لا شك أن جميع المغاربة ينتظرون ما ستكشفه التحقيقات التي كلفت بها كل من المفتشية العامة للإدارة الترابية في وزارة الداخلية، والمفتشية العامة بوزارة المالية، التي أمر بها الملك في المجلس الوزاري الأخير، والذي انعقد بالدار البيضاء تحت رئاسته الشخصية. وهذا الانتظار ليس من أجل معرفة ومعاينة إعلان صفقات أشغال مشاريع "منارة الحسيمة"، ووجود التزام وتعهد جهات إدارية، وقطاعات وزارية، وجماعات ترابية، بمقتضى اتفاقات صحيحة، ومستوفية لكافة أركان عقد بدفع مبالغ معينة القدر، ومحددة الأجل في صندوق معين، ومن أجل هدف محدد في تنفيذ مختلف المشاريع المكونة لمشروع "منار الحسيمة المتوسطي"؛ بل إن الانتظار أساسه يكمن في تداعيات هذه التحقيقات في علاقتها بالمخالفين، وكذا آثارها على المعتقلين على ذمة ملفات حراك الريف، واحتمال تدخل الملك في الواجهتين. التحقيقات من أجل تحديد أسباب عدم تنفيذ مشاريع "منارة المتوسط" واقع عدم تنفيذ المشروع برمته، أو في أجزاء منه، ظاهر للجميع، وهو سبب من أسباب اندلاع الاحتجاجات. بل إن السبب الحقيقي المتحكم في الأمر بالتحقيق متنوع ومتعدد؛ منه تحديد المسؤولين المباشرين، سواء في عدم دفع المبالغ موضوع الاتفاقات من طرف كل طرف ملتزم، وتحديد مدى توفر هذه الجهات في حساب أصولها على المؤونة الكافية موضوع الالتزام بتاريخه وغداته، وفي موعد الدفع إن حدد في عقد الاتفاق، وسؤاله عن سبب امتناعه عن إجراء التحويل، ومدى وجود تعليمات محرضة من جهة حملته على عدم القيام به؟ وتعيينها؟. وفي حالة قيام فرضية حصول دفع المبالغ! توجيه أسئلة لصاحبة المشروع، وهي جهة طنجةتطوانالحسيمة، وولايتها، عن دواعي التأخير في بدء التنفيذ، وما هي نوع العراقيل والصعوبات التي لاقتها.. أهي ذات طبيعة المنازعة في الوعاء العقاري؟ وهل ترجع هذه الصعوبات إلى ما قبل تدشين المشاريع من قبل الملك؟ أو أن حدوثها تم غداته؟ ولماذا تم إعلان مشاريع غير ناجزة في الدراسة والعقار والتمويل؟. إن تحديد الأسباب والدواعي التي نتج عنها مباشرة عدم تنفيذ المشاريع سيؤدي مباشرة إلى توزيع المفتشيتين للمسؤولية بين القطاعات بين تلك التي لم تف بالتزامها، والفاعل الأصلي، وهو المسؤول المباشر عن ذلك؛ سواء كان آمرا بالصرف أو المحاسب، وهل السبب الامتناع عن القيام بعمل ذي طبيعة قانونية أو عدم اتجاه الإرادة فقط؟ هل نتيجة خطأ أو إهمال؟ هل قصد وبنية تحقيق نتيجة معينة؟ وهل القصد يشكل مخالفة للقانون؟ وتكييف الفعل بين ما هو من جنس المخالفات نتيجة الخطأ والإهمال والرعونة؟ أو ناتج عن جنايات كتزوير في مستندات رسمية أو اختلاس أموال عمومية وتحويل من قبل الفاعل لفائدته أو لحساب الغير؟. تقارير التفتيش تصلح للتوقيف والإعفاء ولا تصل حد توجيه اتهام جنائي ولا توقيع عقوبة تأديبية بالنظر إلى المهام المنوطة بالمفتشية العامة للإدارة الترابية في المراقبة والتحقق من التسيير الإداري والتقني والمحاسبي للمصالح التابعة لوزارة الداخلية والجماعات وهيئاتها، واختصاصات والمفتشية العامة لوزارة المالية بوصفها جهازا لرقابة مالية الدولة والجماعات المحلية، فإنه يتضح أن صلاحيات الجهتين المكلفتين تنتهي عند إمكانية الإحالة من أجل التأديب فقط، ولا تمتد إلى توجيه الاتهام الجنائي المباشر للمسؤولين عن فعل وأفعال وقفت عندها، وهي مخالفة للقانون الجنائي. إن تقارير المفتشيتين، ولو في ظل فرضية وقوفها ومعاينتها للمخالفات والجرائم، فإنها تحال إلى الجهة القضائية، التي تأمر على ضوئها بأبحاث لتقدير وملاءمة المتابعة بخصوصها في ما بعد. فهذه التقارير تصلح وسيلة لبداية التحقيق القضائي مع المعنيين بالأمر المسؤولين عن نتيجة عدم التنفيذ، وليس لها الحجية القانونية لاتخاذها بذاتها سندا مستقلا، ووثيقة ذات قيمة في المحضر القضائي، الذي يصلح وحده قانونا لتسطير المتابعة عليه، وإحالة المعنيين بالأمر على هيئات الحكم أو التحقيق؛ فالمفتشون التابعون للمفتشيتين ليس لهم صفة ضباط الشرطة القضائية. رغم كون مسطرة العفو في نوعية الخاص أو الشامل لا ترتبط بسبب معين ومحدد لمنحه أو لتقديم مشروع قانوني بشأن الثاني، فإن كشف المسؤوليات الشخصية أو السياسية لأشخاص ذاتيين، ولهم صفة المسؤولية بمقتضى وظيفة إدارية، أو نيابية، وتوقيفهم المباشر عن العمل، وإحالتهم على المجالس التأديبية، أو إلى جهاز القضاء من أجل البحث والمتابعة والمحاكمة وتوقيع العقوبات؛ وهو حدث وطني في حد ذاته.. وكذا كشف المسؤولية السياسية للأحزاب السياسية في الحكومة أو في مسؤوليات أخرى لها علاقة ودور في الأزمة وإدانتها قانونيا، وأمام الرأي العام الوطني بممارساتها غير الأخلاقية التي لا تتطابق ودورها. إن لذلك أهمية مزدوجة، فهو أول اختبار لتنزيل مقتضى دستوري بربط المسؤولية بالمحاسبة من جهة. كما أن كشف هذه المسؤولية وتحديد الفاعلين ومحاسبتهم وعقابهم يمنح الاحتجاج آليا وبحكم الواقع الشرعية، وهو ما أظهرته تصريحات رئيس الحكومة في تواصله التلفزي الأخير، ما يشكل مدخلا مبررا، وأرضية صلبة وحقيقية لاحتمال أكيد بتدخل ملكي مباشر لإطلاق سراح المعتقلين على ذمة الحراك، ولا تهم الطريقة المعتمدة في ذلك، سواء عبر العفو الخاص، أو العفو العام، أو اتخاذ ذلك سببا لطلبات السراح المؤقت. والمحتمل أن يتم ذلك بمبادرة بالعفو الخاص، لأنه اختصاص حصري للملك، ولأنه هو الذي أمر بالتحقيقات. ولا شك أن ذلك تحكمه تلك الخلفية، وأن التحقيق في أصله رغبة للتيقن من صدقية وثيقة مطالب الحراك وتدخل الملك على إثره. *محام وخبير في القانون الدولي