تغير المناخ أدى لنزوح ملايين الأشخاص حول العالم وفقا لتقرير أممي    انخفاض طلبات الإذن بزواج القاصر خلال سنة 2024 وفقا لتقرير المجلس الأعلى للسلطة القضائية    مباحثات تجمع العلمي ونياغ في الرباط    أخنوش: تنمية الصحراء المغربية تجسد السيادة وترسخ الإنصاف المجالي    "أسود الأطلس" يتمرنون في المعمورة    الأحزاب السياسية تشيد بالمقاربة التشاركية للملك محمد السادس من أجل تفصيل وتحيين مبادرة الحكم الذاتي    رفض البوليساريو الانخراط بالمسار السياسي يعمق عزلة الطرح الانفصالي    تنصيب عمر حنيش عميداً جديدا لكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية السويسي بالرباط    الرايس حسن أرسموك يشارك أفراد الجالية أفراح الاحتفال بالذكرى 50 للمسيرة الخضراء    أخنوش يستعرض أمام البرلمان الطفرة المهمة في البنية التحتية الجامعية في الصحراء المغربية    أخنوش: الحكومة تواصل تنزيل المشروع الاستراتيجي ميناء الداخلة الأطلسي حيث بلغت نسبة تقدم الأشغال به 42 في المائة    إطلاق سراح الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي وإخضاعه للمراقبة القضائية    تداولات بورصة البيضاء تنتهي "سلبية"    المعارضة تقدم عشرات التعديلات على مشروع قانون المالية والأغلبية تكتفي ب23 تعديلا    رسميا.. منتخب المغرب للناشئين يبلغ دور ال32 من كأس العالم    ندوة حول «التراث المادي واللامادي المغربي الأندلسي في تطوان»    مصرع شخص جراء حادثة سير بين طنجة وتطوان    أمن طنجة يُحقق في قضية دفن رضيع قرب مجمع سكني    نادية فتاح العلوي وزيرة الاقتصاد والمالية تترأس تنصيب عامل إقليم الجديدة    كرة أمم إفريقيا 2025.. لمسة مغربية خالصة    "حماية المستهلك" تطالب بضمان حقوق المرضى وشفافية سوق الأدوية    المنتخب المغربي لأقل من 17 سنة يضمن التأهل إلى الدور الموالي بالمونديال    انطلاق عملية بيع تذاكر مباراة المنتخب الوطني أمام أوغندا بملعب طنجة الكبير    المجلس الأعلى للسلطة القضائية اتخذ سنة 2024 إجراءات مؤسسية هامة لتعزيز قدرته على تتبع الأداء (تقرير)    لجنة الإشراف على عمليات انتخاب أعضاء المجلس الإداري للمكتب المغربي لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة تحدد تاريخ ومراكز التصويت    "الإسلام وما بعد الحداثة.. تفكيك القطيعة واستئناف البناء" إصدار جديد للمفكر محمد بشاري    صحة غزة: ارتفاع حصيلة شهداء الإبادة الإسرائيلية في قطاع غزة إلى 69 ألفا و179    تقرير: احتجاجات "جيل زد" لا تهدد الاستقرار السياسي ومشاريع المونديال قد تشكل خطرا على المالية العامة    تدهور خطير يهدد التعليم الجامعي بورزازات والجمعية المغربية لحقوق الإنسان تدق ناقوس الخطر    تلاميذ ثانوية الرواضي يحتجون ضد تدهور الأوضاع داخل المؤسسة والداخلية    ليلى علوي تخطف الأنظار بالقفطان المغربي في المهرجان الدولي للمؤلف بالرباط    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الثلاثاء    ألمانيا تطالب الجزائر بالعفو عن صنصال    باريس.. قاعة "الأولمبيا" تحتضن أمسية فنية بهيجة احتفاء بالذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء    82 فيلما من 31 دولة في الدورة ال22 لمهرجان مراكش الدولي للفيلم    قتيل بغارة إسرائيلية في جنوب لبنان    200 قتيل بمواجهات دامية في نيجيريا    رئيس الوزراء الاسباني يعبر عن "دهشته" من مذكرات الملك خوان كارلوس وينصح بعدم