الاستقلال ينتفض ضد "إهانة" أوزين ويطالب بمحاسبته أمام لجنة الأخلاق    العزيز: الحكم الذاتي في الصحراء لن ينجح دون إرساء ديمقراطية حقيقية    اللجنة المؤقتة لتسيير شؤون قطاع الصحافة والنشر: لا أحد فوق أخلاقيات المهنة    استراتيجية حكومية لضمان تكاثر القطيع الحيواني تغني عن اللجوء للاستيراد    منطقة الغرب.. توقع إنتاج 691 ألف طن من الزراعات السكرية    قمة الأبطال.. حلم النهائي يشعل مواجهة برشلونة وإنتر ميلان فى إياب دوري أبطال أوروبا    المندوبية السامية للتخطيط تطلق بحثا جديدا حول العائلة    طانطان تحتضن ندوة الاستثمار الأخضر على هامش موسمها ال18    الحسيمة...افتتاح فعاليات الدورة الرابعة لمهرجان الدولي للفيلم    "أونروا": مئات الآلاف في غزة يعيشون على وجبة واحدة كل يومين أو ثلاثة    بورصة البيضاء تستهل تداولاتها على وقع الارتفاع    العصبة تلزم فرق البطولة بحذف جميع إشهارات الشركات المتخصصة في نقل الأشخاص والوساطة في النقل    جمهور فنربخشة يطلق صافرات استهجان ضد يوسف النصيري    لقجع: الوضع المالي بالمغرب متحكَّم فيه.. وموارد الميزانية تواصل نموها التصاعدي    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الثلاثاء    صادرات المغرب من الحوامض.. إجراءات حكومية جديدة لتعزيز التنافسية في السوق الأوروبية    زوربا اليوناني    وزير العدل الفرنسي: السلطات الجزائرية أطلقت تحذيراً كاذبا بوجود قنبلة على متن طائرة متجهة من فرنسا إلى موريتانيا    المغرب ‬ضمن ‬نادي ‬الدول ‬المنتجة ‬لتقنيات ‬الطيران ‬الحربي ‬المتقدم ‬    أحمد الشرع يلتقي ماكرون في أول زيارة للرئيس السوري إلى أوروبا    الرجاء يحتج على التحكيم في مواجهة اتحاد تواركة ويطالب بفتح تحقيق    لقجع: الطلب العمومي الأخضر محور أساسي في استراتيجية التنمية المستدامة بالمملكة    توقعات أحوال الطقس اليوم الثلاثاء    الذهب يسجل أعلى مستوى في أسبوعين مدعوما بالطلب على الملاذ الآمن    المعارضة البرلمانية تؤجل إجراءات حجب الثقة عن حكومة أخنوش    الجنون الاستبدادي لقيس سعيّد: رئيس يقوّض أسس الديمقراطية التونسية    اختناق جماعي يصيب أزيد من 100 عاملة بمصنع ل"الكابلاج" بالقنيطرة    اختيار ملكة جمال الورد العطري في قلعة مكونة بمناسبة الدورة الستين لمهرجان الورد (صور)    بحث وطني جديد لرصد تحولات الأسرة المغربية بعد ثلاثة عقود    اتفاق مغربي-مصري لرفع وتيرة التبادل التجاري وتعزيز الصادرات الصناعية    مايكروسوفت توقف تطبيق الاتصال عبر الإنترنت "سكايب"    الرباط تحتضن ملتقىً دولي حول آلة القانون بمشاركة فنانين وأكاديميين من المغرب والعراق ومصر    تحذير من تناول الحليب الخام .. بكتيريات خطيرة تهدد الصحة!    