وفد من الدرك الملكي يزور متحف الدرك الوطني الفرنسي في إطار تعزيز التعاون    مشروع قانون إحداث المجلس الوطني للصحافة أمام أنظار المجلس الحكومي يوم الخميس المقبل    الكاتب الأول للحزب يستقبل أعضاء المنظمة المغربية لحقوق الإنسان    شقران أمام يلوّح بالتحضير لولاية رابعة لإدريس لشكر داخل الاتحاد الاشتراكي    وفد سعودي اقتصادي رفيع يحلّ بالمغرب لاستكشاف فرص الاستثمار وتعزيز مستوى الشراكة    كتابة الدولة المكلفة بالصيد البحري تفند مزاعم استهداف صغار السردين بميناء العيون    معدل البطالة بين السعوديات يتراجع إلى 10.5%    إيران تشكك في التزام إسرائيل بالهدنة.. وتتعهد بالرد الفوري    كأس العرش: نهضة بركان يطمح إلى التتويج باللقب وأولمبيك آسفي يبحث عن باكورة ألقابه    هل يطوي المغرب صفحة عبد السلام أحيزون؟ من "اتصالات المغرب" إلى مهرجان موازين وجامعة ألعاب القوى    مونديال الأندية.. ميسي في مواجهة باريس سان جرمان الذي حمل قميصه و"لم يكن سعيدا" معه    حمد الله يعد لاعبي أولمبيك آسفي بمكافأة مالية في حال الظفر بكأس العرش    إحباط تهريب كمية كبيرة للأقراص المهلوسة بمعبر باب سبتة    توقعات أحوال الطقس اليوم الأحد    أكادير.. توقيف مواطنين بريطانيين مبحوث عنهما دولياً بناءً على معلومات من "الديستي    فيلم قرية قرب الجنة يتوج بالجائزة الكبرى لمهرجان خريبكة الدولي    تطوان تستقبل وفد أكاديمية الفجيرة للفنون الجميلة في زيارة لتعزيز التعاون الثقافي    معهد الموسيقى في تمارة يتوج مساره الدراسي بتنظيم حفل فني    ترامب: اعقدوا صفقة غزة.. أعيدوا المحتجزين    ذكرى استرجاع سيدي إفني، صفحة مشرقة في مسلسل الكفاح البطولي من أجل استكمال الاستقلال الوطني وتحقيق الوحدة الترابية    دراسة ترصد تحديات التنظيم الذاتي للصحافة في المغرب وتطرح خريطة إصلاح شاملة    "فرحتي كانت عارمة".. بودشار يحتفي بحفل جماهيري تاريخي في موازين    ماجدة الرومي تتألق في الرباط وتلتقي جمهورها المغربي ضمن فعاليات مهرجان موازين    فوضى واغماءات وانتقادات بسبب "البلاي باك" في حفل شيرين بموازين    الشرقاوي ينفي عزمه الترشح لرئاسة نادي اتحاد طنجة والإطاحة بالرئيس الحالي كرطيط    كرة القدم.. المنتخب الإنجليزي يتوج بلقب بطولة أمم أوروبا للشباب    حزب متطرف في إسبانيا يقترح إلغاء برنامج تعليمي يستهدف الحفاظ على الهوية المغربية لدى أبناء الجالية    الوكالة الدولية للطاقة الذرية: إيران قادرة على استئناف تخصيب اليورانيوم خلال شهور    زلزال بقوة 5,3 درجات يضرب وسط باكستان    طنجة.. إصطدام عنيف يُرسل سائق دراجة نارية في حالة حرجة إلى المستعجلات    جريمتي كانت تنفيذًا لأمر إلهي لإنقاذ إسرائيل من الشر    عاصفة رعدية وأهداف قاتلة .. تشلسي يعبر إلى ربع نهائي كأس العالم للأندية    مبادرة تستعين بتلاميذ لإقناع "متسرّبين" بالعودة إلى مقاعد الدراسة بالمغرب    المجتمع المدني يُكرم بوجيدة بالناظور    بعد حرب "ال12 يوما" مع إسرائيل.. هل تستطيع إيران إنتاج قنبلة نووية؟    