بينما يولي المسؤولون عن تأمين صحة وسلامة المواطنين اهتماما كبيرا بقطاع اللحوم، بتوفير الشروط والظروف السليمة لممارسة مهنة الجزارة، بدءًا بإنشاء مسلخ يستجيب للمعايير الصحية المعتمدة في القطاع، يعيش المسلخ البلدي بمدينة خريبكة، في الآونة الأخيرة، أوضاعا يُجمع المتتبعون على أنها "كارثية"؛ ما دفع جزاري اللحوم الحمراء إلى تنظيم وقفات احتجاجية للمطالبة بإصلاح المرفق. وتتويجا لسلسلة الاحتجاجات التي خاضتها "جمعية الجزّارين للحوم الحمراء بخريبكة"، منذ حوالي سنتين، دخل عدد من العاملين في الجزارة في إضراب عن العمل منذ يوم الثلاثاء الماضي، مع وقف تزويد المدينة باللحوم الحمراء، فيما نظّموا وقفات احتجاجية بالمسلخ البلدي الواقع وسط السوق الأسبوعي، مردّدين شعارات مطالبة بضرورة التعجيل بعملية إصلاح المرفق، ووضع حدّ للأضرار التي تلحق "الكزّار" و"السّلّاخ" و"الفّايْدي"، حسب تعبير المحتجين. وأشار منظمو الشكل الاحتجاجي، من خلال كلمة ألقاها رئيس الجمعية المذكورة، إلى أن "المضربين عن العمل لهم مطالب مرتبطة بإصلاح البنية التحتية للمسلخ، ويحمّلون المسؤولية في ذلك للمجلس البلدي الذي يحصل على أموال عملية كراء المرفق، ما يعني أن المحتجين لا يشتكون من السلطات المحلية والإقليمية، أو من الشركة المسؤولة عن تدبير الشؤون اليومية للمرفق". وفي جولة أجرتها جريدة هسبريس داخل المسلخ البلدي وفي محيطه، تزامنا مع إحدى الوقفات الاحتجاجية، بدا جليّا حجم المشاكل التي يعيشها الجزارون والمستخدمون وعمال النظافة داخل المرفق، خاصة من حيث انبعاث الروائح الكريهة التي تستقبل الزائر عند الباب الخارجي للمسلخ، وتزداد حدّتها كلما تقدّم المرء بخطوات لاستكشاف المكان المخصص لاستقبال وذبح وسلخ وتهيئة المواشي. ومن بين مظاهر الإهمال والخراب التي طالت المسلخ البلدي "الأبواب الحديدية المحطّمة، والنوافذ الزجاجية المكسّرة، والجدران القديمة المهشّمة، والآليات المعلّقة والمهدّدة بالسقوط في أي لحظة، وقنوات الصرف الصحي المختنقة، والأرضية الإسمنتية المحفورة، إلى جانب أعشاش العناكب الكبيرة والكثيرة، مع الانتشار الغريب لأسراب الذباب والبعوض وأنواع أخرى غريبة من الحشرات". محمد الأشهب، الكاتب العام لجمعية الجزّارين للحوم الحمراء بخريبكة، أوضح أن "العاملين في قطاع اللحوم نبّهوا رئيس المجلس البلدي، في لقاء سابق، إلى أن البنية التحتية للمسلخ صارت في وضعية لا تستجيب لشروط السلامة، وتحديدا على مستوى الأبواب الحديدية، والآليات الخاصة بحمل المواشي وسط المسلخ، دون أن تُؤخذ التنبيهات والتحذيرات بعين الاعتبار"، حسب تصريحه. وأضاف المتحدث ذاته، في تصريح لهسبريس، أن "ما خشيه الجزارون وَقَعَ بالفعل، إذ سقط باب حديدي على عامل نظافة، ما تسبّب في إصابته بكسر على مستوى الرجل، قبل أن تسقط إحدى حاملات اللحوم التي يصل وزنها إلى 50 كيلوغراما تقريبا، متسبّبة في شجّ رأس أحد المستخدمين، وجرى تقطيب جرحه ب13 أو 14 من الغرز الطبية، بعدما كادت الواقعة أن تودي بحياته". وشدّد الأشهب على أن "قنوات الصرف الصحي تختنق في مناسبات كثيرة، متسبّبة في انبعاث روائح كريهة، مع انتشار برك من المياه والدماء، إلى جانب الأوساخ والحشرات والفيضانات الدموية، ما يهدّد العاملين بإمكانية الإصابة بالأمراض والأوبئة، خاصة على مستوى العيون"، مشيرا إلى أن "المجلس البلدي وعد بربط قنوات المسلخ مع القناة الكبرى، ولا شيء تحقق من تلك الوعود". وعن الإجراءات المتخذة من طرف التنظيم الجمعوي للجزارين، أوضح الأشهب أن "الجمعية تأسست منذ حوالي ثلاث سنوات، وسطّرت مجموعة من الأهداف، على رأسها المطالبة بإصلاح المسلخ البلدي، ما دفع الجزارين إلى تنظيم وقفات احتجاجية، وعقد لقاءات عديدة مع رئيس المجلس البلدي، إلا أنه لم يحرّك ساكنا في الموضوع، وبقيت الأوضاع على ما هي عليه إلى حدود الساعة". وأكّد الأشهب أن "الإضراب المفتوح عن العمل أسفر عن تناقص مخزون اللحوم الحمراء في المدينة، ما يعني أن الأزمة في تلك المادة الغذائية تلوح في الأفق"، مشيرا إلى أن "الجزّارين سيواصلون إضرابهم عن العمل يوم الأحد أيضا، وهو يوم انعقاد السوق الأسبوعي المعروف برواجه الكبير في اللحوم الحمراء، خاصة بعدما أعلن الجزارون الذين يزاولون أنشطتهم التجارية ب"سوق الأحد"، قادمين إليه من القرى والمناطق المجاورة، تضامنهم مع زملائهم المحتجين بخريبكة". وأوضح المتحدث، ضمن التصريح ذاته، أن "المجلس البلدي يشير إلى وجود مشروع بناء مسلخ جديد بمدينة خريبكة، وربما لا يوجد ذلك المشروع حتى على الأوراق"، مضيفا أن "المتضررين البالغ عددهم حوالي 600 شخص يطالبون بضرورة إصلاح المسلخ الحالي، نظرا لعدم إمكانية الاستمرار في العمل في الظروف الراهنة، وانتظار ثلاث أو أربع سنوات أخرى لبناء مسلخ جديد". واستدرك المتحدث بالقول: "في حال وجود مشروع جديد، من المفروض على الجهات المعنية إعمال المقاربة التشاركية مع الجزارين، على اعتبار أن أهل مكة أدرى بشعابها"، خاتما تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية بالتأكيد أن "وقف الأشكال الاحتجاجية مرتبط بمدى تدخل عامل إقليمخريبكة من أجل حل المشاكل القائمة، خاصة أنها تتراكم يوما بعد يوم".