الأميرة للا حسناء تلتقي بباكو السيدة الأولى لجمهورية أذربيجان ورئيسة مؤسسة حيدر علييف    نقابة تعليمية تحشد لعودة التصعيد    عامل إقليم الجديدة يشرف على حملة كبرى لتحسين وجه المدينة واليقضة الدائمة للشأن المحلي    تسجيلات صوتية تثير الهلع وسط أولياء التلاميذ بطنجة.. ومصالح الأمن تؤكد: "مجرد إشاعات لا أساس لها من الصحة"    طنجة.. "سناك" يتحول إلى مطعم دون رخصة وروائح الطهي تخنق السكان بسبب غياب نظام التهوية    البكوري: ندعم الفعاليات الجادة بتطوان وجمعية محبي ريال مدريد تُسهم في إشعاع مدينتنا    هكذا يستغل بنكيران القضايا العادلة لتلميع صورته وإعادة بناء شعبية حزبه المتهالكة    المغرب وموريتانيا يدفعان بعجلة التنمية المحلية عبر توطيد التعاون اللامركزي    الأحزاب الوطنية تؤكد انخراطها القوي وراء جلالة الملك في معركة الدفاع عن الوحدة الترابية للمملكة    ارتفاع حالات الإصابة بالحصبة في أوروبا خلال شهر مارس الماضي    "الأشبال" يستعدون لتونس بالإسماعيلية    صاحبة السمو الملكي الأميرة للا حسناء تزور بباكو ممر الشرف وممر الشهداء    المغرب يحصد 43 ميدالية منها ثلاث ميداليات ذهبية في بطولة إفريقيا للمصارعة    عضة كلب تنهي حياة شاب بعد أسابيع من الإهمال    بطاقة النهائي تُشعل مباراة إنتر وبرشلونة في نصف نهائي دوري أبطال أوروبا    استقبال أعضاء البعثة الصحية لموسم الحج    كيف تُنقذ حياة شخص من أزمة قلبية؟.. أخصائي يوضّح    كلمة وزير الصحة في حفل استقبال أعضاء البعثة الصحية    أسود الأطلس يواصلون التألق بالدوريات الأوروبية    باريس.. الوجه الآخر    أكاديمية المملكة تحتفي بآلة القانون    التدين المزيف: حين يتحول الإيمان إلى سلعة    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    كردية أشجع من دول عربية 3من3    وداعًا الأستاذ محمد الأشرافي إلى الأبد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



براهين جديدة على تفسيري لخروج يأجوج ومأجوج
نشر في هسبريس يوم 04 - 04 - 2017

كنت شرحت قوله تعالى في سورة الأنبياء : ( حتى إذا فُتِحت يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون ) .
بما خلاصته :
يأجوج ومأجوج هم كل المفسدين في الأرض ، المجرمون عبر التاريخ من زمن آدم عليه السلام إلى القيامة .
وخروجهم سيكون من القبور قبل الزلزلة الكبرى المذكورة في قوله تعالى من سورة الحج : ( إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ ، يَوْمَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ حَمْلَها وَتَرَى النَّاسَ سُكارى وَما هُمْ بِسُكارى وَلكِنَّ عَذابَ اللَّهِ شَدِيدٌ) .
وذلك ليشاهدوا القيامة وأهوالها من أولها إلى آخرها لأنهم كانوا ينكرونها قولا أو عملا ، وليس خروجا بالمعنى الشائع عند المفسرين والمحدثين القائلين بأن يأجوج ومأجوج قوم أحياء تحت ردم ذي القرنين ، وسيخرجون زمن عيسى عليه السلام للاستيلاء على الأرض وخيراتها ، وطرد المسلمين مع سيدنا عيسى إلى جبل الطور حيث نزلت التوراة في إشارة واضحة إلى أن القصة محبوكة من قبل المجلس اليهودي السري الذي كان مكلّفا بتدمير الإسلام فكريا .
وقد اعتمدت في فهمي للخروج اليأجموجي على ثلاثة أمور :
الأول : دلالة السياق ، إذ يذكر خروجهم مقترنا بالقيامة .
الثاني : تفسير آية الأنبياء المبهمة بآية " يس " المفسَّرة ، وهي قوله سبحانه : ( فإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون ) ، إذ تعني أنهم من قبورهم يخرجون وينسلون مسرعين .
الثالث : نكارة أسطورة الخروج اليأجموجي التقليدية ومناقضتها للقرآن ، ثم لبدائه العقول وحقائق العلم .
