الطالبي العلمي يكشف حصيلة السنة التشريعية    ميزانية مجلس النواب لسنة 2026: كلفة النائب تتجاوز 1.59 مليون درهم سنوياً    بنكيران: النظام الملكي في المغرب هو الأفضل في العالم العربي    تقرير: سباق تطوير الذكاء الاصطناعي في 2025 يصطدم بغياب "مقياس ذكاء" موثوق    لماذا تصرّ قناة الجزيرة القطرية على الإساءة إلى المغرب رغم اعتراف العالم بوحدته الترابية؟    بطولة ألمانيا لكرة القدم.. فريق أونيون برلين يتعادل مع بايرن ميونيخ (2-2)    كوريا الشمالية تتوج ب"مونديال الناشئات"    البطولة: النادي المكناسي يرتقي إلى المركز الخامس بانتصاره على اتحاد يعقوب المنصور    مدرب مارسيليا: أكرد قد يغيب عن "الكان"    موقف حازم من برلمان باراغواي: الأمم المتحدة أنصفت المغرب ومبادرته للحكم الذاتي هي الحل الواقعي الوحيد    نبيل باها: "قادرون على تقديم أداء أفضل من المباراتين السابقتين"    عائلة سيون أسيدون تقرر جنازة عائلية وتدعو إلى احترام خصوصية التشييع    ألعاب التضامن الإسلامي (الرياض 2025).. البطلة المغربية سمية إيراوي تحرز الميدالية البرونزية في الجيدو وزن أقل من 52 كلغ    طنجة.. وفاة شاب صدمته سيارة على محج محمد السادس والسائق يلوذ بالفرار    "جيل زد" توجه نداء لجمع الأدلة حول "أحداث القليعة" لكشف الحقيقة    بحضور الوالي التازي والوزير زيدان.. حفل تسليم السلط بين المرزوقي والخلفاوي    الدار البيضاء: لقاء تواصلي لفائدة أطفال الهيموفيليا وأولياء أمورهم    إسبانيا تشارك في المعرض الدولي لكتاب الطفل والشباب بالدار البيضاء    خلاف بين وزارة الإدماج ومكتب التكوين المهني حول مسؤولية تأخر منح المتدربين    طنجة.. الدرك البيئي يحجز نحو طن من أحشاء الأبقار غير الصالحة للاستهلاك    الرباط وتل أبيب تبحثان استئناف الرحلات الجوية المباشرة بعد توقف دام عاماً    "يونيسيف" ضيفا للشرف.. بنسعيد يفتتح المعرض الدولي لكتاب الطفل والشباب    "أونسا" يؤكد سلامة زيت الزيتون    بيليم.. بنعلي تقدم النسخة الثالثة للمساهمة المحددة وطنيا وتدعو إلى ميثاق جديد للثقة المناخية    شبهة الابتزاز والرشوة توقف مفتش شرطة عن العمل بأولاد تايمة    لقاء تشاوري بعمالة المضيق-الفنيدق حول إعداد الجيل الجديد من برنامج التنمية الترابية المندمجة    مخاوف برلمانية من شيخوخة سكانية بعد تراجع معدل الخصوبة بالمغرب    تعليق الرحلات الجوية بمطار الشريف الإدريسي بالحسيمة بسبب تدريبات عسكرية    توقعات أحوال الطقس اليوم السبت    الداخلة ترسي دعائم قطب نموذجي في الصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي    مهرجان الدوحة السينمائي يعرض إبداعات المواهب المحلية في برنامج "صُنع في قطر" من خلال عشر قصص آسرة    بعد السرقة المثيرة.. متحف اللوفر يعلن تشديد الإجراءات الأمنية    تتويج مغربي في اختتام المسابقة الدولية للصيد السياحي والرياضي بالداخلة    دكاترة متضررون