من طنجة.. أخنوش يعلن إصدار كتاب "مسار الإنجازات" ويدعو المواطنين للمشاركة في بناء مغرب صاعد    "جامعة مولاي علي الشريف" تحتفي بالصحراء المغربية والتنمية المستمرة    الركراكي: المنتخب المغربي يخوض "كأس إفريقيا" بعزيمة لإحراز اللقب    القوات المسلحة الملكية تنشئ ثلاث مستشفيات عسكرية ميدانية بأقاليم أزيلال والحوز وميدلت    تساقطات ثلجية وأمطار قوية بعدد من مناطق المملكة    هذا موعد حفل افتتاح كان 2025 وتنبيهات تنظيمية للجماهير    برقية تهنئة من جلالة الملك إلى أمير الكويت    روبيو: هيئات الحكم الجديدة في غزة ستشكل قريبا وستتبعها قوة دولية    الملك محمد السادس يهنئ أمير الكويت    "الأحرار" يثمن مضامين قانون مالية 2026 ويستعرض استعداداته لعقد مجلسه الوطني    البنك الدولي يوافق على منح المغرب أربعة ملايين دولار لتعزيز الصمود المناخي    عشية انطلاق كأس إفريقيا.. أكادير تضع اللمسات الأخيرة لاستقبال ضيوفها    ‬المغاربة يتطلعون إلى انطلاق نهائيات كأس إفريقيا للأمم بمعنويات مرتفعة    قيمة أشرف حكيمي الأغلى في "الكان"    منيب تتقدم بمقترح للعفو العام عن المعتقلين على خلفية حراك "جيل زيد"    بعد مرور 5 سنوات على اتفاقية التطبيع..دعوات متواصلة لمقاطعة أي تعاون ثقافي مع الكيان الصهيوني    مطالب بتخفيض عمل أساتذة التعليم الابتدائي إلى 18 ساعة أسبوعيا    إيداع نزهة مجدي سجن العرجات بسلا    الانهيارات الصخرية والاضطرابات المناخية تجدد مطالب إحداث نفق "تيشكا" بين مراكش وورزازات    الفنانة سمية الألفي تغادر دنيا الناس    ناسا تفقد الاتصال بمركبة مافن المدارية حول المريخ    بريد المغرب يصدر طابعاً بريدياً تذكارياً احتفاء بمئوية مهنة التوثيق بالمغرب    المنتخب الوطني يواصل تحضيراته لكأس إفريقيا للأمم    ترامب يعلن شن "ضربة انتقامية" ضد تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا    وفاة الفنانة المصرية سمية الألفي عن 72 عاما    كأس السوبر الإيطالية: بولونيا يضرب موعدا مع نابولي في النهائي بعد فوزه على إنتر    انخفاض في درجات الحرارة وبحر هائج.. تفاصيل طقس السبت بالمغرب    احتراق عدد من السيارات في محيط ملعب طنجة (فيديو)    إنذار جوي يدفع تطوان إلى استنفار شامل    فتح الله ولعلو يوقّع بطنجة كتابه «زمن مغربي.. مذكرات وقراءات»    تنظيم الدورة السابعة عشر من المهرجان الوطني لفيلم الهواة بسطات    هل تنجح فرنسا في تقنين وصول القاصرين إلى شبكات التواصل الاجتماعي؟    الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية والدولة الاجتماعية    هاتوا الكأس للمغرب    8 ملايين دولار القيمة الإجمالية لمشاريع وكالة بيت مال القدس الشريف برسم سنة 2025    الشجرة المباركة تخفف وطأة البطالة على المغاربة    في أداء مالي غير مسبوق.. المحافظة العقارية تضخ 7.5 مليارات درهم لفائدة خزينة الدولة        وجدة .. انخفاض الرقم الاستدلالي للأثمان عند الاستهلاك    أسماء لمنور تضيء نهائي كأس العرب بأداء النشيد الوطني المغربي    العاصمة الألمانية تسجل أول إصابة بجدري القردة    كالحوت لا يجتمعون إلا في طاجين !    البورصة تبدأ التداولات على وقع الأخضر    الشرطة الأمريكية تعثر على جثة المشتبه به في تنفيذ عملية إطلاق النار بجامعة براون    "الصحة العالمية": أكثر من ألف مريض توفوا وهم ينتظرون إجلاءهم من غزة منذ منتصف 2024    استمرار تراجع أسعار النفط للأسبوع الثاني على التوالي    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الجمعة    هياكل علمية جديدة بأكاديمية المملكة    انخفاض الذهب والفضة بعد بيانات التضخم في الولايات المتحدة    السعودية تمنع التصوير داخل الحرمين خلال الحج    من هم "الحشاشون" وما صحة الروايات التاريخية عنهم؟    منظمة الصحة العالمية تدق ناقوس انتشار سريع لسلالة جديدة من الإنفلونزا    7 طرق كي لا يتحوّل تدريس الأطفال إلى حرب يومية    سلالة إنفلونزا جديدة تجتاح نصف الكرة الشمالي... ومنظمة الصحة العالمية تطلق ناقوس الخطر    التحكم في السكر يقلل خطر الوفاة القلبية    استمرار إغلاق مسجد الحسن الثاني بالجديدة بقرار من المندوبية الإقليمية للشؤون الإسلامية وسط دعوات الساكنة عامل الإقليم للتدخل    سوريا الكبرى أم إسرائيل الكبرى؟    الرسالة الملكية توحّد العلماء الأفارقة حول احتفاء تاريخي بميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السجن الافتراضي .. مال وشهرة ولا معنى!
