مجلس النواب يعلن عن جلسة عمومية لمناقشة حصيلة الحكومة    الحكومة توسع صلاحيات المراكز الجهوية للاستثمار وتحدد معايير جديدة لتنظيم إدارات الدولة    الحكومة تصادق على إصلاح مراكز الاستثمار وإحداث اللجان الجهوية الموحدة    رسميا.. جامعة الكرة تتوصل بقرار "الكاف" النهائي بشأن تأهل نهضة بركان    طاهرة تودع مسلسل "المختفي" بكلمات مؤثرة    فرنسا تدعو الجامعات إلى "حفظ النظام"    حزب الاستقلال يراهن على "الكوطا الشبابية" للخروج من أزمة اللجنة التنفيذية    جهة طنجة-تطوان-الحسيمة.. المخزون المائي بالسدود يناهز مليار و 100 مليون متر مكعب بمعدل ملء يصل إلى 63,84 في المائة    البرلمان يستعرض تدبير غنى الحضارة المغربية بالمنتدى العالمي لحوار الثقافات    مؤسسة المبادرة الخاصة تحتفي بمهرجانها الثقافي السادس عشر    رغم الهزيمة.. حكيمي ضمن التشكيلة المثالية لنصف نهائي أبطال أوروبا    تسرب الوقود من سفينة بميناء سبتة كاد يتسبب في كارثة بيئية    حادثة سير خطيرة بمركز جماعة الرواضي باقليم الحسيمة    عاجل: إحالة مسؤول بالاتحاد الاشتراكي على "جرائم الأموال" بالرباط في فضيحة "الوظيفة مقابل المال" بوزارة العدل    إطلاق طلب عروض لمشروع جديد للمكتب الوطني للمطارات    حصيلة نصف الولاية الحكومية: تناقضات وأسئلة عالقة    آبل تعتزم إجراء تكامل بين تطبيقي التقويم و التذكيرات    بورصة الدار البيضاء : تداولات الافتتاح على وقع الانخفاض    إلقاء القبض على إعلامية مشهورة وإيداعها السجن    الطيب حمضي ل"رسالة24″: ليست هناك أي علاقة سببية بين لقاح أسترازينيكا والأعراض الجانبية    اللجنة العلمية لكورونا تخرج عن صمتها بشأن أضرار أسترزينيكا وترمي الكرة بملعب الحكومة    بذور مقاومة للجفاف تزرع الأمل في المغرب رغم انتشارها المحدود    الداخلية تكشف موعد إجراء انتخابات جزئية ببنسليمان وسيدي سليمان        الرئيس الكولومبي يعلن قطع العلاقات مع إسرائيل    مسؤولة في يونيسكو تشيد بزليج المغرب    "الراصد الوطني للنشر والقراءة" يعلن عن أسماء الفائزات والفائزين بجائزة "الشاعر محمد الجيدي" الإقليمية في الشعر    ارتفاع أسعار النفط وسط توقعات بإعادة ملء الاحتياطي الأمريكي    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    "دراسة": زيادة لياقة القلب تقلل خطر الوفاة بنحو 20 في المائة    الاتحاد الفرنسي لكرة القدم يصدر قرارا مثيرا للجدل تجاه اللاعبين المسلمين بمنع ارتداء سراويل داخلية تغطي الركبة    قمة "نارية" بين حامل اللقب نهضة بركان ومتزعم البطولة الجيش الملكي في دور السدس عشر    السجن لبارون مخدرات مغربي مقيم بشكل غير قانوني بإسبانيا    عبد الجبّار السحيمي في كل الأيام!    العربية للطيران ترفع عدد رحلاتها بين أكادير والرباط    توقيف الدعم المالي للأسر يجر لقجع للمساءلة    نادي الشباب السعودي يسعى لضم حكيم زياش    رونالدو يقود النصر إلى نهائي كأس السعودية لمواجهة غريمه التقليدي الهلال    حادثة سير تسلب حياة سيدة في مراكش    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الخميس    تراجع التضخم في كوريا إلى أقل من 3 في المائة    غضب رسمي أردني من "اعتداء" إسرائيليين على قافلتي مساعدات إلى غزة    نائب رئيس مؤتمر رؤساء المنظمات اليهودية الأمريكية: زعماء دول عربية قالوا لي اهلكو "حماس" دمروهم لأننا سندفع الثمن    دورة مدريد لكرة المضرب: الروسي روبليف ي قصي ألكاراس حامل اللقب    هل ستعود أسعار الخضر للإشتعال؟    