الدمناتي: مسيرة FDT بطنجة ناجحة والاتحاد الاشتراكي سيظل دائما في صفوف النضال مدافعا عن حقوق الشغيلة    تيزنيت: الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب ينظم تظاهرته بمناسبة فاتح ماي 2025 ( صور )    عندما يهاجم بنكيران الشعب.. هل زلّ لسانه أم كشف ما في داخله؟    وزراء خارجية "البريكس" وشركاؤهم يجتمعون في ريو دي جانيرو    كأس إفريقيا لأقل من 20 سنة.. المنتخب المغربي يدشن مشاركته بفوز صعب على كينيا    في عيد الشغل.. أمين عام حزب سياسي يتهم نقابات بالبيع والشراء مع الحكومة    صادرات الفوسفاط بقيمة 20,3 مليار درهم عند متم مارس 2025    تنفيذ قانون المالية لسنة 2025.. فائض خزينة بقيمة 5,9 مليار درهم عند متم مارس    "كان" الشباب: المنتخب المغربي ينتصر على كينيا ويشارك الصدارة مع نيجيريا قبل المباراة المرتقبة بينهما    أمطار طوفانية تغمر زاكورة.. وسيول كادت تودي بأرواح لولا تدخل المواطنين    الشرطة الإسبانية تعتقل زوجين بسبب احتجاز أطفالهما في المنزل ومنعهم من الدراسة    كلية الناظور تحتضن ندوة وطنية حول موضوع الصحة النفسية لدى الشباب    القهوة تساعد كبار السن في الحفاظ على قوة عضلاتهم (دراسة)    فرنسا.. ضبط 9 أطنان من الحشيش بعد سطو مسلح على شاحنة مغربية قرب ليون (فيديو)    فوائد القهوة لكبار السن.. دراسة تكشف علاقتها بصحة العضلات والوقاية من السقوط    نشرة إنذارية: زخات رعدية وهبات رياح قوية مرتقبة بعدد من أقاليم المملكة    كرة القدم.. برشلونة يعلن غياب مدافعه كوندي بسبب الإصابة    توقيف لص من ذوي السوابق لانتشاله القبعات بشوارع طنجة    لماذا أصبحت BYD حديث كل المغاربة؟    عمر هلال يبرز بمانيلا المبادرات الملكية الاستراتيجية لفائدة البلدان النامية    موخاريق: الحكومة مسؤولة عن غلاء الأسعار .. ونرفض "قانون الإضراب"    رحيل أكبر معمرة في العالم.. الراهبة البرازيلية إينا كانابارو لوكاس توفيت عن 116 عاما    المركزيات النقابية تحتفي بعيد الشغل    "تكريم لامرأة شجاعة".. ماحي بينبين يروي المسار الاستثنائي لوالدته في روايته الأخيرة    باحثة إسرائيلية تكتب: لايجب أن نلوم الألمان على صمتهم على الهلوكوست.. نحن أيضا نقف متفرجين على الإبادة في غزة    اتحاد إنجلترا يبعد "التحول الجنسي" عن كرة القدم النسائية    المغرب يجذب استثمارات أجنبية مباشرة بقيمة 9.16 مليار درهم في ثلاثة أشهر    تقرير: المغرب بين ثلاثي الصدارة الإفريقية في مكافحة التهريب.. ورتبته 53 عالميا    الحكومة تطلق خطة وطنية لمحاربة تلف الخضر والفواكه بعد الجني    تراجع طفيف تشهده أسعار المحروقات بالمغرب    أمل تيزنيت يرد على اتهامات الرشاد البرنوصي: "بلاغات مشبوهة وسيناريوهات خيالية"    المملكة المتحدة.. الإشادة بالتزام المغرب لفائدة الاستقرار والتنمية في منطقة الساحل خلال نقاش بتشاتام هاوس    معرض باريس.. تدشين جناح المغرب، ضيف