الركراكي: مرتاح للأداء وقلق من الحظ    الشرطة تحجز آلاف الأقراص المخدرة    حموشي يقرر ترقية مفتش شرطة ممتاز    المسرحية المغربية "إكستازيا" تهيمن على جوائز الدورة 30 لمهرجان الأردن المسرحي    المنتخب المغربي يهزم موزمبيق وديا.. أوناحي يسجل أول هدف في ملعب طنجة بعد تجديده    منظمة الصحة العالمية تعترف بالمغرب بلدًا متحكمًا في التهاب الكبد الفيروسي "ب"    عبد الحميد صيام: قرار مجلس الأمن حول الصحراء حمل عدة نقاط تناقض تثير تبايناً واسعاً في قراءات أطراف النزاع    تداولات بورصة الدار البيضاء سلبية    المكتب المغربي للسياحة يستقطب المؤتمر السنوي لوكلاء السفر الهولنديين إلى المغرب    الجزائر.. إجلاء عشرات العائلات جراء حرائق غابات كبيرة غرب العاصمة    مجلس النواب يصادق على مشروع قانون المالية لسنة 2026    وفد كيني يستكشف الفرص بالصحراء    المغرب يُنتخب لولاية ثانية داخل اللجنة التنفيذية لهيئة الدستور الغذائي (الكودكس) ممثلاً لإفريقيا    إدارة مركز التوجيه والتخطيط التربوي تنشر معطيات تفصيلية حول الجدل القائم داخل المؤسسة    منتخب أقل من 17 سنة يكشف التشكيلة الرسمية لمواجهة الولايات المتحدة في مونديال قطر 2025    مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال24 ساعة الماضية    الطرق السيارة بالمغرب.. افتتاح فرع مفترق سيدي معروف بمعايير هندسية وتقنية دقيقة    أبوظبي.. ثلاثة أعمال أدبية مغربية ضمن القوائم القصيرة لجائزة "سرد الذهب 2025"    ملعب طنجة.. الصحافة الدولية تسميه "ابن بطوطة" ومطالب محلية بتثبيت الاسم رسميًا    إطلاق المرحلة الثالثة من تذاكر "الكان"    أمطار رعدية ورياح قوية بعدة مناطق    مبديع: "أنا ماشي شفار ومنطيحش ريوكي على فلوس الجماعة"    ملعب طنجة الكبير، صرح رياضي عالمي بمعايير "فيفا 2030"    وزارة الصحة تطلق حملة وطنية للكشف والتحسيس بداء السكري    فرنسا.. مقتل شقيق الناشط البيئي أمين كساسي في مرسيليا رميا بالرصاص    بطولة اسكتلندا.. شكوك حول مستقبل المدرب أونيل مع سلتيك    الصناعات الغذائية.. مسؤول حكومي: "التعاون المغربي-الإسباني رافعة للفرص أمام المصدرين المغاربة"    بوانوو: بلاغ وزارة الصحة لم يحمل أي معطى حول شبهة تضارب المصالح ولم يشرح التراخيص المؤقتة للأدوية التي يلفها الغموض التام    شَرِيدٌ وَأَعْدُو بِخُفِّ الْغَزَالَةِ فِي شَلَلِي    متابعة "ديجي فان" في حالة سراح    إحباط محاولة لاغتيال أحد كبار المسؤولين الروس    جنوب إفريقيا تحتجز 150 فلسطينيا    دراسة: ضعف الذكاء يحد من القدرة على تمييز الكلام وسط الضوضاء    شركة الإذاعة والتلفزة تسلط الضوء على تجربة القناة الرابعة في دعم المواهب الموسيقية    الحكم على سائق "إندرايف" سحل شرطيا ب11 شهرا حبسا وغرامة مالية    موقع عبري: الجالية اليهودية في المغرب تفكر في استخراج جثمان أسيدون ونقله إلى مكان آخر بسبب دعمه ل"حماس"    الملك يهنئ خالد العناني بعد انتخابه مديرا عاما لليونسكو    استفادة "تجار الأزمات" من أموال الدعم.. الحكومة تقر بوجود ثغرات وتؤكد ضرورة تصحيح اختلالات المقاصة    تصفيات مونديال 2026.. مدرب إيرلندا بعد طرد رونالدو "لا علاقة لي بالبطاقة الحمراء"    عمال راديسون الحسيمة يستأنفون احتجاجاتهم بعد فشل الحوار ويكشفون "مقترحات مجحفة" لإقصائهم    ملكية واحدة سيادة واحدة ونظامان!    