الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة تستعد للاستحواذ الكامل على قناة "ميدي1"    كشف آخر مستجدات حادثة طائرة الرئيس الإيراني    أزيد من 310 ألف شخص زاروا المعرض الدولي للنشر والكتاب بالرباط    الملتقى الدولي محمد السادس لألعاب القوى (العصبة الماسية): العداء المغربي سفيان البقالي يفوز بسباق 3000 م موانع    لم تخلف ضحايا .. ميليشيا "البوليساريو" تتبنى استهدف مدينة السمارة    فرنسيون يهاجمون الطماطم المغربية.. و"كومادير" تستنكر تساهل السلطات    الآلاف في مسيرة تضامنية مع غزة في الدار البيضاء    طقس الإثنين.. أمطار متفرقة ورياح قوية بهذه المناطق    الشروع في التقليص الجزئي من دعم "البوطا" غداً الإثنين    عاهل السعودية يصاب بوعكة صحية    بالفيديو.. أمواج بشرية تتوافد على الأبواب المفتوحة للأمن بأكادير    نهضة بركان يفشل في التتويج بكأس ال "كاف"    المغربي شديرة ينعش آمال فروسينوني في البقاء بالدوري الإيطالي    عمالة إقليم الدريوش تخلد الذكرى ال19 لإطلاق الورش الملكي للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية ببرنامج حافل    تلاميذ ضحايا حادث يغادرون المستشفى    مانشستر سيتي يحرز لقب الدوري الإنجليزي للعام الرابع على التوالي في إنجاز غير مسبوق    منافسة كبيرة للفوز بخدمات الحارس منير المحمدي    التهرب الضريبي يورط منعشين عقاريين ورجال أعمال وتجار في الناظور    برشلونة يستضيف فاليكانو لحسم وصافة الدوري    الشرطة العلمية والتقنية.. منظومة متكاملة تجمع بين الكفاءات البشرية والتقنيات الحديثة    معرفة النفس الإنسانية بين الاستبطان ووسوسة الشيطان    منصة "طفلي مختفي" تمكن من استرجاع 124 طفلا لذويهم خلال سنة واحدة    سلطات طنجة المدينة تشن حملات لتحرير الملك العمومي والبحري (صور)    المعرض الدولي للنشر والكتاب.. إبراز تجليات مساهمة رئاسة النيابة العامة في تعزيز جودة العدالة    المحصول الضعيف للحبوب يسائل الحكومة عن التدابير البديلة للنهوض بالقطاع    إيطاليا تصادر سيارات "فيات" مغربية الصنع    مهنيو قطاع النقل الطرقي للبضائع يرفضون مضامين مشروع مرسوم ولوج مهن النقل ومزاولتها    شركة تسحب رقائق البطاطس الحارة بعد فاة مراهق تناوله هذا المنتج    الرياض وواشنطن تقتربان من توقيع "اتفاقيات استراتيجية" تمهد للتطبيع    أخبار الساحة    البطاقة البيضاء تحتفي بالإبداع السينمائي الشبابي خلال مهرجان السينما الإفريقية بخريبكة    الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة تُبرز حضور الشباب المغربي في صلب أولوياتها    شبيبة الأحرار تستنكر "التشويش" على الحكومة    الجيش الكونغولي يعلن إحباط "محاولة انقلاب"    الإطار المرجعي للامتحانات يخلق الجدل ومطالب بحذف بعض الدروس    مجموعة «إمديازن» تعود لجمهورها بأغنية «إلى الجحيم يا حساد»    بسبب الجفاف.. الجزائر تتجه لخطف المركز الثاني من المغرب    باحثون مغاربة وأجانب يتخوفون من تأثير الذكاء الاصطناعي على الأدب والفن    أيام الأبواب المفتوحة للأمن الوطني: تسليط الضوء على تحديات وفرص استعمالات الذكاء الاصطناعي في المرافق الأمنية    المغرب وفرنسا يعززان التعاون السينمائي باتفاق جديد    مهرجان "فيستي باز" ينتقد وسائل الإعلام الوطنية والقنوات الرسمية    موقع أمريكي يصنف طنجة وشفشاون ضمن أرخص الوجهات السياحية في إفريقيا    "لا داعي للمالديف".. مصممون سعوديون يعرضون أزياءهم على شواطئ المملكة    سائقون يتركون شاحنات مغربية مهجورة بإسبانيا بعد توقيعهم على عقود عمل مغرية    مستشفى بغزة يعلن مقتل 20 شخصا في قصف إسرائيلي    مهرجان كناوة بالصويرة من المواعيد الموسيقية الأكثر ترقبا خلال 2024 (موقع أمريكي)    أوسيك يهزم فيوري ويصبح بطل العالم بلا منازع في "نزال القرن"    لماذا النسيان مفيد؟    