وقد واجهت رؤيتي هجوما شرسا من قبل الجامدين على التراث مُرّه قبل حلوه ، بلغ حدَّ التكفير حينا ، والتضليل أو التبديع أحيانا .
وقد أكرمني ربي ، الفتاح الوهاب الكريم ، بالانتباه إلى آية تطابق شرحي لمعنى " فتحت يأجوج ومأجوج " ، وقراءة شاذة وحديث صحيح يؤكدان أن خروجهم يكون بالبعث من القبور عند الزلزلة الكبرى .
ولا ينقضي عجبي كيف أضرب المفسرون والمحدثون عن ذلك إن لم يكونوا تجاهلوه .
وإذا عرفت هيبة أحاديث وآثار الخروج اليأجموجي الخرافي وسلطتها على العقول والقلوب ، زال عجبك واطمأن قلبك أيها المسلم العاقل .
وها أنذا أطرح ما كشفه الله لي بفضله ومنّه ، وأكّد لي أن تدبّر كتاب الله بعيدا عن الأساطير والخرافات المُسمّاة أحاديث ، هو الطريق الرباني السليم القويم ، إلا أن تجد حديثا يوافق ظاهر القرآن ، فإنه من مشكاة النبوة خرج .
أولا : الآية
قال تعالى في سورة " السجدة " :
( وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْفَتْحُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (28) قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمانُهُمْ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ (29) فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَانْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ (30) .
ورد الفتح في القرآن بمعنى النصر العظيم للمسلمين على المشركين كما في سورة الفتح ، وقوله تعالى : ( من قبل الفتح وقاتل ) .
ويعرف معناه ذاك من السياق .
أما " الفتح " المذكور في سورة " السجدة " ، والتي انفردت من بين سور القرآن بهذا اللفظ / المصدر ، فيعني البعث من القبور يوم القيامة .
فمنكرو الفتح / البعث يتساءلون دائما عن موعده إنكارا له واستفزازا للمؤمنين به .
فيأتي الجواب الإلهي ساخرا من المستهزئين مرتين :
الأولى : يخبرهم أن إيمانهم في حال حصوله عند الفتح لا ينفعهم ، أي : إذا كنتم تضعون احتمالا ضئيلا بأنكم ستؤمنون في حال صدق البعث ، فإن إيمانكم حينئذ غير مجد ، فانسوا ذاك الاحتمال .
الثانية : يأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالإعراض عن المنكرين من قريش، لأنهم عطلوا عقولهم على الرغم من يقينهم النفسي بصدق نبوة سيدنا محمد ، فهم لا يستحقون إلا الإهمال.
وهنا نتساءل : إذا كان الفتح في سورة السجدة هو البعث وانفتاح القبور عن الموتى كما تنفتح البيضة عن الطائر والأرض عن النبات .
فلماذا لا يكون معنى فتح يأجوج ومأجوج هو البعث من القبور ؟
وعليه ، يصحّ التفسير والتأويل هكذا بفضل الله وكرمه :
( حتى إذا فتحت ) قبور ( يأجوج ومأجوج ) المجرمين المفسدين عبر التاريخ ( وهم من كل حدب ينسلون ) يخرجون من القبور المنتشرة عبر الأرض لكثرتهم مقارنة بالمؤمنين والمستضعفين في كل عصر ( واقترب الوعد الحق ) ، وذلك لأن الوعد الحق الذي كانوا ينكرونه قد اقترب ، فلزم بعثهم لمشاهدة أهواله وشدائده بداية من الزلزلة الكبرى ، فيندمون على إنكارهم البعث ويعلنون التوبة والإيمان : ( فَإِذا هِيَ شاخِصَةٌ أَبْصارُ الَّذِينَ كَفَرُوا: يَا وَيْلَنا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظالِمِينَ ) .
لكن ، قيل لهم قبل ذلك على لسان الأنبياء وأتباعهم : ( يَوْمَ الْفَتْحِ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمانُهُمْ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ ) .