الجامعة تحدد أجل تجديد بطاقة المدرب    سعر صرف الدرهم ينخفض أمام اليورو ويرتفع أمام الدولار    هجوم إعلامي قذر من الجزائر على مالي    أكثر من 2000 مشارك من 3 قارات في مناظرة الذكاء الاصطناعي بالمغرب    غزة وإسرائيل .. هل يفصلنا أسبوع عن وقف الحرب؟    موازين 2025 .. مسرح محمد الخامس يهتز طرباً على نغمات صابر الرباعي    تفكيك مخطط إرهابي خطير بعد توقيف طالبة موالية ل"داعش" كانت تستعد لاستهداف منشأة دينية    تراجع تلقيح الأطفال في العالم يهدد حياة ملايين الأشخاص وفقا لدراسة حديثة    أزيد من 48 بلدا في فعاليات "مراكش عاصمة شباب العالم الإسلامي 2025"    انعقاد الجمعية العامة العادية لغرفة الصناعة التقليدية لجهة طنجة تطوان الحسيمة    تراجع التلقيحات يعيد شبح الأوبئة .. والمختصون يطالبون بتعبئة مغربية    إسرائيل تقتل 550 طالبا للمساعدات.. الأمم المتحدة تندّد بنظام "عسكري" لتوزيع المساعدات في غزة    مجموعة العمران تطلق جولة "Al Omrane Expo – مغاربة العالم 2025" من بروكسيل    قناة عبرية: مصدر سوري يكشف عن توقيع إسرائيل وسوريا اتفاقية سلام قبل نهاية العام    تقنين جديد لإنتاج وتسويق الخل بالمغرب    ضوء خافت يشع من العقل أثناء التفكير.. والعلماء يبحثون التفسير    ضجة الاستدلال على الاستبدال        طفل في كل فصل دراسي مولود بالتلقيح الصناعي ببريطانيا    التوفيق : تكلفة الحج تشمل خدمات متعددة .. وسعر صرف الريال عنصر حاسم    وزير الأوقاف: خدمات واضحة تحدد تكلفة الحج الرسمي وتنسيق مسبق لضبط سعر الصرف    وزارة الأوقاف تحدد موعد قرعة الحج        







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أسطورة انفصال البربر عن العرب..
نشر في هسبريس يوم 22 - 10 - 2020


أولا: الغرب وصناعة "الفوضى"..
عبر هذه السلسلة البحثية التي تضم عشر حلقات، سأعمل على تفكيك الكثير من الأوهام والأساطير المؤسسة للحركة الأمازيغية بحياد وموضوعية، بغية كشف الحقيقة.
بداية لقد مثل مغرب القرن التاسع عشر موضوع العديد من الدراسات التاريخية والأنثروبولوجية، مما جعله مجالا خصبا لاكتساب التخصص والشهرة والاعتمادات المالية الضخمة.
جدير بالذكر أنه من الظواهر التي حظيت باهتمام بالغ من قبل السوسيولوجيا الكولونيالية، ما اصطُلح على تسميتها حديثا بظاهرة "السيبة"، والتي سادت كل مجتمعات شمال إفريقيا.
تعني ظاهرة "السيبة" كما حددتها أطروحة روبير مونتاني حول القبائل المغربية- القروية رفضا للنظام المخزني من طرف قبائل البربر المتمردة.
ولتدعيم هذه الفرضية يلجأ روبير مونتاني -تحت طلب الماريشال ليوطي- إلى البحث عن خصوصيات هذه المجتمعات القروية ذات الخلفية البربرية مستغلا ما شكلته البادية عبر تاريخها من تهديد للسلطة المخزنية، التي لم تكن تتورع عن اتهام سكانها بالفتنة والفوضى والخشونة...
وهذا ما يفسر لنا لماذا كان اسم "المدينة" غالبا ما يُسبق بالدعاء في المراسلات السلطانية، "مدينة فاس حرسها الله ".
