واشنطن: الاعتقال بسبب الرأي مستمرفي المغرب.. والزفزافي معتقل تعسفيا.. و67% من القوة العاملة في القطاع غير المهيكل    "مناجم"... رقم المعاملات يبلغ 4،42 مليارات درهم عند متم يونيو 2025    "مازي" يتراجع في بورصة البيضاء    السكتيوي يعلق على إصابة مولوعة    توقيف شخص يشتبه تورطه في اندلاع الحريق الضخم بغابات جماعة باب تازة    الغموض يلف "مشيخة البودشيشية"    الحبس النافذ للمتهم وتعويض 40 مليون سنتيم في قضية دهس "الطفلة غيثة"    المادة 17 من قانون المسطرة المدنية بين النظام العام والأمن القضائي    المغرب: إشعاع ثقافي متصاعد وتحديات تمثيل صورته في السينما الأجنبية    على بعد مسافة…من حلم    يا ويلي من اسمي.. حين يخاصمني    الناشط أسيدون يلازم العناية المركزة    صحيفة "ABC" الإسبانية تُبرز أسباب تفوق ميناء طنجة المتوسط        المغرب يسجل 49.2° بالعيون وفوارق حرارة قياسية تصل إلى +17° خلال "الصمايم"    رواج ينعش استعمال "كتابة النساء" في الصين    مصر تفقد أحد أعمدة الأدب العربي.. صنع الله إبراهيم في ذمة الله            الدكتور بوحاجب: غياب مراقبة الجودة أحيانا يفتح المجال أمام التلاعب بصحة الناس..!!    ذكرى استرجاع وادي الذهب.. المشاريع الملكية تحوّل الصحراء المغربية إلى قطب اقتصادي وتنموي متكامل    الناظور.. الجمارك تحبط تسويق أطنان من مواد غذائية فاسدة في أزغنغان    أول تعليق للقوات المسلحة الملكية بخصوص واقعة فيديو "تعنيف مهاجر" قرب سبتة    زلزال بقوة 5 درجات يضرب إقليم مالوكو في إندونيسيا    نائب يميني متطرف يستفز المغرب برفع العلم الإسباني على صخرة محتلة قبالة الحسيمة    أول تقرير عن حالة حقوق الإنسان في العالم صادر عن إدارة ترامب يصف مجازر إسرائيل في غزة بأنها "حوادث فردية"    وزراء خارجية 24 دولة يطالبون بتحرك عاجل لمواجهة "المجاعة" في غزة            السكتيوي يطمئن المنتقدين ويؤكد جاهزية "الأسود المحلية" لمواجهة زامبيا        تفشي بكتيريا مرتبطة بالجبن في فرنسا يودي بحياة شخصين ويصيب 21 آخرين    في ‬اللقاء ‬الذي ‬جمع ‬الوزير ‬برادة ‬وقيادات ‬النقابات ‬التعليمية :‬    إطلاق الصاروخ الأوروبي أريان 6 إلى الفضاء    أسعار الجملة للخضر والفواكه بالدار البيضاء تسجل تفاوتاً كبيراً بين المنتجات    مؤسسة محمد السادس للعلوم والصحة تجري بنجاح أول عملية زراعة كلية مع عدم توافق فصائل الدم ABO على المستوى القاري    راشفورد ينتقد يونايتد: "يفتقر إلى الخطط"    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الأربعاء    هل ‬دخلنا ‬المرحلة ‬ما ‬قبل ‬الأخيرة ‬لتطبيق ‬مقترح ‬الحكم ‬الذاتي ‬؟ ‬    تراجع الدولار مع ترقب خفض أسعار الفائدة الأمريكية في شتنبر    دول أوروبية تتوعد النظام الإيراني بإعادة تفعيل آلية العقوبات    فرنسا.. توقيف مراقب جوي بعد قوله "فلسطين حرة" لطاقم طائرة إسرائيلية        تسكت تتألق في أمسية "رابافريكا"    أربع مدن مغربية على رأس قائمة أكثر مناطق العالم حرارة    بوتين يشيد بالقوات الكورية الشمالية    اعتقال شخص بعد إطلاق نار داخل مطار سيدني    غزة: صندوق الثروة السيادية النرويجي يسحب استثماراته من 11 شركة إسرائيلية        دورة سينسيناتي لكرة المضرب: ألكاراس يتأهل لثمن النهاية    حملة أمنية بوزان تطيح بمروجي مخدرات وتوقف مطلوبين للعدالة    عوامل تزيد التعب لدى المتعافين من السرطان    دراسة: استعمال الشاشات لوقت طويل قد يزيد خطر الإصابة بأمراض القلب لدى الأطفال والمراهقين    "بعيونهم.. نفهم الظلم"    بطاقة «نسك» لمطاردة الحجاج غير الشرعيين وتنظيم الزيارات .. طريق الله الإلكترونية    هنا جبل أحد.. لولا هؤلاء المدفونون هنا في مقبرة مغبرة، لما كان هذا الدين    الملك محمد السادس... حين تُختَتم الخُطب بآياتٍ تصفع الخونة وتُحيي الضمائر    المغاربة والمدينة المنورة في التاريخ وفي الحاضر… ولهم حيهم فيها كما في القدس ..    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في الحاجة لعلم النفس السياسي
نشر في هسبريس يوم 07 - 02 - 2020

أمام تطور القضايا المجتمعية والسياسية وما رافقها من تحولات طالت أساليب وأشكال التعبير والفعل السياسيين، أصبحت الحاجة ملحة لتوظيف علم النفس السياسي في موضوعات علم السياسة. ولا أخشى المبالغة إذا ما قلت، إن الاستعانة بعلم النفس السياسي في الدراسات السياسية، لم يحظ بالأهمية نفسها التي حظيت بها باقي فروع علم السياسة وأكثر من هذا فهذا الإهمال يسري نسبيا، حتى على أهل التخصص الذين هم أساتذة علم النفس، لأنهم بدورهم لم يعيروا أهمية لهذا الحقل المعرفي، خاصة وأنه أثبت جدواه في دراسة وتحليل الأفعال والسلوكيات السياسية من ناحية نفسية وسيكولوجية. وإذا أخذنا، على سبيل المثال، بعض المساهمات العلمية التي تناولت بالدراسة والتحليل تخصصات قانونية مشابهة لعلم السياسة، كعلم الإجرام، نجدها استعملت علم النفس الإكلينيكي في دراسة السلوك الإجرامي ودوافع الإقدام على هذا الفعل، ويعتبر الطبيب الإيطالي (تشيزرى لومبورزو)، نموذجا للباحثين الذين درسوا سلوك المجرم من زاوية علم النفس.
وارتباطا بما سلف، يمكن تعريف علم النفس السياسي، بحسب عالم النفس الأمريكي (مورتون دويتش)، بكونه تخصص معرفي يهتم بدراسة التفاعل بين العمليات النفسية والسياسية، وبمعنى آخر فهذا التخصص المعرفي يشكل مجالا لالتقاء الإنسان والسياسة في نفس الآن، وبهذا يكون علم النفس السياسي، ذلك العلم الذي يهتم بتفسير الظواهر والأحداث السياسية وسلوك الفرد والجماعة من منظور نفساني وسيكولوجي، وذلك عبر طرح فرضيات تفسيرية للأفعال السياسية، مثل: لماذا يخرج الأفراد للاحتجاج السياسي بالفضاء العمومي؟، ما هي الأسباب التي تدفع الشخص للإقدام على بعض السلوكيات العدائية تجاه الدولة؟، ما هي العوامل المتحكمة في العزوف السياسي والانتخابي...، ففي هذه الحالة يفدينا علم النفس السياسي من أجل فهم علم السياسة، لأن هذه الأخيرة، بحسب (كروزييه وفريدبرغ)، موجودة في كل مكان، أخذا بعين الاعتبار مقولة (أرسطو) "الإنسان حيوان سياسي".
