كانت الحلقة من ( برنامج مباشرة معكم) مخصصة للتعديلات الدستورية، عزيز رباح الذي كان مشاركا فيها باسم العدالة والتنمية قفز من مناقشة التعديلات الدستورية التي كانت موضوعا للحلقة المذكورة إلى التفاخر بشكل مبطن بنتائج الانتخابات التي يحصل عليها حزبه، مقارنة بقوى اليسار. حدث ذلك حين قلل رباح من قيمة اليسار المغربي وهون منها، في ضوء عدم فوز محمد الساسي بمقعد نيابي في انتخابات 2007، لقد بدا واضحا أن حالة من الابتهاج الذاتي كانت طاغية على رباح، فتباهى بكونه يتفوق على الساسي بعضويته في البرلمان. بداية لا بد من الوقوف على أننا أمام تصرف خال من التواضع، وأمام رغبة تكشف عن نفسها في تبخيس قوى اليسار ووضعها على الهامش في واقعنا السياسي، رغم الحاجة الوطنية الماسة إلى هذه القوى. لا يملك المرء إلا الوقوف مشدوها أمام هذا المنطق الذي يحاجج به العضو القيادي في حزب العدالة والتنمية، لأنه منطق يبدو صوريا، أنه مقبول، ويحق بموجبه لرباح التفاخر، ولكن مع أي قراءة متفحصة ومدققة، فإن هذا التفاخر يصبح فاقدا لما يسنده ويجعله مستساغا. انتخابات لا يصوت فيها ما يفوق الأكثر من 80 في المائة من المسجلين في اللوائح الانتخابية يمكن القول موضوعيا ودون أدنى خوف من التجني على الحياد والعلمية، إنها انتخابات لا يمكن الاعتداد بالنتائج التي تسفر عنها، لأنها نتائج لا تعكس الخريطة السياسية في حقيقتها، يضاف إلى هذا أن التزوير طال الانتخابات في الدائرة التي ترشح فيها الساسي، وربما في دوائر أخرى عديدة. المعيار لقياس قيمة أي مكون سياسي في بلادنا ليست نتائج الانتخابات التي يتم الإعلان عنها من طرف وزارة الداخلية، المعيار يقاس بالتضحيات التي تم تقديمها من أجل اكتساب هذه المساحة من الديمقراطية التي يصول ويجول فيها رباح، وبهذا المقياس فإن التضحيات التي قدمتها قوى اليسار لا تقدر ولا تحصى مقارنة بما تم تقديمه من طرف حزب العدالة والتنمية. ما أطلق عليها سنوات الرصاص، وما مورس فيها من سجن واختطاف وتعذيب، كان ضحاياها في أغلبيتهم المطلقة من قوى اليسار المغربي، وسجلُ العدالة والتنمية يكاد يكون نظيفا على هذا المستوى، بل يمكن التأكيد بأن هذا الحزب يوجد في الساحة السياسية المغربية بفضل ريع تضحيات قوى اليسار. إنه حيث هو، نتيجة للنضال الذي أدت هذه القوى ضريبته غالية من حرية وحياة العديد من أعضائها. لائحة شهداء قوى اليسار دفاعا عن الحرية والعدالة الاجتماعية طويلة جدا، ويعرفها المغاربة بالأسماء وبتواريخ وظروف الاستشهاد، فماذا عن لائحة شهداء العدالة والتنمية، ليتفضل السيد رباح وليدلنا على بعض أسمائها لنحفظها في ذاكرتنا لذويها. لا يحق لعزيز رباح أن يعاير قوى اليسار المغربي بكونها لا تمثل شيئا في الحياة السياسية الوطنية. نعم قد لا تكون ممثلة بالشكل الذي تستحقه في المؤسسات المنتخبة، وذلك لأسباب يطول شرحها، ولكن لا أحد يستطيع أن يجادل في كون هذه القوى رفعت مشعل النضال عاليا في لحظة كانت كلفة النضال غالية جدا، ولا يقوى على تحمل تبعاتها إلا من كانت لديهم قلوب من حديد. لقد نشأت قوى اليسار المغربي في رحم الصراع، وبزغت تحت احتدام لهيب نيرانه، وكانت الابن الشرعي لهذا الوطن والمعبر الحقيقي عن تطلعاته نحو مجتمع تسود فيه الحرية