الحصول على العمل لا يضمن في حد ذاته مستوى معيشياً لائقاً..كانت هذه إحدى الجمل التي وردت في التقرير السنوي الذي قدمه عبد اللطيف الجواهري، والي بنك المغرب، أمام الملك محمد السادس بمناسبة عيد العرش، والذي لامس مختلف جوانب النقص والاختلالات في السياسات العمومية ووضعية سوق الشغل في المملكة. وأشار التقرير، الذي تتوفر هسبريس على نسخة منه، إلى أن معدل البطالة بدأ في التفاقم في السنوات الأخيرة، متوقعاً أن يزداد ارتفاعاً في المستقبل؛ وذلك بسبب استقبال سوق الشغل لأفواج عريضة من الشباب الذين أفرزهم التحول الديمغرافي وأيضاً تأثيرات الثورة الرقمية التي بدأت تمس العديد من المجالات. تقرير بنك المغرب نبه أيضاً إلى نقطة مهمة تتعلق بقطاع التشغيل في المغرب، إذ قال إن "ما يثير القلق أكثر هو أن الحصول على العمل لا يضمن في حد ذاته مستوىً معيشياً لائقاً"؛ ما يعني أن نسبة من الأعمال لا يتلقى أصحابها أجوراً أو في حالات أخرى يكون الأجر ضعيفاً. وتفيد معطيات التقرير بأن "حوالي 20 في المائة من السكان النشيطين المشتغلين في المغرب لا يتقاضون أجراً عن عملهم، و80 في المائة منهم لا يتوفرون على تغطية صحية، وثلثي الأجراء يشتغلون بدون عقد عمل". وفي ارتباط بمستوى تأهيل الخريجين الباحثين عن الشغل، قال التقرير إن المدرسة المغربية لازالت تستمر في تسجيل نتائج باهتة، وإفراز شباب تنقصه المؤهلات اللازمة للاندماج بشكل ملائم في سوق الشغل. كما أشار التقرير إلى أن المغرب عرف وضع العديد من البرامج والإجراءات المتفرقة بخصوص التشغيل، لكنها لم تأت بنتائج ملموسة، وأورد أن الحكومة اعتمدت مخططاً للنهوض بالتشغيل يروم تحقيق أهداف تبدو غير واقعية وتحتاج إلى تدابير ملموسة لبلوغها. ووقف التقرير على معاناة بعض المؤسسات الدستورية من الجمود بسبب طول آجال اتخاذ القرار دون ذكرها، وقال إن من المنتظر أن تلعب دوراً حاسماً في توفير الظروف المواتية للاستثمار وإحداث فرص الشغل. أرقام التقرير تقول إن الاقتصاد الوطني أحدث السنة الماضية ما مجموعه 86 ألف منصب شغل، لكن هذا المستوى ظل غير كاف بالنظر إلى العدد الصافي للباحثين الجدد عن العمل، والذي بلغ 135 ألفاً، وهو الأمر الذي نتج عنه ارتفاع نسبة البطالة لتصل إلى 10.2 في المائة. وبالإضافة إلى هذا الأمر، تظل مشاركة المرأة في سوق الشغل بالمغرب من بين الأضعف عالمياً، إذ لم تتجاوز نسبتها 22.4 في المائة سنة 2017، مقابل 50.8 في المائة في المتوسط في بلدان أوروبا وآسيا الوسطى. هذا الوضع اعتبره بنك المغرب أمام الملك مثيراً للقلق على أكثر من صعيد، فإلى جانب التداعيات الاجتماعية، بل وحتى النفسية التي قد يخلفها هذا الإقصاء، فإن الفرص الاقتصادية الضائعة كبيرة للغاية بالنسبة لتطور الاقتصاد الوطني. كما دق بنك المغرب ناقوس الخطر بخصوص الباحثين عن الشغل لأول مرة في المملكة، إذ قال إن هذه الفئة تلاقي صعوبات أكبر في الإدماج بسبب لجوء المقاولات خلال الفترات الاقتصادية غير الملائمة إلى إعطاء الأفضلية خلال التوظيف للذين يتوفرون على تجارب مهنية سابقة، وهو ما يفاقم وضعية الذين لا يتوفرون عليها ويزيد من مدة بطالتهم. وفي سنة 2017، بلغ عدد السكان الباحثين عن الشغل لأول مرة 710 آلاف شخص، يستقر 85 في المائة منهم في المدن، وتصل نسبة النساء منهم إلى 35 في المائة، ويتكونون في الغالب من شريحة الشباب ما بين 15 و34 سنة.