نشر في هسبريس يوم 01 - 01 - 2020

عندما تتمنى مراهقة العثور على فارس أحلامها في العالم الأزرق، وتمضي معظم وقتها في دراسة عدد "اللايكات" والتعليقات على منشوراتها علها تجد ضالتها؛
وعندما تكتشف أن لا أحد بين تلاميذك المراهقين يملك حلما واحدا لحياته الواقعية، وأن قدواتهم في الحياة مشاهير أفرزهم العالم الافتراضي، وكل اهتمامهم حول ما قد يرفع أسهمهم في العالم الافتراضي؛
وعندما تصبح كل الأحاديث والأخبار حولك عن تفاهات الأبطال الوهميين لعالمنا المعاصر؛
عندما يحدث هذا كله، فإن كل هذه الصور حولك تشي بأن العالم بات فاقدا للمعنى، وأنه بات يعيش اليوم أحلك أوقاته منذ وجد، عصرا يملك فيه الإنسان كل شيء إلا نفسه، فالحياة صارت ركضا خلف المظاهر، ولم نعد نتابع جديد العلم ولا الأدب، لأن ذلك لن ينقص من إعجابات الناس بنا على صفحاتنا بقدر ما قد ينقصها جهلنا بجديد الموضة.
وعندما تتجلى لك كل مظاهر اللامعنى، ستدرك أن وسائل التواصل الاجتماعي اعتلت العرش بلا منازع، فوحدها تستطيع أن تغير بضغطة زر الرأي العام العالمي، وتنسج ثقافات جديدة، وتغير الميولات والقناعات، وتختار الأعلى والأدنى تقييما، وتجعل المتابعين رهينة بيد من يصنع الفرجة ويفرغ المعنى من محتواه، في عصر أصبح فيه كل فرد -تقريبا- يملك حسابا على أحد مواقع التواصل الاجتماعي إن لم يكن أكثر.
يؤكد ذلك ارتفاع عدد مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي إلى 3.48 مليار شخص في 2019، وفق إحصاء لمؤسسة دولية، يمثلون 45 في المائة من سكان العالم من مختلف الأجيال، بمن فيهم جيل الأجداد (مواليد ما بين الأربعينيات والستينيات) الذي يملك حوالي نصفهم حسابا خاصا، علما أن جيل الألفية (مواليد ما بين الثمانينيات والتسعينيات) هو الأكثر انتشاراً بنسبة 90.4 بالمائة، يليه الجيل "إكس" (مواليد ما بين الستينيات والثمانينيات) ب77.5 في المائة.
ويقضي هؤلاء المستخدمون على شبكة الأنترنت حوالي 6.5 ساعات يوميا، ما يعني أن المجتمع الرقمي العالمي قضى أزيد من 2.2 مليار سنة على الأنترنت هذا العام، علما أن عدد المستخدمين يزداد بمليون شخص كل يوم منذ يناير 2018.
