يكشف كريم التازي، رجل الأعمال، في حوار مع جريدة هسبريس، أسباب التحاقه بحزب "الاشتراكي الموحد"، ودعمه لهذا الحزب اليساري، وكذا تخليه عن دعم ومساندة حزب العدالة والتنمية. وطالب التازي، في هذا الحوار، عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة المعين، بإرجاع المفاتيح إلى الملك إثر فشله في تشكيل الحكومة بعد مرور 100 يوم على تعيينه من لدن العاهل المغربي. وأعرب الملياردير التازي، الملتحق حديثا بحزب نبيلة منيب، عن استعداده للعب دور الوساطة بين الدولة وبين كل من جماعة العدل والإحسان والنهج الديمقراطي والجمعية المغربية لحقوق الإنسان. إليكم نص الحوار: لماذا الاشتراكي الموحد وليس حزبا آخر؟ التحاقي بحزب الاشتراكي الموحد لم يكن اعتباطيا، وإنما راجع إلى كون هذا الحزب تنطبق قيمه مع كل ما أؤمن به سياسيا. وألح، هنا، بالتأكيد على جانب "الانتقال الديمقراطي"، الذي أتفق فيه تماما مع موقف الحزب في هذا الجانب، المتعلق بضرورة بناء دولة المؤسسات وسيادة القانون. ولا أرى في المشهد السياسي اليوم حزبا آخر غير هذا الحزب، والدليل على ذلك هو أن علاقتي به قديمة وتربطني بعدد من القياديين علاقة صداقة منذ سنوات. وكان من الطبيعي "نضربو الصداق ونحلو العلاقة". لماذا، إذن، في هذا الوقت وليس قبل سنوات؟ في سنة 2011، كان الحزب قد قاطع الانتخابات التشريعية. وهذا الموقف لم أكن أشاطرهم فيه، وشكل هذا نوعا من القلق اتجاه الحزب. اليوم، أعتقد أن موقف الحزب عاد إلى المشاركة في المؤسسات وكما هي؛ لأن أحسن ما يمكن القيام به للإصلاح هو الاشتغال من الداخل، بالرغم من أننا لا نتفق مع الوضع. يضاف إلى ذلك أن التجربة في الحملة الانتخابية، بالرغم من كون النتائج لم تكن في المستوى المطلوب، فإنها خلقت بداخلي نوعا من الحماس. وظهر لي أن هناك عددا من المواطنين، خاصة الشباب منهم، يرون في اليسار بديلا. لكن اليسار لم يحصل على مقاعد عديدة؟ أتفق معك من حيث المقاعد؛ لكن في عدد الأصوات هناك تقدم كبير للحزب بمدن مختلفة، إلا أنها لم تترجم في مقاعد. وهنا، دعني أشير إلى أن هناك تجاوبا في الحملة، بالرغم من أننا ارتكبنا أخطاء كبيرة في تدبيرها. ماذا لو طلب منك عزيز أخنوش، وهو رجل أعمال مثلك، الالتحاق بالأحرار.. هل كنت لتفعل ذلك؟ الانتماء إلى حزب ليس مثل لباس سترة. الانتماء يجب أن يكون مبنيا على قيم، وأجد نفسي أقرب من القيم الديمقراطية إلى الحزب الاشتراكي الموحد وبعيد عن قيم التجمع الوطني للأحرار. وأعتبر، بغض النظر عن التقدير لشخصية أخنوش الذي هو يحب بلاده ويريد النهوض بها، أن التجمع من الأحزاب التي توصف بالإدارية، تعتمد بصفة عامة على الأعيان؛ ما أعتبره سرطان الحياة السياسية في المغرب، لأن الدولة تعتمد عليهم للتصدي لبعض الأحزاب التي ترى أنها تشكل خطرا عليها. فعلى المدى القصير، "الدولة تتتقضي حاجتها بيهم"، ولكن عندما تنتهي فترة الانتخابات، يبقى المواطن أمام الأعيان الذين لا يهمهم الحزب أو مصلحة البلاد. لهذا، لن أنتمي إلى حزب يمثل هذه الطبقة من الأعيان، عدا إن