وفاة عبد الحفيظ أحتيت رئيس جماعة بني بونصار بالحسيمة يوم عيد الأضحى المبارك    رونالدو يعلن عدم مشاركته في كأس العالم للأندية    الملك محمد السادس يؤدي صلاة عيد الأضحى بتطوان    شركة طيران إسبانية توفر 10 آلاف مقعد عبر خطوطها نحو المغرب    البرازيل تراهن على المغرب في صادراتها من المواشي الحية لعام 2025    أمير المؤمنين يؤدي صلاة عيد الأضحى ويقوم بنحر الأضحية نيابة عن الشعب    "فيفا" يجرب ابتكارات تقنية في مونديال الأندية    مديرية الأرصاد تحث المغاربة على تفادي التعرض لأشعة الشمس    جموع غفيرة من سكان الناظور تؤدي صلاة عيد الأضحى بساحة الشبيبة والرياضة    برلمان أمريكا اللاتينية والكراييب يخصص استقبالا خاصا لوفد مجلس المستشارين    الصراع مع ترامب يزيد خسائر ماسك    غارات تقتل عشرات الفلسطينيين بغزة    الدبيبة يحقق في اشتباك مسلح بليبيا    أداء "بورصة البيضاء" يواصل التقدم    هولندا.. إغلاق مجزرة سرية وحجز عشرات الخراف خلال عيد الأضحى    أسود الأطلس يتفوقون على نسور قرطاج بثنائية في ودية فاس    اطلاق مشروع لغرس 110 هكتار من اشجار الزيتون باقليم الحسيمة    حليب الناقة ينعش آمال مناطق مهمشة في تونس    ترميم "سور المعكازين" يثير الاستياء    يوميات حاج (9): بين منى ومكة .. الانعتاق من شهوات سنين الغفلة    برقية تهنئة إلى جلالة الملك من خادم الحرمين الشريفين بمناسبة عيد الأضحى المبارك    تونس مصيرها الجلوس    سجل يا تاريخ !    اليوم العالمي لسلامة الأغذية نحو غذاء آمن وصحة أفضل    السفينة "مادلين" تقترب من غزة والساعات القادمة حرجة    برشلونة تدعم مغربية الصحراء وتبرز جدية مقترح الحكم الذاتي    قتلى وجرحى في حادثة سير ضواحي أزمور        متفوقاً على لامين ومبابي.. رافينيا أفضل لاعب في الدوري الإسباني    زلزال بقوة 6,4 درجات يضرب شمال الشيلي    عيد الأضحى في إندونيسيا: مظاهر احتفالية روحانية في أكبر بلد إسلامي من حيث عدد السكان    المنتخب المغربي لكرة القدم يتوفر على دكة احتياط حاسمة (وليد الركراكي)    جوكوفيتش يلمح أنه ربما خاض آخر مباراة له في رولان غاروس    وزارة التربية تمدد آجال طلب المنح    أول أيام التشريق.. الحجاج يواصلون رمي الجمرات الثلاث    الإصابة تُغيّب ديمبيليه وباركولا عن مواجهة ألمانيا في الأمم الأوروبية    الملك محمد السادس يهنئ ملوك ورؤساء وأمراء الدول الإسلامية بمناسبة حلول عيد الأضحى المبارك    اكتشاف مومياوات نادرة في البيرو تعود لحضارات ما قبل الإنكا    كارثة عمرانية بسور المعكازين بطنجة.. ومطالب بمحاسبة الشركة المشرفة على الفضيحة!    باريس ومونتريال ونيويورك تحتضن فعاليات يوم الأمة القبائلية: دعوة مفتوحة من الحكومة المنفية لإحياء الذاكرة وتأكيد خيار الاستقلال    الأسود تزأر مرتين ضد تونس في فاس    قناة إيطالية تشيد بالوثائقي المغربي "إشعاع مملكة" الذي تنتجه شركة "Monafrique Prodcom"    على هامش غياب الكاتب حسونة المصباحي    أطباء مغاربة يحذرون من تزايد حالات الاجتفاف نتيجة ارتفاع درجات الحرارة    محمد حماقي ينضم لنجوم الدورة ال20 لمهرجان موازين    طوابير الحجاج في مكة لحلاقة الشعر يوم عيد الأضحى    هشام جعيط وقضايا الهوية والحداثة والكونية...    