تؤكّدُ الإحصائيات الرسميّة أنَّ نسبة البطالة في صفوف حاملي الشهادات أعلى مقارنة معَ الأشخاص غير الحاملين لشهادات؛ هذه "المفارقة الغريبة" زكّتْها مذكرة إخبارية أصدرتها المندوبية السامية للتخطيط، قبل أيام، حوْل وضعية سوق الشغل بالمغرب في سنة 2015، وجاء فيها أنَّ نسبة عدد السكان النشيطين المشتغلين، والذين لديهم شهادات، لا يتعدّى 38.8%، بينما يصل عدد المشتغلين غير المتوفرين على أي شهادة إلى 61.2%. وبإعلانِ رئيس الحكومة الحالية، عبد الإله بنكيران، إغلاق بابَ التوظيف المباشر، واشتراطِ النجاح في المباريات لولوج الوظيفة العموميّة، باتَ أمَلُ خرّيجي الجامعات في ولوج سوق الشغل يتضاءل، خاصّة وأنَّ التكوين الجامعي لا يتلاءم وحاجيات سوق الشغل في القطاع الخاص. ولتجاوُز هذا الحاجز، عمدت الحكومة، خلال السنة الماضية، إلى إطلاق مشروع تكوين 25 ألفا من حاملي الإجازة، للحصول على شهادة الكفاءة المهنيّة. فكيْفَ ينظرُ المعطّلون المعنيون إلى هذا المشروع؟ بالنسبة لمحمد الصحيح، عضو التنسيق الميداني للمجازين المعطلين، فإنَّ المشروع الحكومي الرامي إلى استكمال تأهيل 25 ألفا من حاملي الإجازة، والذي جمع رئيس الحكومة أربعة من وزرائه للتوقيع عليه، إضافة إلى مسؤولين آخرين معنيين بالتشغيل، "ليس سوى مجرّد عمليّة لذرّ الرماد في العيون"، على حدّ تعبيره. في المقابل، قالَ رئيسُ الحكومة، عبد الإله بنكيران، غداةَ التوقيع على البرنامج الممتدّ على مدى ثلاث سنوات، إنَّ تأهيل حاملي الإجازة سيفتح لهم باب ولوج المقاولات، بينما يرى محمد الصحيح، الذي دَأبَ على المشاركة في مسيرات احتجاجية إلى جانب زملائه من الأطر العليا المعطلة بالرباط منذ سنة 2011، فيعتبرُ أن البرنامج الحكوميَّ غير ذي جدوى. ولتعزيز وجهة نظره، يُحيلُ الصحيح على برنامج سابقٍ لتكوين 10 آلاف إطار تربوي، والذي ما زالَ المستفيدون منه يخوضون وقفات احتجاجية بالرباط للمطالبة بتشغيلهم، وقال الصحيح: "برنامج إعادة تأهيل 25 ألفا من حاملي الإجازة لا يختلف في العمق عن برنامج تكوين 10 آلاف إطار تربوي"، مضيفا: "نصفُ مليار الذي ستصرفه الحكومة على هذا البرنامج هو تضييع لأموال الدولة". وفي الوقت الذي يقول رئيس الحكومة إنَّ تكوينَ الخرّيجين يجب أن يظل مستمرا، حتى وإنْ تمّ إغلاق باب التوظيف المباشر، بهدف تأهيلهم لولوج سوق الشغل، قال محمد الصحيح إنَّ الحكومة تفتقر لإرادة حقيقية لحلّ معضلة البطالة، معتبرا أنَّ أيّ حلّ يجب أنْ يتمّ بإشراك المعنيين، "وفي جُعبتنا الكثير من الحلول، لكنّ الحكومة ترفض الإنصات إلينا"، يقول المتحدث. ولا يُبْدي خرّيجو الجامعات المعطلون ترحيبا بإشارات رئيس الحكومة إلى أنّ إعادة التأهيل سيفتح لهم أبواب الشغل في القطاع الخاصّ، ويتمسّكون، في المقابل، بإدماجهم في سلك الوظيفة العمومية، وهو ما ترفضه الحكومة، بداعي أنَّ الميزانية المخصصة للتوظيف لا تسمح بالتوظيف المباشر، خاصّة وأنها تسعى إلى تخفيض كتلة أجور موظفي القطاع العام. ردّا على ذلك، قال محمد الصحيح إنَّ ثمة خصاصا بآلاف المناصب في عدد من القطاعات العمومية، معتبرا أنَّ تحجج الحكومة بكون الميزانية لا تسمح بالتوظيف المباشر لا يستند على أساس، "لأنَّ أجور الموظفين الكبار هي التي تمتصّ ميزانية التوظيف، وليس أجور الموظفين الصغار"، مضيفا: "نحن لا نرفض إعادة التأهيل، فنحن مع الكفاءة ولسْنا عدميّين، لكن شريطة أنْ يكون التأهيل مرفوقا بالإدماج".