من تأخير نتائج مباراة توظيف أساتذة التعليم العالي يطالبون بالإفراج عن نتائج مباراة توظيف عمرت لأربع سنوات    تشريح أسيدون يرجح "فرضية السقوط"    تدشين المعهد المتخصص في فنون الصناعة التقليدية بالداخلة تعزيزاً للموارد البشرية وتنمية القطاع الحرفي    قطاع غزة يستقبل جثامين فلسطينيين    فضيحة كروية في تركيا.. إيقاف 17 حكما متهما بالمراهنة    السلطة تتهم المئات ب"جريمة الخيانة" في تنزانيا    وفاة "رائد أبحاث الحمض النووي" عن 97 عاما    كاتبة الدولة الإسبانية المكلفة بالهجرة: المبادرة الأطلسية التي أطلقها الملك محمد السادس تشكل نموذجا للتنمية المشتركة والتضامن البين إفريقي    حمد الله يواصل برنامجا تأهيليا خاصا    العرائش.. البنية الفندقية تتعزز بإطلاق مشروع فندق فاخر "ريكسوس لكسوس" باستثمار ضخم يفوق 100 مليار سنتيم    "صوت الرمل" يكرس مغربية الصحراء ويخلد "خمسينية المسيرة الخضراء"    اتصالات المغرب تفعل شبكة الجيل الخامس.. رافعة أساسية للتحول الرقمي    الأحمر يوشح تداولات بورصة الدار البيضاء    سبتة تبدأ حملة تلقيح جديدة ضد فيروس "كورونا"    عيد الوحدة والمسيرة الخضراء… حين نادت الصحراء فلبّينا النداء    فرحة كبيرة لأسامة رمزي وزوجته أميرة بعد قدوم طفلتهما الأولى    دراسة: المشي يعزز قدرة الدماغ على معالجة الأصوات    الوجبات السائلة .. عناصر غذائية وعيوب حاضرة    أشرف حكيمي.. بين عين الحسد وضريبة النجاح    انطلاق فعاليات معرض الشارقة للكتاب    بينهم مغاربة.. منصة "نسك" تخدم 40 مليون مستخدم ومبادرة "طريق مكة" تسهّل رحلة أكثر من 300 ألف من الحجاج    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    حِينَ تُخْتَبَرُ الْفِكْرَةُ فِي مِحْرَابِ السُّلْطَةِ    أمير المؤمنين يأذن بوضع نص فتوى الزكاة رهن إشارة العموم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قراءة في مشروع قانون المالية لسنة 2020
نشر في هسبريس يوم 15 - 11 - 2019

عرف القانون التنظيمي للمالية رقم 130.13 قانون المالية في مادته الأولى بأنه: "يحدد قانون المالية، بالنسبة إلى كل سنة مالية، طبيعة ومبلغ وتخصيص مجموع موارد وتكاليف الدولة وكذا التوازن الميزانياتي والمالي الناتج عنها. وتراعى في ذلك الظرفية الاقتصادية والاجتماعية عند إعداد قانون المالية وكذا أهداف ونتائج البرامج التي حددها هذا القانون". هذا بالإضافة إلى المادة الثانية من القانون التنظيمي نفسه والتي جاء فيها بأنه: "يراد في مدلول هذا القانون التنظيمي بقانون المالية: قانون المالية للسنة؛ قوانين المالية المعدلة؛ وقانون التصفية المتعلق بتنفيذ قانون المالية". كما أنه يتوقع قانون المالية للسنة، لكل سنة مالية، مجموع موارد وتكاليف الدولة، ويقيمها وينص عليها ويأذن بها، وذلك استنادا إلى البرمجة الميزانياتية، وتبتدئ السنة المالية في فاتح يناير وتنتهي في 31 دجنبر من السنة نفسها.