الأدبُ المُعَاصِر هل هو مُتْرَعٌ ببُذُورَ الإحبَاط والسَّوْدَاوِيَّة والإكتئاب؟    الحجاج ينهون رمي الجمرات في أول أيام العيد    يوميات حاج (8): الهدي ورمي الجمرات .. تطهير النفس وتحرير الروح    الحجاج يبدأون رمي "جمرة العقبة" الكبرى في مشعر منى    "يمكن" عمل جديد للفنان زياد جمال – فيديو-    مهرجان كناوة 2025 بالصويرة .. تلاق عالمي بين الإيقاعات والروح    قتل الكلاب والقطط الضالة بالرصاص والتسميم يخضع وزير الداخلية للمساءلة البرلمانية    بداية عهد جديد في تدبير حقوق المؤلف.. مجلس إداري بتمثيلية فنية ومهنية لأول مرة    ضوء النهار يعزز المناعة.. دراسة تكشف سر النشاط الصباحي للخلايا الدفاعية    دراسة: الإفراط في الأطعمة المصنعة قد يسرّع أعراض باركنسون    "الخرف الحيواني" يصيب الكلاب والقطط مع التقدم في العمر    









بنسالم حميش يكشف حقيقة تمريغ اسم الإسلام في أوحال الإرهاب
نشر في هسبريس يوم 30 - 01 - 2020


إنها الحرب على الإسلام في حدِّ ذاته
أمام وضع مأساوي يقضي بتمريغ اسم الإسلام في أوحال التعصب والإرهاب، وبالتالي في تدعيشه كما أبنت في مقالة سالفة، لا نرى للأسف الشديد المنظمات الاسلامية الرسمية تحرك ساكنا ولا وزاراتنا الوصية على القطاعين الديني والثقافي وكذلك قطاع الشؤون الخارجية، ولو برفع ملتمسات إلى المنظمات الدولية المعنية، تدعوها إلى تفعيل مبدأ صيانة ثقافة الاسلام وحضارته من التسيبات اللفظية والتسميات الضالة المضلة، التي تسعى أوساط ولوبيات قوية طاغية إلى نشرها وتسويقها وتطبيع استعمالها وتداولها...
اشتكى الرئيس فرنسوى هولاند قبيل انتهاء ولايته من كون لفظة إسلام أمست تخدش أذنيه (Le vocable islam m'écorche les oreilles)، وسبق لوزيره الأول مانويل ڤالس أن ابتدع تركيب الفاشية الإسلامية (islamo-fascisme)، كما سرى كالنار في الهشيم وصف الإسلام أو الإسلاموية، لا فرق، بالعنف والإرهاب، وشبَّه الرئيس ماكرون مؤخرا الإسلاموية بالغول المتوحش (Hydre)، هذا ولو أن الإرهابي، من حيث المبدأ والتعريف الاتفاقي هو من لا دين ولا شرع له (no faith no law/ ni foi ni loi).
اما الإعلاميون من شتى الأصناف في تغطياتهم لأفعال الجماعات المتطرفة المنتمية إلى بلدان إسلامية وحتى إلى اخرى أوروبية، كما في تنظيم داعش، فإنهم يتنافسون بنحو اعتباطي مجحف في حشر الإسلام كليةً ضمن تلك الجماعات فيدعشونه كمصدر إلهام واستعداء، وحين يبلغ عندهم هذا التوجه الطاغي والقصد المبيت حد التخمة والإتخام، تراهم ينوعون – والمعنى واحد – باستعمال كلمات مثل الاسلاميون الراديكاليون تارة والجهاديون والسلفيون تارة (ومعجم جيل كيبل وغيره في هذا المقام يمدهم بالزاد المطلوب ويسعفهم).