ومع التحولات المجتمعية السريعة أصبحت هذه التغيرات ضرورة من ضروريات عصرنا، فأولئك القليلون الذين لا يتفقدون حساباتهم كل ساعة، ويجلسون بيننا دون أن يختلسوا النظر لهواتفهم كلما سنحت لهم الفرصة، ويقرؤون كتابا بانتظار الحافلة، أو يتأملون الطبيعة ببساطة من نافذة القطار في رحلة طويلة، أصبح ينظر إليهم ككائنات فضائية غريبة بمقابل العاديين الذين يشعرون أن الأكسجين يسحب بعيدا عنهم كلما انقطعت النت حولهم، والذين جعلوا من حساباتهم فضاء يعج بكل ما قد يخطر أو لا يخطر لك حتى على البال.
حفلة تنكرية !
قبل حوالي عشر سنوات هل كان أحد منا ليتصور أن رجلا بسيط الفكر والعقل سيغدو صحافيا وفنانا ومشهورا، تتسابق الصحف للقائه والمارة لالتقاط صوره لمجرد أنه لم يستطع ذكر الاسم الصحيح لمرض أثناء حوار عابر تم صدفة معه، فتناسى الناس المرض وأصبح الرجل الذي عجز حتى عن نطقه بشكل صحيح موضوع كل حوار سيأتي في ما بعد، لدرجة أنه أحب متابعة الجماهير له ومضى يرد على منتقديه وكارهيه ويشكر معجبيه ومتابعيه، وأسس قناته وصار ينقل للناس أفكاره وفلسفته في الحياة وطرقه في مجابهة الأمراض، وآلاف الناس داخل وخارج الوطن سيعرفون في فترة قصيرة كل تفاصيل حياة الرجل الذي كان قبل أيام معدودة مجهولا تماما.
أتخيلت يوما حتى في أكثر في المرات التي أطلقت فيها العنان لخيالك عجوزا تجاوزت على الأغلب ستينياتها تحدثك على قناة خاصة بها، عن كل تفاصيل حياتها اليومية البسيطة في دوار بعيد يعاني من نقائص لا يمكن حصرها، ولكن شبكة الأنترنت لحسن الحظ على ما يبدو ليست ضمنها، وكل من حولها زوجها وأبناؤها وزوج ابنتها يشاركونها عروضها التي تحصد آلاف المتابعين كأنها بطلة إحدى برامج تلفزيون الواقع الذي يحمل توقيع أشهر المخرجين.
وهل لاحظت طبيعة النجوم الذين يملؤون ذلك الفضاء الافتراضي؟ الكل يصبح كاملا ومثاليا وناصحا أمينا على "إنستغرام" و"فايسبوك" و"سناب شات". الجميع هناك يفهم أسرار الحياة وقواعد الفوز، ويلعب بتفوق أدوار المشاهير، ويملأ مساحاته الافتراضية بصور بلا عيوب، وتعاليق تفيض حبا، وتدين افتراضي، وديمقراطية كاذبة، وحداثة مستوردة، وجلهم يعشقون شرب القهوة في فنجان بجانب كتاب لا يفتح إلا لالتقاط صورة، ومعظمهم يسافرون لأجمل الأماكن ويأكلون أشهى الأطباق ويقصدون أرقى المقاهي، ويجيدون تنسيق الملابس، ويوما بعد يوم يفقدون أنفسهم ويصبحون مجرد نسخ مقلدة لبعضهم في تمثيلية سخيفة كلما كانوا أمام الكاميرات.
وكثيرة هي المشاكل النفسية التي تحدث عنها الخبراء بسبب هذا الانفصام بين النفس الحقيقية والنفس الافتراضية، فكم من خجول يغدو وقحا، وكم من مؤدبة ترمي بعيدا بستار الحياء، وكم من ذئب يدعي أنه حمل يرجو أن يصاحب الخرفان، وفي أحسن الأحوال كلبا يبتغي حمايتها من الذئاب، وكم من فتاة تكره القراءة التقطت صورا لها في كل الوضعيات بجانب "في قلبي أنثى عبرية".
وربما تعرف في حياتك أختا تغرق شقيقتها أو شقيقها مديحا على مواقع التواصل وهما بالكاد يلقيان التحية على بعضهما مرة في الأسبوع في المنزل؛ وزوجة تستعرض كل يوم هدايا زوجها ورومانسيته وحبهما المثالي، وهما في الحقيقة كثيرا ما فكرا في الطلاق وربما تعاني من العنف في صمت؛ وابنة تضع صورة لها تحتضن أمها في عيد الأم دون أن تهنئها في الواقع.