قراءتها    الإمارات ترجّح عدم المشاركة في القوة الدولية لحفظ الاستقرار في غزة    الحكومة تعلن من الرشيدية عن إطلاق نظام الدعم الخاص بالمقاولات الصغيرة جداً والصغرى والمتوسطة    برشلونة يهزم سيلتا فيغو برباعية ويقلص فارق النقاط مع الريال في الدوري الإسباني    مكتب التكوين المهني يرد بقوة على السكوري ويحمله مسؤولية تأخر المنح    إصابة حكيمي تتحول إلى مفاجأة اقتصادية لباريس سان جيرمان    الدكيك: المنتخب المغربي لكرة القدم داخل القاعة أدار أطوار المباراة أمام المنتخب السعودي على النحو المناسب    العالم يترقب "كوب 30" في البرازيل.. هل تنجح القدرة البشرية في إنقاذ الكوكب؟    لفتيت: لا توجد اختلالات تشوب توزيع الدقيق المدعم في زاكورة والعملية تتم تحت إشراف لجان محلية    ساعة من ماركة باتيك فيليب تباع لقاء 17,6 مليون دولار    دراسة تُفنّد الربط بين "الباراسيتامول" أثناء الحمل والتوحد واضطرابات الانتباه    وفاة زغلول النجار الباحث المصري في الإعجاز العلمي بالقرآن عن عمر 92 عاما    الكلمة التحليلية في زمن التوتر والاحتقان    الدار البيضاء: لقاء تواصلي لفائدة أطفال الهيموفيليا وأولياء أمورهم    وفاة "رائد أبحاث الحمض النووي" عن 97 عاما    سبتة تبدأ حملة تلقيح جديدة ضد فيروس "كورونا"    دراسة: المشي يعزز قدرة الدماغ على معالجة الأصوات    بينهم مغاربة.. منصة "نسك" تخدم 40 مليون مستخدم ومبادرة "طريق مكة" تسهّل رحلة أكثر من 300 ألف من الحجاج    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    حِينَ تُخْتَبَرُ الْفِكْرَةُ فِي مِحْرَابِ السُّلْطَةِ    أمير المؤمنين يأذن بوضع نص فتوى الزكاة رهن إشارة العموم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل العلمانية جزءٌ من الحل؟
نشر في هسبريس يوم 24 - 12 - 2011


تقديم
رفعت الجماعات والأحزاب الإسلامية منذ نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين شعارا ،ربما وقع بعض الاختلاف في صياغته،لكن مضمونه واحد : الإسلام هو الحل.وإذا كان هناك اتفاق بين جميع التيارات والجماعات والأحزاب الإسلامية حول مضمون الشعار في عموميته و إطلاقيته ،فإن التفاصيل لا تحقق أي إجماع،بل نستطيع أن نقول بداية إن في التفاصيل تكمن كثير من الشياطين وليس شيطانا مريدا واحدا.وهذه الشياطين ، لسنا ندري هل بقدرة قادر أم بشيطنتها الخارقة أم بغفلة المجتمعات الإسلامية وعدم استفادتها من كل التجارب التاريخية،لها قدرة رهيبة على قلب الطاولة كل مرة وإشعال الفتن بين أبناء الأمة الواحدة،وبين أبناء الوطن الواحد،وبين أبناء الحزب الواحد أيضا.بل من بين هذه الشياطين من يتلبس الشخص الواحد فيجعله ينقض مساء ما قاله في الصباح،وربما كفر ليلا بما نطق به لسانه مساء.
شعار الإسلام هو الحل لم يلغ وسوسة الشياطين إذا،وبقيت التفاصيل مدعاة للحروب والنزاعات والصراعات الفكرية والسياسية والإعلامية والمسلحة أحيانا حين يتوفر السلاح .ولا يعني هذا أن الخلل في الشعار،وكل الشعارات لها نصيبها من الحق والصدقية والحجية ... المشكلة كل المشكلة في التفاصيل.والمشكلة في الشياطين الثاوية بين تلا فيف التفاصيل... والمشكلة الكبرى في شياطين الإنس التي تؤمن أن وجهة نظرها هي وحدها الصائبة .. وأن مذهبها هو الصراط المستقيم ... وان إيمانها يزن السماوات والأراضين..وأنها الفرقة الناجية وما سواها على ضلال في الدنيا،وهو في الآخرة من الخاسرين.