كنت أبحث عن مصالحي. لذا، فأنا أفضّل الانتماء إلى حزب أحترمه ويحظى باحترام كبير وشخصياته معروفة بالنزاهة. تتحدث عن الأمور التنظيمية والتواصلية وما إلى ذلك، هل ترى في نفسك "سوبرمان" الذي سيحوّل الحزب بين ليلة وضحاها إلى متصدر للانتخابات! الحزب تطور وتغير كثيرا؛ لكن صورة الحزب الراديكالي المتطرف لا تزال لصيقة به، وهو الآن يجد صعوبة في تسويق صورته الجديدة، ويلزمه من يعمل على الترويج له بكونه معتدلا. وهذا يدخل ضمن أولوياتي. ثم إنه لتحقيق نتائج إيجابية في الانتخابات المقبلة يجب الاشتغال منذ الآن، واستقطاب الشباب من مختلف الجهات والمدن. وأعتقد أنه لي تجربة في العمل على المدى الطويل، ويمكن الاستفادة منها. لست كما قلت، أنا سأسهم فقط، ولا أدعي أني من سيعمل على تسيير الحزب وتحديد خطته الإستراتيجية وجعله ينتقل من مقعدين إلى 20 مقعدا.. هدفي هو تطوير الجانب التواصلي لديه مع الرأي العام ومع من يتعاطف مع الحزب، طالما أنه ضعيف فيه. مؤتمر الحزب لم يعد يفصله الكثير، هل تطمح إلى العضوية بالمكتب السياسي؟ (مقاطعا) لا أريد الدخول إلى المكتب السياسي أو المجلس الوطني، ثم إن قضية المؤتمر لم تثر سابقا في لقاءاتنا. بعد الانتخابات وخلال حديثنا عن النتائج التي تم تحقيقها، ودعوتي إليهم بضرورة الاشتغال من الآن للمحطة المقبلة، طلبوا مني الانضمام إليهم، ولم نتحدث عن المؤتمر ولا عن غيره. كرجل اقتصاد، هل ستعمل على الدفع بتغيير وثيقة الحزب المتعلقة بهذا المجال؟ نعم سأدافع عن رأيي؛ لكن الحزب ديمقراطي، ويجب الخضوع لرأي الأغلبية.. سيكون هناك نقاش حول المشروع الاقتصادي، وسأدلي برأيي فيه. شاركت في الحملة الانتخابية التي خاضتها فيدرالية اليسار الديمقراطي، برسم الاستحقاقات التشريعية الأخيرة.. هل ترى أن مطلب الملكية البرلمانية، لا يزال قائما أم وجب وضعه جانبا إلى حين؟ هذا الأمر كان موضوع نقاش بيني وبين قيادات الحزب منذ سنوات. كنت أقول بأن غالبية المواطنين والمتعاطفين معنا لا تهمهم الملكية البرلمانية، وما يهمهم هو الحالة اليومية من صحة وتعليم... وفي حقيقة الأمر، لا يمكننا معالجة هذه المشاكل إن لم نفرض مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة. وكي نصل إلى هذا الأمر يجب أن نصل إلى الديمقراطية؛ فطالما أنه لا يمكن أن نحاسب الملك الذي يجب أن يبقى بعيدا عن المحاسبة، فمن الأحسن أن نترك تدبير الأشياء العادية بيد حكومة يمكن محاسبتها على ما قامت به في كل الخدمات العمومية التي تهم المواطن. وبالتالي، لا يمكن معالجة هذه المشاكل دون محاسبة المسؤولين. وأعتقد أن هذا هو السبب الذي يجعل الحزب يركز على قضية الملكية البرلمانية؛ لكن نقطة ضعفنا هي أننا لم نشرح للمواطن هذا المطلب وتحسين الخدمات التي تهمه. كنت من مساندي تجربة حزب العدالة والتنمية، ثم انقلبت عليه.. هل ترى أن عبد الإله بنكيران قادر على قيادة الحكومة بشكل أفضل؟. دعمت تجربة، لأنه كنا في سنة 2011 أمام خيار بسيط، إما دعم حزب جديد وصل إلى الحكومة لأول مرة، أو دعم "سرطان الأعيان