أما حين يندمون ويؤمنون ، فالجواب هو : ( إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ ) .
الجواب : ذاك هو المعنى المراد بدلالة سياق قوله تعالى : ( حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج ... ) .
وهكذا يحدث التكامل بين آيات السجدة والأنبياء والحج .
ولكن أكثر الناس مقلدون متعصبون للموروث المقدس .
ثانيا : القراءة الشاذة
القراءة الشاذة في أصلها حديث نبوي ، أو أثرُ صحابي يفسّر كلمة قرآنية بما يرادفها أو يفصّلها ويبيّنها ، لذلك فهي حجّة في التفسير مقدّمة على الرّأي عند جماهير المفسّرين ، إلا أنهم ربما تجاهلوها وأهملوها لسبب أو لآخر كما حصل في قوله تعالى عن يأجوج ومأجوج : ( وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ ) ، حيث قرأها ابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهما (وَهُمْ مِنْ كُلِّ جَدَث يَنْسِلُونَ ) .
والجدث جمعه " أجداث " ، وهي القبور ، وإياها عنى الله سبحانه في سورة " يس " ( وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ ) .
وقد كنا شرحنا آية الأنبياء المبهمة : ( مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ ) ، بآية " يس " المفسَّرة لتفرّدهما بكلمة : " ينسلون " ، ثم جاءت هذه القراءة لتزيدنا يقينا واطمئنانا ، ففلله الحمد من قبل ومن بعد .
أخرج الحاكم في المستدرك على الصحيحين (2/268) بإسناد صحيح إلى الإمام مُحَمَّد بْن إِسْحَاقَ صاحب المغازي قال : فِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ : " مِنْ كُلِّ جَدَثٍ يَنْسِلُونَ " ، بِالْجِيمِ وَالثَّاءِ، مِثْلَ قَوْلِهِ: {مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ} [يس: 51] وَهِيَ الْقُبُورُ .
وفي معاني القرآن وإعرابه (3/405) للزجاج ت 311 : وقوله: (وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ) ، ورويت أيضاً ( من كل جَدَثٍ ينسلون ) .
وفي "الإبانة عن معاني القراءات" (ص: 68) لأبي طالب القيسي ت 437 :
( وكان المصحف إذ كتبوه لم ينقطوه، ولم يضبطوا إعرابه، فتمكن لأهل كل مصر أن يقرءوا الخط على قراءتهم، التي كانوا عليها مما لا يخالف صورة الخط.
فقرأ قوم مصحفهم: "من كل حدب" بالحاء والباء على ما كانوا عليه ، وقرأ الآخرون: وقرأ الآخرون: "من كل جدث" بالجيم والثاء على ما كانوا عليه.
وفي تفسير القرطبي ت 671 : وقرئ فِي الشَّوَاذِّ : " وَهُمْ مِنْ كُلِّ جَدَثٍ يَنْسِلُونَ" أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِ: " فَإِذا هُمْ مِنَ الْأَجْداثِ إِلى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ" . وَحَكَى هَذِهِ الْقِرَاءَةَ الْمَهْدَوِيُّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ ، وَالثَّعْلَبِيُّ عَنْ مُجَاهِدٍ وَأَبِي الصَّهْبَاءِ .
ونسب هذه القراءة لابن مسعود ابن جني في " المحتسب في تبيين وجوه شواذ القراءات والإيضاح عنها " (2/66) .
وعزاها لابن عباس : الزمخشري ت 538 في "الكشاف" ، والرازي ت 606 في مفاتيح الغيب .
ونسبها لمجاهد بن جبر كل من الثعلبي ت 427 في تفسيره .
وبناء على هذه القراءة التفسيرية ، سبقنا بعض المفسرين إلى ما قرّرناه بشأن " ينسلون " ، وأجلُّهم مولانا ابن عباس وتلميذه مجاهد :
قال السيوطي في "الدر المنثور" (5/673) : أخرج الطستي عَن ابْن عَبَّاس أَن نَافِع بن الْأَزْرَق سَأَلَهُ قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله: {من كل حدب يَنْسلونَ} قَالَ: ينشرون من جَوف الأَرْض من كل نَاحيَة . قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك ؟ قَالَ: نعم ، أما سَمِعت طرفَة وَهُوَ يَقُول: فَأَما يومهم فَيوم سوء ... تخطفهن بالحدب الصقور .