ولكننا مازلنا ندرس منشورات الآخرين لنعرفهم من خلالها، وننسى أنها بطاقة شخصية صاغوها بأنفسهم لأنفسهم وكثيرا ما يملؤها الزيف والخداع، وكثيرا ما تبدو مبهرة فقط لأن صاحبها يجيد مهارة التسويق لنفسه.
فهذا الفضاء بات بمثابة حفلة تنكرية لا تنام، جل من يحضرها يرتدي قناعا وربما أكثر، وعلى صفحاته يوزع الجميع بسخاء "اللايكات" على بعضهم، ويتبادلون التهنئة في الأعياد والمناسبات دون أن يفعلوا ذلك بالمباشر ولو كانوا يقابلون بعضهم يوميا، وكثيرا ما نعرف الحالة النفسية لصديق عبر تحديثه للحالة، ونفاجأ بآخر يغير وضعيته كل يوم من أعزب إلى مرتبط إلى علاقة معقدّة فأعزب من جديد، ثم نعرف أن صاحب الحساب كان يتسلى لا أكثر للحصول على مزيد من المتابعين.
وأحيانا تعرف أن ابنتك التي كنت تتحدث إليها منذ قليل تعاني من صداع حاد في الرأس من خلال ما نشرته على حسابها وتجد نفسك بين الغرباء تتمنى لها شفاء عاجلا من مرض عرفه الآخرون قبلك. كما لن تكتشف فريق ابنك المفضل وما يحب وما يكره وطبيعة أصدقائه ومختلف نشاطات يومه إلا إن سمح لك بمتابعة صفحاته، وهناك فقط تستطيع أن تبوح له بفخرك ويبادلك بوجه ضاحك نادرا ما تراه منه على أرض الواقع.
وكثيرا ما تتحول نزهاتنا العائلية لخرجات لالتقاط صور الطعام والطبيعة والمقهى والمطعم وابتساماتنا المصطنعة، قبل أن نغرق في عوالمنا الافتراضية نرد على معجبينا وننسى تبادل الحديث مع بعضنا كعائلة وعيش اللحظة.
وليست هذه الأمثلة على بساطتهما إلا غيضا من فيض ما نراه كل يوم، فالافتراضي الذي كان يرمز في وقت مضى إلى شيء غير موجود، أصبح اليوم يسيطر بالكامل على الواقع، ضاربا عرض الحائط بكل أنواع الحدود والخصوصيات، وأصبحت السلطة الأكبر في عالم اليوم هي سلطة امتلاك المتابعين التي من شأنها أن ترفعك إلى أعلى عليين ولو لم تمتلك أي فكر أو ثقافة أو رأي سديد أو برنامج لإنقاذ الأمة ولو على المدى الطويل، ومن شأنها أن تسقطك من برجك العاجي لأسفل سافلين ولو كنت كاتبا أو مفكرا أو عالما أو أديبا.
سلاح "الفولورز" الفتاك
شيئا فشيئا ساهمت هذه الوسائل في رسم سمات جديدة للناس ومعالم متغيرة لمجتمعات لم تعد تعرف حتى نفسها، فالجماعات الافتراضية التي تظهر كل يوم لا تعترف بالحدود ولا تنظمها قوانين مجتمع دون غيره، ولا تعترف بقوة أكبر من قوة حشود المعجبين والمتابعين.
ولأجل نيل هذه القوة قد يقدم كثيرون كل شيء، وغالبا ما يصبح الأمر بمثابة عقد مع الشيطان قد يحقق بفضله صاحبه النجاح ولكنه يبيع روحه بالمقابل، إذ يغدو مع الأيام عبدا لجماهيره ينشر فقط ما يحبونه، ويحبط إذا قلت عدد الإعجابات فيبحث عن المزيد لأجلهم، يقيم نفسه من خلال تعليقاتهم، وينهار عالمه إذا أفل نجمه الوهمي. فهؤلاء الأتباع أو "الفولورز" هم السلاح الأقوى لنجم العالم الافتراضي، يهجمون كحشد غاضب على من يعاديه، وكلما زاد عددهم زادت قوته حتى يتحول إلى معيار مؤثر في ذوق الآخرين، لا يناقش رأيه مادام على عرش اللعبة، وربما تتوافد عليها لإعلانات ويصبح وجها معروفا لماركة مشهورة، ويوقفه الناس في الشارع لالتقاط سيلفي معه.