شرف دورة 2025    عادل سايح: روح الفريق هل التي حسمت النتيجة في النهاية    العثور على جثة مهاجر جزائري قضى غرقاً أثناء محاولته العبور إلى سبتة    تسارع نمو القروض البنكية ب3,9 في المائة في مارس وفق نشرة الإحصائيات النقدية لبنك المغرب    الإسباني لوبيتيغي يدرب منتخب قطر    السكوري بمناسبة فاتح ماي: الحكومة ملتزمة بصرف الشطر الثاني من الزيادة في الأجور    أغاثا كريستي تعود للحياة بفضل تقنيات الذكاء الاصطناعي    دول ترسل طائرات إطفاء إلى إسرائيل    الإعلان في "ميتا" يحقق نتائج أرباح ربعية فوق التوقعات    فيدرالية اليسار الديمقراطي تدعو الحكومة إلى تحسين الأجور بما يتناسب والارتفاع المضطرد للأسعار    توقعات أحوال الطقس ليوم الخميس    أكاديمية المملكة تشيد بريادة الملك محمد السادس في الدفاع عن القدس    الدار البيضاء ترحب بشعراء 4 قارات    محمد وهبي: كأس أمم إفريقيا لأقل من 20 سنة (مصر – 2025).. "أشبال الأطلس" يطموحون للذهاب بعيدا في هذا العرس الكروي    طنجة .. كرنفال مدرسي يضفي على الشوارع جمالية بديعة وألوانا بهيجة    فيلم "البوز".. عمل فني ينتقد الشهرة الزائفة على "السوشل ميديا"    مهرجان هوا بياو السينمائي يحتفي بروائع الشاشة الصينية ويكرّم ألمع النجوم    مؤسسة شعيب الصديقي الدكالي تمنح جائزة عبد الرحمن الصديقي الدكالي للقدس    حقن العين بجزيئات الذهب النانوية قد ينقذ الملايين من فقدان البصر    اختبار بسيط للعين يكشف احتمالات الإصابة بانفصام الشخصية    دراسة: المضادات الحيوية تزيد مخاطر الحساسية والربو لدى الأطفال    التدين المزيف: حين يتحول الإيمان إلى سلعة    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    كردية أشجع من دول عربية 3من3    وداعًا الأستاذ محمد الأشرافي إلى الأبد    قصة الخطاب القرآني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قراءة في مشروع قانون المالية لسنة 2020
نشر في هسبريس يوم 15 - 11 - 2019

عرف القانون التنظيمي للمالية رقم 130.13 قانون المالية في مادته الأولى بأنه: "يحدد قانون المالية، بالنسبة إلى كل سنة مالية، طبيعة ومبلغ وتخصيص مجموع موارد وتكاليف الدولة وكذا التوازن الميزانياتي والمالي الناتج عنها. وتراعى في ذلك الظرفية الاقتصادية والاجتماعية عند إعداد قانون المالية وكذا أهداف ونتائج البرامج التي حددها هذا القانون". هذا بالإضافة إلى المادة الثانية من القانون التنظيمي نفسه والتي جاء فيها بأنه: "يراد في مدلول هذا القانون التنظيمي بقانون المالية: قانون المالية للسنة؛ قوانين المالية المعدلة؛ وقانون التصفية المتعلق بتنفيذ قانون المالية". كما أنه يتوقع قانون المالية للسنة، لكل سنة مالية، مجموع موارد وتكاليف الدولة، ويقيمها وينص عليها ويأذن بها، وذلك استنادا إلى البرمجة الميزانياتية، وتبتدئ السنة المالية في فاتح يناير وتنتهي في 31 دجنبر من السنة نفسها.