دراسة: مجموع السجائر المستهلكة "يلتزم بالثبات" في إنجلترا    الصين تعتزم إطلاق المسبار القمري "تشانغ آه-6" في 3 ماي    باحث إسرائيلي في الهولوكوست: إسرائيل ترتكب جريمة إبادة جماعية في غزة.. وهناك أدلة كافية قبل أن صدور إدانة المحكمة الدولية    اختفاء رئيس جماعة ينتمي لحزب "الأحرار" بآسفي بعد وضع مذكرة بحث وطنية ضده بسبب "شيكات بدون رصيد"    اتحاد جدة صيفطو كريم بنزيما لريال مدريد وها علاش    أثر جانبي خطير لأدوية حرقة المعدة    البيرو..إطلاق منصة لتعلم أي لغة إشارة في العالم باستخدام الذكاء الاصطناعي    مدينة طنجة عاصمة عالمية لموسيقى الجاز    الأمثال العامية بتطوان... (586)    هيئة كبار العلماء السعودية: لا يجوز الذهاب إلى الحج دون تصريح    السعودية: لا يجوز الحج في هذه الحالة.. ويأثم فاعله!    قبائل غمارة في مواجهة التدخل الإستعماري الأجنبي (8)    الأمثال العامية بتطوان... (584)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل فشل الحسين الوردي في إصلاح قطاع الصحة؟
نشر في هسبريس يوم 24 - 10 - 2016

مرَّة أخرى انتصر المخزن* ، وفاز قنَّاصو غنائم قبة البرلمان الذي تحول إلى ضيعة فيودالية بئيسة، ولم ينهزم الشعب المقهور الذي بدأ وعيه يتعافى ويستيقظ (المقاطعة الكبيرة للانتخابات الأخيرة).. نعم ساداتي القراء الأفاضل انتهت مسرحية الانتخابات، وانتهت معها الولاية الوزارية للسيد الحسين الوردي على هرم الصحة المتآكل، وقد سيق للبروفيسور الحسين الوردي أن صرَّح قبيل انتخابات 7 أكتوبر 2016، أن حزب التقدم والاشتراكية سيدخل هذه المحطة السياسية، وهو يجرُّ وراءه منجزات مهمة حققها ضمن الحكومة الحالية (فشل أمين الحزب نبيل بنعبد الله في تدبير وزارة السكنى وسياسة المدينة، فشل شرفات أفيلال وزيرة الماء في إدارة الطاقة المائية، فشل عبدالسلام الصديقي عاشق الحقول في تشغيل وزارة الشغل)، كما أكَّد وزير الصحة الوردي أن الانتخابات ستكون حاسمة نظرا للمكتسبات المتنوعة لحزبه في الائتلاف الحكومي، سيما في المجال الصحي، بسبب رسم وتنفيذ سياسة صحية شجاعة، وفعلا كانت نتائج الانتخابات حاسمة في تبَعْثُر وتَعَثُّر صفحات حزب "الكتاب"، ربُّما كان عليه قراءة كتاب قطاع الصحة في كوبا والاستفادة من تجربتها.
فلاش باك (استرجاع):
سنة 2012 تفاءلنا كثيرا وفرحنا أكثر حينذاك، كيف لا والذي تقلَّد مسؤولية صحة المغاربة، هو ابن دار الصحة العارف بسراديبها وكواليسها وأسرارها وطابوهاتها، وقراصنتها وأشباحها، وأيضا كفاءاتها ومناضليها وشرفائها، ومُتقاعديها ومُقعديها.. عِشنا الدرجة القُصوى للفرح خصوصا وأن سِجل الوزير الوردي ثقيل بالشواهد العلمية والخبرة الأكاديمية، الرَّجل المشهود له بالجدية والنزاهة، والذي تقلد مسؤوليات عدة في وزارة الصحة، ستجدونها أعزائي القراء أسفل المقال.
غير خفي مدى أهمية القيمة العلمية والمهنية والكفاءاتية والتربوية أيضا، لتواجد الشخص المناسب في المكان المناسب، تكمن في قدرته على معرفة الداء وتشخيص الدواء، وسنحاول في هذه المقالة توخي الموضوعية دون تحامل أو تساهل، وفق ما يستدعيه النقد البناء، بوضع المجهر فوق اشتغال وزير الصحة الوردي وتدبيره لقطاع الصحة طيلة هذه السنوات، وسنبدأ بسرد منجزاته.
للإشارة ومن باب الإنصاف إن مِلفَّ الصحة أشبه بالفيلم السينمائي الرائع (الدولي The International) الذي كتبه إريك سينغر وأخرجه توم تيكور وأنتجه تشارلز روفين، بمعنى أنه ملف أخطبوطي عبارة عن جبل الجليد لا نرى إلا قمته أما قاعدته الضخمة فمغمورة تحت مياه بركانية.