فعلم النفس السياسي لا يكتفي بالنظر للسياسة، باعتبارها فن حكم الدول، بل يرى أنه لتحليل أي سلوك أو تصرف أو موقف سياسي، لا بد من الرجوع إلى النفس البشرية، لأن السياسة تعتبر بمثابة مؤثر في شخصية وسلوك الفرد سواء كان فاعلا سياسيا أو قائدا أو جماعة سياسية. ويعتبر (هارود لاسويل) الأب المؤسس لعلم النفس السياسي كتخصص معرفي أو حقل علمي جامعي بالولايات المتحدة الأمريكية، وذلك من خلال تأكيده على أهمية العمليات النفسية سواء الفردية أو الجماعية في تحديد السلوك السياسي، منطلقا من دراسة تأثير وسائل الاتصال على الرأي العام، انطلاقا من قاعدة (من يقول؟، ماذا يقول؟، بأية وسيلة؟، لمن؟، ولأي غرض؟).أما في أوربا فقد حظي هذا الحقل المعرفي باهتمام من مدرسة فرانكفورت النقدية، التي يتزعمها (ماكس هوركهايمر)؛ (هربرت ماركوز)؛ (يورغن هابرماس)؛ و(تيودور أدورنو). وما ميز هذه المدرسة هو أنها اعتمدت منهج نقدي لدراسة الظواهر الاجتماعية، ونهلت من حقوق معرفية أخرى في مقدمتها علم النفس وعلم الاجتماع، خاصة وأن (ماكس هوركهايمر) كان ملما بقضايا علم النفس وكان يشتغل كأستاذ لعلم النفس الاجتماعي بجامعة فرانكفورت مما مكنه من وضع اللبنات العلمية للنظرية النقدية.
إن توظيف علم النفس السياسي لدراسة وتحليل قضايا علم السياسة، لا يجب أنه يفهم منه إقصاء الحقول المعرفية الأخرى، كعلم الاقتصاد وعلم الاجتماع،...، في التحليل السياسي، بل إن العلوم الاجتماعية في حاجة للتكامل المعرفي والوظيفي وفي خدمة بعضها، خاصة في ظل ظهور ممارسات سياسية جديدة، مما غدت معه مهمة تحليل الأحداث والظواهر الاجتماعية والسياسية تستوجب الاستعانة بتخصصات وحقول معرفية أخرى، وهنا تبدو الحاجة لتوظيف مبادئ علم النفس السياسي، بجانب حقول معرفية أخرى، لدراسة التغييرات الثقافية والسلوكيات السياسية للفرد والجماعة التي أخذت مظاهر جديدة وأبعادا أخرى، خاصة مع الثورة المعلوماتية ووسائل الاتصال الحديثة، التي أفضت لبروز فضاء عمومي افتراضي باعتباره منصة غير متحكم فيها رسميا تسمح ببروز بعض السلوكيات السياسية الفردية والجماعية سواء منظمة أو غير منظمة وإن كانت الغلبة أحيانا للثانية.
بحسب البريطاني (دافيد باتريك هوتون)، هناك مقتربين أساسيين لفهم السلوك الإنساني، الأول، مقترب موقفي، وهنا يلعب الموقف المحيط بالفرد والوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي...، أهمية كبرى في تشكيل سلوكه ومواقفه وتصرفاته، والمقترب الثاني نزوعي، بمعنى أن شخصية الفرد وما لديه من اعتقادات وقناعات ورواسب فكرية وعقائدية وقيمية أو حتى مواقفه وتوجهاته السياسية والموروثات الجينية تلعب دورا في تشكيل سلوكياته وأفعاله.
بقي هنا أن نعرج لتوظيفات علم النفس السياسي في بعض القضايا السياسية، وإن كان يصعب حصرها من الناحية الكمية، إلا أنه في مقابل ذلك يمكن الإشارة إلى أكثرها تداولا بين علماء السياسة.
غوستاف لوبون ودراسة سيكولوجية الجماهير
اهتم هذا المفكر الفرنسي بدراسة الطب النفسي والسلوك الجماعي، وأصدر فيه العديد من الأبحاث يبقى من أشهرها، على الإطلاق، كتابه المعنون ب"سيكولوجية الجماهير"، وانطلق (لوبون) من محاولة الإجابة على التساؤل التالي: "كيف يمكن للقادة أن يجيشوا الجماهير؟". فوصل لخلاصة أساسية تتمثل في كون الجماهير مجنونة بطبعها، وتغلب عليها الغريزة الثورية دون سبب أو مبرر، والانتماء للجماعة يجعلها تشارك في أي قضية يغلب عليها الطابع الجماهيري، فالقائد يستطيع تحريك الجماهير عن طريق عاطفتها وميولاتها المتطرفة، لأنه من الصعب جدا وجود النزعة الفردانية داخل الحشد الذي يسيطر عليه الفكر الجمعي.
