وزير الخارجية الإيراني: الضربات الأمريكية ستكون لها تداعيات دائمة    مسيرة في الرباط تندد بالحرب على غزة وإيران    كأس العالم للأندية: دورتموند يحبط انتفاضة صن دوانز وصحوة متأخرة تنقذ إنتر    كأس العالم للأندية: الوداد يواجه يوفنتوس الإيطالي بحثا عن الانتصار لمواصلة مشوار البطولة    البطل المغربي أيوب الخضراوي يحقق فوزه الأول في منظمة وان تشامبيونشيب لرياضة المواي طاي الاحترافية في تايلاند"    في مسيرة غزة ضد العدوان..السريتي: المغاربة مع فلسطين ومع المقاومة الباسلة    حبل حول عنق ينهي حياة ثلاثيني في جماعة لغدير بإقليم شفشاون    أمواج شاطئ غابة ميريكان تبتلع طفلا وتحول نزهة اصطياف لمأساة    اختتام الدورة ال26 لمهرجان كناوة وموسيقى العالم    إيران تستعمل لأول مرة صاروخ "خيبر"    واشنطن تستخدم قنابل خارقة للمرة الأولى في قصف منشأة فوردو الإيرانية    أوزين: الحكومة دعمت "كسّاب" رومانيا    موجة حر تمتد إلى الأربعاء القادم بعدد من مناطق المملكة    الجامعة الإسبانية تكرم وليد الركراكي في مؤتمر تدريبي عالمي    أزمة انقطاع الماء الصالح للشرب بمدينة سطات تثير استنكار الساكنة    مطالب برلمانية لوزير الفلاحة بتوضيحات حول تهديد سكن طلبة معهد الزراعة والبيطرة بالهدم دون إشعار أو بدائل    توقعات أحوال الطقس اليوم الأحد    إيران تبدأ الرد .. صواريخ باتجاه إسرائيل والمنطقة على شفا الانفجار!    تكريم الركراكي في مؤتمر بمدريد    باحثون يوصون بمناقشة "الحق في الموت" والمساعدة الطبية على الإنجاب    عمور تستعرض "إنجازات وزارة السياحة".. برادة ينتشي بنتائج مدارس "الريادة"    بلمعطي: أستمر في إدارة "أنابيك"    سعيد حجي .. اهتمامٌ متزايد يبعث فكر "رائد الصحافة الوطنية المغربية"    الرجاء يواجه ناديين أوروبيين بالصيف    وحدة لتحلية مياه البحر في اشتوكة    الوداد يختتم الاستعدادات ليوفنتوس    الفوتوغرافيا المغربية تقتحم ملتقيات آرل    "ها وليدي" تقود جايلان إلى الصدارة    حملة دولية تعارض قتل الكلاب الضالة بالمغرب.. و"محتج فيلادلفيا" في سراح    الإنسان قبل الحيوان .. بين ظاهرة الكلاب الضالة وحق المواطن في الأمان    نشرة إنذارية: موجة حر وزخات رعدية بعدد من المناطق حتى الأربعاء المقبل    تل أبيب تبارك القصف الأمريكي لإيران وتؤكد ان التنسيق كان على أعلى مستوى    عاجل: ترامب يعلن عن ضربات جوية أمريكية "ناجحة جداً" ضد منشآت نووية إيرانية    لحسن السعدي: الشباب يحتلون مكانة مهمة في حزب "التجمع" وأخنوش نموذج ملهم    تأمين إمدادات مياه الشرب لتطوان وساحلها من سد الشريف الإدريسي    نشرة خاصة: زخات رعدية وطقس حار من السبت إلى الأربعاء بعدد من مناطق المغرب    الحكم على الرئيس التونسي السابق المنصف المرزوقي !!    