العلاقة ستظل "استراتيجية ومستقرة" مع المغرب بغض النظر عما تقرره محكمة العدل الأوروبية بشأن اتفاقية الصيد البحري    الجزائر تنسحب من البطولة العربية لكرة اليد    المالية العمومية: النشرة الشهرية للخزينة العامة للمملكة في خمس نقاط رئيسية    الوكالة الوطنية للمياه والغابات: "القط الأنمر" الذي رصد في إحدى الغابات بطنجة من الأصناف المهددة بالانقراض    تتويج المغربي إلياس حجري بلقب القارىء العالمي لتلاوة القرآن الكريم    مكناس .. تتويج 12 زيت زيتون من أربع جهات برسم النسخة 14 للمباراة الوطنية    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    المغرب يصدر 2905 تراخيص لزراعة وإنتاج القنب الهندي إلى غاية أبريل الجاري    بحر طنجة يلفظ جثة شاب غرق خلال محاولته التسلل إلى عبارة مسافرين نحو أوروبا    غدا تنطلق أشغال المؤتمر الثامن عشر لحزب الاستقلال    الفروع ترفع رقم معاملات "اتصالات المغرب"    مطار مراكش المنارة الدولي .. ارتفاع حركة النقل الجوي خلال الربع الأول    ارتفاع أرباح اتصالات المغرب إلى 1.52 مليار درهم (+0.5%) بنهاية الربع الأول 2024    تظاهرات تدعم غزة تغزو جامعات أمريكية    توقعات أحوال الطقس اليوم الخميس    هذا الكتاب أنقذني من الموت!    سيمو السدراتي يعلن الاعتزال    المعرض المحلي للكتاب يجذب جمهور العرائش    جراحون أميركيون يزرعون للمرة الثانية كلية خنزير لمريض حي    14 ألف مواطن إسباني يقيمون بالمغرب    تحويل الرأسمالية بالاقتصاد اليساري الجديد    بسبب تعديلات مدونة الأسرة.. البرلمانية اليسارية التامني تتعرض لحملة "ممنهجة للارهاب الفكري"وحزبها يحشد محاميه للذهاب إلى القضاء    تأملات الجاحظ حول الترجمة: وليس الحائك كالبزاز    حفل تقديم وتوقيع المجموعة القصصية "لا شيء يعجبني…" للقاصة فاطمة الزهراء المرابط بالقنيطرة    مهرجان فاس للثقافة الصوفية.. الفنان الفرنساوي باسكال سافر بالجمهور فرحلة روحية    نجم مغربي يضع الزمالك المصري في أزمة حقيقية    بوغطاط المغربي | محمد حاجب يهدد بالعودة إلى درب الإرهاب ويتوّعد بتفجير رأس كل من "يهاجمه".. وما السر وراء تحالفه مع "البوليساريو"؟؟    الدراجات النارية وحوادث السير بالمدن المغربية    عملية رفح العسكرية تلوح في الأفق والجيش الاسرائيلي ينتظر الضوء الأخضر من نتانياهو    واشنطن طلبات من إسرائيل تعطي إجابات بخصوص "المقابر الجماعية" ف غزة    أكاديمية المملكة تعمق البحث في تاريخ حضارة اليمن والتقاطعات مع المغرب    بطولة فرنسا: موناكو يفوز على ليل ويؤجل تتويج باريس سان جرمان    الصين تكشف عن مهام مهمة الفضاء المأهولة "شنتشو-18"    الولايات المتحدة.. أرباح "ميتا" تتجاوز التوقعات خلال الربع الأول    ماركس: قلق المعرفة يغذي الآداب المقارنة .. و"الانتظارات الإيديولوجية" خطرة    أخنوش: الربط بين التساقطات المطرية ونجاح السياسات العمومية "غير مقبول"    بني ملال…تعزيز البنية التحتية الرياضية ومواصلة تأهيل الطرقات والأحياء بالمدينة    المنتخب المغربي ينهزم أمام مصر – بطولة اتحاد شمال إفريقيا    المنتخب المغربي لأقل من 18 سنة يفوز على غواتيمالا بالضربات الترجيحية    ما هو سيناريو رون آراد الذي حذر منه أبو عبيدة؟    