قلت : وهو في " مسائل نافع بن الأزرق " ص 138 .
وفي تفسير الطبري (18/532) من طريق ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله (حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ) قال: هذا مبتدأ يوم القيامة.
وقال الثعلبي في تفسيره : وقال آخرون: أراد جميع الخلق، يعني أنّهم يخرجون من قبورهم ومواضعهم فيحشرون إلى موقف القيامة، تدلّ عليه قراءة مجاهد: ( وهم من كلّ جدث ) بالجيم والثاء ، يعني القبر، اعتبارا بقوله سبحانه : ( فَإِذا هُمْ مِنَ الْأَجْداثِ إِلى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ ) .
وفي تفسير ابن عطية ت 542 : وقالت فرقة : المراد بقوله : ( وَهُمْ ) جميع العالم ، وإنما هو تعريف بالبعث من القبور ، وقرأ ابن مسعود : «من كل جدث» ، وهذه القراءة تؤيد هذا التأويل .
وقال الرازي ت 606 في مفاتيح الغيب : وَقَالَ مُجَاهِدٌ: هُوَ كِنَايَةٌ عَنْ جَمِيعِ الْمُكَلَّفِينَ ، أَيْ يَخْرُجُونَ مِنْ قُبُورِهِمْ مِنْ كُلِّ مَوْضِعٍ ، فَيُحْشَرُونَ إِلَى مَوْقِفِ الْحِسَابِ .
ثم قال الرازي : وَالْأَوَّلُ هُوَ الْأَوْجَهُ وَإِلَّا لَتَفَكَّكَ النَّظْمُ، وَأَنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ إِذَا كَثُرُوا عَلَى مَا رُوِيَ فِي «الْخَبَرِ» ، فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يُنْشَرُوا فَيَظْهَرَ إِقْبَالُهُمْ عَلَى النَّاسِ مِنْ كُلِّ مَوْضِعٍ مُرْتَفِعٍ.
قلت : هو أوجَهُ يا إمام عندك ، حتى لا تسقط أسطورة وجود يأجوج ومأجوج تحت أو خلف الردم ، وأنهم سيخرجون لغزو العالم ، وهي أسطورة دافعت عنها رحمك في تفسيرك سورة الكهف .
والأوجه ما قاله الحبر ومجاهد من أن قوله تعالى : ( من كل حدب ينسلون ) يعني من كل قبور الدنيا يخرجون ويبعثون نظرا للسياق ، ثم للمؤيدات الواردة هنا .
ثالثا : الحديث
روى قَتَادَة بن دعامة وَأَبَان بن أبي عياش عَنْ أَنَسٍ بن مالك رضي الله عنه قَالَ: أُنْزِلَتْ : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ ) إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: ( وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ ) , قَالَ: نَزَلَتْ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي مَسِيرٍ لَهُ ، فَرَفَعَ بِهَا صَوْتَهُ حَتَّى ثَابَ إِلَيْهِ أَصْحَابُهُ ، فَقَالَ: " أَتَدْرُونَ أَيَّ يَوْمٍ هَذَا ؟ يَوْم يَقُولُ اللَّهُ لِآدَمَ: يَا آدَمُ ، قُمْ فَابْعَثْ بَعْثَ النَّارِ ، مِنْ كُلِّ أَلْفٍ تِسْعَمِائَةٍ وَتِسْعَةً وَتِسْعِينَ إِلَى النَّارِ ، وَوَاحِدًا إِلَى الْجَنَّةِ " . قَالَ: فَكَبُرَ ذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «سَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَأَبْشِرُوا ، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، مَا أَنْتُمْ فِي النَّاسِ إِلَّا كَالشَّامَةِ فِي جَنْبِ الْبَعِيرِ ، أَوْ كَالرَّقْمَةِ فِي ذِرَاعِ الدَّابَّةِ ، فَإِنَّ مَعَكُمْ لَخَلِيقَتَيْنِ مَا كَانَتَا مَعَ شَيْءٍ قَطُّ إِلَّا كَثَّرَتَاهُ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ ، وَمَنْ هَلَكَ مِنْ كَفَرَةِ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ» ( تفسير عبد الله بن وهب 1/40 ، وتفسير عبد الرزاق (2/396) ، واللفظ له ، وتفسير عبد بن حميد ص358 ، وتفسير الطبري ت شاكر (18/561) ، وصحيح ابن حبان 16/352 ، ومستدرك الحاكم 1/81 و4/610 ، وإيمان ابن منده 2/905)