كمال عبد اللطيف: التحديث والحداثة ضرورة.. و"جميع الأمور نسبية"    ندوة علمية بمعرض الكتاب تناقش إكراهات وآفاق الشراكة بين الدولة والجمعيات    الزليج ليس مجرد صور.. ثقافة وصناعة وتنظيم "حنطة" وصُناع مَهَرة    أطعمة غنية بالحديد تناسب الصيف    الأمثال العامية بتطوان... (602)    المغرب يسجل 35 إصابة جديدة ب"كوفيد"    دراسة: توقعات بزيادة متوسط الأعمار بنحو خمس سنوات بحلول 2050    السعودية تطلق هوية رقمية للقادمين بتأشيرة الحج    وزارة "الحج والعمرة السعودية" توفر 15 دليلًا توعويًا ب16 لغة لتسهيل رحلة الحجاج    العسري يدخل على خط حملة "تزوجني بدون صداق"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ماهية الثقافة في عصر التكنولوجيا
نشر في هسبريس يوم 13 - 01 - 2019

ظلت الثقافة التي تتمثل في العلوم الطبيعية والعلوم الحقة أو البحتة وبعض العلوم الاجتماعية، ظلت دوما تعتبر جزءا لا يتجزأ من الثقافة الإنسانية بمعناها الشامل. إلا أن العقود الأخيرة، قد شهدت وما تزال جدلا عنيفا حول الانفصام والانفصال بين الثقافتين، وصل إلى حد اعتبار ذوي الثقافة العلمية البحتة خلقا غريبا تنقصه الأحاسيس الإنسانية والعواطف البشرية التي يتحلى بها ذوو الثقافة التقليدية. وأزعم أن مصدر هذا الصراع هو أن العلوم الطبيعية بالضرورة علوم غير إنسانية، وإنما هو في حقيقته، رد فعل كما أتصور للتطور العلمي والتكنولوجي العظيم الذي يحدث منذ دخولنا الألفية الثالثة والذي بدا معه الإنسان قزما عاجزا لا حول له ولا طول.
والحديث عن الانفصام والانفصال يقودنا إلى التساؤل عن ماهية الثقافة؟ فالثقافة تحتمل العديد من المعاني، وهي تحمل دائما المعنى نفسه، حتى عند الذين يتجادلون حول ماهيتها ووظيفتها. وقد كتب الشاعر ت. س. إليوت معرفا الثقافة في كتابه المعنون "مذكرات حول تعريف الثقافة" بالقول: "إن تعريف الكلمات المتداولة مثل كلمة الثقافة يصبح ضرورة عندما يساء فهم تلك الكلمات تماما، كما أن شرح العقيدة الدينية يصبح ضرورة عند بروز ظاهرة الإلحاد".
ومهما يكن من أمر، فإن للثقافة معنيين: معنى شامل ومعنى محدود، ففي معناها الأنثروبولوجي الشامل، يمكن تعريف الثقافة بأنها السمات المميزة لمجتمع إنساني معين، يعيش في ظرف زمني معين، ويشترك في القيم والافتراضات والتطلعات نفسها... أما في معناها المحدود فالثقافة تعني الوسائل التي تعبر عن مطامحنا، ووجداننا، وأهدافنا وخيالاتنا... أو بعبارة أخرى على حد قول نجيب محفوظ، الثقافة هي معرفة نفسك ومعرفة الناس ومعرفة الأشياء والعلاقات ونتيجة لذلك ستحسن التصرف في ما يلم بك من أطوار الحياة. يضاف إلى هذا ما قاله الشاعر صموئيل كولبردج، الثقافة هي التنمية المتناسقة لطاقاتنا الفكرية والروحية. والذي يعنينا في هذا الحديث هو المعنى الثاني، المعنى المحدود.
وعندما يتحدث المتحدثون عن الانفصال والانفصام بين الثقافتين يلمس الإنسان تيارين؛ تيار العلماء التقنيين والطبيعيين الذين ينادون بضرورة ممارسة التفكير العلمي وتبني القيم العلمية بنهج الأسلوب العلمي في التحليل والاستنتاج والحكم، وغرس هذه القيم والأساليب في ثقافتنا التقليدية، وهي ثقافات إقليمية تفتقر بحكم تكوينها ونموها إلى الشمول والعالمية التي تتميز بها العلوم التقنية البحتة.
