أمام مكتب محاط بحواجز حديدية، احتشد عشرات المرضى وسط بناية داخل مستشفى السويسي بالرباط، ووسَطهم يوجد أحد أعوان الشركة المكلفة بالحراسة، يتسلّم منهم وثائق ويضعها على دكّةٍ أمام الموظفة المكلفة بترتيب مواعيدِ الفحص، فيما يجلس مرضى آخرون أضناهم المرض، في انتظار موعدٍ قد يمتدُّ لأشهر طويلة. في مستشفى السويسي بالرباط، وهو من أكبر المستشفيات العمومية في المغرب، أغلقتْ لائحة المواعيد الخاصة بالفحص ب"السكانير" و"IRM"، إلى غاية سنة 2018، وخاصة بالنسبة إلى المرضى حاملي بطاقة "الراميد" حسب ما أفادت به مصادر من داخل المستشفى. ويرجع السبب، يقول أحد المصادر، إلى كثرة المرضى الوافدين على المستشفى الذي يغطي جهة الرباط-سلا-القنيطرة. وبالرغم من أنّ 2018 تفصلنا عنها ثلاثة أشهر كاملة، فإنّ هذه المدّة بالنسبة إلى أحد المرضى الذين تحدثت إليهم هسبريس هيّنة؛ ذلك أنّه عاش تجربة انتظار أطولَ بكثير، السنة الماضية، حين مرِض أخوه وحين توجّه برفقته إلى مكتب المواعيد بمستشفى السويسي بالرباط، حَدّدوا له موعد الفحص ب"الراديو" في سبعة شهور كاملة. يقول المريض، وهو ينتظر دورَه وسط جمْع من المنتظرين أمام مكتب المواعيد: "كان مْريض بزّاف وهزّيناه للبريڤي (مصحة خاصة)". تأخّر المواعيد التي تسلم من أجل الخضوع للفحص الطبي لا يقتصر فقط على مستشفى السويسي بالرباط؛ بل يشمل أغلب المستشفيات العمومية في المغرب. يروي أحد المرضى الذين التقيناهم في السويسي تجربة مريرة عاشها في مستشفى سيدي الحسن بتمارة، حين طلبَ موعدا للفحص، فحصل عليه ممهورا بمدّة انتظار تصل إلى سنة كاملة. يقول الشاب المريض بالروماتيزم، والذي يتابع العلاج في مستشفى السويسي بالرباط، "كل مرة واش كيقولو، مرة يقولك السكانير خاسر، مرة يقولك ما كاينش الطبيب..."، ويضيف بنبرة غاضبة: "هادو يمرّضوك، تجي دّاوا عندهم ترجع لدارك مريض بمرض نفسي". ويُعدّ المرضى المستفيدون من التغطية الصحية الأساسية، أو ما يُعرف بنظام "الراميد"، والمنتمون إلى الطبقات الفقيرة، متضرّرين أكثر من تأخر مواعيد الفحوصات والعمليات الجراحية في المستشفيات العمومية المغربية، مقارنة مع المرضى الذين تسعفهم الإمكانات المادية لدفع مقابل الفحص الطبي. ويرى علي لطفي، رئيس الشبكة المغربية للدفاع عن الحق في الصحة=الحق في الحياة، أنّ هذا التفاوت يضرب في الصميم مبدأ المساواة في العلاج، مضيفا أنَّ حاملي بطاقة "الراميد" مُحاطون بكثير من القيود، إذْ يتحتّم عليهم اتباع مسالك للحصول على العلاج، حيث لا يخوّل للمريض أن يعالَج في مستشفى خارج الجهة حيث يُقيم. وانتقد المتحدث ذاته التعامُل الذي يعامَل به المرضى الحاملون لبطاقة "الراميد"، قائلا "من المفروض أن تقدّم المؤسسات الاستشفائية العمومية العلاج لجميع المرضى بدون تفاوُت بين القادر على أداء ثمن العلاج وحامل بطاقة "الراميد"؛ لأنّ هذه البطاقة ليست صدَقة من الدولة، بل هي نتاج التكافل الاجتماعي". التصريحات التي أدْلى بها مرضى لهسبريس حول تأخّر مواعيد الفحوصات أشهرا طويلة أكّدها رئيس الشبكة المغربية للدفاع عن الحق في الصحة=الحق في الحياة، بقوله: "هناك مرضى حصلوا على مواعيد خلال شهر يونيو الماضي، وسينتظرون إلى غاية شهر يونيو من السنة القادمة، أيْ عاما كاملا للاستفادة من الفحص". تأخّر مواعيد المستشفيات العمومية لا يقتصر فقط على الفحوصات؛ بل يشمل، أيضا، العمليات الجراحية، إذ أكّد لطفي أنّ مواعيد بعض العمليات يمكن أن تصل إلى ستّة أشهر كاملة، مضيفا أنَّ هناك مرضى توفوا وهم ينتظرون موعد إجراء العملية الجراحية. وبخصوص الأسباب التي تؤخّر مواعيد الفحوصات والعمليات الجراحية في المستشفيات العمومية، قال لطفي إنّها متعددة، ومن بينها قلّة الموارد البشرية العاملة في المستشفيات؛ وهو ما يؤدّي إلى عدم استغلال كل التجهيزات الطبية المتوفرة، معتبرا أنَّ المؤسسات الاستشفائية العمومية لا تلبي متطلبات المرتفقين في الفحص والعلاج بالسرعة والدقة المطلوبة. وإضافة إلى قلّة الموارد البشرية، قال مصدر طبّي تحدث لهسبريس إنَّ ثمّة سببا آخر يفاقم تأخر، أو تأخير مواعيد الفحوصات والعلاجات في المستشفيات العمومية. ويتمثل السبب، يقول المصدر، "في وجود لوبيات داخل هذه المستشفيات، تتشكل من الأطباء الذين يزاولون في القطاع الخاص، حيث يتعمّدون تأخير المواعيد، بهدف دفْع المرضى إلى التوجّه إلى المصحات الخاصّة حيث يشتغلون".