وتعد مرحلة عرض مشروع قانون المالية السنوي بالمغرب أمام أنظار البرلمان بغرفتيه، محطة مهمة لتبين الوضعية الاقتصادية المالية للمغرب، كما أنه فرصة لمعرفة آفاق النمو الاقتصادي والإكراهات المالية الموجودة والمحتملة، خصوصا وأن السياق اقتصادي الذي طرح فيه هذا المشروع المالي، يأتي في ظل تعديل وزاري عرف تقليص عدد الوزراء إلى 23 وزيرا، وهو عدد أقل من التشكيل السابق، لكن وزيري المالية والخارجية احتفظا بمنصبيهما. في حين عرف دمج مجموعة من الوزارات كما هو الحال بالنسبة لوزارة الاقتصاد والمالية التي استبدلت تسميتها لتصبح "وزارة الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة".
ويرتكز مشروع قانون المالية رقم 70.19 للسنة المالية 2020 على مجموعة نقط مهمة تعتبر في مجملها ترقيعية للحالة الاقتصادية والمالية، في اتجاه استرجاع التوازنات المالية العمومية واستعادة التوازنات الماكرو-اقتصادية، كما أن هذا المشروع يستند على تعزيز تنافسية الاقتصاد الوطني، عبر مواصلة دعم الطلب وتشجيع العرض عبر تحفيز التصنيع وانعاش الاستثمار الخاص، ودعم المقاولة وتسريع المخططات القطاعية، وتوفير فرص الشغل اللائق، وتأهيل الرأسمال البشري، بحيث يتوقع من هذا المشروع المالي السنوي أن يسجل نمو الاقتصاد الوطني ارتفاعا بنسبة 3.7% ومعدل عجز الميزانية يقدر ب3,5% سنة 2020. كما أن هذا المشروع يأتي في سياق الدعوة الملكية إلى ضرورة بلورة نموذج تنموي جديد عنوانه الرئيسي هو خدمة المواطن والمسؤولية والإقلاع الشامل على شتى المستويات والأصعدة. فما هي الإجراءات الجديدة التي جاء بها مشروع قانون المالية لسنة 2020؟ وهل هذه الإجراءات قادرة على الرفع من الموارد المالية للدولة، وتنمية الاقتصاد الوطني وتحقيق ذلك النموذج التنموي الجديد المنشود؟ أم أنها تبقى فقط إجراءات ترقيعية كما هو حال سابقاتها؟
أولا: موارد ونفقات مشروع قانون المالية لسنة 2020
يأتي إعداد مشروع قانون المالية لسنة 2020 في سياق يتميز بتباطؤ وثيرة النمو الاقتصادي العالمي، الذي من المتوقع أن يتراجع من 3,6% سنة 2018 إلى 3,2% سنة 2019. ويرجع ذلك إلى تصاعد التوترات التجارية بين كبريات القوى الاقتصادية العالمية، واستمرار تداعيات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، والتوترات الجيوسياسية المتصاعدة وتأثيراتها على أسعار الطاقة، فضلا عن تراجع الاستثمار والطلب على السلع الاستهلاكية على مستوى الاقتصادات المتقدمة والأسواق الصاعدة.
كما يندرج مشروع قانون المالية لسنة 2020 في سياق وطني واعد يتسم أساسا بمواصلة جهود استعادة التحكم في التوازنات الماكرو-اقتصادية، فبالاستناد إلى الظرفية الوطنية والدولية، وأخذا بعين الاعتبار فرضيات سعر غاز البوتان بمعدل 350 دولارا للطن، ومحصول زراعي متوسط في حدود 70 مليون قنطار، يروم مشروع قانون المالية لسنة 2020 تحقيق نمو للاقتصاد الوطني في حدود 3,7%، مع توقع استمرار دينامية القطاعات غير الفلاحية بتسجيل تطور للقيمة المضافة ب3,6% مقابل 3,3% سنة 2019 و2,6% سنة 2018.