سنغادر خطاب الفن والإيديولوجيا، ونشرع في تِعداد منجزات الوزير الوردي، رغم العوائق التي تقلد في ظلها المسؤولية، وأبرزها الميزانية المتواضعة المخصصة لصحة المغاربة (والتي كان على الوزير أن يفضحها بشراسة لا أن يعطي وعودا وردية بإصلاح قطاع الصحة يعرف استحالة تحققها دون رصيد مالي واقعي)، هذه الميزانية تعكس نظرة الدولة الحقيقية لمواطنيها، فكيف يمكن للكفاءات من مهنيي الصحة أن يقوموا بأبحاث علمية، للرفع من جودة الخدمات الصحية، وضمنيا التكوين الجيد لشغيلة وطلبة الصحة، ولِم لا الحصول على جائزة نوبل في الطب، مع ميزانية هزيلة أشبه بحصان هزيل نُجلده أكثر مما نطعمه..، فالمغرب يتوفر على كفاءات لا تتوفر على الإمكانات، والميزانية هي التي تتحكم مسارات قطاع الصحة، فكيف إذا كانت الميزانية ضعيفة كسيحة جريحة، ويُعمَّقُ الفساد المعشِّش في المنظومة الصحية جراحاتها (الإرث التاريخي من العوائق والاختلالات وأيضا المكتسبات).
قائمة المنجزات:
معظم المغاربة يعرفون أن المعضلة الكبرى في قطاع الصحة المغربي هي صعوبة الولوج إلى الخدمات الصحية، خصوصا لمحدودي الدخل والفئات المعوزة، ويُحسب للوردي معية فريقه، "تفعيل" نظام المساعدة الطبية RAMED ، التي حظيت بتغطية إعلامية ضخمة، واعتبرت "ثورة كبيرة" في الصحة المغربية، وسنواصل الحديث عن بقية الحكاية بروائحها..
أما "الثورة الثانية" فهي بكل موضوعية تخفيض ثمن الأدوية، والتي أحدثت زلزالا في مصالح لوبيات منتجي وتجار الدواء، وصلت تداعياته إلى درجة الاعتداء على الوردي داخل قبة البرلمان من طرف بعض الصيادلة الذين سيسامحهم فيما بعد، لأسباب لا يعرفها إلا الوردي والراسخون في السياسة.. رغم أن الكثير مِنَ خبراء الدواء والصيادلة من يتحدث عن بدائل دوائية للعديد من الأمراض أرخص ثمنا وأكثر أمانا، لم تمنح الوزارة لشركاتها الترخيص..
عمل آخر يُحسب للوردي في إطار "إنما الأعمال بالنيات" وبكل صدق، لا أحد بمقدوره معرفة النوايا والمقاصد الحقيقية، سوى أصحابها، وهذا العمل يتعلق بإعفاء الوردي للكاتب العام لوزارة الصحة، (مسألة الإعفاء تعفي من المساءلة والمحاسبة، وتكرِّس لتصفية الحسابات بدل المحاسبة القانونية) وبعده إعفاء مدير الصيانة والتجهيزات، وغير خفي الاختلالات الكبرى التي عرفها القطاع الصحي، سواء مع الكاتب العام السابق، وأخطرها فضيحة صفقة اللقاحات، التي مازالت تُلاحق ياسمينة بادو وزيرة الصحة الاستقلالية، ولا داعي أن نَسرد فضائح صفقات الصيانة والتجهيزات، وهذا ما اعتبره البعض ثورة تطهير الصحة من المفسدين، بعدما تهاطلت العديد من الفضائح على قطاع الصحة، فهل هذه الفضائح وغيرها من عقود الفساد الصحي، هي التي قَصد بها الوردي أنه "لم يبدأ من الصفر، لقدْ وجدنَا عملًا جبَّارًا، وما قمنا به أنَّنا فتحنَا أوراشًا جديدة".
نقطة أخرى بدأت إيجابية، غير أن "ضغوط جاذبية" الواقع الصحي، أسقطتها إلى مجرد فعل لأخذ الصور، وهي الزيارة المكوكية للمؤسسات الاستشفائية، التي صدمت الوردي في بدايتها، حيث "اكتشف" أن مراكز صحية خاوية على عروشها، فارغة من التجهيزات، فحتى جهاز قياس الضغظ لا يتوافر في بعضها، لتتحول الزيارات فيما بعد إلى "بروتوكول وزاري" أجمل ما فيه ابتسامة الوردي الدائمة، والمصاريف المُخصصة لهذه الزيارات، والتي كان من الأجدى صرفها على الخدمات الصحية..