لقد أتبتث كثير من التجارب التاريخية،في العالمين المسيحي والإسلامي على حد سواء،أن التدين ليس دائما سبيلا للعيش بأمن وسلام .بل إن الحروب كثيرا ما أشعلها أناس متدينون جدا لحد الهوس،وما الحروب الصليبية عنا ببعيد،وما حروب بوش أيضا انطلاقا من قناعاته وهلوساته الدينية إلا نموذج حاضر في الأذهان لما يمكن أن يجره التدين الخاطيء من كوارث ومصائب على شعوب بأكملها.وفي تاريخنا الإسلامي،القديم منه والحديث،كثير من التجارب المصبوغة بلون الدماء،ودائما كان أبطالها متدينين جدا،ورفعوا شعار نصرة الإسلام والعودة إلى المحجة البيضاء التي ليلها كنهارها،لكن أبى ظلام الليل في عهد هؤلاء إلا أن يمحق نور النهار ... وتواصل الليل الدامس حقبا طويلة.فهل نجرؤ على إشعال شمعة واحدة ساطعة دون أن نخشى على أعيننا ضوءها الباهر لكثرة ما عايشنا الظلام اضطرارا ؟
وهو ما يصدق على ديانات ومذاهب أخرى أيضا،إنما نكتفي بالعالمين المسيحي والإسلامي لمعرفتنا بكثير من الأحداث التاريخية الخاصة بهما،ولأن تجربة العالم المسيحي مع التدين في القديم ومع العلمانية بعد ذلك،قد يكون فيها بعض الدروس للمسلمين.وحبذا ألا يتعالى احتجاج المحتجين ورفض الرافضين .فالحق أحق أن يتبع.ولا يهم أن يكون هذا الحق تتويجا لصيرورة تاريخية في الغرب أو في الشرق،شمالا أو جنوبا.المهم أن يتبث لدى الجميع أنه حق،وإن شابه بعض الغبش،بالمقارنة مع الباطل المدلهم الذي يوفر البيئة الحاضنة للظلم والتسلط والقهر والتخلف. وقد تكون في تجارب الآخرين،مهما تكن دياناتهم ومعتقداتهم،كثير من العبر والدروس ... وكثير من الحق الذي يتوجب اتباعُه طوعا بدل أن تدفع التجارب المُرة الكثيرين لاعتناقه كرها بعد أن تسيل كثير من الدماء.
لقد آن الأوان أن نتحلى كمسلمين بكثير من الشجاعة والصراحة والوضوح لكي نتساءل حقا ،هل من سبيل لقمع كل شيطان يكمن في التفاصيل وبالتالي يؤجل لحظة انعتاق الأمة كلها من زيف الشعارات وتجدد الصراعات تحت راية الدين وباسم الدين الذي هو الإسلام،في حين يشهد الجميع أن هذا ليس من الإسلام في شيء؟ هل يملك "أهل الحل والعق" وقادة الفكر وعباقرة السياسة أن يتواضعوا كما تواضع الآخرون،ليقولوا بأن سياسة المجتمع وممارسة السلطة وسن القوانين التي تنظم المجتمع ... هي في المحصلة النهائية اجتهادات عقول وتصورات أفهام ،لا يصح ولا يعقل أن يدعي فريق أحقيته في امتلاك سلطة الاختصاص فيها وحده، لأنه الناطق باسم الفرقة الناجية وغيرُه على باطل ؟
أولا : الفرقة الناجية مقابل الفرق اللاغية
(وهذه الفرق الثلاث والسبعون التي وواحدة منها على الحق والباقي على الباطل . قد حاول بعض الناس أن يعددها ، وشعب أهل البدع إلى خمس شعب ، وجعل من كل شعبة فروعا ليصلوا إلى هذا العدد الذي عينه النبي ، صلى الله عليه وسلم ، ورأى بعض الناس أن الأولى الكف عن التعداد لأن هذه الفرق ليست وحدها التي ضلت بل قد ضل أناس ضلالا أكثر مما كانت عليه من قبل ، وحدثت بعد أن حصرت هذه الفرق باثنتين وسبعين فرقة ، وقالوا إن هذا العدد لا ينتهي ولا يمكن العلم بانتهائه إلا في آخر الزمان عند قيام الساعة ، فالأولى أن نجمل ما أجمله النبي ، صلى الله عليه وسلم ، ونقول إن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين فرقه كلها في النار إلا واحدة ، ثم نقول كل من خالف ما كان عليه النبي ، صلى الله عليه وسلم ، فهو داخل في هذه الفرق)
(ولهذا وصف الفرقة الناجية بأنها أهل السنة وهم الجمهور الأكبر والسواد الأعظم ، وأما الفرق الباقية فإنهم أهل الشذوذ والتفرق والبدع والأهواء ، ولا تبلغ من هؤلاء قريباً من مبلغ الفرقة الناجية ، فضلاً عن أن تكون بقدرها)
(وقد بين...... في رسالة تناولت هذا الموضوع: أن أهل الحديث هم الفرقة الناجية، وأورد الأدلة على ما ذهب إليه في هذا الشأن، وهنا ذكر الشيخ ..... هذه الرسالة لبيان مذهب أهل السنة، وهو المذهب الذي ورثه الصحابة عن نبيهم وورثوه لمن بعدهم.)