تعزيز التعاون الفلاحي محور مباحثات صديقي مع نائبة رئيسة مجلس النواب التشيكي    أخرباش تشيد بوجاهة القرار الأممي بشأن الذكاء الاصطناعي الذي جاء بمبادرة من المغرب والولايات المتحدة    الرئيس الموريتاني يترشح لولاية ثانية    نور الدين مفتاح يكتب: العمائم الإيرانية والغمائم العربية    كأس إيطاليا لكرة القدم.. أتالانتا يبلغ النهائي بفوزه على ضيفه فيورنتينا (4-1)    رابطة للطفولة تعرب عن قلقها من التركيز المبالغ فيه على محور التربية الجنسية والصحة الإنجابية للمراهق في دورة تكوين الأطر    جنايات أكادير تصدر حكمها في ملف "تصفية أمين تشاريز"    عاجل.. كأس إفريقيا 2025 بالمغرب سيتم تأجيلها    قميصُ بركان    لأول مرة في التاريخ سيرى ساكنة الناظور ومليلية هذا الحدث أوضح من العالم    الفوائد الصحية للبروكلي .. كنز من المعادن والفيتامينات    دراسة: تناول الأسبرين بشكل يومي يحد من خطر الإصابة بسرطان القولون        كلمة : الأغلبية والمناصب أولا !    دراسة تبيّن وجود صلة بين بعض المستحلبات وخطر الإصابة بمرض السكري    في شأن الجدل القائم حول مدونة الأسرة بالمغرب: الجزء الأول    "نسب الطفل بين أسباب التخلي وهشاشة التبني"    الإيمان القوي بعودة بودريقة! يجب على الرجاء البيضاوي ومقاطعة مرس السلطان والبرلمان أن يذهبوا إليه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عندما كانت الكتاتيب القرآنية سنداً للمدرسة العمومية!!!
نشر في هسبريس يوم 12 - 05 - 2018

When the Qur'anic Schools were the support of the public school !!!
ونحن على قارعة الطريق نتجاذب الحديث مع أحد المدرسين حول النتائج المدرسية لبعض الطلاب، استوقفنا منظر أحد الكتاتيب القرآنية العتيقة وكذلك منظر الصغار وهم يودعون الفقيه بتقبيل يده واحداً تلو الآخر. منظر عجيب يستدعي التأمل والتفكر مليّاً إذ لم نعد نرى ذلك النوع من الاحترام ولا ذلك النوع من الانضباط منذ أمد بعيد.
وفي حقيقة الأمر إن رحلة التأمل تلك في الكتاتيب القرآنية هي ليست بوليدة تلك اللحظة ولا ذلك اليوم، بل هي رحلة بدأت منذ كنت أقوم بالبحث وإعداد رسالة لاجتياز مرحلة الماجستير بجامعة فيرجينا الغربية الحكومية (تخصص مزدوج: اللسانيات وطرق تدريس اللغة الانجليزية لغير الناطقين بها).
كان موضوع البحث يخص عنصر الثقافة في الكتب المستعملة لتدريس اللغة الانجليزية في المغرب، وكذلك البحث الخاص برسالة الدكتوراه والذي يتناول بالتفصيل دراسة تاريخية لسياسة الإصلاح التربوي والتعليمي في المغرب (من نفس الجامعة بأمريكا).
وكمرحلة أولية لتلك الدراسة، كان لابد من أن نعرج على مجمل مراحل التعليم في المغرب بما في ذلك التعليم الأصيل والكتاتيب القرآنية والتعليم الحديث مع ظهور المدارس الفرنسية إبان فترة الحماية. وهكذا لم تتوقف رحلة التأمل تلك إلى يومنا هذا لننظر في جوانب مختلفة تتعلق بكيفية ومراحل التعلم لدى الطفل المغربي، وكذلك وضعية ومستقبل المدرسة العمومية المغربية والكتاتيب القرآنية خاصة في ظل تجاذب الأحداث والتيارات وتباين الآراء التي تتخلل موضوع أو مشروع إصلاح منظومة التربية والتعليم في بلدنا.
هذا المشروع الذي لازال متعثراً لأسباب شتى وكذلك عدم قناعة المسئولين بعد بضرورة إشراك خبراءنا من أبناء الجالية المغربية بالخارج لينظموا إلى كوكبة خبراءنا داخل أرض الوطن. لقد حان الوقت للاستفادة من خبراءنا بالخارج والذين لهم باع وخبرة طويلة لازالت أرقى الجامعات العالمية تستفيد منها.