وتعد مرحلة عرض مشروع قانون المالية السنوي بالمغرب أمام أنظار البرلمان بغرفتيه، محطة مهمة لتبين الوضعية الاقتصادية المالية للمغرب، كما أنه فرصة لمعرفة آفاق النمو الاقتصادي والإكراهات المالية الموجودة والمحتملة، خصوصا وأن السياق اقتصادي الذي طرح فيه هذا المشروع المالي، يأتي في ظل تعديل وزاري عرف تقليص عدد الوزراء إلى 23 وزيرا، وهو عدد أقل من التشكيل السابق، لكن وزيري المالية والخارجية احتفظا بمنصبيهما. في حين عرف دمج مجموعة من الوزارات كما هو الحال بالنسبة لوزارة الاقتصاد والمالية التي استبدلت تسميتها لتصبح "وزارة الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة".
ويرتكز مشروع قانون المالية رقم 70.19 للسنة المالية 2020 على مجموعة نقط مهمة تعتبر في مجملها ترقيعية للحالة الاقتصادية والمالية، في اتجاه استرجاع التوازنات المالية العمومية واستعادة التوازنات الماكرو-اقتصادية، كما أن هذا المشروع يستند على تعزيز تنافسية الاقتصاد الوطني، عبر مواصلة دعم الطلب وتشجيع العرض عبر تحفيز التصنيع وانعاش الاستثمار الخاص، ودعم المقاولة وتسريع المخططات القطاعية، وتوفير فرص الشغل اللائق، وتأهيل الرأسمال البشري، بحيث يتوقع من هذا المشروع المالي السنوي أن يسجل نمو الاقتصاد الوطني ارتفاعا بنسبة 3.7% ومعدل عجز الميزانية يقدر ب3,5% سنة 2020. كما أن هذا المشروع يأتي في سياق الدعوة الملكية إلى ضرورة بلورة نموذج تنموي جديد عنوانه الرئيسي هو خدمة المواطن والمسؤولية والإقلاع الشامل على شتى المستويات والأصعدة. فما هي الإجراءات الجديدة التي جاء بها مشروع قانون المالية لسنة 2020؟ وهل هذه الإجراءات قادرة على الرفع من الموارد المالية للدولة، وتنمية الاقتصاد الوطني وتحقيق ذلك النموذج التنموي الجديد المنشود؟ أم أنها تبقى فقط إجراءات ترقيعية كما هو حال سابقاتها؟
أولا: موارد ونفقات مشروع قانون المالية لسنة 2020
يأتي إعداد مشروع قانون المالية لسنة 2020 في سياق يتميز بتباطؤ وثيرة النمو الاقتصادي العالمي، الذي من المتوقع أن يتراجع من 3,6% سنة 2018 إلى 3,2% سنة 2019. ويرجع ذلك إلى تصاعد التوترات التجارية بين كبريات القوى الاقتصادية العالمية، واستمرار تداعيات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، والتوترات الجيوسياسية المتصاعدة وتأثيراتها على أسعار الطاقة، فضلا عن تراجع الاستثمار والطلب على السلع الاستهلاكية على مستوى الاقتصادات المتقدمة والأسواق الصاعدة.
كما يندرج مشروع قانون المالية لسنة 2020 في سياق وطني واعد يتسم أساسا بمواصلة جهود استعادة التحكم في التوازنات الماكرو-اقتصادية، فبالاستناد إلى الظرفية الوطنية والدولية، وأخذا بعين الاعتبار فرضيات سعر غاز البوتان بمعدل 350 دولارا للطن، ومحصول زراعي متوسط في حدود 70 مليون قنطار، يروم مشروع قانون المالية لسنة 2020 تحقيق نمو للاقتصاد الوطني في حدود 3,7%، مع توقع استمرار دينامية القطاعات غير الفلاحية بتسجيل تطور للقيمة المضافة ب3,6% مقابل 3,3% سنة 2019 و2,6% سنة 2018.