رشق الرئيس السابق لاتحاد الكرة الإسباني بالبيض في حفل إطلاق كتابه    بوعلام صنصال بعد الإفراج: "أنا قوي"    استطلاع: 15% من الأسر المغربية تفضل تعليم الأولاد على الفتيات.. و30% من الأزواج يمنعون النساء من العمل    إدارة مستشفى محمد الخامس بالجديدة توضح: جهاز السكانير متوفر والخدمات الطبية مفتوحة للجميع    بأغلبية 165 صوتا.. مجلس النواب يقر الجزء الأول من مشروع قانون المالية    سعيد بعزيز: لوبي الفساد تحرك داخل البرلمان وانتصر في إدخال تعديلات لفائدة مقاولات التأمين    المركز الثقافي الصيني بالرباط يُنظّم حفل "TEA FOR HARMONY – Yaji Cultural Salon"...    مدير المخابرات الفرنسية: المغرب شريك لا غنى عنه في مواجهة الإرهاب    تحطم مقاتلة يصرع طيارين في روسيا    المسلم والإسلامي..    ثَلَاثَةُ أَطْيَافٍ مِنْ آسِفِي: إِدْمُون، سَلُومُون، أَسِيدُون    دراسة: لا صلة بين تناول الباراسيتامول خلال الحمل وإصابة الطفل بالتوحد    مرض السل تسبب بوفاة أزيد من مليون شخص العام الماضي وفقا لمنظمة الصحة العالمية    وفاة زغلول النجار الباحث المصري في الإعجاز العلمي بالقرآن عن عمر 92 عاما    بينهم مغاربة.. منصة "نسك" تخدم 40 مليون مستخدم ومبادرة "طريق مكة" تسهّل رحلة أكثر من 300 ألف من الحجاج    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    حِينَ تُخْتَبَرُ الْفِكْرَةُ فِي مِحْرَابِ السُّلْطَةِ    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



القطاع البنكي والنموذج التنموي الجديد
نشر في هسبريس يوم 20 - 10 - 2019

أكد جلالة الملك بتاريخ 13 أكتوبر 2017 بمناسبة ترؤس جلالته لافتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الثانية من الولاية التشريعية العاشرة أن: "المغاربة اليوم يحتاجون للتنمية المتوازنة والمنصفة، التي تضمن الكرامة للجميع وتوفر الدخل وفرص الشغل، وخاصة للشباب، وتساهم في الاطمئنان والاستقرار، والاندماج في الحياة المهنية والعائلية والاجتماعية، التي يطمح إليها كل مواطن"، فرغم التقدم الذي حققه المغرب إلا أن النموذج التنموي بصيغته الحالية في نظر جلالته "لم يعد قادرا" على الحد من الفوارق بين الفئات ومن التفاوتات المجالية، وعلى تحقيق العدالة الاجتماعية، وبالتالي فقد أصبح لزاما إعادة النظر فيه من أجل إرساء دعامات نموذج تنموي جديد يتجاوز جميع العراقيل التي تعيق تطور النموذج الحالي، بمعالجة مختلف نقاط الضعف والاختلالات التي أبانت عنها هذه التجربة.
ومن المعلوم أن النموذج التنموي الحالي كان يأخذ قوته من دعم الاستهلاك كأداة للنمو الاقتصادي، وظهر ذلك جليا من خلال حجم القروض الممنوحة، التي وإن حققت نتائج جيدة في سنوات قليلة فإنها سرعان ما اصطدمت بغياب مقومات الاستدامة، وهو السبب نفسه في فشل العديد من الاقتصاديات الأوروبية التي بالغت في الاعتماد على دعم الاستهلاك بإغراق الأسر في الديون التي شكلت عبئا عليها دون أن تكون أداة للتنمية.