قد يبدو الأمر مبالغا فيه، ولكن طفلا اشتهر ب"فتح علب المفاجآت" بات اليوم مؤثرا في عالم صناعة الألعاب، رغم أنه في الثامنة من عمره فقط، ذلك أن الصغير المعروف ب"ريان كاجي" يتمتع بشعبية كبيرة لدرجة أن كبريات شركات ألعاب الأطفال وقعت معه عقودا لإنتاج ألعاب وملابس وسلع منزلية تحمل توقيعه، يجري بيعها في آلاف المتاجر وعلى المواقع الإلكترونية.
أما شعبيته فيرجع الفضل فيها لقناته التي جعلت منه الأول في ترتيب "فوربس" لعامي 2018 و2019 لمستخدمي منصة "اليوتيوب" الذين يكسبون أكبر قدر من المال، حيث بلغ دخله 22 مليون دولار سنة 2018 و26 مليون دولار في عام 2019، متفوقا بذلك على الدخل السنوي لنجم الساحرة المستديرة المصري "محمد صلاح" والذي حقق فقط 25.1 مليون دولار أمريكي سنة 2019، وهذا يعني أن الطفل ريان يكسب حوالي 72 ألف دولار في اليوم، أي حوالي 3000 دولار في الساعة وتقريبا 50 دولارا في الدقيقة.
وتضم قناته اليوم 23 مليون مشترك، وتمت مشاهدة مقاطع الفيديو الخاصة بها أزيد من 34 مليار مرة بعد أربع سنوات فقط من وجودها، وهي قناة تقوم على مفهوم بسيط يتمثل في فتح الطفل بصحبة والديه صناديق هدايا واختبار أطعمة وألعاب، لكن الفكرة على بساطتها كانت قادرة على شد ملايين المتابعين في مثل سنه عبر العالم، ليتحول الطفل الصغير إلى قدوة لأعداد لا تحصى من الأطفال بمن فيهم أبناؤنا. ويمتلك ريان الآن تسع قنوات على "يوتيوب"، بالإضافة إلى برنامج تلفزيوني منفصل على قناة "Nickelodeon"، وعقد صفقة مع (Hulu) لإعادة إنتاج فيديوهاته ونشرها على موقعها.
وربما يزداد العجب، عندما تعلم أن صاحبة المركز الثالث للأعلى دخلا من "اليوتيوب" هي "ناستيا" طفلة في الخامسة بلغت عائداتها 18 مليون دولار هذا العام، تنشر مقاطع لعبها مع والدها، ولدى هذه النجمة التي ولدت بشلل دماغي 107 ملايين مشترك على قنواتها السبعة، وشوهدت فيديوهاتها 42 مليار مرة.
كل هذه الإيرادات الخيالية للأطفال الذين يتابعهم على الأغلب أطفال بمثل سنهم، تؤكد أن "اليوتيوب" غدا الجليس الأول للأطفال بلا منازع، فكثيرا ما نصادف صغارا لم يصلوا حتى سن الكلام يعبثون بمهارة بهواتف آبائهم، أما حاراتنا فنادرا ما تحتضن تلك الألعاب الطفولية الجماعية التي تختزل أجمل الذكريات التي عشناها في صغرنا، لأن معظم أطفال اليوم سجناء بالعالم الافتراضي، بحسب دراسة مركز "بيو" الأمريكي لأبحاث الحياة العامة، التي أكدت أن 81 في المائة من الآباء يسمحون لأطفالهم في عمر 11 عاما أو أقل بمشاهدة "يوتيوب".
اكتساح الأطفال لمنصة اليوتيوب ليس آخر المفاجآت التي يخفيها على ما يبدو، فعشرات القنوات الهادفة التي تعرض محتويات علمية وفكرية مهمة لا تحقق الكثير من المشاهدات، ولم تجد لها مكانا بين القنوات العشرة الأكثر تحقيقا للأرباح على "يوتيوب"، حيث عاد المركز الثاني لفريق (Perfect Dude) برصيد 20 مليون دولار، وهو فريقٌ يضم خمسة أصدقاءٍ في الثلاثينيات يسجلون أنفسهم أثناء ممارستهم رياضات وألعابا شهيرة.