وفي ما يخص الجزء المتعلق بميزانية الدولة، فيقدر المبلغ الإجمالي للموارد ب 242.889.345.000 درهم برسم سنة 2019، و248.884.681.000 درهم سنة 2020، أي بزيادة قدرها 2,47% دون احتساب الموارد المتعلقة بالتسديدات والتخفيضات والإرجاعات الضريبية. أما نفقات الميزانية العامة للدولة المتعلقة بنفقات التسيير بمناسبة سنة 2020 فستمثل ما مجموعه 213.427.023.000 مقابل 205.084.566.000 درهم برسم سنة 2019 أي بزيادة قدرها 4,07%، ونفقات الموظفين التي ستبلغ برسم سنة 2020 ما يناهز 119.675.013.000 مقابل 112.159.310.000 درهم برسم سنة 2019 أي بزيادة قدرها 6,7%، أما في ما يتعلق بنفقات المعدات والنفقات المختلفة فتصل إلى ما قدره 48.291.631.00 درهم سنة 2020 مقابل 45.130.114.000 درهم خلال سنة 2019 أي بزيادة قدرها 7,01%، أما التحملات المشتركة-التسيير فستبلغ سنة 2020 ما قدره 24.651.211.000 درهم مقابل 44.095.142.000 درهم برسم سنة 2019 أي بانخفاض قدره 19.443.931.000 درهم بنسبة تقدر ب44,1%، هذه الاعتمادات تخصص أساسا لتغطية الإعانات المرصدة لدعم أسعار المواد الأساسية مما يدعو إلى التساؤل حول كيفية تدبير هذه الموارد المالية المهمة، وهل فعلا هذه النسبة تخصص فعلا للدعم أم لشيء آخر؟، الشق الثاني متعلق بنفقات الاستثمار والتي ستبلغ سنة 2020 78.21 مليار درهم أي بزيادة قدرها 6,59 %عن سنة 2019، زيادة على ذلك، نجد النفقات المتعلقة بفوائد وعمولات الدين العمومي والتي ستبلغ سنة 2020 ما يناهز 29.023.019.000 درهم بزيادة قدرها 3,54% عن سنة 2019، بينما من المتوقع أن تبلغ نفقات مرافق الدولة المسيرة بصورة مستقلة برسم سنة 2020 ما مجموعه 2.236.914.000 موزعة على كل من نفقات الاستغلال والاستثمار. أما في ما يتعلق بنفقات الحسابات الخصوصية للخزينة، فمن المتوقع أن تبلغ سقف تحملات سيبلغ 90.019.671.000 درهم برسم سنة 2020، أي بتغير يناهز 6,66% مقارنة مع سنة 2016. وفي ما يخص النفقات المتعلقة باستهلاكات الدين العمومي المتوسط والطويل الأجل، فقد يبلغ سنة 2020 ما قدره 67.512.204.000 درهم، مقابل 39.213.200.000 درهم مقارنة مع سنة 2019 أي بزيادة قدرها 72,17%.
وفي الشق المتعلق بموارد ميزانية الدولة، من المتوقع أن يبلغ مجموع هذه الموارد العادية للميزانية العامة برسم سنة 2020 ما قدره 248.884.681.000 درهم، مقابل 242.889.345.000 سنة 2019، أي بزيادة قدرها 2,47%، وتشمل هذه الموارد كل من الضرائب المباشرة وغير المباشرة، والرسوم المماثلة، والرسوم الجمركية، ورسوم التسجيل والتمبر، وعائدات أملاك الدولة، وحصيلة مؤسسات الاحتكار والاستغلالات والمساهمات المالية للدولة، وموارد الهبات والوصايا، وحصيلة تفويت مساهمات الدولة، وباقي الموارد المختلفة، حيث تحتل الضرائب المباشرة المرتبة الأولى في موارد ميزانية الدولة، تليها الضرائب غير المباشرة، ثم رسوم التسجيل والتمبر، ثم عائدات مؤسسات الاحتكار، ثم الرسوم الجمركية، ثم الهبات.