وفي ما يخص الجزء المتعلق بميزانية الدولة، فيقدر المبلغ الإجمالي للموارد ب 242.889.345.000 درهم برسم سنة 2019، و248.884.681.000 درهم سنة 2020، أي بزيادة قدرها 2,47% دون احتساب الموارد المتعلقة بالتسديدات والتخفيضات والإرجاعات الضريبية. أما نفقات الميزانية العامة للدولة المتعلقة بنفقات التسيير بمناسبة سنة 2020 فستمثل ما مجموعه 213.427.023.000 مقابل 205.084.566.000 درهم برسم سنة 2019 أي بزيادة قدرها 4,07%، ونفقات الموظفين التي ستبلغ برسم سنة 2020 ما يناهز 119.675.013.000 مقابل 112.159.310.000 درهم برسم سنة 2019 أي بزيادة قدرها 6,7%، أما في ما يتعلق بنفقات المعدات والنفقات المختلفة فتصل إلى ما قدره 48.291.631.00 درهم سنة 2020 مقابل 45.130.114.000 درهم خلال سنة 2019 أي بزيادة قدرها 7,01%، أما التحملات المشتركة-التسيير فستبلغ سنة 2020 ما قدره 24.651.211.000 درهم مقابل 44.095.142.000 درهم برسم سنة 2019 أي بانخفاض قدره 19.443.931.000 درهم بنسبة تقدر ب44,1%، هذه الاعتمادات تخصص أساسا لتغطية الإعانات المرصدة لدعم أسعار المواد الأساسية مما يدعو إلى التساؤل حول كيفية تدبير هذه الموارد المالية المهمة، وهل فعلا هذه النسبة تخصص فعلا للدعم أم لشيء آخر؟، الشق الثاني متعلق بنفقات الاستثمار والتي ستبلغ سنة 2020 78.21 مليار درهم أي بزيادة قدرها 6,59 %عن سنة 2019، زيادة على ذلك، نجد النفقات المتعلقة بفوائد وعمولات الدين العمومي والتي ستبلغ سنة 2020 ما يناهز 29.023.019.000 درهم بزيادة قدرها 3,54% عن سنة 2019، بينما من المتوقع أن تبلغ نفقات مرافق الدولة المسيرة بصورة مستقلة برسم سنة 2020 ما مجموعه 2.236.914.000 موزعة على كل من نفقات الاستغلال والاستثمار. أما في ما يتعلق بنفقات الحسابات الخصوصية للخزينة، فمن المتوقع أن تبلغ سقف تحملات سيبلغ 90.019.671.000 درهم برسم سنة 2020، أي بتغير يناهز 6,66% مقارنة مع سنة 2016. وفي ما يخص النفقات المتعلقة باستهلاكات الدين العمومي المتوسط والطويل الأجل، فقد يبلغ سنة 2020 ما قدره 67.512.204.000 درهم، مقابل 39.213.200.000 درهم مقارنة مع سنة 2019 أي بزيادة قدرها 72,17%.
وفي الشق المتعلق بموارد ميزانية الدولة، من المتوقع أن يبلغ مجموع هذه الموارد العادية للميزانية العامة برسم سنة 2020 ما قدره 248.884.681.000 درهم، مقابل 242.889.345.000 سنة 2019، أي بزيادة قدرها 2,47%، وتشمل هذه الموارد كل من الضرائب المباشرة وغير المباشرة، والرسوم المماثلة، والرسوم الجمركية، ورسوم التسجيل والتمبر، وعائدات أملاك الدولة، وحصيلة مؤسسات الاحتكار والاستغلالات والمساهمات المالية للدولة، وموارد الهبات والوصايا، وحصيلة تفويت مساهمات الدولة، وباقي الموارد المختلفة، حيث تحتل الضرائب المباشرة المرتبة الأولى في موارد ميزانية الدولة، تليها الضرائب غير المباشرة، ثم رسوم التسجيل والتمبر، ثم عائدات مؤسسات الاحتكار، ثم الرسوم الجمركية، ثم الهبات.
