مصالح خاصة لكل نظام عربي، حيث يقدم الخطر الإيراني على الخطر الإسرائيلي. بل الأبعد من ذلك أنه يتم التمويه بتأييد القضية الفلسطينية بديلا للخيار الديمقراطي و للتغطية على قمع الحريات. أما بعد: هذا الوضع العربي بهذه الصورة يجعل مولود "الائتلاف المغربي للتضامن" أمام مهمة صعبة، هي تفكيك هذه الخيوط المتداخلة و رصد البعد الحقيقي للقضية، و أن الأمر ليس وقفة نصرة أو مساندة بل هو حرث لأرض محروثة يصعب " كربلتها "، و أن الاستيعاب بعد التفكيك خطوة نحو العمل. وفق الله الجميع إلى خدمة قضايا الأمة و الوطن و في مقدمتها قضية الصحراء المغربية.