فالميزة الأساسية للجماهير هي أنها مستعدة وبدون شعور على الذوبان في نفس واحدة تلغي كل التمايزات الشخصية والفردانية، لأن المتغيرات التي تطرأ على سلوك الفرد المنخرط في المجموع مشابهة لتلك الذي يتعرض لها الإنسان أثناء عملية التنويم المغناطيسي، وهنا يظهر لنا بأن (غوستاف) وظف علم النفس لتحليل نفسية الجماهير، الأمر الذي دفعه للقول بأن الكلمات لا تحدث تأثيرا في الجماهير إلا إذا تم تسريبها بطريقة ذكية لمنطقة اللاوعي لتتحول بعد ذلك لعواطف وسلوك "قهري" يقف وراءه القائد المحرك لها والذي يمارس تنويما مغناطيسيا على الجماهير على غرار التأثير الذي يمارسه الطبيب على مرضاه، الأمر الذي يجعلها مستعدة على تقديم تضحيات في إطار الجماعة وبدون مقابل.
وإذا ما حاولنا، تطبيق نظرية (لوبون) في الواقع العملي، نجد بأن هذا ما يحدث بالفعل في إطار المجموعات الدينية والإرهابية المتطرفة، حيث يتم الترويج لأفكار وخطابات مغلفة بحمولة وخطاب دينيين من قبل قائد التنظيم، الذي يجعل الفرد تحت عملية تأثير ينتج عنه تملك الفرد لصورة عدائية ضد السلطة والآخر، ويتبنى أفكارا وسلوكيات متطرفة، خاصة وأنه يشعر بالاستقواء من خلال الانضمام للجماعة دون الوعي بما يقوم به من ممارسات متهورة، لأنه غير قادر على إدراك الخطاب المغلف بحمولات دينية، لذلك من السهل تعديل وتوجيه سلوكه إلى فعل محدد سلفا من قبل التنظيم المتطرف، وهذا يحيلنا على نظرية (إيميل دوركهايم) المتعلقة بتصنيفه لأنواع الانتحار، خاصة الإيثاري، الذي يكون بسبب الاندماج الكامل في الجماعة، بحيث ينظر للحاجيات الفردية باعتبارها أقل أهمية من حاجيات الجماعة، وهو موجود في التجمعات التي تملك نظرة سوداوية عن كل شيء...، وقد استعان (دوركهايم) بدوره بعلم النفس في دراسة وتحليل السلوك الانتحاري للفرد، وذلك بناء على معلومات وفرتها له إحدى المساعدات التي كانت تشتغل مع طبيب نفساني.
سيرج تشاخوتين ودراسته لأسباب السيطرة على العقول
في عام 1939 نشر سيرج تشاخوتين، مؤلفه الشهير "اغتصاب الجماهير"، منطلقا من تحليل وقع الدعاية السياسية على العقل وتأليبه وتحريضه، وخاصة التضليل السياسي الذي مارسه (جوزيف غوبلز)، وزير الدعاية الألماني في عهد (هتلر)، والذي لعب دورا مهما في ترويج الفكر النازي داخل أوساط الألمان بطريقة ذكية واستغل الدعاية السياسية، ونجح في توجيه سلوك شريحة واسعة من الألمانيين، وذلك حينما طالبهم بفتح النوافذ ورفع صوت المذياع حتى تجد الكلمات التي يبثها عبر وسائل الإعلام الرسمية طريقها لمسامع الألمانيين.
عاش (سيرج تشاخوتين)، هذا الحدث غير المسبوق، فقام بدراسة وتحليل هذا السلوك من زاوية علم النفس، واستنتج كيف نجح (غوبلز) في إعادة صياغة وتوجيه سلوك الألمان على الشاكلة التي يريدها الحزب النازي بزعامة (هتلر)، وبالفعل فقد انساق الشعب بإرادته وراء خطة هتلر وشارك في حرب انتهت أطوارها بهزيمة ساحقة لألمانيا أمام الجيش الأحمر.