كما يشير إلى ذلك بول باسكون وبهذا يكون -بُعد ظاهرة السيبة- التي يعتبرها روبير مونتاني بمثابة مؤسسة -وهو خلق التوازن لدى سكان القرى- وما يخفيه هذ ا الطرح هو تغييب وجود دولة قادرة على نشر هيمنتها وبسط نفوذها على كامل مناطق المغرب، وهذا ما تعبر عنه السيبة المنتشرة في قبائل البربر، ويتأكد هذا الواقع حسب السوسيولوجيا الكولونيالية من خلال وجود العديد من الدويلات البربرية ذات الخصوصيات المتميزة.
ولعل ذلك التهميش الذي عانت منه البادية عموما هو ما دفع السلطة المخزنية إلى التعامل معها بنوع من الحذر واللامبالاة على المستوى الاقتصادي، مما عمق الهوة بين سكان القرى وسكان المدينة، إلى درجة جعلت مُنظري السوسيولوجيا الاستعمارية يُصدرون حكما باستقلال البادية عن المدينة مستقر "المخزن" محاولة منهم استغلال هذه النقطة، وفي الوقت نفسه مبتعدة عن فخاخ المدرسة القديمة: لعبة الهجوم، الطعنة الخاطفة، السيطرة الاستعمارية.
لقد أصبح من الممكن تسجيل نقط ضعف المجتمع وتركيب وسائل مختلفة لاستغلالها، في حين لو كانت سلطة الدولة (المخزن) قوية، لاستطاعت تحييد السيبة والعنف.. باستخدام الحد الأدنى من السلطة، وبتعبير مونتاني "بأقل قدر من الدماء".
مع بروز القرن التاسع عشر وظهور أوروبا كقوة قاهرة، برز الاهتمام بهذه المجتمعات، لا سيما القروية منها، وإذا كانت سوسيولوجيا هذا العهد قد مثلت الأداة المعرفية الأكثر أهلية لاكتشافها، فإن الأنثروبولوجيا قد ظهرت كتتويج لكل العلوم الاجتماعية فهي جاءت لتعوض "الغياب" التاريخي وفي الوقت نفسه لتقديم نفسها كذات كفاءة لإقرار التمايزات والاختلافات ضمن المجتمع الواحد.
في رسالة وجهها Frantz Boa) مؤسس الأنثروبولوجيا الأمريكية) تتعلق بأربعة علماء في الأنثروبولوجيا، انخرطوا مع الحكومة في أعمال تجسسية حيث أدان هذا الانخراط بقوله:
"أرفض من الآن فصاعدا تسميتهم بالعلماء، لأنهم عهَروا العلم عبر أعمالهم التجسسية... وهم على الأقل أربعة رجال يقومون بعمل أنثروبولوجي، وُظفوا كعملاء للحكومة، وقدموا أنفسهم للحكومات الأجنبية كأنهم ممثلون لمؤسسات علمية بالولايات المتحدة -وأنهم أُرسلوا بهدف إجراء بحوث علمية. لقد مسوا مصداقية العلم، لقد قاموا بالأسوأ من كل الرداءات- مصالح البحث العلمي"ّ (Montréal les éditions Fidès 1946. Assayag Jacky2020).
ولم تشذ الأنثروبولوجيا الفرنسية عن هذا الخط من تدمير للمجتمعات والثقافات، وإبادات لِشعوب بحجة التحضير والتحديث... وهكذا نجد روبير مونتاني من خلال أطروحته حول المغرب:
يعرض ملاحظاته حول مجتمعات شمال إفريقيا قائلا بأن "تناقضا مدهشا يهيمن على الحياة الاجتماعية وعلى تاريخ سكان إفريقيا الشمالية.... فمن جهة، هناك القبائل المستقرة والمتنقلة.... وتعمل جاهدة على احترام مؤسسات ديمقراطية أوليغارشية داخل دولها البدائية".
إلا أن هذه الدويلات البربرية ظلت منعزلة تجاه التأثيرات الخارجية، وهذا ما يفسر في نظره تلك الصراعات التي توجد بين سكان البربر البدويين وسكان المدن الحضريين، وعلى رأسهم المخزن العربي: هنا من وجهة نظره تتلخص الحياة السياسية للمغرب الكبير.