وحسب مشروع قانون المالية لسنة 2019، ستبلغ حصيلة الضريبة على الدخل ما قدره 46.181.117.000 درهم وبزيادة نسبتها 3,54% عن سنة 2019، أما الضريبة على الشركات فستبلغ حصيلتها سنة 2020 ما يناهز 53.035.756.000 درهم بزيادة قدرها 2.07% عن سنة 2019، أما الضريبة على القيمة المضافة المحصلة من طرف المديرية العامة للضرائب فستبلغ حصيلتها 23.008.136.000 درهم سنة 2020 بزيادة قدرها 14.85% عن سنة 2019، أما تلك المحصلة من طرف المصالح التابعة لإدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة فستبلغ ما مجموعه 41.908.510.000 درهم بزيادة قدرها 3.03% عن سنة 2019.
ثانيا: المادة 9 من مشروع قانون المالية لسنة 2020
لا بد من الإشارة في البداية إلى كون المتمعن في سطور هذا المشروع المالي لسنة 2020، يدفعه إلى القول بأنه يخلو من مجموعة من الإجراءات والتوجهات التي كان على المشرع تضمينها والتنصيص عليها، سواء في باب تقريب وإصلاح العلاقة ما بين الدولة والمواطن والتي مازالت لم تصل إلى المستوى المطلوب خصوصا وأن وجود المادة 9 في مشروع القانون المالي والتصويت عليها أخيرا من طرف لجنة المالية والتنمية الاقتصادية بمجلس النواب سيزيد من تعقيد الوضعية والعلاقة بين الدولة والمواطن، إذ نصت هذه المادة على أنه: "يتعين على الدائنين الحاملين لسندات أو أحكام قضائية تنفيذية نهائية ضد الدولة ألا يطالبوا بالأداء إلا أمام مصالح الآمر بالصرف للإدارة العمومية، في حالة صدور قرار قضائي نهائي اكتسب قوة الشيء المقضي به، يدين الدولة بأداء مبلغ معين، يتعين الأمر بصرفه داخل أجل أقصاه ستون (60) يوما ابتداء من تاريخ تبليغ القرار القضائي السالف ذكره في حدود الاعتمادات المالية المفتوحة بالميزانية، يتعين على الآمرين بالصرف إدراج الاعتمادات اللازمة لتنفيذ الأحكام القضائية في حدود الإمكانات المتاحة بميزانياتهم، وإذا أدرجت النفقة في اعتمادات تبين أنها غير كافية، يتم عندئذ تنفيذ الحكم القضائي عبر الأمر بصرف المبلغ المعين في حدود الاعتمادات المتوفرة بالميزانية، على أن يقوم الآمر بالصرف باتخاذ كل التدابير الضرورية لتوفير الاعتمادات اللازمة لأداء المبلغ في ميزانيات السنوات اللاحقة، غير أنه لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تخضع أموال وممتلكات الدولة للحجز لهذه الغاية"، الأمر الذي يشكل معه عبثا قانونيا بينا وواضح المعالم، وخرقا لمبدأ سمو القرارات والأحكام الصادرة عن القضاء، وهو ضرب صريح للمبادئ التي تؤطر دولة الحق والقانون ولنص الفصل 126 من الدستور الذي ينص على أن: "الأحكام النهائية الصادرة عن القضاء ملزمة للجميع. يجب على السلطات العمومية تقديم المساعدة اللازمة أثناء المحاكمة، إذا صدر الأمر إليها بذلك، ويجب عليها المساعدة على تنفيذ الأحكام".