واحتل المركز الرابع برصيد 17.5 مليون دولار الثنائي "ريت ولينك" اللذين يقدمان فيديوهاتٍ لهما أثناء تجربة تناول أطعمةٍ غريبةٍ. فيما عاد المركز الخامس ل"جفري ستار" برصيد 17 مليون دولار وينشر فيديوهاتٍ عن كيفية وضع مستحضرات التجميل.
أما بقية المراكز فحصل عليها 5 لاعبي ألعاب فيديو يسجلون أنفسهم أثناء لعب الألعاب المشهورة مثل (Minecraft) و(Fortnite) ويجنون ما بين 11.5 و13 مليون دولار، وهي كلها أرقام تفوق الثروة الكاملة للمثل العالمي "رامي مالك" الحاصل على جائزة الأوسكار في فبراير 2019، حيث تبلغ ثروته 8 ملايين دولار فقط.
وبعملية حسابية، فقد كسبت الحسابات العشرة الأكثر ربحا في "يوتيوب" عام 2019 ما قيمته 162 مليون دولار، وهو مبلغ يفوق ما كسبه في السنة نفسها الرياضي الأعلى دخلا في العالم، وهو النجم الأرجنتيني "ليونيل ميسي" الذي جمع فقط 127 مليون دولار، 35 مليون دولار منها هي قيمة عائداته الإعلانية، وهو مبلغ ضعيف نسبيا بالنظر إلى كونه نجم الرياضة الأكثر شعبية في العالم مقارنة مع ما يحصل عليه نجوم "اليوتيوب" الذين تحظى قنواتهم بالدعاية والرعاية.
ووفق إحصائيات لمجلة "فوربس" فإن 92 في المائة من المستهلكين يثقون في إعلانات المؤثرين أكثر من المشاهير التقليديين. و"المؤثرون" أو "الأنفلونسر" هم كل من يملك كحد أدنى 10 آلاف متابع على صفحاتهم، وقد ساهم هؤلاء المؤثرون في تسويق 3.7 مليون إعلان عام 2018، بزيادة 43 في المائة عن حجم تسويقهم في العام الأسبق، علما أن هذا الرقم يمثل فقط ما تم الاعتراف به كمادة إعلانية، وما خفي مما يروج له هؤلاء دون الاعتراف بكونه إعلانا قد يكون أكبر بكثير.
دجاجة تبيض ذهبا!
انطلاقا مما سبق، يظهر أن القدرة على التأثير عبر مواقع التواصل الاجتماعي أصبحت تجارةً مربحة لمن باتوا يعرفون بالمؤثرين، إذ بات في استطاعتهم الترويج مقابل آلاف الدولارات لعلامات تجارية مختلفة، وحسب موقع "بزنس. كوم" توجد حالات يجني فيها مراهقون مبالغ تصل إلى 2600 دولار عند نشرهم فيديو إعلان لشركة لمرة واحدة على (تويتر)، أما بنشره من خلال (يوتيوب) فقد يجني منه مبلغاً يتراوح بين 800 و8000 دولار. وبحسب المقال نفسه فإن شركات كبرى أبرمت عقودا تبلغ قيمتها 150 ألف دولار سنويا مع عدد من النجوم الافتراضيين في مقابل نشر تغريدتين أسبوعيا للترويج لهذه الشركات.
وكل هذه المميزات المعنوية والمادية التي يحظى بها نجوم مواقع التواصل الاجتماعي بفضل محتويات بسيطة على الأغلب هي التي تفسر أسباب ركض الكثيرين لضمان مكان لهم فيه، ف"الأنستغرام مثلا تضاعف استخدامه 10 مرات في 5 سنوات، حيث انتقل من 100 مليون مستخدم سنة 2013 إلى مليار مستخدم في اليوم في يونيو 2018، بمقابل أخويه الأكبر YouTube مع (1.9 مليار) وFacebook مع (2.27 مليار)، وينشر مستخدموه يوميا 95 مليون صورة ومقاطع فيديو، ويحملون 400 مليون قصة جديدة، ويضغطون على زر الإعجاب 4.2 مليار مرة، أي بمعدل حوالي 3 ملايين إعجاب في الدقيقة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.