هذه عينة قليلة من بحر من الكتابات التي كتبت حول هذا الموضوع.ويكفي أن تكتب كلمة الفرقة الناجية على موقع جوجل لترى ذلك الكم الرهيب من المقالات والدراسات والكتب والفتاوى حول صفات ومقومات هذه الفرقة ،وحول ادعاء شيوخ من كل مذهب وطائفة أن مذهبهم أو طائفتهم هو أو هي الفرقة الناجية بعينها ولا يتصور أن يكون غيرها في هذا المقام.وهو ما يؤجج الصراعات وينكأ الجراحات ويسعر الأحقاد.فهناك متطرفون من هنا أو هناك،من هذه الطائفة أو تلك،من هذا المذهب أو ذاك،ليس لها من هدف إلا العزف على كل أوتار الخلافات والنعرات والصراعات المذهبية.أي أن وجودها الحقيقي لا يكتمل إلا بنفي الآخر والإساءة له وجعله في موقف اللاغي الذي لا كينونة له ولا حق له في الوجود.وطبعا فإن رد الفعل،بحكم القوانين الفيزيائية،يكون بنفس الشدة في الاتجاه المعاكس.
الجميع على بينة أن هذه الصراعات المتأججة على الدوام ،وادعاء كل طرف أنه الممثل وحده للحق المطلق وأن فرقته هي الناجية لا سواها وبالتالي فإن الفرق الأخرى لا غية لا وجود لها ولا حق لها في الوجود على أرض الإسلام الطاهرة ببركة الفرقة الناجية ...الجميع يعرف حجم الدمار والخراب الذي جرته هذه الأفكار الهدامة على الأمة تاريخيا وما تزال تجره إلى الآن،ومع ذلك فإن مثل هذا الخطاب يجد كثيرا من الأذان الصاغية،والأسلحة النارية... وكثيرا أيضا من الأجساد المفخخة المستعدة للانفجار في التجمعات المخالفة لقناعاتها المذهبية،وبالتالي ينتصر خيار شمشون "علي وعلى أعدائي" على طول التاريخ.إن هذا يجعلنا نتساءل حقا:هل قدرنا كمسلمين أن نعيش ونعايش هذا الصراع العبثي إلى الأبد؟
يقول الأديب البريطاني ألدوس هكسلي "إن أهم درس يمكن أن نستفيده من التاريخ هو أن البشر لا يستفيدون كثيراً من دروس التاريخ " .من المؤسف حقا أن تصدق هذه المقولة على كثير من المسلمين في تشددهم وتعصبهم لمذهبيتهم وطائفيتهم لدرجة إلغاء الأخر.والمشكل مرده إلى ذلك التماهي الذي يحدثه الفرد بين شخصه البشري المحدود الذي ينطبق عليه الخطأ والصواب،وبين الفكرة التي يعتنقها والتي يمثلها الإسلام كدين من الله وحق مطلق لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
إن شعار الإسلام هو الحل ،هذا حق لا مرية فيه.لكن الباطل الذي لا يظهر لكل من يسمع أو يقرأ أو حتى يتبنى هذا الشعار،بحسن نية أو بسوء نية،هو أن يكون الحزب أو التيار أو التوجه أو الطائفة أو المذهب ،في حس معتنقه ومتبنيه،هو الإسلام الذي هو الحل.إن قياسا من هذا النوع هو قياس باطل .خاصة حين نعلم أن أقصر الطرق إلى التطرف هي طريق تبني الدين جهلا وتنطعا.حيث يصبح سلوك الإنسان صائبا وربما مقدسا،ليس بمقاييس الخطإ والصواب،ولكن بمقاييس الانتماء لهذا المذهب أو مفارقته.وحينها يصبح كل شيء مباحا بما في ذلك استباحة حرمة الآخر وهدر دمه .إن السلوكيات الخاطئة التي تنتج عن هذا المسلك في التفكير نراها ونعايشها في كثير من المجتمعات التي تمزقها النعرات الطائفية والمذهبية كما هو الحال في باكستان والعراق...ومن حين لآخر في مجتمعات عربية وإسلامية أخرى .