ما المقصود بالكتاتيب القرآنية؟:
جاء تعريف الكتاتيب ((Katatib القرآنية في العديد من المراجع على أنها هي: " الأمكنة التي يتعلم فيها الأطفال القرآن الكريم ومبادئ التربية الإسلامية. والكتّاب بناء بسيط لا يتعدى، في معظم الأحيان، حجرة واحدة متسعة ملحقة بمسجد ليستفاد من مرافقه وتجهيزاته، تفرش أرضيتها بحصير يجلس فوقه المعلم ويتحلق حوله المتعلمون، ويستخدم فيه من الأدوات لوح خشبي صغير وأداة للكتابة حسب ما توفره البيئة، ويقوم المتعلم بكتابة الدرس على اللوح، ثم يمحوه بعد أن
يتأكد من حفظه ليكتب مكانه درساً جديداً".
ويعتبر الكتاب القرآني في حد ذاته مدرسة فريدة من نوعها لها خصوصياتها ومكوناتها وأسلوبها الفريد من نوعه، ويجب المحافظة على طبعه التقليدي العريق، إذ يتبع التعليم في الكتّاب طرقاً متنوعة من أهمها:
طريقة التعلم الذاتي (Self -Learning):
أي أن كل متعلم يتولى حفظ
الحصة التي حددها له معلمه، ثم يقدم حصيلة عمله في اليوم التالي ليقوِّمها المعلم، فيشجعه إن هو أحسن ويشير عليه بالمرور إلى الدرس التالي، أو فيعاقبه إن هو أهمل شيئاً من الحصة الفارطة.
طريقة التعلم الفردي (Individual-Learning):
أي أن لكل متعلم برنامجه الخاص يسير فيه بحسب قدراته وطاقته ولكن تحت مراقبة وأعين الفقيه وحسب تعليماتها .
طريقة التعلم المتبادل (Mutual-Learning):
فيقوم المتفوقون من المتعلمين في الكتاب بعد انتهاء واجباتهم بتعليم زملائهم الصغار (وتلكم طريقة رائعة لغرس مبدأ الإحسان والتضامن والتكافل الاجتماعي في نفوس الصغار).
طريقة الحلقة في التعلم (Circle-shape Learning):
هي الطريقة المتعارف عليها اليوم بمصطلح "المحاضرة"، إذ يتولى الفقيه دور المحاضر ليلقي درساً في الأخلاق أو العبادة أو غيرها، ويسمح للحضور بالمداخلة وإبداء الرأي أو المشاركة في المستويات المتقدمة أو مرحلة النضج.
هل هنالك سن محددة لولوج الكتاب القرآني؟:
من المتعارف عليه وربما في معظم البلدان العربية والإسلامية أن الأطفال عادة ما يذهبون إلى الكتاب وأعمارهم تتراوح بين الرابعة والسابعة، وإذا لم يكونوا ملزمين بد خول المدارس العصرية، فإنهم يبقون فيه حتى سن الرابعة عشرة، إذا كانوا من أسر ذات يسر، أما غيرهم
من أبناء الفقراء فلا يبقون أكثر من سنتين أو ثلاث سنوات نظراً لحاجة الوالدين لمن يساعدهم وخاصة في العالم القروي. ونادراً ما تلتحق الفتيات بالكتاتيب القرآنية إما لحاجة الأسرة للمساعدة أو مجرد إتباع العرف أو ثقافة القبيلة أو العشيرة.
مواعيد الدراسة في الكتاب القرآني:
على عكس المدارس العصرية، تتميز الكتاتيب القرآنية بجدولها الخاص، فالعمل في الكتّاب في معظم البلدان يستغرق في العادة أيام الأسبوع كلها من طلوع الشمس حتى آذان العصر، ولا يتوقف إلا بعد ظهر يوم الخميس وصباح يوم الجمعة وأيام الأعياد.
وحسب الموسوعة العربية فإنه يُسمح، في بعض الأحيان، لأبناء الصناع بالتغيب ابتداء من ظهر يوم الأربعاء ليلتحقوا بحرف الصناعة يتعلمون فيها إحدى الحرف، ويبقى غيرهم لتعلم مواد
علمية وفنية. ويتقارب ذلك كثيراً مع ما هو متعارف عليه في المغرب، غير أن الوضع في البوادي له طابع خاص حيث أن يوم السوق الأسبوعي حسب كل قبيلة يبقى يوم الفرح إذ أن الأطفال يُخلى سبيلهم مبكراً ليسمح بذلك للفقيه بأن يلتحق بالسوق وقضي جميع حوائجه.