وجاء عند ابن وهب : ( أَبْشِرُوا، فَإِنَّكُمْ مَعَ خَلِيقَتَيْنِ لَمْ يَكُونَا مَعَ شَيْءٍ قَطُّ إِلا كَثَّرَتَاهُ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ، (وَهُمْ مِنْ كُلِّ حدبٍ يَنْسِلُونَ) ، وَمَا أَنْتُمْ فِي النَّاسِ إِلا كَالرَّقْمَةِ فِي ذِرَاعِ الدَّابَّةِ أَوْ كَالشَّامَةِ فِي جَنْبِ البعير ) .
قال الحاكم : هَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ "
وله شاهد عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ في الصحيحين، ولفظه:
" يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: " يَا آدَمُ، فَيَقُولُ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، وَالخَيْرُ فِي يَدَيْكَ، فَيَقُولُ: أَخْرِجْ بَعْثَ النَّارِ، قَالَ: وَمَا بَعْثُ النَّارِ؟ قَالَ: مِنْ كُلِّ أَلْفٍ تِسْعَ مِائَةٍ وَتِسْعَةً وَتِسْعِينَ، فَعِنْدَهُ يَشِيبُ الصَّغِيرُ، ( وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا، وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى، وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ ) " قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَأَيُّنَا ذَلِكَ الوَاحِدُ؟ قَالَ: " أَبْشِرُوا، فَإِنَّ مِنْكُمْ رَجُلًا وَمِنْ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ أَلْفًا. ثُمَّ قَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنِّي أَرْجُو أَنْ تَكُونُوا رُبُعَ أَهْلِ الجَنَّةِ " فَكَبَّرْنَا، فَقَالَ: «أَرْجُو أَنْ تَكُونُوا ثُلُثَ أَهْلِ الجَنَّةِ» فَكَبَّرْنَا، فَقَالَ: «أَرْجُو أَنْ تَكُونُوا نِصْفَ أَهْلِ الجَنَّةِ» فَكَبَّرْنَا، فَقَالَ: «مَا أَنْتُمْ فِي النَّاسِ إِلَّا كَالشَّعَرَةِ السَّوْدَاءِ فِي جِلْدِ ثَوْرٍ أَبْيَضَ، أَوْ كَشَعَرَةٍ بَيْضَاءَ فِي جِلْدِ ثَوْرٍ أَسْوَدَ» ( صحيح البخاري ح 3348 و4741 و6530 ، وصحيح مسلم 379 - (222) )
وشاهد آخر قريب منه عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، وفيه : اعْمَلُوا وَأَبْشِرُوا فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ ، إِنَّكُمْ لَمَعَ خَلِيقَتَيْنِ مَا كَانَتَا مَعَ شَيْءٍ إِلاَّ كَثَّرَتَاهُ، يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ، وَمَنْ مَاتَ مِنْ بَنِي آدَمَ وَبَنِي إِبْلِيسَ قَالَ: فَسُرِّيَ عَنِ القَوْمِ بَعْضُ الَّذِي يَجِدُونَ، فَقَالَ: اعْمَلُوا وَأَبْشِرُوا فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ مَا أَنْتُمْ فِي النَّاسِ إِلاَّ كَالشَّامَةِ فِي جَنْبِ البَعِيرِ أَوْ كَالرَّقْمَةِ فِي ذِرَاعِ الدَّابَّةِ. ( مسند أحمد ح 19901 ، وسنن النسائي الكبرى ح 11277 و سنن الترمذي ح 3168 و 3169 ومستدرك الحاكم 1/81 و2/254 و2/417 و4/611 )
قال الترمذي : هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ ، وصححه الحاكم .