وتيار أنصار الثقافة المحافظة والتقليدية الذين يرون في التقنية والعلوم خطرا داهما على الثقافة الإنسانية، وهدما لإنسانية الإنسان، لأنها تجعل من الإنسان كائنا آليا مسلوب الإرادة. والخطأ في هذا الفهم للثقافة العلمية ناجم عن افتراض أن العلوم الطبيعية والبحث العلمي والتطور التكنولوجي إنما هي وسائل-أو غاية ونهاية في حد ذاتها. ولكن الحقيقة هي أن الاكتشافات التقنية في كنهها وفي جوهرها، إنما هي تفاعل بين الإنسان المخترع والحقائق الموضوعية من حوله. وهذا التفاعل الذي يقود إلى الاختراع العلمي يشبه إلى حد كبير الانفعال الوجداني الذي يقود إلى الابتكار الفني، والإبداع الأدبي عند الشاعر أو الفنان.
بيد أن بعض الكتاب قد حاولوا أن يجدوا تفسيرا لما وصف بالانفصال والانفصام بين الثقافتين. يجد هذا التفسير في العقم المعنوي الذي يعاني منه المجتمع الليبرالي والرأسمالي الغربي المتقدم صناعيا. ومن بين هؤلاء الأديب عباس محمود العقاد الذي نشر مقالا يعلق فيه على محاضرة العالم سنو س. ب. حول الثقافتين بقوله: "إن سنو مصيب كإنسان غربي عاش على الدوام في ميدانين متقابلين من عالم الثقافة –ميدان الروح وميدان الجسد ... أو ميدان ملكوت السماء، وميدان ملكوت الأرض، ميدان ملكوت المقدس، وميدان ملكوت المدنس. وكان الانفصال بين الميدانين بعيد الأمد يكاد ينتهي على عالمين متناقضين أحدهما ملعون منبوذ، هو هذا العالم المشهود، والآخر مقدس ومحمود ومطلوب ولكنه غائب وراء الحواس بل وراء العقول التي تعترف في الأمور الدنيوية".
وهكذا يصبح السؤال ليس هو إن كان هناك انفصال وانفصام بين الثقافتين، بل كيف يمكن في عصر العلوم والتقنيات أن نطبع الثقافة والعلوم الإنسانية بطابع علمي؟ وكيف يمكن لنا أن نجعل التطور العلمي والتكنولوجي على وجه الدقة والتحديد يأخذ بعين الاعتبار المجتمع الإنساني المحيط به؟ هذه هي الإشكالية التي تشغل بال المفكرين اليوم؛ إشكالُ طبعِ الثقافة بطابع علمي وطبع العلوم بطابع ثقافي أو ما يسمى في علم الاجتماع {{scientification de la culture, Acculturation de la science}}.
فالمشكلة الكبرى التي تعاني منها الثقافة العلمية هي أنه بالرغم من أن الحقائق العلمية حقائق عالمية وثابثة ومعروفة ومتعارف عليها، إلا أن التفكير العلمي لم يجد طريقه بعد إلى الكثير من المجتمعات الإنسانية. لذا يجب إعادة النظر في المناهج والبرامج التعليمية والمقررات الدراسية بهدف غرس بذرة التفكير العلمي والأسلوب العملي لدى طلبة الجامعات وتلامذة الثانويات والإعداديات والمدارس؛ إذ إن هذه ضرورة لكي يتمكن الإنسان من مجابهة تحديات عصر التكنولوجيا. ثم يليها إبراز الجوانب الإنسانية والفلسفية وراء الاختراعات العلمية والتكنولوجية، كتدريس العلوم في السياق التاريخي والاجتماعي والثقافي الذي نشأت وولدت وترعرعت فيه؛ فالعلوم ليست آلات صماء ولا نظريات تجريدية، فوراء تلك الآلات والنظريات جوانب فلسفية مهمة لا بد للطلبة من معرفتها.
إن العلم، كما قلت، جزء لا يتجزأ من الثقافة الإنسانية، فمن لم يلم بمبادئه ويتعرف على تطوره وينتهج أسلوبه ويبدع في قواعده، يصبح إنسانا ناقص الثقافة في مجتمع القرن الواحد والعشرين.
الإنسانية هي الحل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.