وبالنظر لوقع هذا التوظيف في سياق الممارسة السياسية المغربية، فإننا نلاحظ كيف أن بعض القادة الحزبيين (سابقا)، عمدوا إلى توظيف الدعاية السياسية جاعلين من مقولة غوبلز الشهيرة "اكذب ثم اكذب حتى يصدقك الناس" إحدى مبادئ سياستهم التواصلية، ولاحظنا كيف لجأ أيضا تنظيم حزبي معين لاستغلال الخطاب الديني في السياسية وتوظيفه كرافد من روافد إيديولوجيته، وهو ما بدا واضحا للعيان، من خلال بث صور للقائد السابق لهذا التنظيم الحزبي، وهو يحمل السُّبحة في يده أو وهو يجلس وبجانبه نسخة من المصحف الشريف، كذلك فإن خطابه السياسي لم يخل من حمولات دينية من خلال توظيف بعض الآيات القرآنية والأحاديث النبوية في تصريحاته الرسمية وغير الرسمية، موظفا الخطاب الديني كمورد سياسي، متناسيا بأن هذا الأخير هو دين للدولة ولجميع المغاربة.
واستكمالا لهذا التوظيف وتكريسا له من قبل هذا الحزب، ما فتئ هذا الأخير يسخر تنظيماته الموازية للترويج لمبادئه واستعمال الخطاب الديني لخدمة أغراض سياسية، كما أن النظام الأساسي لهذا الحزب ينص في ديباجته على تبنيه للمرجعية الإسلامية، التي هي مرجعية الأكثرية الكاثرة للمغاربة ومرجعية الدولة المغربية التي نص دستورها في تصديره على أن المملكة المغربية دولة إسلامية وأن الدولة تضمن لكل واحد حرية ممارسة شؤونه الدينية، وعليه، فإن أية محاولة لفرض الوصاية على الدين من أي تنظيم سياسي تبقى الغاية منها التوظيف السياسي.
تيودور أدورنو ودراسة الشخصية التسلطية
حاول هذا الفيلسوف الألماني المنتمي لمدرسة فرانكفورت النقدية، دراسة الشخصية المتسلطة بالنظم الشمولية بشكل عام والنظام النازي في ألمانيا بشكل خاص، من منطلق سيكولوجي ونفساني لشخصية المتسلط، وذلك عبر البحث عن الأسباب الكامنة وراء النزعة التسلطية وقدرتها القوية على التعبئة السياسية والنفسية للجمهور والتأثير في السلوك الجماعي والحياة السياسية...، وخلص تيودور أدورنو إلى فكرة أساسية هي أن التربية الألمانية البروتستانتية القائمة على مبدأ الإكراه والقسوة، وكذا زرع سلوكيات التقديس والاحترام والإكراه في نفسية الطفل هي نفسها نمت وتطورت لتطبع كل سلوكياته حتى في المراحل المتأخرة من حياته، وغذت المعيار المحدد لسلوك قادة الدولة في ما بعد، وهو نفس المنحى الذي نحاه ماكس هوركهايمر، الذي اهتم بدراسة موضوع العائلة والسلطة والبحث في أسباب السلوك التسلطي الذي يتشكل بدءا منذ الطفولة بسبب التربية القائمة على مبدأ تقديس الصغار للكبار. وهكذا، يتخذ الرجل/الطفل سلوك الفئة التي ينتمي إليها ونمط التفكير السائد فيها.
وهذا، ينطبق إلى حد ما، على بعض التنظيمات والجماعات الإسلامية التي تزرع قيم الطاعة والخنوع في أتباعها، بل وتؤكد على ضرورة تقديس زعيم هذه الجماعة، وذلك حتى بعد وفاته، إذ غالبا ما ارتبط وجود هذه الجماعة الإسلامية، التي تتبنى موقفا متصلبا تجاه الدولة، باسم الشخص المؤسس لها، الأمر الذي يمكن القول معه بأنها تميل للشخصنة وتكريس سلوك الطاعة، خاصة وأن القائد يعتبر الشخصية المحورية التي يدور حولها هذا التنظيم من خلال انفراده بالسلطة وعدم مناقشة قراراته، الشيء الذي يضفي عليه نوعا من "القدسية".