وقد أكد البنك الدولي في تقرير له أن "المستوى المعيشي للمغاربة يعادل حاليا نظيره لدى الفرنسيين لسنة 1950 ولدى الإيطاليين في سنة 1955، والإسبان في 1960، والبرتغاليين في 1965"، كما دعا في التقرير نفسه المغرب إلى تعزيز العقد الاجتماعي، المؤسس على النهوض بمجتمع منفتح، وإعادة تركيز الدولة على مهامها السيادية، وتنمية الرأسمال البشري، وتعزيز الرأسمال الاجتماعي.
ومن هذا المنطلق يقول مؤسس البنكي الدولي، Jean-Pierre Chauffour، إن خارطة الطريق لبناء نموذج تنموي جديد بالمغرب تحاول وصف السياسة والشروط الاقتصادية من شأنها تنشيط قدرات النمو بالمغرب، لكن الأهم بنظره هو شعور كل مواطن بأنه مطالب بالمساهمة في تنمية بلاده، وجعل المؤسسات أكثر إدماجية والنهوض بتساوي الفرص الاقتصادية، فضلا عن تعزيز الثقة بين الأشخاص، والحاجة لمسار تشاوري يخول لكل الفرقاء المناقشة والتفاهم حول انتظاراتهم بالنسبة للبلاد بحلول سنة 2040.
وبات من اللازم جعل البعد المجالي ركيزة أساسا للنموذج التنموي الجديد قصد حل جل المعضلات الاجتماعية والاقتصادية والتأسيس لعدالة مجالية تكون قادرة على تحقيق استدامة النموذج الوطني في الإصلاح وفي الاستقرار، واستثمار إمكانيات كل جهة أو إقليم، وإحداث توزيع عادل للثروات، والتخفيف من ثقل تمركز إنتاج الثروات في جهة أو جهات بعينها.
كما أكد الأستاذ خالد الشرقاوي السموني أن "تشجيع الاستثمار الوطني والأجنبي والاهتمام بالفئات الهشة يمكن أن يعطي للعدالة الاجتماعية والمجالية مفهومها وبعدها ومدلولها الحقيقي العملي. فمثلا تشغيل الشباب والقضاء على العطالة لن يتحققا إلا من خلال وضع استراتيجية واضحة المعالم على مستوى كل جهة، لأن ترسيخ نظام الجهوية المتقدمة قد يمكن من بناء علاقات جديدة بين الإدارة والمواطن، مبنية على القرب والإصغاء والشفافية والجودة والسرعة في الإنجاز".
في حين يرى الأستاذ عبد اللطيف برحو أن "الهدف الأساسي من صياغة أي نموذج تنموي هو العمل على واجهتين أساسيتين: آليات إنتاج الثروة والقيمة الاقتصادية المُضافة، ثم آليات توزيع الثروة وثمار النمو الاقتصادي. وهذا ما يفترض وجود نسق système سياسي واقتصادي واجتماعي ملائم يسمح بتطور اقتصادي واضح، وباستفادة مختلف الفئات الاجتماعية والقطاعات الاقتصادية والمجالات الترابية بشكل منصف من ثمار التنمية ومن القيمة المضافة التي تنتجها الدولة".
وبناء عليه، ولأن جلالة الملك أكد خلال خطابه السامي إلى الأمة بمناسبة ذكرى ثورة الملك والشعب بتاريخ 20 غشت 2019 أن المرحلة المقبلة "مرحلة المسؤولية والإقلاع الشامل"، فإن بناء النموذج التنموي الجديد رهين بالاعتماد على المقومات والقدرات الاقتصادية، التي يمتلكها المغرب، وبمدى قدرته على تحفيز مختلف القطاعات (الفلاحة، الصناعة، الخدمات، والمهن الحرة...)، ثم الاهتمام بشكل أكبر بالاقتصاد الاجتماعي والتضامني والتشغيل والمقاولات الذاتية، التي تعد من بين الروافد الأساسية للتنمية في عدد من الاقتصاديات الصاعدة.