وهذه النقطة، تجرني إلى "فاصلة" ينبغي فصل القول فيها، وهي تدخل الوردي "شخصيا" للتكفل بعلاج بعض الحالات، التي تبدو في ظاهرها "رحمة" وفي باطنها معضلات ومفارقات خطيرة، لأن المغاربة ينتظرون تفعيل الحقة في الصحة، لا تلميع الصورة الشخصية، عبر إظهار الشفقة تُجاة حالات معزولة، في حين أن طوابير المرضى تتألم وتُعاني الويلات في مُسلسل مريض اسمه: البحث عن العلاج..
أما ثورة "بويا عمر" والتي قيل عنها، إن الوزارة حررت المعتقلين من "غوانتنامو" بويا عمر، وانتصرت في هذه الحرب الجهنمية، دون إطلاق رصاصة واحدة.
مبدئيا كل من يمتلك عقلا يستطيع التمييز بين الحقيقة والوهم، الصواب والخطأ، الكرامة والمهانة، الصحة والمرض.. سيرفض وجود مرضى نفسيين، مُكبَّلين، مقيدين، يُجلدون من طرف زبانية غلاظ شداد، ناهيك تفشي الفساد والرذيلة وماجاورهما..
لا مواطن يمتلك ضميرا يقظا يقبل أن يتواجد هؤلاء الضحايا في غير مؤسسة استشفائية، تُشرف عليها أطر الصحة، وهنا مكمن الخلل في سياسة وقرارات وزارة الصحة، أخرجت بطاقة الرميد كخدمة اجتماعية للمعوزين ومحدودي الدخل، دون أن توفر الإمكانات الصحية التي تسمح بالاستفادة الواقعية والحقيقية من تلك البطاقة، نفس الأمر لكن بحدة أخطر، فيما يرتبط "بتحرير وترحيل المرضى النفسيين والعقليين" صوب مستشفيات الأمراض النفسية والعقيلية، التي هي ممتلئة أصلا بالعديد من المرضى، والتي تفتقر إلى مقومات العلاج النفسي والعقلي والعلاج من الإدمان.. المسألة لا ترتبط بقلة أوعدم توفر الأسِرَّة لهؤلاء المرضى لأن المقاربة "السَّريرية" آخر ما يستدعيه العلاج النفسي والعقلي، تمة مفارقات عويصة، بدءا من عدد الأطباء النفسيين الذي لا يتعدى 350 طبيبا، في حين أن نصف المغاربة يعيشون ضغوطات تدفعهم إلى ولوج "نادي الاكتئاب" والدليل هو مبيعات الأدوية المضادة للاكتئاب التي تعرِف إقبالا صاروخيا بمعدل ارتفاع 50 في المائة، جراء ضغوضات الحياة، وغياب "مشروع مجتمعي" واضح المعالم، واستفحال الفساد والفقر والتهميش والإقصاء وقسوة الواقع المغربي.. مما يجعل المواطن المغلوب على أمره وماضيه وحاضره، يلج عالم الجنون في لحظات أزمات تُشكِل مخاضا مؤلما ينتهي بميلاد "مواطنين/مواطنات" مجانين في دولة بويا عمر، منهم من فقد عقله ومنهم من ينتظر.. ومنهم من فقد إنسانيته ومنهم من يحتضِر..