والديمقراطية والكرامة والمساواة بين المغاربة، وهذا أمر يسجله لها الشعب المغربي ويحفظه في ذاكرته جيدا، رغم المرارة التي يشعر بها إزاء التدجين الذي طال بعض رموز هذه القوى.. بخلاف ذلك، نشأ حزب العدالة والتنمية، ليس في خضم المواجهة والنضال، وإنما في كنف الدولة، ونشأ لكي يشكل جدارا فاصلا بينها وبين جماعة العدل والإحسان، فهذا هو الهدف المركزي الذي من أجله سمحت الدولة بإنشاء الحزب المذكور. ولقد تم تأسيسه في عهد إدريس البصري على يدي السيد عبدالكريم الخطيب يرحمه الله. لقد كانت ارتباطات الخطيب معروفة، وبسببها يشكك الكثيرون في إيمانه بالديمقراطية وبالتعددية وبالتداول السلمي للسلطة، منذ أن أنشأ الحركة الشعبية رفقة صديقه أحرضان، لكي تكون واحدة من أدوات محاربة التعددية الحقيقية، وممرا لاستيلاء الحزب الوحيد الممثل للإدارة على جميع دواليب السلطة في بلادنا لعقود طويلة.. لقد وجهت الدولة في وقت من الأوقات أمرا إلى حزب العدالة والتنمية يقضي بضرورة تغيير رئيس فريقه البرلماني السيد مصطفى الرميد الذي تم انتخابه من طرف النواب رئيسا لهم، فما كان من الحزب إلا الاستجابة والإذعان، الأمر الذي يعني أن الصوت الذي قدمه الناخب لنواب الحزب المذكور لم يصونوه بالشكل المطلوب، ولم يدافعوا عنه كما يجب، وإنما خذلوه في أول اختبار، فلماذا المفاخرة؟ لقد كانت الطامة الكبرى في مشاركة عزيز رباح في ( مباشرة معكم) حين وجه اتهاما إلى الساسي وقوى اليسار بأنهم ضد إمارة المؤمنين، أي أن العضو القيادي في حزب العدالة والتنمية تكلم بنية ترهيب خصم سياسي و توريطه في برنامج تلفزيوني أمام ملايين المشاهدين. مثل هذا الكلام لا يجوز أن يصدر عن قيادي في حزب العدالة والتنمية، حين يصدر عنه كلام من هذا القبيل، فإنه ينم عن نزعة للمصادرة وللتخويف وللتحريض ضد من يختلف مع العدالة والتنمية في الرأي، بل إنه يعتبر بمثابة جزاء سنمار من طرف عزيز رباح لقوى اليسار. بعد أحداث 16 مايو 2003 شحذت أطراف فاعلة في الدولة سكاكينها وكانت عاقدة العزم على اغتنام فرصة تلك التفجيرات الإرهابية لذبح حزب العدالة والتنمية من الوريد إلى الوريد واجتثاثه واستئصاله من الساحة السياسية، جرى ذلك رغم العدد الكبير الذي كان لديه من النواب بالمقارنة مع الأحزاب الأخرى. ولم يجد الحزب وقتها من يقف إلى جانبه ويقدم له الدعم والمساندة، ويرفض استئصاله إلا قوى اليسار. فلقد أعلنت عن استهجانها للقمع الذي تعرض له العدالة والتنمية وآزرته، وتصدت للذين كانوا يريدون الإجهاز عليه، فهل هكذا يجازي السيد رباح من ساندو حزبه ودافعوا عنه في الظروف الحرجة والخطيرة من مسيرته؟ هل يعقل أن يحرض عليهم خصوم الديمقراطية باتهامهم بعدم قبولهم لإمارة المؤمنين؟ الخطير في الأمر هو أننا لم نقرأ ولو تصريحا صغيرا لواحد من قادة العدالة والتنمية الآخرين يعرب فيه عن تحفظ الحزب على الصيغة التي شارك بها عزيز رباح في برنامج ( مباشرة معكم)، الأمر الذي يمكن الاستنتاج معه أنهم كلهم متفقين على ما أدلى به ممثلهم في البرنامج من أقوال كان جليا أنها تستهدف فقط استرضاء من بيدهم السلطة. ربما لا غرابة في الأمر، فنحن على أبواب انتخابات مبكرة وتشكيل حكومة جديدة، والحملة بدأت قبل أوانها بمدة طويلة جدا..