ووعيا من جلالة الملك بأهمية كل الفرقاء في إرساء دعامات نموذج تنموي جديد، فقد شكل الخطاب الذي ألقاه بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الرابعة من الولاية التشريعية العاشرة بتاريخ 11 أكتوبر 2019 لحظة تاريخية، ودعوة صريحة لهؤلاء لتحمل مسؤولياتهم بغية إنجاح النموذج التنموي الجديد، وركز جلالته على القطاع البنكي باعتباره المحرك الرئيس للاقتصاد الوطني من أجل تحقيق تنمية اقتصادية اجتماعية شاملة، فالمرحلة الجديدة حسب جلالته: "تبدأ من الآن، وتتطلب انخراط الجميع، بالمزيد من الثقة والتعاون، والوحدة والتعبئة واليقظة، بعيدا عن الصراعات الفارغة، وتضييع الوقت والطاقات".
فمهما بلغ صواب القرارات المتخذة، وجودة المشاريع المبرمجة، فإن تنفيذها يبقى رهينا بتوفر الموارد الكافية لتمويلها يضيف جلالة الملك.
فالمغرب اليوم يتوفر على قطاع بنكي متميز تمكن من تبوء مكانة هامة على الصعيد الإفريقي، ويساهم في دعم وصمود الاقتصاد الوطني، لكن هذا الأمر لا يجعلنا ننكر أن الانطباع السائد على هذا القطاع لدى عموم المتعاملين معه، كونه يبحث عن الربح السريع والمضمون دون اعتماد مبدأ المجازفة أحيانا، وهو ما أكده الخطاب الملكي، الذي وجه دعوة صريحة لهذا القطاع إلى المزيد من الالتزام، والانخراط الإيجابي في دينامية التنمية، التي تعيشها بلادنا، لاسيما تمويل الاستثمار، ودعم الأنشطة المنتجة والمدرة للشغل والدخل.
كما دعا جلالته الأبناك، إضافة إلى الدعم والتمويل الذي توفره للمقاولات الكبرى، لتعزيز دورها التنموي، وخاصة من خلال تبسيط وتسهيل عملية الولوج للقروض، والانفتاح أكثر على أصحاب المقاولات الذاتية، وتمويل الشركات الصغرى والمتوسطة...
وبناء على كل ما سبق، فإننا نتساءل، إلى أي حد استطاع القطاع البنكي المغربي المساهمة في التنمية الاقتصادية؟ وتمويل المقاولات الصغرى والمتوسطة؟ وما هي معيقات تمويل هذه الأخيرة؟
كل هذه التساؤلات وغيرها سنحاول الإجابة عنها من خلال تقسيم الموضوع إلى مطلبين نعالج في أولهما دور القطاع البنكي في تحقيق التنمية الاقتصادية، على أن نخصص ثانيهما للحديث عن دور هذا القطاع في تمويل المقاولات الصغرى والمتوسطة، خاتمين الموضوع بتقديم مجموعة من التوصيات.
المطلب الأول: دور القطاع البنكي في تحقيق التنمية الاقتصادية
تشكل البنوك أحد الدعامات الأساسية للنشاط الاقتصادي والمحرك الأساس له، نظرا لاتصالها الوثيق بالحياة الاقتصادية من شتى نواحيها، أضف لعلاقاتها المتصلة بالحكومات والأفراد عن طريق تقديم مختلف الخدمات للفرقاء الاقتصاديين.
فالبنوك تلعب دورا رياديا في الحياة الاقتصادية المعاصرة، لما تضطلع به من دور هام في تنشيط ودعم حركية الاقتصاد الوطني، بحيث عرفت عملياتها نموا ملموسا تجاوز حدود الوظيفة التقليدية التي كانت تنحصر في عمليات القرض، إلى توزيع الائتمان، بل غدت أداة فاعلة في تشجيع سياسة الادخار وضبط توازن السوق المالي، وخاصة في الحالة التي تعرف فيها هذه الأسواق حالة من الانكماش والتضخم.