هنا تصبح الحاجة ماسة إلى نوع من العلمانية،باعتبارها آلية لتدبير الخلافات الدينية والمذهبية داخل المجتمع،وبذلك قد نخرج من الدائرة المغلقة التي تحشرنا فيها التيارات المتطرفة التي تجعل من الدين ملكية خاصة لها.
بديهي أن كثيرا من المعارضين يبنون رفضهم البات والمطلق للعلمانية باعتبارها نقيضا للإسلام، أو في أحسن الأحوال باعتبارها إيمانا ببعض الكتاب وكفرا بالبعض الآخر .وهؤلاء لا يختلفون في شيء عن أولئك المتعصبين والمتطرفين الغربيين الذين لا يرون في الإسلام إلا التطرف والإرهاب .كلا الفريقين يصدر حكما مطلقا يستند فيه على تعريف خاص ووحيد يعرف به المذهب أو الدين الذي يرفضه.
فما هي العلمانية أو بالأحرى أي تعريف للعلمانية التي تصلح حلا لكثير من معضلاتنا وخلافاتنا وصراعاتنا المذهبية والدينية والطائفية في عالمنا العربي والإسلامي.؟
ثانيا : العلمانية بأي معنى كي تكون جزءا من الحل؟
نكرر فنقول إن الشعار المرفوع لحد الآن من طرف كثير من الجماعات والأحزاب الإسلامية : الإسلام هو الحل هو حق قد يرتكب به البعض باطلا،حين يقصر معنى الإسلام الحقيقي على حزبه أو على جماعته أو على مذهبه.وهو ما يشكل المدخل الأول للحروب الدينية سواء الكلامية منها أو المسلحة عند الاقتضاء.
كما أن القول بأن العلمانية ،باعتبارها فلسفة حياة ورديفا للحداثة المنفلتة من كل دين،هي الحل هو نوع من تقديس العلمانية وجعلها دينا جديدا للعباد.
هناك إذا سبيل ثالث ،لخلق نوع من التوافق بحثا عن الخروج من الدائرة المغلقة التي حشرنا فيها نتيجة نوع من الفهم للدين القائم على خلق ذلك التماهي ،الممتنع عقلا وشرعا،بين التدين باعتباره بشريا واجتهاديا وخاضعا للقصور البشري وبين الدين باعتباره رسالة الله الخالدة لكل عباده يطبقون منها بحسب استعدادهم وظروفهم وبيئتهم وثقافتهم ودرجة تطور مجتمعاتهم.
إن اللباس الذي يلبسه الإنسان يخضع لمجوعة من الضوابط والمحددات،كأن يكون ساترا لجسم الإنسان وحاميا له من البرد والحر ( وهذا من الناحية الوظيفية ).وفي نفس الوقت بأشكال وقياسات و ألوان محددة ( الجانب الجمالي ) مع مراعاة ما عليه مجموع الناس في مجتمع محدد في بيئة محددة وزمان محدد ( الجانب الثقافي) .وقد يطرح سؤال هل يفرض الإسلام شكلا معينا من اللباس يعتبر الالتزام به من الدين ؟
في رأيي المتواضع جدا،لا يمكن أن يكون هذا من التدين في شيء.لأن فرض نوع من اللباس ( شكلا ولونا ومقاسا ) يعني تنميطا لا معنى له،ولا داعي له.ويعني تضييق واسع ... بل يعني اجتثاث ثقافات بدون مبرر.ومع ذلك فقد جعل بعض الناس اللون الأبيض سنة،وجعلوا اللباس الأفغاني فرضا.ودار نقاش واسع ومفصل عن اللباس أو الزي الإسلامي،وخاصة ما تعلق بلباس المرأة التي لا يرتاح البعض إلا أن يراها تلبس زيا محددا بكل تفاصيله،لونا وشكلا ومقاسا ... ولا يتغير لا مع تغير الفصول ولا تغير الظروف والأزمان.
