أبانت الأحداث التي تشهدها منطقة الريف أن هناك خلالا كبيرا في طريقة تدبير الدولة لعلاقتها بالمجتمع، إذ وجدت طيلة الأشهر العشرة من الاحتجاج نفسها في مواجهة الشارع. وتسائل ظاهرة الأحزاب السياسية المغربية الكثيرة، والتي تتجاوز الثلاثين تنظيما، مدى قدرتها على تأطير المواطنين؛ وهو ما يطرح أكثر من سؤال حول أهمية هذا العدد الكبير من التنظيمات الحزبية في المغرب. الباحث في القانون الدستوري والعلوم السياسية بجامعة ابن زهر بأكادير آيت ملول جواد الرباع سجل أن "المشهد الحزبي يكرس فقدان الثقة ومنطق العبث السياسي"، موضحا أن "هناك فرقاً شاسعاً بين وظيفة الحزب في فضاء ديمقراطي برهانات وتنافس سياسي حقيقي مرتبط بتعدد البرامج والرؤى، وبين وظيفته في فضاء سلطوي وغير ديمقراطي". وقال الرباع في تصريح لهسبريس: "إن الأحزاب السياسية ستصبح مقاولات سياسية تقتسم الريع السياسي بمشاركتها في لعبة سياسية غير ديمقراطية وكآلية لتوزيع الكسب السياسي دون رهانات سياسية"، معتبرا أن "ما يعيشه المشهد السياسي والحزبي يؤشر على عبثية المشهد السياسي المغربي وفقدان الثقة في المؤسسات التمثيلية ومؤسسات الوساطة السياسية". وأبرز الباحث في القانون الدستوري أن هناك عوامل أخرى جعلت من المواطن يعزف عن العمل السياسي والحزبي، لأن واقع الممارسات السياسوية تفقد العمل السياسي والحزبي مصداقيته، مشيرا إلى ما وصفها ب"الممارسة السياسية الهجينة التي تفتقد فيها الأحزاب السياسية إلى أي مرجعية أو برامج حزبية". وفي هذا الصدد شدد المتحدث نفسه على أن هذا الأمر يؤدي إلى مزيد من بلقنة المشهد السياسي المغربي والعزوف وفقدان الثقة لدى المواطن في جدوى العملية السياسية وجدوى المؤسسات التمثيلية، منبها إلى كون ذلك يمس شرعية الدولة والمؤسسات الدستورية معا؛ "وهو ما يعني أن هناك معوقات وأعطابا بنيوية يعرفها مشهدنا السياسي تحول دون ممارسة سياسية سليمة"، على حد تعبيره. "لا يكفي في السياق المغربي أن نتوفر على وثيقة دستورية أو على أحزاب سياسية أو مؤسسات تمثيلية، كما لا يكفي وجود انتخابات دورية بتعددية حزبية شكلية"، يقول الباحث الذي أكد على أهمية "وجود وثيقة دستورية ديمقراطية شكلا ومضمونا"، مضيفا أن المهم هو وجود فاعلين ديمقراطيين وثقافة سياسية ديمقراطية، "وغير ذلك يبقي مشهدنا المغربي يكرس منطق العبث السياسي، وفقدان الثقة لدى المواطن في جميع المرافق الإدارية والهيئات التمثيلية"، وفق تعبيره.