المعروف"؛ فصوّتنا حينها على هذه التجربة، معتقدين أنه بالرغم من كونه حزبا إسلاميا قد ينجح في تنزيل الدستور وفي المهمة التي تهم المغاربة وهي التأويل الديمقراطي للدستور، ويفرض نفسه في الحكومة، ويستعمل جميع الصلاحيات الدستورية؛ لكن ظهر ، منذ البداية، أن ما يشغل الحزب هو نيل ثقة القصر. ثم إن ازدواجية الخطاب جعلت عدة جهات تفقد الأمل، بالرغم من الأمور الإيجابية لرئيس الحكومة في التواصل مع الرأي العام، وظهر على ما يبدو أن القصر تقلق من وجهي بنكيران. ولاحظت بأم عيني الوجوه المختلفة له، عندما اصطدمت مع الحزب على التنازلات ورفضهم استعمال الصلاحيات الدستورية، ليهاجمني ويصفني السيد بنكيران بأني رجل أعمال فاشل، وأني قلبت الفيستة عليهم لأني طامع في قضاء مصالحي.. وهذا كذب. دعمت التجربة لأني رأيت فيها أملا؛ لكن تبين أنهم يريدون إظهار مكانتهم بنادي الأحزاب التي تشارك في العمل الحكومي. والمشكلة اليوم لدى الحزب ليست في "التحكم"، بحسب كثيرين، وإنما في بحثه عن مكان في "التحكم" ويريد فرض تحكمه على "التحكم" أيضا؛ وهو ما جعل نخبا وهيئات وشخصيات بارزة لا تدافع عنه اليوم في محنته. يعني أن بنكيران يدفع ثمن تخليه عن حركة 20 فبراير ومطالبها؟ نعم، هذه لعبة "تحراميات" مارسها، بكونه لم يشارك في حركة 20 فبراير كي يوجه رسالته إلى القصر بكونه كان منقذا له، ثم يستعمل شعارات للحركة في الانتخابات، ووضع رِجلا هنا ورِجلا هناك.. وفي نهاية المطاف، فإن بنكيران لم ينل ثقة القصر ولا ثقة الحركة، أو كما يقول المغاربة "لا ديدي لا حب الملوك"؛ لكن هذا لا يعني أن هذه الانتقادات أوجهها إلى الحزب برمته، لأن العدالة والتنمية يتوفر على شخصيات لها مستوى عال ومحترمة؛ غير أنني أعتقد أن الإستراتيجية التي اعتمدها في الخمس سنوات الماضية كانت خاطئة، إذ قدم وجوها وخطابات متعددة، والنتيجة التي كنا ننتظرها تخلى عنها. طيب، بالنظر إلى ما تحدثت عنه، هل سينجح بنكيران في السنوات المقبلة؟ أعتقد أن الأمر سيكون صعبا، فحتى وإن استطاع تشكيل الحكومة، سيكون في حالة ضعف كبيرة؛ ففي السنوات الماضية، لم يكن الجانب الاقتصادي بالحكومة تحت سيطرته، واليوم حالة ضعفهم داخل الحكومة ستزداد أكثر، ولن تكون النتائج الإيجابية التي سيتم تحقيقها لصالحه. لذلك، أرى أنه من الصعب النجاح في التحالف الحكومي. دعنا نتحدث عن هذا "البلوكاج" في تشكيل الحكومة.. كيف ترى ذلك؟ بصفة عامة، هذه مهزلة وكارثة سياسية؛ لكن من الناحية التاكتيكية، يمكن القول إن بنكيران، من جهة، لم يستطع تشكيل الحكومة، ومن جهة أخرى "حمقهم حينت بقا واقف بت نبت". أما من الناحية المنطقية، فأنا كباقي المغاربة، أتعجب كيف أن أحزابا أحسنهم حالا حصل على 37 مقعدا، يفرضون إرادتهم على حزب حصل على 125 مقعدا. وأعتبر أن هذه المهزلة لها تأثير سلبي على المواطن. وبالتالي، فإن الجهات التي تتحرك، سواء مع أخنوش أو بنكيران، لم تستوعب أن المغربي تغير كثيرا وبات يستعمل وسائل حديثة ناهيك على وجود نقاش قوي بمواقع التواصل الاجتماعي، ثم إن المغاربة "عايقين" وهذا سيدفعهم إلى الملل من العمل السياسي برمته؛ وهو ما يشكل خطرا لكون المؤسسات ستصبح هشة. وإذا عدنا إلى خطابات بنكيران، فإنه كان يؤكد، في كثير من المرات، أنه إن لم يسمح له بالقيام بعمله، سيضع المفاتيح ويغادر... واليوم، مرت أكثر من مائة يوم على تعيينه، وبالتالي يتضح أنهم لم يتركوه يقوم بعمله. إذن، بحسبك، على بنكيران أن يعيد المفاتيح إلى الملك الآن؟ معلوم، عليه إرجاع المفاتيح إلى الملك. فبعد ثلاثة أشهر من الإهانة التي يتعرض لها لا يزال متشبثا بالحكومة. فأية حكومة هذه بكل هذه الألوان، هذا تحالف وطني أم ماذا؟ أيّ انسجام سيكون فيها؟ في جميع الأحوال، لا أرى جدوى من هذه الحكومة. ما المخارج المطروحة التي تراها، في نظرك، لتشكيل الحكومة؟ على بنكيران أن يقدم استقالته، ثم نعود بعدها إلى الدستور، فإما تأويل دستوري لأحد الفصول عبر تكليف حزب آخر لتشكيل الحكومة، أو تتم العودة إلى صناديق الاقتراع، بالرغم من أني أعتقد أن المواطنين سيصوتون لصالحه؛ لأن عددا منهم تضامنوا مع بنكيران الذي يبدع في تقديم نفسه ضحية. غياب حكومة، حتى حدود اليوم.. ألن يؤثر على الاقتصاد المغربي؟ بطبيعة الحال، فقانون المالية لا وجود له، ثم إن عددا من الملفات لا تزال عالقة، وشركات تشتغل مع الدولة تنتظر الصفقات العمومية للاشتغال، الشراكات مع الدولة متوقفة أيضا. هذه حالة تضر باقتصاد البلاد؛ لكن من يلعبون لعبة الشطرنج اليوم لا يهتمون بذلك، ويبحثون عن الحقائب الوزارية فقط. في ظل هذه الظرفية، والتعثر السياسي.. ألا ترى أن هذا هو الوقت لتحقيق المصالحة التي دعا إليها إلياس العماري، الأمين العام ل"البام"؟ أتفق أن المغرب في حاجة إلى مصالحة وطنية؛ لكن بشرط أن تكون شاملة. فنحن لسنا بحاجة إلى مصالحة بين الأحزاب، ما نريده هي مصالحة بين الدولة وبين المواطن، مصالحة تُكمل العمل الذي قامت به المؤسسة الملكية في بداية عهد الملك محمد السادس، والتي كانت حقيقة مصالحة شاملة، إذ جرى إطلاق هيئة الإنصاف والمصالحة، وإخراج مدونة الأسرة، وعودة أبراهام السرفاتي.. هذا المسلسل لم يكتمل لكن نريد أن نكمله اليوم. فبعد الربيع العربي، والهزة التي عرفتها البلاد، تبين أن هناك غضبة من الدولة ضد جميع الجهات التي دعمت حركة 20 فبراير، ونحن اليوم في حاجة إلى المصالحة من هذا النوع. في إطار هذه المصالحة، لو طُلب منك لعب دور الوساطة بين الدولة وبين العدل والإحسان، هل تقوم بذلك بحكم علاقتك بالجماعة؟ بكل فرح، اعتقد أن الدولة المغربية قوية ولها شرعية، بالرغم من أننا لا نتفق مع بعض الجوانب في سياستها؛ لكن نعترف بها ونفتخر بها وبمؤسساتها، على رأسها المؤسسة الملكية التي هي ملك لجميع المغاربة. العدل والإحسان، أبناء هذا الوطن وإخوة لنا ولهم غيرة على بلدهم، بالرغم من اختلافنا معهم في بعض الخيارات الإستراتيجية، نحن نعتبرهم عضوا من هذا المجتمع، وإن كان بإمكاني وأناس كثر المساهمة في مصالحة بين الدولة وبين الجماعة والنهج الديمقراطي والجمعية المغربية لحقوق الإنسان، على أسس واضحة، فعلى الراس والعين.