إن اللباس الذي كان يلبسه الرسول ص هو من جنس اللباس الذي كان يلبسه أبو جهل وأبو لهب.الأمر مرده إلى البيئة الطبيعية والتطور الحضاري والثقافة السائدة.والمسلمون الأوائل لم يفرضوا على أي بلاد وصلها الإسلام لباسا معينا،والدليل على ذلك أن لباس أهل المغرب يختلف كلية عن لباس المشارقة ويختلف عن لباس الأتراك والماليزيين.
لا يعقل أن يفرض لباس أهل الحجاز ولونه الأبيض على مسلمي القطب الشمالي أو مسلمي أمريكا ...فمثل هذا النوع من التنميط يعني سلخ الشعوب عن ثقافاتها بدون مبرر وتعريضها لخطر الانقراض أيضا.لأن لباس أهل الحجاز لن يقي غيرهم من البرد الشديد الذي يصل إلى عشرات الدرجات تحت الصفر.
هذا المثال،مع بعض التفصيل الممل المقصود،يصدق نموذجا لعشرات من الأمثلة التي من سنة الله في خلقه أن يختلفوا حولها،سواء تعلق الأمر بالشكل الظاهر أو بالجوهر الباطن أيضا .فالأصل هو الاختلاف والتباين إلى درجة التضاد أحيانا.والمطلوب أن يرسم الدين الإطار العام للعقيدة الصحيحة والعبادات المطلوبة والمبادئ العامة والكبرى من قبيل حرية الإنسان وكرامته وحقه في الحياة والعدل وباقي الحقوق التي أقرتها كل الشرائع السماوية والمذاهب الأرضية أيضا، وما سوى ذلك فهو تجارب بشرية تخضع للتطور والتغير والتطابق مع مقتضيات العصر.
هنا يكون للعلمانية ،دائما بوصفها آلية لتدبير الخلاف العقدي والفكري والمذهبي خاصة،لتضفي تلك الصفة البشرية المطلوبة على اجتهادات الإنسان أي إنسان وإخراجها من دائرة المقدس.لأن مشكلتنا في صبغ كل أتباع مذهب له بالقداسة لا لشيء سوى أنهم أتباعه ويعتقدون صواب رأيهم في كل شيء.
إن أربعة عشر قرنا من الخلافات المذهبية بنت أسوارا سميكة بين أتباع المذاهب من داخل الإسلام.وكل مذهب لا يتردد في نسب صفة الفرقة الناجية لمعتقده وأتباعه.وحين يتفقون على أن الإسلام هو الحل،فذلك هو الجزء الظاهر من جبل الثلج،أما الجزء غير الظاهر فهو الصراع والحزازات و النعرات المذهبية.
ما ضر إذا أن نحتكم لآلية قد تكون جزءا من الحل لا مواصلة للصراعات المذهبية والحزبية بشكل اشد ضراوة؟
ما ضر أن يقاطع حزب إسلامي الانتخابات باعتبار ذلك اجتهادا فكريا ( باسم العلمانية التي تكفل مثل هذا الخلاف ) وليس باعتباره موقفا شرعيا دينيا يجب الإجماع عليه وإلا فإن من قال بعكس ذلك يكون مذنبا وفي دينه خلل وفي عقيدته دخن .وكيف يمكن خلق توافق باسم الدين بين هذا الموقف وموقف حزب آخر يشارك في الانتخابات،وربما يعتبر خوضها نوعا من أنواع الجهاد،وله من النصوص ما يدعم موقفه ؟
إن وضع حد لمثل هذه الخلافات يكون بنزع القداسة عن كل اجتهاد بشري وجعله مجرد وجهة نظر من داخل الإطار العام المحدد سلفا بالإسلام .أي التعود على قبول وجهة النظر مهما كانت مخالفة وصادمة،دون أن يكون ذلك جزءا من الدين له من العصمة والقداسة ما لدين رب العباد،وهكذا بدل أن تضيق الدائرة لكي تسع فقط الفرقة الناجية،سوف تتسع أكثر فأكثر،لأن قطرها محدد بالإطار العم للإسلام بحيث يشمل كل المذاهب والطوائف والجماعات والأحزاب ... ويشمل أيضا حتى من يقولون بأن جزءا من الحل يكمن في العلمانية حين يكون توظيفها بغرض الخروج من الدائرة المذهبية الجهنمية التي كانت وما تزال سببا في حروب وصراعات لا فائدة منها.
وللحديث بقية ... وتفاصيل أخرى في مستقبل الأيام بحول الله.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.