وأمام اندفاعات أولئك الإعلاميين الجارفة، لم ينفع التنبيه المحتشم الصادر عن المجلس الفرنسي للديانة الاسلامية، فظلوا مصرين مستميتين في تمريغ اسم الاسلام في أوحال العنف والإرهاب، كما لو أنهما من صلبه وإنتاجه. وفد انفرد الرئيس التركي الطيب أوردغان بشجب هذا السلوك والطعن فيه، وذلك أثناء استقباله للرئيس إيمانويل ماكرون وللمستشارة أنجيلا مركيل أواخر أكتوبر 2018. ونعلم ما لمطارق الإعلام بكل صنوفه من دور مؤثر خطير في قولبة الرأي العام وشحذه وتجييشه، يعضده في هذا ويقويه اليمين المتطرف وبعض وجوه اليمين التقليدي في أوروبا الغربية، بحيث أخذوا يعتبرون الاسلام في حد ذاته دينا هو والارهاب سيان، أو كوجهين لعملة واحدة، فيلزم تحجيمه ومحاربته. وهذا أحدث استفتاء للرأي في فرنسا لوكالة إبسوس ويومية لومند يظهر أن 74% من المستجوبين يعتبرون الإسلام (كذا!) ديانة لا متسامحة (بلوغ لومند 24-01-2017). أضف إلى ذلك، على سبيل المثال لا الحصر، ما صرحت به رئيسة الجبهة الوطنية الفرنسية مارين لوبين، فيما تطلقه من تصريحات عدوانية نارية، أن الشريعة الاسلامية "وحشية بشعة"؛ هذا علاوة على ما تقوم به في أوساط ثقافية أسماء متصهينة متنفذة من أدوار متقاطعة مكملة، كأدلير وديل فال مثلا ودنتيك وهنري-ليفي وهولبيك وفنكنكروت الذي يعتبر القرآن "كتاب حرب"، يغذي الجماعات الاسلامية ويستعديها على الغرب وحضارته، هذه الجماعات التي خصها المستشرق الأمريكي المتصهين برنار لويس بكتاب سماه صراحة عودة الإسلام (بلا ism) The return of islam؛ ناهيكم عن عرب الاسم والخدمة المجنسين أوروبيا والمدجنين الجدد، كعبد الوهاب المؤدب صاحب كتاب "مرض الاسلام" (من دون isme) وأنطوان سفير ومحمد صفاوي (المتعاملان جهرا مع المخابرات الفرنسية)، وهذا الأخير زايد على الجميع في إحدى حلقات برنامج C dans l'air خلال أواخر يناير 2017 حول الحرب في مالي، فابتدع نعت narcoislamistes (إسلاميي تجارة المخدرات)، وغير ذلك كثير! وكل هؤلاء في المحصلة إنما يؤججون نيران الجهالات والتشنجات الصدامية العنيفة، تتعلل بها الجماعات المتشددة من الطرفين وتتقوى.
فماذا عسانا نقول في خضم أسواق وخردات تفيض بفوضى المفاهيم العارمة، والصور النمطية الملتبسة، وضوضاء الأصوات الحاقدة المسعورة؟ أسواق وخردات تطغى عليها النوايا السيئة المبيتة، المعْرضة إراديا عن معرفة الحقائق والسياقات السياسية والتاريخية؛ وكلها سائبة متناسلة تضرب في الصميم مشروع حوار الثقافات وتحالف الحضارات، وتحوّله إلى لغو وغثاء وكلمات خرافية جوفاء... ماذا يسعنا سوى أن نثبت ما يلزم من الاشارات والتنبيهات، التي نعلم مسبقا أنها لن تطرق آذان المعنيين بها، ولو سطرناها بلغتهم؛ وهي إجمالا كما يلي:
في جميع الديانات والتيارات والنظريات، لا وظيفة للاحقة isme إلا إعلان مرجعها الفكري (أو الإيديولوجي)، أو هويتها الدينية. وهكذا فالمسيحية christianisme لا تعني شيئا آخر غير ديانة عيسى ابن مريم وآباء الكنيسة القائمة على الإيمان التوحيدي وعقيدة التثليث أو الصليب، وهي الديانة المتفرعة إلى مذاهب كبرى ثلاثة: الكاثوليكية والأورثدوكسية والبروتستانية، واللاحقة isme في هذه المذاهب كما في الديانة – الأم ليس لها أي تضمين دلالي خصوصي كالذي لها في islamisme؛ وقيسوا على ذلك اليهودية والبوذية والإحيائية، وغيرها. وعلاوة على ذلك، لا أحد يذهب إلى وضع فوارق من أي صنف ودرجة بين الإرهاب terreur والإرهابية terrorisme طالما تقوم هاته على نمط فكر وعمل يسن أتباعه ممارسة العنف الفعلي في علاقاتهم الصراعية بخصومهم ومناوئيهم.
أما مفهوم إسلاموية السيئ الوضع والتوظيف، الخاضع لمعالجة لغوية خصوصية بالغة الاستثنائية والتعسف، فإن مسوقيه يظنون أو يزعمون أنه شيء وأن مفهوم الإسلام شيء آخر، وذلك من حيث إن هذا ينطبق على الديانة التوحيدية الثالثة وثقافتها وحضارتها، وذاك يعني الأصولية أو التطرفية الإسلامية، إلخ. وهذا الاختلاف الفارق الذي ينصرف البعض، حتى بين النخب العربية والمسلمة (بمن فيهم طارق رمضان!) إلى صقله وتلميعه كاختلاف في الدرجة والطبيعة، إنْ هو إلا بدعة حديثة الولادة في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، أي غداة نكبة يونيو في 1967 ثم الثورة الايرانية في 1979. وبعيد هذه الفترة انتعشت الالتباسات المصطلحية وعلت سهومها في بورصة الخلط والتزوير، تغذيها أيادي التعتيم والترهيب والخوض في المياه العكرة، فانطلت تسمية "اسلاميزم" و"إسلاميست" على نظم وأحزاب وهيئات وجماعات وأفراد في العالم الاسلامي، منهم على سبيل المثال: النظام الايراني والحكومات التركية والمغربية والمصرية أيام الراحل محمد مرسي، وفي نفس السلة يُلقى بمختطفي الرهائن والمتشددين من شتى الأصناف (أكمي، أنصار الدين،موجاوو، بوكو حرام، القاعدة، داعش...) وأيضا بالإرهابيين والجانحين من مستعملي العبوات الناسفة والسيارات المخففة وتجار المخدرات وهلم جرا.