زيادة على كون هذه المادة تعد أيضا نقيضا لمجموعة من الخطابات الملكية الداعية إلى تنفيذ الأحكام كما جاء في الخطاب الذي وجهه الملك محمد السادس بمناسبة الذكرى ال56 لثورة الملك والشعب: "وهذا ما يقتضي تبسيط وشفافية المساطر، والرفع من جودة الأحكام، والخدمات القضائية، وتسهيل ولوج المتقاضين إلى المحاكم، وتسريع وتيرة معالجة الملفات، وتنفيذ الأحكام"، وأيضا الخطاب الملكي بمناسبة افتتاح البرلمان في دورة أكتوبر 2016، الذي جاء فيه: "المواطن يشتكي بكثرة، من طول وتعقيد المساطر القضائية، ومن عدم تنفيذ الأحكام، وخاصة في مواجهة الإدارة، فمن غير المفهوم أن تسلب الإدارة للمواطن حقوقه، وهي التي يجب أن تصونها وتدافع عنها، وكيف لمسؤول أن يعرقل حصوله عليها وقد صدر بشأنها حكم قضائي نهائي؟". وبالتالي فهذه المادة مخالفة تماما لتوجهات وخطب الملك التي شدد فيها على مسألة تنفيذ الأحكام القضائية النهائية ضد الإدارة.
ثالثا: المستجدات الضريبية في مشروع قانون مالية 2019
لا بد من الإشارة إلى أن الموارد المالية المتأتية عن طريق الضريبة تعد موردا رئيسيا وأساسيا لخزينة الدولة، كونها تهدف لتنفيذ السياسة المالية المختلفة للدولة، كما أن لها أهدافا اقتصادية، اجتماعية وسياسية تسعى إلى بلوغها وتحقيقها. وقد عرفت الضريبة بالمغرب تحولات وإصلاحات كبيرة سعت إلى تبسيطها وتسهيلها في وجه الملزمين من أجل تحقيق العدالة الضريبية في النظام الضريبي المغربي.
فمشروع قانون المالية لسنة 2020 جاء بالعديد من المستجدات في الميدان الجبائي، أهمها ما يتعلق بآلية فحص محاسبة الملزمين، حيث تم تضمين المادة 212 من المدونة العامة للضرائب المقتضى الجديد الذي ينص على أنه: "يتعين على الإدارة قبل تبليغ التصحيحات المنصوص عليها في المادتين 220 و221، أن تدعو الخاضع للضريبة داخل أجل ثلاثين يوما الموالية لتاريخ اختتام فحص المحاسبة إلى محاورة شفوية وتواجهية بشأن التصحيحات التي يعتزم المفتش إدخالها على الإقرار الجبائي. وتأخذ الإدارة بعين الاعتبار الملاحظات التي أدلى بها الخاضع للضريبة خلال المحاورة المذكورة، إذا اعتبرت أنها تستند إلى أساس صحيح". وما ينبغي الإشارة إليه في هذا الإطار هو أنه تبقى للإدارة سلطة تقديرية في الأخذ بملاحظات الملزم وتبقى المحاورة "شفهية" وفي هذا الاختيار أسبقية للإدارة، لأنه لا يوجد كتابيا ما يلزمها ويمكن الاستناد إليه (محضر كتابي تسجل فيه ملاحظات الملزم والمنطق التي تم الاتفاق عليها)، كما أنه لا يوجد ما يلزم الإدارة الأخذ بملاحظات الملزم، فعبارة "تأخذ بعين الاعتبار" تجعل الإدارة المتحكم في المسطرة التواجهية، ولها أن تأخذ بالملاحظات التي ترى أنها مناسبة وتدفع برفض تلك التي تقدر أنها لا تناسبه.
في ما يخص الضريبة على الشركات، بالنسبة لسعر الضريبة على الشركات، فقد تم الرجوع إلى السعر الذي كان مطبقا في سنة 2019 أي 20% بالنسبة إلى الشركات التي يساوي مبلغ ربحها الصافي من 300 001 إلى 1 000 000 عوض 17,50%، كما أنه يحدد في 20% السعر المطبق على الشريحة التي يفوق فيها المبلغ الربح الصافي 1.000.000 درهم بالنسبة للمنشآت المنصوص عليها في المادة 6 دال من المدونة العامة للضرائب. ويخفض سعر الجدول من 31% إلى 28% بالنسبة للشركات التي تزاول نشاطا صناعيا، باستثناء تلك التي يساوي أو يفوق ربحها الصافي مائة مليون درهم. وبسعر 37% في ما يخص مؤسسات الائتمان والهيئات المعتبرة في حكمها وبنك المغرب وصندوق الإيداع والتدبير ومقاولات التأمين وإعادة التأمين. وفي ما يتعلق بنسبة السعر النوعي للضريبة على الشركات المتمثلة في 15% فقد تم تحديدها بالنسبة للمنشآت التي تزاول نشاطها في مناطق التسريع الصناعي بعد مدة الخمس سنوات المحاسبية المعفاة، أما شركات الخدمات المكتسبة لصفة القطب المالي للدار البيضاء، فبعد مدة الخمس سنوات المحاسبية المعفاة.