ومعلوم أن البنوك المغربية تقود تعاملات مالية كبرى عبر أفريقيا، وتملك في الوقت الحالي شراكات وحصصا في أزيد من 20 دولة إفريقية معظمها غرب القارة، الأمر الذي يمهد لزيادة حضور استثمارات الشركات المغربية في الدول الإفريقية، على اعتبار أن هذه البنوك تعد بوابة عبور للشركات المغربية الكبيرة والمتوسطة للحصول على فرص استثمارية في الأسواق الافريقية الواعدة.
وبذلك نجحت البنوك المغربية في تحقيق ما يقرب ثلث إجمالي أرباحها من الشركات التابعة في جميع أنحاء أفريقيا.
فنجاح النموذج التنموي الجديد يمر عبر انخراط القطاع البنكي، لما لهذا الانخراط من تأثير إيجابي على التنمية الاقتصادية، حيث يمكن إبراز بعض الأهداف الأساسية التي تنبني عليها خطة هذه الأخيرة فيما يلي:
زيادة الدخل القومي.
رفع مستوى المعيشة.
تقليل التفاوت في الدخول والثروات.
تقديم التمويل اللازم للقطاعات الاقتصادية.
وغني عن البيان أنه عند طرح قضية التنمية الاقتصادية في أي مجتمع، فإن الأمر يرتبط بشكل تلقائي بطرح القضايا المتعلقة بتمويلها، من حيث الأساليب والأجهزة، وعلى وجه الخصوص الدور الذي يمكن أن تلعبه الإدارة السليمة للقطاع البنكي للاضطلاع بهذا العبء، ومدى إمكانيته في تغيير أوضاعه وسياساته بما يمكنه من التكيف مع الأوضاع المطلوبة لتنمية المجتمع، ونظرا لكون الطلب على خدمات البنوك طلبا مشتقا من حاجة التنمية الاقتصادية، فبذلك يمكن القول إنه كلما اتسعت حدود التنمية زادت الحاجة إلى وجود نظام بنكي أكثر تطورا وأوسع خدمات.
وحرصا من المشرع المغربي على ضمان الاستقرار والاستمرارية للدورة المالية والاقتصادية بما يكفل تمكين القطاع البنكي من القيام بدوره في تعبئة المدخرات وتوزيع الائتمانات بالشكل الذي يحقق التنمية الاقتصادية والاجتماعية لمختلف مكونات الاقتصاد المغربي، فإن مسلسل إصلاح المنظومة القانونية الخاصة به قد عرف تطورا مهما، فقد تجلت أولى بوادره بإحداث البنك المخزني المغربي بموجب اتفاقية الجزيرة الخضراء (الخزيرات) المبرمة في 7 أبريل 1906، والمعدل بمقتضى الظهير الشريف رقم 1.59.233 حيث صار يحمل اسم بنك المغرب، لتتوالى التشريعات والقوانين المؤطرة للقطاع البنكي وعلى رأسها الظهير الشريف رقم 1.05.38 الصادر بتنفيذ القانون رقم 76.03 الذي هو بمثابة قانون أساسي لبنك المغرب، وبتاريخ 6 يوليوز 1993 صدر الظهير الشريف رقم 1.93.147 وبتاريخ 14 فبراير 2006 صدر القانون رقم 34.03 المتعلق بمؤسسات الائتمان والهيئات المعتبرة في حكمها، والمعدل بمقتضى الظهير الشريف رقم 1.14.193 الصادر بتاريخ 24 دجنبر 2014 بتنفيذ القانون رقم 103.12 المتعلق بمؤسسات الائتمان والهيئات المعتبرة في حكمها.
وتظهر أهمية البنوك في:
المساهمة في زيادة الناتج الاجمالي.
المساهمة في إدخال وتوطين التقنيات البنكية الحديثة من الصراف الآلي والحسابات البنكية المتطورة.
جذب جزء كبير من الأموال المدخرة خارج القطاع البنكي وإدخالها في الدورة الاقتصادية.
تأمين القروض اللازمة سواء كانت قصيرة أو متوسطة أو بعيدة المدى، للعمل في القطاع الصناعي والتجاري والخدماتي، بحيث تساهم في إحداث ومواكبة مشاريع استثمارية جديدة.