إن كلمات إسلام و"إسلاميزم" ومحمدية تحت النظر الأوروبي، لم تكن طوال قرون تُتداول إلا كتنويعات إسمية لمسمى واحد. ففولتير مثلا في Essai sur les mœurs يتحدث عن "الإسلامزم" من دون أن يميزه قط عن مرادفاته الأخرى، وكذلك الحال عند مستشرقي القرن التاسع عشر ومنتصف العشرين، كما تشهد بذلك أعمالهم، وأيضا المحاضرة التي ألقاها ارنست رينان في السوربون أواخر مارس 1883، وكان عنوانها "الاسلامزم والعلم".
وبالتالي، إذا كان المطلوب هو توخي الوضوح والدقة في كل حوار بين العقائديات والثقافات، فإنه يتوجب الذهاب ضد تيار التحكمات الاصطلاحية المتهافتة (التي لها ثقالة العادة وعيوبها) ثم تسمية الأشياء بمسمياتها والجماعات بعناوينها، أي قريبا ما أمكن من طبيعتها ووظيفتها، وفي حالتنا المخصوصة: الغلو أو التشدد الديني (الذي نهت عنه نصوص الإسلام المؤسسة)، وأصحابه: الغلاة أو المتشددون الدينيون، لا سيما أن لا أحد يسمى متطرفي اليهودية باسم judaïstes، من إرهابيي إرغون وهاغانا أو إيغل أمير قاتل إسحاق ربين، في حين أن إسلامبولي قاتل أنور السادات نُعت على الفور بالإسلامي(!)؛ وكذلك الشأن في المسيحية، إذ لا تطلق تسمية christianistes على إرهابييها في الماضي القريب ولا في الحاضر، وما أكثرهم! وفي هذا المنحى، لا يسعنا إلا أن نؤيد ما ورد على لسان رئيس تنظيم سنة الأمم المتحدة في 2001 حول حوار الحضارات، السيد بيكو، إذ قال: "ليس التاريخ هو الذي يقتل، وليست الديانة هي التي تغتصب النساء، وليست طهارة الدم هي التي تهدم البنايات...وحدهم الأفراد يقومون بمثل تلك الأفعال".
إن الإبقاء على الخلط السيمنتيكي بين الإسلام والإيديولوجيا المغالية التي تدعى الانتماء إليه ليدفع إلى اختزال بعدهما الاختلافي الكبير في مجرد خيط رهيف لا تتأخر نخب غربية، متبوعة بالرأي العام إجمالا، عن قطعه قصديا ومن دون احتياط يذكر، وخصوصا في فترات الأزمات والصدامات. وهكذا ففي البلدان العربية والإسلامية مثلا، يجد الديمقراطيون والحداثيون أنفسهم محشورين في مواقف غير مريحة وأحيانا باعثة على الشفقة، إذ يُطلب منهم غربيا أن يرفعوا اليافطات البيضاء ويمارسوا باستمرار التبرؤ والدفاع الذاتين؛ ومن بين هؤلاء، كما رمزنا، من يتبنى أجندا وقاموس المتغلبين ويزكيهما من باب التقية وحفاظا على مواقعهم وخرجاتهم النشرية والاعلامية؛ أما حَمَلة الوعي النقدي والمتشبعون بحرية الفكر وقيم العدالة والمساواة، فيضطرون إلى مواقف استفراغ الجهد في محاولات التوضيحات ورفع الأخلاط والالتباسات، مع علمهم المرير أنه، خارج دوائرهم الوطنية والاقليمية، تبقى كل أقوالهم وأفعالهم مهمشة، غير مسموعة من طرف لوبيات الاعلام الغربي بكل أشكاله وقنواته المتنفذة في تخطيط سياسة الأقوى وترسيخ قواعده وأساسيات هيمنته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.