كما يشدد الفقيه على التلاميذ جلب مبلغ بسيط من المال "الرِباعية" من أولياء أمورهم على الأقل يوماً قبل موعد السوق الأسبوعي.
دور وخصائص الفقيه في الكتاب:
لا يمكن في أي حال من الأحوال اعتبار الفقيه على أنه إنسان عادي بالنظر إلى مكانته ودوره في المجتمع عبر التاريخ، إذ يجري اختيار معلمي الكتّاب من أهل العلم والصلاح من الحاصلين على مستوى تعليمي يشهد لهم بالقدرة على التعليم، وكثيراً ما كان المعلم يتهيأ للعمل على يد معلم ماهر يشرف على تكوينه وتدريبه. وفي قديم الزمن، كان للقاضي والمحتسب دور كبير في مراقبة الكتّاب ومتابعة عمل المعلمين به.
وهكذا نلاحظ بأن الكتاتيب القرآنية كانت ولا تزال المكان الرئيسي لتعليم القرآن ومواد أخرى، وقد أوصى بعض العلماء والعارفين على ضرورة الحفاظ على هذا الطابع الدراسي المتميز لأن الكتاب القرآني (حسب رأيهم) هو جزء من تراث هذه الأمة ومنبع العلم والتفقه في الدين ورابط أساسي لمواصلة التبحر في عالم المعرفة والربط بين الأجيال وتراث أجدادها.
وهكذا، يرى الإمام الغزالي على سبيل المثال أن الطفل يجب أن يتعلم في الكتاب القرآني أولا القرآن الكريم وأحاديث الأخبار، ثم حكايات الأبرار وأحوالهم ثم بعض الأحكام الدينية فالشعر على أن يحفظ الطفل بعض الأشعار. ويضيف ابن مسكويه إلى هذه المواد مبادئ الحساب وقليلاً من قواعد اللغة العربية.
وحسب ما ورد عن الموسوعة العربية في هذا الخصوص، فإن العرب جميعهم، بما فيهم أولئك الذين يعيشون في البادية أو الحضر، قد عرفوا جميعهم الكتاتيب التي يتعلم فيها الأطفال ودور العلم حتى في الجاهلية.
وينقل عبد الحي الكتابي عن الماوردي في كتابه «أدب الدنيا والدين» عن ابن قتيبة أن العرب كانت تعظم أمر الخط، وقد كان للنبي صلى الله عليه وسلم [ كتبة بلغ عددهم الأربعين وكان أكثرهم من شباب المدينة، وقد تعلموا الخط والقراءة وما إليهما في بعض كتاتيب المدينة ومكة قبل الإسلام (المرجع: الموسوعة العربية).
وحسب نفس المرجع، يرى محمد أسعد طلس في كتابه «التربية والتعليم في الإسلام» أن الكتاتيب كانت معروفة بكثرة في بلاد الشام ومصر وفارس والعراق قبل الإسلام، فلا غرابة إذا نقل القرشيون ذلك عنهم في رحلاتهم التجارية، وأن الجاليات النصرانية واليهودية في الجزيرة كانت تعلم أبناءها في الكتاتيب، وليس بعيداً أن يكون جيرانهم قد استفادوا من ذلك.
أما بعد ظهور الإسلام فقد أصبحت الكتاتيب هي المكان الرئيسي للتعليم، وقد دعت إلى ظهوره حاجات التوسع في نشر الدين وانتقال العرب من حال البداوة إلى حال الحضارة. وعرف المسلمون نوعين من الكتاتيب:
كتّاب على نحو مدرسة مستقلة بمفهومنا الحاضر: وهذا البناء غالباً ما يكون على شكل حجرة واحدة وهو خاص بتعليم القراءة والكتابة، وغالباً ما يقوم في منازل المعلمين أو بجوار منزلهم.
الكتّاب القرآني المتكامل: وهو أوسع وأرحب، وغالباً ما يكون في المسجد نفسه أو جزء واسع منه، وفيه يُدرّس تعليم القرآن الكريم ومبادئ الدين الإسلامي.
وقد ورد عن بعض علماء المسلمين وغيرهم بأن منهج الدراسة في الكتاتيب القرآنية كان يختلف حسب البلدان والأمصار، وهكذا فقد أوضح ابن خلدون في مقدمته في فصل «تعليم الولدان واختلاف الأمصار الإسلامية في طرقه» أن ثمة اختلافاً في منهج تعليم الأطفال في الكتّاب تبعاً لاختلاف الأمكنة، فقد مزج أهل الأندلس في كتاتيبهم بين تعليم القرآن الكريم ورواية الشعر والترسل وقواعد اللغة العربية وتجويد الخط، وجمع أهل إفريقيا في كتاتيبهم بين تعليم القرآن الكريم والحديث الشريف، وكذلك فعل أهل المشرق أيضاً (المرجع السابق).