المساهمة في حل معضلة البطالة.
وإذا كان هذا فيما يتعلق بدور القطاع البنكي في التنمية الاقتصادية، فهل استطاع هذا القطاع فعلا القيام بالدور المنتظر منه لتمويل المقاولات الصغرى والمتوسطة؟ وما هي المعيقات التي تواجه هذه العملية (التمويل)؟
هذه الأسئلة وغيرها سنحاول معالجتها من خلال المطلب الثاني.
المطلب الثاني: دور القطاع البنكي في تمويل المقاولات الصغرى والمتوسطة
حث جلالة الملك من خلال خطابه بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الرابعة من الولاية التشريعية العاشرة القطاع البنكي المغربي على المزيد من الالتزام والانخراط الإيجابي في دينامية التنمية التي تعيشها بلادنا، وعلى وجه الخصوص دعم الاستثمار ودعم الأنشطة المدرة للشغل والدخل، فجلالة الملك كان واضحا من خلال خطابه على أنه آن الأوان للقطاع البنكي إضافة إلى التمويل الذي يوفره للمقاولات الكبرى، إلى تعزيز دوره التنموي، وذلك من خلال تبسيط عمليات الولوج للقروض، والانفتاح على أصحاب المقاولات الذاتية، وتمويل الشركات الصغرى والمتوسطة، فتمويل هذه الأخيرة، يعد ركيزة أساسية لضمان التنمية والنمو الاقتصاديين وتحقيق الاستقرار الاجتماعي والسياسي.
غير أن تمويل الاقتصاد بصفة عامة يتوقف على تعبئة الادخار، وتأمين استغلال الموارد المعبأة، تبعا للسياسة النقدية والمالية للدولة، خاصة بالنسبة للمقاولات الصغرى والمتوسطة والتي تشكل أساس النسيج الاقتصادي المغربي والتي تعاني من مشكل الوصول إلى التمويل.
هذا، وقد تزايد الاهتمام بالمقاولات الصغرى والمتوسطة، خاصة بعد الشروع في تطبيق سياسة الخوصصة التي انتهجتها الحكومة المغربية بموجب القانون رقم 89-39، قصد عصرنة الاقتصاد المغربي عن طريق الانفتاح على الاقتصاد العالمي والمساهمة بشكل أوسع في المبادلات التجارية الدولية وتحسين النتائج الصناعية والمالية للمنشآت ومضاعفة الاستثمارات التي من شأنها خلق مناصب شغل وكفاءات جديدة، مما أدى إلى اتباع سياسة خاصة بهذه الشركات سنة 2002، أعطت لمسألة التمويل أهمية قصوى بغية إنعاش هذا الصنف من الشركات، والرفع من قدراتها التنافسية، وأيضا قصد إصلاح الخلل الذي تجلى في عدم تناسب عدد تلك المقاولات مع مساهمتها في الناتج الداخلي الخام، حيث مثلت أكثر من 95% من مجموع المقاولات، ولم تساهم إلا بأقل من 20%، في حين أنه في بعض الدول تصل المساهمة إلى أكثر من 50%.
وعليه، نجد أن موضوع تمويل المقاولات الصغرى والمتوسطة له أهمية بالغة، للعديد من الاعتبارات نوردها كالتالي:
تعد المقاولة اليوم أداة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، وأداؤها لهذه الأدوار الحيوية رهين بمدى قدرتها على التمويل، خاصة بالنسبة للمقاولات الصغرى والمتوسطة التي تعاني من هاجس ضعف الموارد الذاتية وصعوبة الوصول إلى المصادر التمويلية الخارجية.
تعمد وتحتفظ المقاولات الصغرى والمتوسطة بمستوى تشغيلها من خلال فترات الانتعاش الاقتصادي.
وتأسيسا على ما سبق، فإن تلبية المقاولات الصغرى والمتوسطة للحاجيات المتعددة للدولة والأفراد رهين بتجاوز جل الكبوات والمعيقات التي تحول دون تنميتها وتطورها.