أخنوش: نجحنا في خفض التضخم ونواصل ضبط التوازنات الماكرو اقتصادية    عضة كلب شرس ترسل فتاة في مقتبل العمر إلى قسم المستعجلات بالعرائش وسط غياب مقلق لمصل السعار        مهرجان كناوة .. منصة مولاي الحسن على إيقاع حوار الكمبري والعود والأفروبيتس    روبي تشعل منصة موازين بالرباط بأغانيها الشبابية    اتصالات المغرب تستثمر 370 مليار لتطوير الأنترنت في مالي وتشاد    إعلامي مكسيكي بارز : الأقاليم الجنوبية تتعرض لحملات تضليل ممنهجة.. والواقع بالداخلة يكشف زيفها    حفل "روبي" بموازين يثير الانتقادات        وفاة سائحة أجنبية تعيد جدل الكلاب الضالة والسعار إلى الواجهة    الترجي يسجل أول فوز عربي وتشيلسي ينحني أمام فلامينغو وبايرن يعبر بشق الأنفس    البنك الأوروبي يقرض 25 مليون دولار لتطوير منجم بومدين جنوب المغرب    ضمنها الرياضة.. هذه أسرار الحصول على نوم جيد ليلا    تراجع أسعار الفائدة قصيرة المدى في سوق السندات الأولية وفق مركز أبحاث    حرب الماء آتية    توظيف مالي لمبلغ 1,72 مليار درهم من فائض الخزينة    التوفيق : تكلفة الحج تشمل خدمات متعددة .. وسعر صرف الريال عنصر حاسم    وزير الأوقاف: خدمات واضحة تحدد تكلفة الحج الرسمي وتنسيق مسبق لضبط سعر الصرف    وزارة الاوقاف تصدر إعلانا هاما للراغبين في أداء مناسك الحج    وزارة الأوقاف تحدد موعد قرعة الحج        







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نوال السعداوي: الطبيبة التي عرّتنا
نشر في هسبريس يوم 17 - 08 - 2017

حضرت الكاتبة والمناضلة المصرية نوال السعداوي إلى المغرب على إثر دعوة تلقتها لحضور فعاليات مهرجان ثويزا، وألقت محاضرة هناك. وبين من استمع إلى حديث نوال ومن لم يستمع، ثمة مصفقون، ومعترضون، ومهاجمون شنّوا عليها حملة ضارية لم يسعوا من خلالها إلى مناقشتها ومقارعة الحجة بالحجة، بل راحوا يكيلون لها من الشتائم ما تستحي هذه السطور من مجرّد الإشارة إليها.
والحقيقة أن هذه ليست أول مرة يزورنا فيها هنا في المغرب من المشرق العربي من نرفض أفكارهم ولا نتفق معهم؛ فقد حدث منذ فترة أن زارنا الداعية الدكتور زغلول النجار، ألقى محاضرة حول الإعجاز العلمي في القرآن الكريم قبل أن يعود إلى بلاده محملا بأكوام من الشتائم والسخريات التي يخجل المرء، مرة أخرى، أن يشير إليها مجرد إشارة.
لا داعي للتوضيح بأن الذين استهزؤوا بزغلول النجار هم غير أولئك الذين استهزؤوا بنوال السعداوي؛ فهؤلاء وأولئك من فريقين، شاءت مجموعة من الأحداث الاجتماعية والتاريخية والسياسية أن تجعل منهما فئتين مهمتهما الترقب ثم الانقضاض على كل من يهدد مساحتيهما بالتقلص.
إننا نعيش أزمة أخلاقية تتجلى في لجوئنا إلى السب والتجريح في حق كل من يختلف معنا. فما الذي يحدث لدينا هنا في المغرب؟ ولِمَ نعتبر كل زيارة يقوم بها أحد هؤلاء الذين نختلف معهم فكريا نوعا من التهديد لعقائدنا وأفكارنا؟ هل أفكارنا وعقائدنا بهذا القدر من الهشاشة؟
زيارة نوال السعداوي الأخيرة تذكرنا، مرة أخرى، بأننا أمة تنقسم الفئة المتعلمة فيها (للأسف) إلى قسمين: فئة تعتقد أن التديّن في خطر وأن من واجبها أن تحميه ولو بالشتائم، وفئة تعتقد أن التديّن خطر ومن واجبها أن تناهضه ولو بالشتائم. وينتج عن هذه المعركة العبثية تراشق بالكلام ونشر للأكاذيب، الشيء الذي لا يفيد لا المتدينين ولا حتى كفار قريش.