أما فيما يخص بلاد المغرب، فقد ظهر الكتّاب القرآني بعد الفتح الإسلامي مباشرة، فتوافدت على البلاد بعثات تعليمية ترغب في إرساء معالم تعليمية ومنهج ونظام تعليمي جديد يكون أساسه الدين الإسلامي واللغة العربية الفصحى.
وهكذا لم يمض القرن الأول للهجرة حتى ساد المغرب نظام تعليمي إسلامي بُني على ركيزة أساس تتمثل في الكتّاب القرآني الذي اضطلع بتثبيت العقيدة الإسلامية ونشر الثقافة العربية وتقويم الروح الوطنية، فبلغ إشعاعها أقصى مدى في إفريقيا والأندلس (المرجع السابق). غير أن هذا النظام من التعليم سرعان ما ضايقه نظام التعليم الحديث أو المدارس العصرية نتيجة ظروف من أبرزها:
تبني الدول العربية لاستراتيجيات تربوية حديثة ووليدة فترات الاستعمار، قوامها: تعميم التعليم وتعريبه وتوحيده، فبرزت المدرسة الوطنية الحديثة الموحدة، التي استمدت أهدافها من الأصالة والتفتح على الحياة، والاستفادة من المستجدات التي عرفها العالم في تلك الحقبة..
محاولة سد النقص الحاد فيما يخص عدد المدرسين بالتعليم الحديث، حيث التحاق الآلاف من معلمي الكتاتيب القرآنية بالتعليم الرسمي الحديث الذي فتح أبوابه لاستقبال المتعلمين المحرومين منه.
انصهار بعض الكتاتيب القرآنية وتحول بعضها إلى مدارس خصوصية حديثة قائمة بذاتها.
ومع كل تلك الظروف، فقد ظلت الكتّاتيب القرآنية صامدة ولم تغلق أبوابها كمؤسسة تعليمية أصيلة واكبت عصوراً وأجيالاً مختلفة وقامت برسالتها النبيلة خير قيام، فكانت تحرص غرس الأخلاق الحميدة وتربية النشء تربية حسنة، كما ساهمت في تحفيظ القرآن الكريم خارج أروقة المدرسة الحديثة.
ما الفرق بين روض الأطفال والكتاب القرآني؟:
لسنا في حاجة للتطرق إلى الجوانب البديهية المتباينة من حيث وجه المقارنة بين روض الأطفال والكتاب القرآني، فلكل خصوصيته ومكوناته العمرانية من حيث الشكل الهندسي والتصميم وعدد حجرات الدرس وغير ذلك. وكما قلنا، فالفرق بينهما من ناحية الشكل والتصميم متباين وبشكل واضح، ولكن ما يهمنا هي الأهداف وطرق التدريس ومدى مستوى الاستيعاب والتلقي عند الصغار في كل من هاتين المؤسستين:
1- التعليم في الروض:
يمكن الجزم بأن خصوصية روض الأطفال وفكرة تبنيه هي وليدة الرأسمالية والامبريالية الحديثة، وكذلك عصر النهضة الأوروبية حيث دفعت الحاجة الاقتصادية إلى تضافر جهود الوالدين معاً وولوجهما سوق الشغل لسد حاجياتهما المعاشية وإمكانية توفير قوت أطفالهما. ولا شك أن الهدف من إرسال الصغار إلى روض الأطفال لم يكن موضعاً اختيارياً بقدر ما هو قدرٌ محتوم وليد إكراهات خارجة عن إرادة الأبوين أحياناً.
وبما أن الأمر أصبح اقتصادياً تحكمه الربحية والتنافس والضرائب وغيرها، فلاشك أن التعليم بروض الأطفال أصبح بدوره سلعة كباقي السلع معرض للربح والخسارة. وبما أن الأمر كذلك، فقد أصبح التركيز على الكم لا الكيف، وأصبح التعليم في الروض يقتصر على الأبجديات والتلوين والقدرة على تصفيف وترتيب الحروف واللعب في معظم الأوقات فحسب.