ورغم المجهودات المبذولة من قبل القطاع البنكي ودوره الفعال في تمويل الاقتصاد، بفضل قدرته على جمع المدخرات وتوظيفها، فالملاحظ أن القروض البنكية ظلت قاصرة عن تمويل المقاولات، وذلك راجع في نظرنا إلى الإكراهات التي تواجه البنوك في تمويل المقاولات ذات الموارد الذاتية الضعيفة، والبنية المالية والمحاسبية الهشة، والضمانات الضعيفة والمنعدمة أحيانا، فالبنوك تأخذ في حسبانها المردودية واحترام القواعد الاحترازية، فالائتمان البنكي ما هو إلا نتيجة طبيعية للودائع التي تتلقاها المؤسسات البنكية من مختلف زبنائها، وعليه فإنها تتاجر في غالب الأحيان في أموال ليست لها، وإنما هي موضوعة لديها على سبيل الوديعة يمكن في أي وقت استرجاعها من أصحابها، وهو الأمر الذي قد تكون ينعس سلبا عليها، وذلك حينما يبادر المودعين على سحب ودائعهم من البنوك نتيجة ظهور بعض الصعوبات أو الأزمات المالية التي قد تعصف أو تهدد استمرارية الحياة التجارية لهذه المؤسسات، الأمر الذي يجعلها تقتصر على تمويل المقاولات المهيكلة ذات الوضعية المالية السليمة من جهة، والضمانات الكافية من جهة أخرى.
إن غياب الشفافية، وتقديم طلبات قروض غير مستوفية للشروط المطلوبة، وإخفاء الوضعية الحقيقية للمقاولة، أضف إلى ذلك ضعف تجربة بعض المقاولين، وتركيز البنوك على المردودية والضمانات ومحاولتها تجنب المخاطرة، إضافة لتشكي بعض المقاولين من عدم تقديم البنوك للاستشارات والمعلومات الضرورية، والتكلفة المرتفعة للتمويل نظرا لنسب الفائدة المرتفعة، كلها أسباب أدت إلى زعزعة الثقة بين المؤسسات البنكية والمقاولات الصغرى والمتوسطة، وأثرت على حجم التمويلات الموجهة لهذه الأخيرة، لذلك بات على القطاع البنكي الانسجام مع الدعوة الملكية الصريحة بإضفاء مرونة أكثر كقطاع مواطن، وذلك من خلال إعطاء الأولوية للضمانات المرتبطة بالمشروع الممول، مع السرعة في دراستها، ومحاولة خلق علاقة رابح رابح مع زبنائها، وذلك في انسجام تام مع المخطط الذي دعا إليه جلالة الملك، وأعطاه التوجيهات التالية:
أولا: تمكين أكبر عدد من الشباب المؤهل، حاملي المشاريع، المنتمين لمختلف الفئات الاجتماعية، من الحصول على قروض بنكية، لإطلاق مشاريعهم، وتقديم الدعم لهم، لضمان أكبر نسبة من النجاح.
ثانيا: دعم المقاولات الصغرى والمتوسطة، العاملة في مجال التصدير، وخاصة نحو إفريقيا، والاستفادة من القيمة المضافة للاقتصاد الوطني.
ثالثا: تسهيل ولوج عموم المواطنين للخدمات البنكية، والاستفادة من فرص الاندماج المهني والاقتصادي، خاصة بالنسبة للعاملين في القطاع غير المنظم.
كما دعا جلالة الملك الأبناك إلى مواصلة جهودها واستثمار التكنولوجيا الحديثة، والابتكارات المالية، وذلك بغية توسيع قاعدة المستفيدين من الخدمات البنكية والتمويلية، في جو يتسم بخدمة المصالح المتبادلة بين الطرفين، في توازن وإنصاف تامين للدفع بعجلة التنمية.
وبناء على ما سبق فإن نجاح النموذج التنموي الجديد رهين بالانخراط التام للقطاع البنكي، وتعزيز الثقة بين المقرض (البنك) والمقترض (الزبون أو المقاولة)، كما بات لزاما على المستفيدين من القروض تحمل مسؤولياتهم والوفاء بالتزاماتهم، للمساهمة في عملية التنمية.