فهذه الجماعة الإسلامية لم تستطع لحد الآن أن تتحرر من القيم والسلوكيات التي رسختها مؤسسة الزوايا طيلة قرون والمتمثلة في قيم الشرف والبركة وسلوكيات ما يمكن نعته بالتقديس داخل بنيتها، فالعلاقة التي سادت بين الزعيم وأتباعه داخل هذا التنظيم الديني هي نفسها التي كانت تطبع علاقة شيخ الزاوية بمريديه، حيث سيادة علاقات التبعية والخضوع، إذ هناك تماثل قائم ما بين هذه الجماعة والزاوية لكون خصائص الأخيرة ذات حضور متميز داخل الهيكل التنظيمي لهذه الجماعة الإسلامية، فالعلاقات التراتبية داخلها يحكمها النظام الباترياكي، فالسلطة المنتشرة في بنية هذه الجماعة الدينية مماثلة للنموذج الأبوي ونابعة منه، ومن شدة الارتباط الوثيق بين فكرة الزعيم والجماعة الإسلامية تجعل الباحث في تاريخها يخلص إلى أنه تاريخ لمؤسسها، لأنه من الصعب تصورها بمعزل عن مؤسسها.
فيليب زيمباردو وستانلي ميلغرام وتأثير السلطة على الفرد
هل الإنسان مجبول على فعل الشر وتوظيف السلطة بما يتعارض ومبادئه؟، لقد انشغل الفكر الإنساني منذ القدم بالبحث في التركيبة النفسية للفرد من خلال ثنائية الخير والشر في، فهناك من رأى بأن الإنسان مجبول على الشر وهذا ما ذهب إليه توماس هوبز من خلال كتابة التنين "الإنسان بحسبه ذئب لأخيه الإنسان"، في حين رأى جون جاك روسو بأن الإنسان ميال للخير، أما سيغموند فرويد، فقد كان له رأي آخر واعتبر الإنسان صفحة بيضاء لا هو خير ولا هو شرير. وقد أثبتت دراسات حديثة في علم النفس، قاما بها كل من زيمباردو وميلغرام، بأن كل الأفراد مستعدون للممارسة نوع من الإكراه والسلطة الجبرية وذلك كلما سنحت لهم الفرصة بذلك، فزيمباردو صاحب تجربة سجن ستانفورد خلص لفكرة الصندوق الفاسد، والتي مفادها أن سلوك الفرد سيكون أكثر قسوة وعدوانية في حالة توفره على الشروط والبيئة اللازمتين لذلك، وقد استعملت هذه النظرية لتبرير الأعمال القاسية التي تعرض لها معتقلي سجن أبو غريب من قبل الجنود الأمريكيين، أي أن سيكولوجية الفرد تبقى قابلة للعدوانية، وهي نفس الخلاصة التي توصل إليها ستالني ميليغرام، والذي اعتبر بأن الإنسان مستعد، في أي وقت، للتخلي عن إنسانيته وإتيان أفعال وسلوكيات أكثر عدوانية.
خلاصة:
أمام التضخم المعرفي والمجالي الذي شهدته قضايا علم السياسة، وأخذا بعين الاعتبار بروز سلوكيات وأفعال سياسية جديدة سواء كانت فردية أو جماعية، وأمام قصور المقاربات الكلاسيكية لعلم السياسة في دراسة وتحليل السلوكيات والأفعال وحتى الممارسات السياسية الجديدة التي أفرزها الانفجار المعرفي والتكنولوجي، فإن الحاجة غذت ضرورية لتوظيف علم النفس السياسي في دراسة القضايا السياسية، خاصة وأن علم السياسة ينتمي إلى حظيرة العلوم الاجتماعية والإنسانية، وهو نفس الأمر الذي ينطبق على علم النفس الذي يهتم بدراسة النفس البشرية والسلوك الإنساني، فأهمية علم النفس السياسي كتخصص معرفي تتمثل في كونه يختص بدراسة البواعث النفسية لسلوك النخبة والجماهير، وذلك حتى لا تنصاع الأخيرة وراء أي حدث دون تحليله وفهم النوايا الخفية من ورائه، فالأفعال والسلوكيات السياسية بشكل عام، لا تخلو من البواعث الإيديولوجية والسياسية والنفسية للقائمين عليها.
*دكتور في القانون العام والعلوم السياسية كلية الحقوق السويسي الرباط


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.