لم أحضر محاضرة الضيفة المصرية، ولا داعي أن أقول إني قرأت عددا من كتبها واستمعت إليها في عدد من البرامج الحوارية، وإني أتفق معها في أشياء وأختلف معها في أخرى، ولها أقوال تستفزني وأخرى تروقني، وهذه إشارة غير مهمة بالمرة؛ لأن رأيي يبقى رأيي وهو ليس مشجبا لوجهات نظر الآخرين أبدا.
لكني لا أخفي أني أجد حضور نوال السعداوي إلى المغرب ذا أهمية بالغة، ومهما يكن ما قالته خلال مداخلتها، وسواء كنا نتفق مع أفكارها كلها أو بعضها أو لا شيء منها مطلقا (وإن كنت أشك في هذا الاحتمال الأخير)، إلا أنه علينا أن نشكر بشدة الدكتورة نوال وكذلك القائمين على المهرجان الذين قاموا باستدعائها؛ لأن طبيبة الأمراض الصدرية المصرية جاءت إلى المغرب وعرّت صدورنا وكشفت عن مدى الغل والكره الذي يسكن فيها تجاه كل من يتجرأ ويأتي بما لا يتفق مع منظومتنا الفكرية، مع أن الموقف الهجومي الذي نتخذه ضد هؤلاء المخالفين لا يقوينا ولكنه يجعلنا نبدو أضعف، ومع الوقت يجعلنا نضعف بالفعل؛ لأننا نفقد مَلَكة النقد والتحاور والجدال البناء ونعوضها بملكة (إن صح تسميتها ملكة) الإلمام بكيفية إيجاع الآخر ومن يؤيدونه وإحراجهم.
لكن متى كان إحراج المخالفين يجعلهم يغيرون قناعاتهم أو يضعفها حتى؟ إن التاريخ مليء بقصص كتاب ومفكرين ومتصوفين وفلاسفة وأناس بسطاء أيضا تم قتلهم وحرقهم وتمزيق لحومهم، لكن من يتذكر جلاديهم؟
إن نوال السعداوي حين تنتقد الإسلام وتلصق به كل خطايا البشر إلى أن يرث الله الأرض وما عليها، لا تغير بذلك من حقيقة الدين في قلوب المؤمنين شيئا، خاصة إذا علموا أن نوال السعداوي ليست الأولى في هذا ولن تكون الأخيرة.
كما أنها حين تتأسف لوضعية المرأة في البلدان العربية وغيرها لا تأتِ بجديد، فهي تقريبا تعيد ما طرحته قبلها المفكرات النسويات. ومع ذلك، فإن الذين يسبون نوال السعداوي اليوم ويقللون من قيمتها كمناضلة وإنسانة أولا، لا يجرؤون على التأتأة حتى حين يأتي ذكر نيتشه الذي قال بموت الإله. كما أن بعضهم لا يستطيع حتى نطق اسم برتراند راسل، الفيلسوف الذي عرف بإلحاده وجداله حول ذلك حتى آخر رمق في حياته، وبالطبع فالنسوية الوجودية سيمون دي بوفوار بالكاد يعرفها بعض هؤلاء من رزّتها الأنيقة، ناهيك عن أن يشتموها كما فعلوا مع السعداوي!
نوال السعداوي ليست لديها كتابات قوية على مستوى الأدب، فهي ليست من مستوى نجيب محفوظ ولا رضوى عاشور ولا فدوى طوقان ولا مي زيادة. والروايات العاطفية المنتشرة على نطاق واسع التي تحقق أكبر المبيعات والتي يقرأها المراهقون والشباب في أول العمر ليست رديئة أبدا من حيث الحبكة الأدبية إذا ما قورنت بروايات نوال السعداوي، لكن الفارق الوحيد والحقيقي هو أن نوال لا تكتب من أجل الأدب، إنها ليست من دعاة المذهب البرناسي، وبالتالي فإنها لا تكتب الأدب لأنها أديبة، ولكن لأن لها رسالة وهي مصرة على إيصالها بكل وسيلة ممكنة: محاضرات، حوارات تلفزية، كتب نقدية، مقالات، مسرحيات، روايات... وأي سبيل يمكن لنوال السعداوي أن تعبره لتمرير أفكارها فإنها لن تتردد في خوضه.