إن غياب "مشروع صحي" تُنتِجُه الكفاءات المغربية في مجال الصحة وما أكثرها، فالخبراء في كل مجال يُشكِّلون "عقلا" العقل السياسي في مجال السياسة، العقل العلمي في مجال العلم، العقل الاقتصادي في مجال الاقتصاد، العقل البيئي في مجال البيئة، العقل الصحي في مجال الصحة..، و "تغييب" هذا الفريق العلمي في قطاع الصحة، فسح المجال للعشوائية والقرارات السياسوية، وأصبح الجميع يتحدث عن مشكلة الصحة، مع غياب الجواب الصحيح الذي يتطلب أسئلة صحيحة ومشروعة:
- كم عدد المجانين في المغرب؟ أين هي الإحصائيات؟ ما أسباب الأمراض النفسية والعقلية في المغرب؟ ما هي العروض الصحية المتوافرة؟ وهل تستحيب للطلبات الاستشفائية؟ كم عدد الأضرحة والمزارات في المغرب؟ وما هي الاستراتيجية لإفراغ هذه المزارت من بعدها الخرافي وإدماجها في السياحة الثقافية والدينية؟؟
ألم يكن حَريَّا بناء مستشفى متعدد التخصصات النفسية، العقلية، ومراكز علاج الإدمان بمنطقة "بويا عمر"، وتنمية المنطقة صحيا واقتصاديا، وتأسيس مشروع السياحة الصحية، وهي إمكانية متوافرة في المغرب، لكثرة المنتزهات الطبيعية وما تزخر به من عيون طبيعية ومعدنية وغيرها من الرَّساميل الصِّحيَّة الخامَّة التي تحتاج الاستثمار الذكي، ألم يكن من الأجدى استثمار مزار "بويا عمر" علميا، كما فعل إميل دوركايم عندما عبَّأ المفاهيم الدينية بمفاهيم علمية، بدل إفراغه نهارا جهارا من المرضى واليائسين وإحراجهم وتعميق معاناتهم بعيون الكاميرات بغية البحث عن النجومية الفارغة، في حين أن واقع بعض مستشفيات الأمراض النفسية والعقيلة في المغرب أسوأ حالا من بويا عمر، ألم يتحول المغرب بعد حملة "الكرامة" الوهمية إلى "بويا عمر" كبير حيث انتشر المجانين والمضطربون نفسيا وعقليا في كل المدن المغربية مشكلين خطرا على أنفسهم وذويهم وعموم المواطنين؟؟ هل تستشير وزارة الصحة الكفاءات المغربية الكثيرة في مجال العلوم الإنسانية، وهل تستعين بدراساتها وأبحاثها؟؟
- هل قامت الوزارة بتفيئ الحالات المرضية؟؟؟ ماذا بخصوص أصحاب الاضطرابات النفسية والعقلية الحادة الذين يُشكلون خطرا على أسرهم وعموم المواطنين؟؟ هل أعدت لهم وزارة الصحة مراكز استشفائية خاصة مجهزة للعلاج والرعاية الصحية؟؟ هل يعلم الوزير الوردي أن مستشفى الرازي للأمراض العقلية ببرشيد يزود مرضاه بمخزن أدوية 2014 ولم تبرم له صفقة أدوية سنة 2015 فما هي الحلول المبرمجة لتفادي هذه المعضلة سيما وأن مخزون الدواء سينفذ قريبا؟؟ ولن أتحدث عن إشكالية ميزانية الأدوية وفشل وزير الصحة في تدبير تزويد المستشفيات العمومية بالدواء العمود الفقري للعلاج، والخطير أن الأطنان من الأدوية تفسد في المستودعات وتنتهي صلاحيتها ويحتاج التخلص منها إلى ميزانية كبيرة؟
- في المقابل:
انتشار مراكز المشعوذين من منتحلي صفة الطب البديل، وما يُسمى بالرقية الشرعية، والحجامة، ولسعات النحل، والتداوي بالأعشاب مع جهل مكوناتها ومقاديرها وانعكاساتها، إضافة إلى معضلة صناع الأسنان الذين يتطاولون على أفواه وصحة المواطنين، وأيضا دكاكين النظارات والعدسات اللاصقة، وأوكار الإجهاض السرية والعلنية...
وهذا ما يدفعني بشكل أخلاقي، بسرد أعطاب القطاع الصحي، التي يجب إصلاحها، لا صباغتها وتلميعها بالمساحيق..
كلمة المجلس الأعلى للحسابات:
يمكن الرجوع إلى تقارير المجلس الأعلى للحسابات التي كشفت عن العديد من الخروقات والاختلالات، سنكتفي بذكر بعضها فقط، وهي تقارير صادمة وتتسم بالموضوعية، أخطرها عدم توفر وزارة الصحة على خريطة صحية، عدم تقييم الوزارة لمخططاتها الاستراتيجية، غياب رؤية شمولية ومندمجة لتأهيل المؤسسات الصحية رغم كلفتها المرتفعة، غياب خطة فعَّالة لصيانة البنيات الاستشفائية، أكثر من 150 مؤسسة صحية غير مشغلة في المجالين الحضري والقروي، افتحاص قضاة المجلس الأعلى للحسابات لبعض الصفقات العمومية كشف عن اختلالات في العديد من الصفقات (سأقول بعض الصفقات) ، أيضا صفقات شراء الأدوية، وما يشوبها من تجاوزات، ناهيك عن خطورة مجموعة من الأدوية التي تم منعها في العديد من البلدان الأوربية، ولم يصل خبرها إلى وزارة الصحة إلا بعد نشر غسيلها في الجرائد الورقية والإلكترونية، زيادة على حيثيات إبرام صفقات الأدوية مع مختبرات أجنبية دون غيرها حتى وإن كانت كلفة الدواء منخفضة وجودته أكيدة، وما يرافق هذه الصفقات من تكبيد الدولة لخسارة مالية، لمصلحة من؟؟
توضيحات:
توزيع الخريطة الصحية، لوحدها فضيحة كبيرة، وإغلاق بعض المراكز الصحية وانعدامها في المغرب العميق، الذي تنعدم به كل البنيات التحتية بدءا من غياب الطرق المعبدة، وعزلة المغرب المهمّش في أحضان المسالك الجغرافية القاسية، وحمل المرضى والنساء الحوامل على أنعاش الموتي وكارثة موت النساء الحوامل والمواليد بوثيرة متتابعة، وعدم تفعيل مشروع "القابْلة" وتعقيد مساطره القانونية، (رحِم الله الزمن الجميل حيث تلد الأمهات في البيت بمساعدة وبركة المرأة العجوز القابلة) ..