خاتمة
إن معالجة موضوع من هذا الحجم كموضوع القطاع البنكي والنموذج التنموي الجديد ليس بالأمر الهين، نظرا لشساعة مجاله، لذلك حاولنا لمس أبرز الإشكالات التي تحيط به، لنخلص في الأخير إلى مجموعة من التوصيات نرى أنه من الواجب الأخذ بها لانخراط بناء من القطاع البنكي في إنجاح النموذج التنموي الجديد، نذكر منها:
ضرورة خلق علاقة تطبعها الثقة بين القطاع البنكي والمقاولات الصغرى والمتوسطة.
تبسيط مساطر الاستفادة من القروض بالنسبة للمقاولات الصغرى والمتوسطة، وخلق علاقة رابح-رابح بين هذه الأخيرة والقطاع البنكي.
تسقيف الحد الأقصى لنسب الفائدة المطبقة على القروض الممنوحة للمقاولات الصغرى والمتوسطة، مع اعتماد نظام المنافسة بين المؤسسات البنكية في تطبيق أسعار الفائدة على القروض تحت الحد المسقف.
اعتماد عنصر التكوين المستمر لخلق كفاءات بمقدورها تنمية كفاءة المقاولات الصغيرة والمتوسطة، وتمكينها من التقدم نحو مصاف المقاولات الكبرى المهيكلة.
تشجيع المقاولات المغربية على الاستثمار في إفريقيا، مع مواكبتها من طرف القطاع البنكي.
خلق لجان مشتركة بين الحكومة والقطاع البنكي والاتحاد العام لمقاولات المغرب وبعض الكفاءات والخبرات الوطنية، قصد تتبع عمليات تمويل المقاولات الصغرى والمتوسطة، وتقديم الاستشارات والإرشادات التي من شأنها أن تساهم في تطويرها ووقايتها من الأزمات.
ضبط المقاولات الصغرى والمتوسطة لمحاسبتها بشكل دقيق-ووفق المقتضيات القانونية الجاري بها العمل-يكشف المعطيات الحقيقية لوضعيتها المالية، قصد تشجيع البنوك على منحها القروض المطلوبة.
خلق شراكات بين الشركات الكبرى والمقاولات الصغرى والمتوسطة، بشكل يسهم في استفادة هذه الأخيرة من التجربة والمعاملات، وتشجيع البنوك على تمويلها.
ضرورة مواكبة المقاولات الصغرى والمتوسطة لمختلف التطورات التكنولوجية ومعايير ومتطلبات إدارة الجودة الشاملة الهادفة إلى تحسين وتطوير أدائها بصفة مستمرة والرفع من إنتاجيتها بتكاليف أقل والتأقلم مع الشروط التي تفرضها آليات وميكانزمات السوق.
إن معاناة الشركات والمقاولات الوطنية من تأخير الحصول على مستحقاتها وديونها على الدولة يؤدي إلى عدم قدرتها على الوفاء بالتزاماتها المالية اتجاه الأبناك المدينة، الأمر الذي يستوجب انخراط الحكومة لتقليص آجال الوفاء بهذه الديون.
وضع تدابير حمائية واضحة وشفافة وقانونية ضد الاستيراد غير المشروع المتمثل في إغراق السوق المغربية بشكل مبالغ فيه بالسلع والبضائع الأمر الذي يهدد بإلحاق الضرر بالإنتاج الوطني.
إعطاء الأولوية للشركات والمقاولات الوطنية وخاصة الصغرى والمتوسطة والصغيرة جدا في المشاريع العمومية حسب نوعية وحجم الصفقات.
وضع نظام خاص بهدف التوزيع العادل والشفاف للمشاريع العمومية على الشركات والمقاولات الوطنية بكل أشكالها بعيدا عن نظام المناقصات غير العادل المعمول به اليوم في ظل المنافسة القوية من قبل الشركات الأجنبية التي لها حق المشاركة والتي تجعل مقاولاتنا الوطنية غير قادرة بل وعاجزة أحيانا على مواجهة قوة منافستها، بما لها من قدرات مالية واستثمارية ضخمة.
*باحث في قانون الأعمال


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.