ونحن نستعرض ذلك، لا يجب أن ننسى أنه سبق لها أن اعتقلت، وعاشت رعب الاعتقال مرات أخرى، دون أن ينال ذلك شيئا من إصرارها على البوح بآرائها مهما بدت غريبة وشاذة، وهي الآن قد بلغت من العمر عتيا ولا تزال تجادل وتناقش، بينما أبان الذين يسبونها (وليس الذين ينتقدونها) عن عدم قدرتهم على مجادلتها بالكلام أو الكتابة. لقد أظهروا أنه ليس يوسعهم كتابة حتى قصة قصيرة، أو ققجة، يعبرون من خلالها عن رفضهم لما تأت به الضيفة المصرية.
نعم، لدى نوال السعداوي أفكار سوداوية في ما يخص علاقة الرجل والمرأة، في إطار الزواج وخارجه. وهي تحمّل الكثير من اللوم للرجل، فهي تقول في لقاء أجراه معها الإعلامي المصري مفيد فوزي إن الرجال بطبيعتهم يكرهون أن تتفوق المرأة عليهم، وأن هذا يحدث حتى في العالم المتقدم، وهذا ما كانت تستشعره حين تجادل رجلا وتفحمه.
وهذه وجهة نظرها، فهل يمكن أن نلومها على وجهة نظرها؟ ما الذي يدفعني كامرأة إلى الاعتقاد بأن كل ما تأتي به السعداوي صحيح؟ هل بإمكانها أن تقنعني مثلا بأن الزواج استعباد للمرأة؟ ولم لا يكون الزواج استعبادا للرجل أيضا؟ وما الذي يجعل الرجل، أي رجل، يعتقد أن ما تأتي به السعداوي سيسلبه حقوقه على هذه الأرض لمجرد أنها تتكلم؟
إن الكلام والكتابة آليات نكاد نمتلكها جميعا، وبما نملكه من عقول، وحين نحرص على تحصيل المعرفة بشكل مستمر من خلال القراءة أو أي وسيلة أخرى تتيح التعرف على العالم، فإن ما تقوله نوال السعداوي يصبح مجرد كلام بين كثير من الكلام الذي قيل ولا يزال يقال مخالفا معتقداتنا؛ فلم لا نرد على الكلام بالكلام والكتابة بالكتابة؟ أي انحطاط هذا الذي صارت فيه أمتنا؟
هل تشكل نوال السعداوي خطرا حقيقيا على المسلمين؟
إن الخطر الأكبر على الإسلام والمسلمين هو أن يلجأ المسلم إلى الدفاع عن دينه ضد كل فكرة تقوضّه بالسخرية والاستهزاء والافتراء؛ لأنه بذلك يثبت، دون وعي منه، أن حجته ضعيفة، وأن هذا الدين قد حرق كل أوراقه ولم يبق أمام مؤيديه إلا اللجوء إلى الخطابات العاطفية، والسخرية من خلق الله (وهو ما يناقض الدين ذاته) من أجل إقبار المختلفين. ما يهمني وأنا مسلمة أن يكفر العالم كله؟!
إن ما يجب أن نعيه، نحن المسلمين أولا، أن العالم سائر في تطور، وأنه في الوقت الذي نحجر فيه على حق فلان وعلان في التعبير، يظهر في الغرب بشكل مستمر فلاسفة يقلبون التاريخ ويعيدون صياغته. إننا لن نتقدم على المستوى الفكري بشكل خاص إذا لم نفتح آذاننا ونصغي للآخر المختلف، ليس لنقتنع بكل ما يجيء به ولكن لنتعرف على بعض علاتنا، لنشخّصها ثم نداويها قبل أن يستفحل السرطان فينا فيكون مصيرنا هو الموت في أول العمر. وأولى هذه العلات، هو عدم قدرتنا على الدفاع عن أفكارنا بالحوار والنقاش البناء، كأن نهر أفكارنا نضب، كأن مخلوقات سلبت منها وسائل التواصل فلم يتبق لديها غير الصراخ.
صدق من قال: رحم الله من أهدى إليّ عيوبي.
إن هذا المقال ليس دفاعا عن نوال السعداوي ولكنه رثاء لمنظومتنا القيمية التي غدت سائرة في طريق الانهيار. شكرا دكتورة نوال، لقد عريتنا ورحلتِ.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.