نظام المساعدة الطبية محكوم عليه بالهشاشة، وهذه نظرة واقعية علمية، لا سوداوية تشاؤمية، والسيد الوزير يعلم التفاصيل، والحقيقة توجد في التفاصيل، وبالتالي فبطاقة الرميد أشبه ببطاقة شباك أتوماتيكي يتطلب استخدامها وجود رصيد "محدد في الأدنى" ومع كثرة الطلب على الصحة، وإشكالات العرض الصحي: نقص في الموارد البشرية، نقص في التخصصات، ضعف التجهيزات... فضلا عن الفضائح التي صاحبت تسليم البطائق، واستفادة ميسورين، وحرمان معوزين..، وبالتالي فإن مصير نظام المساعدة الطبية سيلتحق بمتحف شهادة الضعف بطاقة الرميد السابقة، والوزير اعترف بالاختلالات التي يواجِهُها نظام الرميد إن على مستوى الموارد البشرية، والبنيات والتجهيزات الطبية والحكامة الجيدة من خلال معرف من يستفيد من نظام المساعدة الطبية بإرساء نظام معلوماتي متطور..
التساهل مع المفسدين:
التساهل مع المفسدين في قطاع الصحة، تجارة الشواهد الطبية، ونخاسة الإجهاض، والعمليات الجراحية في السوق السوداء، وسماسرة الفحوصات بالسكانير، وعدم تحفيز الشرفاء، سيما الأشباح النافذين، الذين قد تَقوم الزوارة بتوقيفهم، مع قرار توبيخي، او إنذاري، وسرعان ما يتحول التوبيخ إلى استفسار، والتوقيف إلى "تنقيل امتيازي" لا تأديبي، إلى مستشفى بمدينة، لا أدري هل يعلم السيد الوزير أن طابورا من شغيلة الصحة يشاركون سنويا في الحركة الانتقالية للظفر بها بعد سنوات من الأقدمية، وعدم الاستماع إلى مشاكل شغيلة الصحة هو السبب وراء كثرة الاحتجاجات والاعتصامات واستقالة العديد من الأطباء في القطاع العمومي، وعدم إنصاف الممرضين عصب قطاع الصحة.
بيع صحة المغاربة لرجال الأعمال:
فتح الباب أمام المستثمرين في قطاع الصحة، إيذانا بوأد ما تبقى من المجانية في قطاع الصحة، ولنا في التعليم الخصوصي الأسوة الحسنة، في حين أن الوزير التقدمي كان يجب أن يكون حريصا على تطوير وتأهيل المستشفيات العمومية، التي تعاني ضعفا في عدد مواردها البشرية، وضعفا في بنياتها ونقصا في معداتها، والخطير أن هذا الاستثمار في الصحة لرجال الأعمال الذين يحركهم الربح سيتمركز في المدن الكبرى، وليس المدن الصغرى والمغرب العميق، وإلا لرحبنا به على علاّتِه.
فضيحة أخرى تتعلق بخلفيات إعفاء الوردي للكاتب العام لوزارة الصحة والمستشار البرلماني الاستقلالي رحال مكاوي، بعدما تضخمت الخلافات بينهما، لدرجة تحدي الحسين الوردي لمكاوي على الهواء فيما يعرف توقيع الوزير محضرا يسمح لأطباء القطاع العام، بالاشتغال في القطاع الخاص، وإنكاره بمجلس المستشارين أن يكون وقع هذا المحضر، عِلما أن العديد من الجرائد والمواقع نشرت نسخة من المحضر الموقع، وعلى ذِكر المواقع الإلكترونية فإن السيد الوزير فشل في تدبير المنظومة المعلوماتية لوزارة الصحة، وتكفي إطلالة سريعة للموقع الإلكتروني لوزارة للتأكد.