وحسب مشروع قانون المالية لسنة 2019، ستبلغ حصيلة الضريبة على الدخل ما قدره 46.181.117.000 درهم وبزيادة نسبتها 3,54% عن سنة 2019، أما الضريبة على الشركات فستبلغ حصيلتها سنة 2020 ما يناهز 53.035.756.000 درهم بزيادة قدرها 2.07% عن سنة 2019، أما الضريبة على القيمة المضافة المحصلة من طرف المديرية العامة للضرائب فستبلغ حصيلتها 23.008.136.000 درهم سنة 2020 بزيادة قدرها 14.85% عن سنة 2019، أما تلك المحصلة من طرف المصالح التابعة لإدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة فستبلغ ما مجموعه 41.908.510.000 درهم بزيادة قدرها 3.03% عن سنة 2019.
ثانيا: المادة 9 من مشروع قانون المالية لسنة 2020
لا بد من الإشارة في البداية إلى كون المتمعن في سطور هذا المشروع المالي لسنة 2020، يدفعه إلى القول بأنه يخلو من مجموعة من الإجراءات والتوجهات التي كان على المشرع تضمينها والتنصيص عليها، سواء في باب تقريب وإصلاح العلاقة ما بين الدولة والمواطن والتي مازالت لم تصل إلى المستوى المطلوب خصوصا وأن وجود المادة 9 في مشروع القانون المالي والتصويت عليها أخيرا من طرف لجنة المالية والتنمية الاقتصادية بمجلس النواب سيزيد من تعقيد الوضعية والعلاقة بين الدولة والمواطن، إذ نصت هذه المادة على أنه: "يتعين على الدائنين الحاملين لسندات أو أحكام قضائية تنفيذية نهائية ضد الدولة ألا يطالبوا بالأداء إلا أمام مصالح الآمر بالصرف للإدارة العمومية، في حالة صدور قرار قضائي نهائي اكتسب قوة الشيء المقضي به، يدين الدولة بأداء مبلغ معين، يتعين الأمر بصرفه داخل أجل أقصاه ستون (60) يوما ابتداء من تاريخ تبليغ القرار القضائي السالف ذكره في حدود الاعتمادات المالية المفتوحة بالميزانية، يتعين على الآمرين بالصرف إدراج الاعتمادات اللازمة لتنفيذ الأحكام القضائية في حدود الإمكانات المتاحة بميزانياتهم، وإذا أدرجت النفقة في اعتمادات تبين أنها غير كافية، يتم عندئذ تنفيذ الحكم القضائي عبر الأمر بصرف المبلغ المعين في حدود الاعتمادات المتوفرة بالميزانية، على أن يقوم الآمر بالصرف باتخاذ كل التدابير الضرورية لتوفير الاعتمادات اللازمة لأداء المبلغ في ميزانيات السنوات اللاحقة، غير أنه لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تخضع أموال وممتلكات الدولة للحجز لهذه الغاية"، الأمر الذي يشكل معه عبثا قانونيا بينا وواضح المعالم، وخرقا لمبدأ سمو القرارات والأحكام الصادرة عن القضاء، وهو ضرب صريح للمبادئ التي تؤطر دولة الحق والقانون ولنص الفصل 126 من الدستور الذي ينص على أن: "الأحكام النهائية الصادرة عن القضاء ملزمة للجميع. يجب على السلطات العمومية تقديم المساعدة اللازمة أثناء المحاكمة، إذا صدر الأمر إليها بذلك، ويجب عليها المساعدة على تنفيذ الأحكام".