وشاهد ثالث مشابه عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا في المستدرك على الصحيحين (4/ 612) ، وصححه الحاكم والذهبي .
شرح الحديث :
حين يحين وقت الزلزلة الكبرى الواردة في قوله تعالى : ( إن زلزلة الساعة شيء عظيم ) ، يأمر الله تعالى أبانا آدم ، تشريفا وتعظيما ، بالإذن للملك المكلف بالنفخ في الصور لينفخ إيذانا بخروج " بعث النار " من قبورهم ، وهم يأجوج ومأجوج العصور كلها ، أي الكافرون المفسدون المجرمون عبر التاريخ ، فتراهم ( من كل حدب ينسلون ) كما جاء صريحا في رواية ابن وهب ، وذلك لكثرتهم الفاحشة مقارنة بالمؤمنين والمستضعفين .
وعدد تسعة وتسعين وتسعمائة قد يكون للتكثير فقط ، أي ليس على ظاهره ولا مفهوم له .
ويجوز أن يكون عدد المفسدين المجرمين في النار يضاعف عدد أهل الجنة إلى ذلك الحد ، وذلك أنهم يكثرون في المستقبل ، ويطغون في الأرض قبل القيامة بقليل ، لأنها لن تقوم إلا على شرار الخلق كما جاء صريحا في حديث : " لَا تَقُومُ السَّاعَةُ إِلَّا عَلَى شِرَارِ النَّاسِ " ( مسند أحمد ح 3735 و 4144 وصحيح مسلم 131 - (2949)) .
وبالجملة ، فهذا الحديث صريح في تأييد نظريتي لأنه يربط بين خروج بعث النار من القبور، وفيهم يأجوج ومأجوج ( من كل حدب ينسلون ) ، وبين الزلزلة العظيمة على أثر ذلك الخروج .
وبذلك يتأكد أن خروجهم يكون بهدف مشاهدتهم أهوال الزلزلة العظيمة وما بعدها من أهوال القيامة .
خلاصتان عظيمتان :
الأولى : كان المفسرون الأوائل من الصحابة ( ابن عباس ومجاهد وابن زيد ) يرون أن الضمير في ( وهم من كل حدب ينسلون ) عائدا على الموتى الذي يبعثون يوم القيامة ، وأن الفتح هو الشق عنهم في قبورهم لينتشروا .
وهذا يعني أن أسطورة بقاء يأجموج أحياء تحت أو خلف الردم ، وأنهم يحفرون ليخرجوا يوما ما للسيطرة على الأرض وخيراتها ، لم تكن حقّقت الانتشار والتأثير حينئذ .
ولكن بعد تدوين الحديث وذكرها في مدوناته ومصنفاته وصحاحه ومسانيده ، فرضت نفسها على المفسرين والمحدثين على حد سواء .
وأحمد الله أنني وافقت المفسرين الأوائل ، وإن كنت انفردت عنهم في مسألة واحدة ، وهي أن يأجوج ومأجوج ليسو قوما محصورين في الذين قاومهم ذو القرنين ، بل هم هؤلاء ، وكل المفسدين والمجرمين عبر تاريخ البشرية ماضيا وحاضرا ومستقبلا .
الثانية : استغل الكذابون الوضاعون من أهل الكتاب تصريحَ آيةِ الأنبياء وحديثِ أنس بن مالك وشواهده إلى كثرة " يأجوج ومأجوج " يوم البعث من قبورهم ، فنجحوا في تمرير أسطورتهم عن خروج قوم مسجونين تحت ردم ذي القرنين لغزو العالم وإذلال المسلمين وطردهم إلى جبل الطور المقدس عند اليهود .
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.