في إطار التخصص:
سبق أن أشرنا في بداية هذا المقال أن الوزير الحسين الوردي أخصائي في التخدير والإنعاش، والختم سيكون ضمن اختصاصه العلمي والمهني، مع ما تزامن من ضجة حول خطورة مادة "Halothane" المستخدمة في تخدير المرضى، وسيما وأنه قد "ظهرت مواد جديدة للتخدير والانعاش ك « Sevoflurane » و « Isoflurane » وهما مادتان حديثتان" حسب ما ورد في بلاغ وزارة الصحة، وللتصحيح فإن الموقع الرسمي للوكالة الوطنية لسلامة الأدوية والمواد الصحية بفرنسا، أكد سحب مادة "Halothane" التي تستعمل في تخدير المرضى، عكس ما صرح به وزير الصحة الحسين الوردي، الذي حاجج بالوكالة الفرنسية لشرعنة استعمال هذه المادة في المستشفيات العمومية والمصحات الخاصة، رغم ما راج مخاطرها المتعددة، والحقيقة التي كان يجب البوح بها هي عدم القدرة على مسايرة المستجدات المتطورة في مجال التخدير، سيما بعد ظهور بدائل جيدة لمادة "Halothane"، التي يتطلب استعمالهما تجهيزات ومعدات متطورة ودقيقة وتكوين خاص لأطر الصحة في مجال التخدير والانعاش، وهو تخصُّص السيد الوزير وهو أعلم مني بدقائقه، لكن الحقيقة البديهية أن العلم يُجدِد اشتغاله باستمرار وأساليب العلاج والأدوية والمعدات وتكوين شغيلة الصحة كل هذه المنظومة مطالبة بمواكبة المستجدات، وإلا سيلتحق قطاع الصحة بمتحف التاريخ.
سبق أن أخبرت السيد الوزير في ندوة بمقر وزارة الصحة بضرورة انتقاء وتدريب خاص لحراس الأمن بالمستشفيات، إذ أن البعض منهم يُعنِّفون المرضى وذويهم، ويبتزُّونهم مقابل السماح لهم بولوج المستشفى أو الدخول لمدِّ المرضى بمستلزمات العلاج كالأدوية ونتائج التحليلات وغيرها من الحاجيات الضرورية التي لا تُوفرها المستشفيات (والتي يجب توفيرها لأنها من الأولويات عِوض التلهِّي بشراء آليات تدبير النفايات)، فضلا على أن المريض يحتاج إلى معاملة خاصة، رأفة بمرضه وآلامه لا تعنيفه وابتزازه، ولا أريد أن أفصِّل القول في بعض حالات سرقة حاجيات المرضى كالهواتف النقالة، وما تُشكِّله من صدمة خاصة للشابات والشباب من المرضى بأمراض خطيرة كالسرطان..
على سبيل الختم:
كثيرة هي تصريحات وزير الصحة الحسين الوردي التي "بشر" من خلالها المغاربة بأن الوزارة تعمل على مراجعة وتقوية مجال المستعجلات الطبية على المستوى الوطني، وإنشاء ثمانين وحدة طبية استعجالية لتقريب الخدمات الصحية بالمناطق النائية وكذا البعيدة عن المؤسسات الاستشفائية، وتطوير أقطاب استعجالية متخصصة، وشرع في إعادة "القصة" المكررة والتي تحكي "حلم" تأهيل أربعة أقطاب للمستعجلات الطبية بكل من الفارابي بوجدة وابن طفيل بمراكش وابن رشد بالبيضاء ومستشفى سيدي بنور، وما ستحققه هذه "المشاريع" من استقبال الملايين من المغاربة في أقسام المستعجلات (ستة ملايين مقابل أربعة ملايين ونصف تقريبا حاليا)، زد على ذلك "تضخيم معجزات" مروحيات الإسعاف الأربعة، فضلا عن باقي الوعود "الوردية" من بينها إحداث شعبة ممرض متخصص في مجال الخدمات الاستعجالية والعناية المركزة، والاستعراضات "الصحية" بأسطول الستة سيارات الإسعافية الممتازة والمجهزة تجهيزا جيدا، غير أن وظيفتها دعائية تلميعية لصورة الخدمات الصحية المتدنية.