زيادة على كون هذه المادة تعد أيضا نقيضا لمجموعة من الخطابات الملكية الداعية إلى تنفيذ الأحكام كما جاء في الخطاب الذي وجهه الملك محمد السادس بمناسبة الذكرى ال56 لثورة الملك والشعب: "وهذا ما يقتضي تبسيط وشفافية المساطر، والرفع من جودة الأحكام، والخدمات القضائية، وتسهيل ولوج المتقاضين إلى المحاكم، وتسريع وتيرة معالجة الملفات، وتنفيذ الأحكام"، وأيضا الخطاب الملكي بمناسبة افتتاح البرلمان في دورة أكتوبر 2016، الذي جاء فيه: "المواطن يشتكي بكثرة، من طول وتعقيد المساطر القضائية، ومن عدم تنفيذ الأحكام، وخاصة في مواجهة الإدارة، فمن غير المفهوم أن تسلب الإدارة للمواطن حقوقه، وهي التي يجب أن تصونها وتدافع عنها، وكيف لمسؤول أن يعرقل حصوله عليها وقد صدر بشأنها حكم قضائي نهائي؟". وبالتالي فهذه المادة مخالفة تماما لتوجهات وخطب الملك التي شدد فيها على مسألة تنفيذ الأحكام القضائية النهائية ضد الإدارة.
ثالثا: المستجدات الضريبية في مشروع قانون مالية 2019
لا بد من الإشارة إلى أن الموارد المالية المتأتية عن طريق الضريبة تعد موردا رئيسيا وأساسيا لخزينة الدولة، كونها تهدف لتنفيذ السياسة المالية المختلفة للدولة، كما أن لها أهدافا اقتصادية، اجتماعية وسياسية تسعى إلى بلوغها وتحقيقها. وقد عرفت الضريبة بالمغرب تحولات وإصلاحات كبيرة سعت إلى تبسيطها وتسهيلها في وجه الملزمين من أجل تحقيق العدالة الضريبية في النظام الضريبي المغربي.
فمشروع قانون المالية لسنة 2020 جاء بالعديد من المستجدات في الميدان الجبائي، أهمها ما يتعلق بآلية فحص محاسبة الملزمين، حيث تم تضمين المادة 212 من المدونة العامة للضرائب المقتضى الجديد الذي ينص على أنه: "يتعين على الإدارة قبل تبليغ التصحيحات المنصوص عليها في المادتين 220 و221، أن تدعو الخاضع للضريبة داخل أجل ثلاثين يوما الموالية لتاريخ اختتام فحص المحاسبة إلى محاورة شفوية وتواجهية بشأن التصحيحات التي يعتزم المفتش إدخالها على الإقرار الجبائي. وتأخذ الإدارة بعين الاعتبار الملاحظات التي أدلى بها الخاضع للضريبة خلال المحاورة المذكورة، إذا اعتبرت أنها تستند إلى أساس صحيح". وما ينبغي الإشارة إليه في هذا الإطار هو أنه تبقى للإدارة سلطة تقديرية في الأخذ بملاحظات الملزم وتبقى المحاورة "شفهية" وفي هذا الاختيار أسبقية للإدارة، لأنه لا يوجد كتابيا ما يلزمها ويمكن الاستناد إليه (محضر كتابي تسجل فيه ملاحظات الملزم والمنطق التي تم الاتفاق عليها)، كما أنه لا يوجد ما يلزم الإدارة الأخذ بملاحظات الملزم، فعبارة "تأخذ بعين الاعتبار" تجعل الإدارة المتحكم في المسطرة التواجهية، ولها أن تأخذ بالملاحظات التي ترى أنها مناسبة وتدفع برفض تلك التي تقدر أنها لا تناسبه.
في ما يخص الضريبة على الشركات، بالنسبة لسعر الضريبة على الشركات، فقد تم الرجوع إلى السعر الذي كان مطبقا في سنة 2019 أي 20% بالنسبة إلى الشركات التي يساوي مبلغ ربحها الصافي من 300 001 إلى 1 000 000 عوض 17,50%، كما أنه يحدد في 20% السعر المطبق على الشريحة التي يفوق فيها المبلغ الربح الصافي 1.000.000 درهم بالنسبة للمنشآت المنصوص عليها في المادة 6 دال من المدونة العامة للضرائب. ويخفض سعر الجدول من 31% إلى 28% بالنسبة للشركات التي تزاول نشاطا صناعيا، باستثناء تلك التي يساوي أو يفوق ربحها الصافي مائة مليون درهم. وبسعر 37% في ما يخص مؤسسات الائتمان والهيئات المعتبرة في حكمها وبنك المغرب وصندوق الإيداع والتدبير ومقاولات التأمين وإعادة التأمين. وفي ما يتعلق بنسبة السعر النوعي للضريبة على الشركات المتمثلة في 15% فقد تم تحديدها بالنسبة للمنشآت التي تزاول نشاطها في مناطق التسريع الصناعي بعد مدة الخمس سنوات المحاسبية المعفاة، أما شركات الخدمات المكتسبة لصفة القطب المالي للدار البيضاء، فبعد مدة الخمس سنوات المحاسبية المعفاة.