زيادة على أن مشروع قانون مالية 2010 رقم 70.19، تضمن مجموعة من الإجراءات المرتبطة بإنجاح ورش الجهوية المتقدمة، إلا أنه ولحد الساعة ورغم مرور مجموعة من قوانين المالية انطلاقا من سنة 2013 إلى سنة 2020، لم يتم التنصيص على ضرورة إصلاح النظام الجبائي المحلي وإنما التنصيص على توضيح، هذا الأخير الذي يشكل أداة مهمة في تمويل خزينة الجماعات الترابية، ويشكل نقطة أساسية من أجل إنجاح الجهوية المتقدمة، فعلى الرغم من أن من بين توصيات المناظرة الوطنية الثالثة حول الجبايات في باب "مراجعة شاملة للجبايات المحلية" تضمنت اقتراحين يصبان في خانة استبدال الرسوم المحلية المحتسبة على أساس القيمة الكرائية وكذا الرسم على الأراضي غير المبنية برسم عقاري محلي يحتسب على أساس القيمة التجارية، وخلق جبايات خاصة بحماية البيئة وتخصيص عائداتها للتنمية الجهوية، إلا أن هذه النقط لا يمكنها أن تشكل أساسا للإصلاح الشامل للمنظومة الجبائية المحلية، الأمر الذي ندعو معه الفاعل الحكومي إلى الإسراع بإصلاح نظام جبايات الجماعات الترابية المؤطر بالقانون رقم 47.06 الذي أبان عن محدوديته وضعف موارده، الأمر الذي يشكل عقبة أمام إنجاح الجهوية المتقدمة وأيضا نقطة ضعف أمام إنجاح النموذج التنموي الجديد المنشود. فرغم التنصيص على مجموعة من التوصيات الصادرة عن المناظرة الوطنية الثالثة حول الجبايات، إلا أن مجموعة كبيرة من توصيات المناظرة الوطنية الثانية للجبايات لسنة 2013 لم تفعل لحد الساعة رغم مرور ست سنوات على انعقادها، وهو الأمر الذي يدفعنا إلى القول ما جدوى عقد ندوة وطنية ثالثة بوسائل لوجيستيكية وموارد مالية كبيرة إن لم نفرغ توصياتها ونفعلها على أرض الواقع، وهو ما يستوجب ويتطلب خلق لجان لمتابعة وتقييم تفعيل توصيات أي مناظرة أو سياسة تهم قطاعا من القطاعات.
في الأخير، وجب التأكيد على أن مشروع القانون المتعلق بقانون المالية لسنة 2020، لم يخرج عن السياق العام لسابقيه، إذ تميز كما هو الحال لباقي القوانين المتعلقة بقانون المالية بغياب الجرأة في أجرأة ما وعدت به الحكومة سابقا في ما يتعلق بتنزيل الإصلاحات الضريبية على أرض الواقع، ما يؤشر على أن الإصلاحات الضريبية التي لطالما وعدت الحكومة بتطبيقها بقيت حبرا على ورق من ناحية التطبيق الواقعي والتدريجي في قوانين المالية، ولم ترق إلى التطلعات المنشودة من طرف الباحثين والمهتمين بالمجال المالي والضريبي في بلادنا.
*باحث في العلوم السياسية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.