لكن المسكوت عنه في وعود السيد الوزير هو ضعف المراقبة الحقيقية لا الشكلية، المراقبة القانونية هي التي تُحفِّز وترقي المجدين وتُعاقب المتلاعبين بصحة المواطنين، مما يجعل الذين يدفعهم قدر المرض إلى خدمات المستعجلات العمومية إلى خيار الرشوة أوالسقوط في مستنقع اللامبالاة، اللهم إذا أسعفهم الحظ بتواجد الشرفاء من شغيلة الصحة الذين يتفانون في خدمة المرضى، مع الإشارة إلى أن هذه الفئة وبحكم عدم إنصافها وهضم حقوقها وعدم التنويه بمجهوداتها، والظروف السيئة للاشتغال وعطب التجهيزات وقلة المعدات، كلها تجعل الأطر الصحية تندد بواقع الوضع الصحي في المغرب، ومنها من يغادر مضطرا متحسرا إلى القطاع الخاص، وهذا مظهر خطير من البيروقراطية الإدارية التي انتقدها الملك محمد السادس في الخطاب الأخير يوم الجمعة 14أكتوبر لافتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الأولى من الولاية التشريعية العاشرة.
أما بالنسبة لأسطول النقل الصحي، فالكارثة أكبر وأخطر، بدءا من غياب الصيانة، مما يستوجب التفكير الجدي في حلول ناجعة لإنقاذ "طابور" سيارات الإسعاف التي ترقد في مآرب المستشفيات، منها من قضى نحبه، ومنها من ينتظر، وبعض المرضى يستقل سيارة الأجرة أو "البيكوب" أو يأتي محمولا على الأكتاف، وبعد رحلة المعاناة والوصول إلى المستعجلات تبدأ المأساة الحقيقية من سوء الاستقبال واللامبالاة والانتظارية القاتلة، خصوصا في موسم الصيف حيث يتفاقم مشكل الموارد البشرية الضعيف أصلا ويزداد استنزافا بسبب خروج بعض أطر الصحة في عطلة.. وهنا أذكِّر الوزير أنه كان ينبغي عليه إنشاء مخيمات للصحة بالبوادي النائية، ولو بشكل موسمي، على غرار المخيمات الصحية التي تقوم بها القوات المسلحة الملكية خارج أرض الوطن.
في النهاية سأذكر الوزير (المنتهية وزارته والموعود بولاية أخرى، حسب بعض العارفين بفنون الاستوزار) أن المغاربة فعلا يتجرعون المعاناة بكل ألوانها في "الصحة"، ولولا الشرفاء من مهنيي الصحة (أنحني لهم باحترام وتحية حب واحترام خاصة المناضلين من المتقاعدين المنسيين)، الذين هم بمثابة باقة من الأزهار في "غابة الصحة" لاستفحل نزيف "أشواك" الصحة المغربية، لكن "باقة أزهار" لا تستطيع صناعة فصل الربيع في الصحة المغربية.. لهذا النزيف أنا أشعر بالحزن الحقيقي.. أشعر بالحزن للمرضى الذين يموتون قبل بلوع موعد التشخيص في سنة 2017، وأبكي مأساة المرضى النفسيين وأفواج المجانين، الذين يقتاتون من حاويات النفايات، وأبكي أمي المريضة المشلولة، التي لا أملك لها إلا الدعاء، وأبكي الفساد في وطني.. وشكرا للمخلصين من شغيلة الصحة في المؤسسات الاستشفائية المدنية والعسكرية، وللسيد الوزير أجر المجتهد، واحترام المغاربة، لأنه حاول محاربة الفساد في غابة قطاع الصحة، لكن أدغال الفساد تتطلب إرادة مجتمع وهي مسؤولية الجميع.
السيرة العلمية والمهنية لوزير الصحة الحسين الوردي:
اشتغل الوردي عميدا لكلية الطب والصيدلة بالدار البيضاء، وأستاذ التعليم العالي بنفس الكلية، وأخصائي في التخدير والإنعاش وطب المستعجلات والكوارث، ورئيس مصلحة الاستقبال بمستعجلات المركز الاستشفائي الجامعي ابن رشد، ورئيس لجنة الإشراف على المستعجلات بولاية الدار البيضاء الكبرى، ورئيس اللجنة الوطنية لمعادلة الشواهد في علوم الصحة بوزارة التعليم العالي وتكوين الأطر والبحث العلمي والكاتب العام للجمعية المغربية لطب المستعجلات والكوارث، ومدير التكوين في طب المستعجلات والكوارث، خبيرمعتمد لدى المنظمة العالمية للصحة في هذا المجال منذ 1998، وعضوا نشيطا في المؤتمر الدولي لعمداء كليات الطب الناطقة بالفرنسية.. أستسمح القراء على الإطالة..
*المخزن هو طريقة تفكير تحكم وتهيمن على نمط وأسوب حياة مجتمع، وليس مجرد مؤسسة أو أجهزة إيديولوجية وقمعية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.