وهكذا، يقضي الصغار (وفي سن جد مبكرة أحيانا، بل حتى قبل الفطام) في حجرات ضيقة لا تتوفر أحياناً على أبسط شروط التعلم أو التربية أو السلامة، ناهيك عن عدم وجود مناهج مجربة ولا حتى طاقم تدريس مؤهل ومتخصص. وبذلك يفتقر روض الأطفال أحياناً إلى وجود خطة تربوية وتعليمية واضحة ويبقى هدفه الأسمى هي القدرة على حجز الصغار وتكديسهم في أماكن ضيقة لا تليق بنفوسهم التواقة إلى الركوض والتحرك بكل أريحية وبراءة.
وللإشارة، هنالك أسر جرفتها أمواج الموضة وتقفي آثار الغير، فزجت بصغارها إلى الروض، وأسر أخرى زجت بالصغار إلى الروض ليس من أجل التربية والتعليم بل للتخلص منهم ومن إزعاجهم، أو لتوفير الوقت للدردشة أو ضياع الوقت مع الجيران أو الغير، ناهيك عن أن تركيز المربين والمربيات قد لا يكون على غرس الأخلاق الحميدة، بل يكون على القدرة على ابتكار طرق اللعب أو غيرها.
2- التعليم في الكتاب القرآني:
قد تكون المقارنة بين أهداف العملية التربوية والتعليمية بين روض الأطفال والكتاب القرآني كمن يحاول جزافاً المقارنة بين "الجبنة والطباشير كما يقال (Chalk & Cheese) نظراً لتباين الأهداف والغاية لدى كل منهما.
وللوقوف على أهداف الكتاب القرآني يمكن القول أن الغاية السامية من تلقيت الصغار الكتابة والقراءة عبر مراحل وبتدريج، ثم عملية حفظ ما تيسر من القرآن الكريم يحقق العديد من الجوانب الإيجابية فيما يخص صقل مواهب الطفل وتنمية مهاراته اللغوية والحسية. كما أن الكتاب القرآني بعمل على تعليم الصغار كيفية الوضوء والنظافة والصلاة وكذلك الحث على الأخلاق الفاضلة والتعاون والإخاء.
خلاصة:
لقد أصبح جلياً أن الوضع الاقتصادي والاجتماعي (خاصة في المدن) قد دفع بالكثير من الناس إلى الجز بأبنائهم إل ما يسمى بروض الأطفال والذ1ي هو في كثير من الأحوال ما هو في بعض الأحيان إلا سجن مصغر يًحرم فيه الطفل من سمات ومكونات طفولته الطبيعية. وقد انتشرت مؤسسات روض الأطفال وغزت أحياء الأغنياء والفقراء على حد سواء وأصبحت تزاحم الكتاتيب القرآنية، بل حولت بعضها إلى روض أطفال واكتست بصبغة تجارية محضة همها الربح وإغراء أكبر عدد ممكن من الزبناء.
وفي زمن غير بعيد، كان للكتاتيب القرآنية (رغم بساطتها وتواضعها) شأن كبير في المجتمع، إذ ربّت أجيالاً كثيرة على حسن الخلق والانضباط وعن الفضيلة والتسامح وحب الوطن. ومنذ أمد غير بعيد، كانت الكتاتيب القرآنية سنداً فعلياً وعوناً للمدرسة العمومية، إذ تبث أن من ختم القرآن في مرحلة مبكرة تكون حصيلته اللغوية ما يقارب خمسون ألف (50000) كلمة، بينما حصيلته في تعلم لغته العامية لا تتجاوز ثلاثة آلاف (3000) كلمة.
وقد كانت مرحلة الكتاب القرآني في زمن غير بعيد هي المرحلة الأولى التي يمر بها الطفل قبل بلوغ سن التمدرس في المدارس العصرية، فكان تركيزها بالدرجة الأولى على التربية الحقة والتعليم من خلال التركيز على تلك الأهداف السامية وتحفيظ القرآن الكريم والتركيز على الأخلاق الفاضلة سنداً فعلياً وحقيقياً للمدرسة العمومية عجزن عنه حتى أرقى مؤسسات روض الأطفال الحالية التي أخرجت لنا جيل تقزّم في كل شيء وتقاعس عن المثابرة والاجتهاد وتعلُّم مكارم الأخلاق والإحسان والتسابق في فعل الخيرات.
وأخيراً "أكعاون ربي"
والله ولي التوفيق،،،
*خبير دولي في مجال التربية والتعليم، مستشار
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.