زيادة على أن مشروع قانون مالية 2010 رقم 70.19، تضمن مجموعة من الإجراءات المرتبطة بإنجاح ورش الجهوية المتقدمة، إلا أنه ولحد الساعة ورغم مرور مجموعة من قوانين المالية انطلاقا من سنة 2013 إلى سنة 2020، لم يتم التنصيص على ضرورة إصلاح النظام الجبائي المحلي وإنما التنصيص على توضيح، هذا الأخير الذي يشكل أداة مهمة في تمويل خزينة الجماعات الترابية، ويشكل نقطة أساسية من أجل إنجاح الجهوية المتقدمة، فعلى الرغم من أن من بين توصيات المناظرة الوطنية الثالثة حول الجبايات في باب "مراجعة شاملة للجبايات المحلية" تضمنت اقتراحين يصبان في خانة استبدال الرسوم المحلية المحتسبة على أساس القيمة الكرائية وكذا الرسم على الأراضي غير المبنية برسم عقاري محلي يحتسب على أساس القيمة التجارية، وخلق جبايات خاصة بحماية البيئة وتخصيص عائداتها للتنمية الجهوية، إلا أن هذه النقط لا يمكنها أن تشكل أساسا للإصلاح الشامل للمنظومة الجبائية المحلية، الأمر الذي ندعو معه الفاعل الحكومي إلى الإسراع بإصلاح نظام جبايات الجماعات الترابية المؤطر بالقانون رقم 47.06 الذي أبان عن محدوديته وضعف موارده، الأمر الذي يشكل عقبة أمام إنجاح الجهوية المتقدمة وأيضا نقطة ضعف أمام إنجاح النموذج التنموي الجديد المنشود. فرغم التنصيص على مجموعة من التوصيات الصادرة عن المناظرة الوطنية الثالثة حول الجبايات، إلا أن مجموعة كبيرة من توصيات المناظرة الوطنية الثانية للجبايات لسنة 2013 لم تفعل لحد الساعة رغم مرور ست سنوات على انعقادها، وهو الأمر الذي يدفعنا إلى القول ما جدوى عقد ندوة وطنية ثالثة بوسائل لوجيستيكية وموارد مالية كبيرة إن لم نفرغ توصياتها ونفعلها على أرض الواقع، وهو ما يستوجب ويتطلب خلق لجان لمتابعة وتقييم تفعيل توصيات أي مناظرة أو سياسة تهم قطاعا من القطاعات.
في الأخير، وجب التأكيد على أن مشروع القانون المتعلق بقانون المالية لسنة 2020، لم يخرج عن السياق العام لسابقيه، إذ تميز كما هو الحال لباقي القوانين المتعلقة بقانون المالية بغياب الجرأة في أجرأة ما وعدت به الحكومة سابقا في ما يتعلق بتنزيل الإصلاحات الضريبية على أرض الواقع، ما يؤشر على أن الإصلاحات الضريبية التي لطالما وعدت الحكومة بتطبيقها بقيت حبرا على ورق من ناحية التطبيق الواقعي والتدريجي في قوانين المالية، ولم ترق إلى التطلعات المنشودة من طرف الباحثين والمهتمين بالمجال المالي والضريبي في بلادنا.
*باحث في العلوم السياسية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.