هذه الصراعات وكذا عزلة الدويلات البربرية هي ما تسمح لروبير مونتاني بالقول بأنها تتوفر على وجود قوانين سيرها، إلا أنه أمام غياب تاريخ مكتوب يؤكد هذه الفرضية، فإن اللجوء إلى الأنثروبولوجيا يعتبر كفيلا بتعويض هذا الغياب باعتماد منهج يتأسس على الملاحظة المباشرة للدول البربرية، مقارنة أشكالها وبنياتها مما يسمح "فعلا باستشفاف قوانين تطورها. هذه القوانين التي لا يتيح التاريخ التعرف عليها. ومن هذه الزاوية يعتبر المغرب نموذجا للتثبت من هذه القوانين.
الملاحظة المباشرة، المقارنة، تبني عادات البربر إراديا، تكمن في تعلّم والتكلم باللغة البربرية لاكتساب ثقة السكان، تلك هي الخطوات المنهجية التي سيعتمدها روبير مونتاني في إثبات فرضياته.
إن الفرضية الضمنية والموجهة لسوسيولوجيا روبير مونتاني يمكن التعبير عنها كالتالي:
المجتمع المغربي ظل "جامدا" ومتشابها مع ذاته، سواء في بنياته أو مؤسساته، ويتجلى ذلك الجمود في تلك الحالة الدائرية التي يعرضها علينا روبير مونتاني، بصدد قبائل البربر وضع خطاطة على النحو التالي: سيبة - مخزن - سيبة.
وهكذا يقدم لنا تبريرا "نظريا" و"علميا" لمشروعية التدخل الأوروبي لعلاج الأمور.
وإذا كانت السوسيولوجيا الكولونيالية تسعى إلى ترسيخ الانفصال بين البربر والعرب، ومحاولة تأسيسه عملا بالنصيحة التي قدمها على المستوى النظري LANESSAN الحاكم العام بالهند الصينية إلى ليوطي، بعد أن مُنيت سياستها بالفشل بصدد الجزائر حيث حاولت تكسير البنيات القبلية، مما كلفها خسارات ضخمة على المستوى الاقتصادي والعسكري، فإنها في ما يتعلق بالمغرب حاولت أن تسلك أُسلوبا مغايرا يعتمد على الحفاظ على البنيات القبلية وتنظيماتها..."، يوجد بكل منطقة إطار اجتماعي، وخطأ الأوروبيين الكبير -باعتبارهم غزاة- هو قيامهم بتدمير هذا الإطار، إذن البلد يصبح عُرضة للفوضى، يجب الحكم بجانب الموظف الكبير le Mandarin وليس ضده، فالأوروبيون بما أنهم أقل عددا، عليهم أن يكتفوا بترسيخ مراقبتهم، وهكذا لا تطعنوا في التقاليد المحلية، لا تغيروا الأعراف، في كل مجتمع توجد طبقة قائدة وُلدت لتحكم، دون دعمها فإنكم توجدون دون سلطة".
تلك كانت عموما مرتكزات السوسيولوجيا الكولونيالية: التركيز على الاختلاف وتجذيره والتنظير له، لقد رأت في التمرد وفي النسب العرقي وفي رفض تأدية الضرائب للمخزن "وقائع" انفصالية، وإذا كانت هذه الأحداث لا يمكن إنكارها، إلا أن الذهاب بها بعيدا إلى درجة التأسيس انطلاقا منها انفصالا مطلقا بين البربر والعرب مجرد وهْم، ومجرد نظرة تحدق بالشجرة مهملة الغابة، إننا وإن كنا ضخمنا من مسؤولية الاستعمار والعلوم الاجتماعية التي اعتمدها في تحليل أغراض، فإن هذا لا يبرئ ساحة المسؤولين المخزنيين في تأجيج ظاهرة "السيبة" على المستوى الداخلي، ذلك أن إلقاء المسؤولية كلها على عاتق الأجنبي يخفي في جوفه إيديولوجية لا تزال تتكرر إلى اليوم سواء من قبل النظام السياسي أو من قبل الأحزاب السياسية مع الاختلاف في أشكال التعبير.
إن القبول المطلق بهذه الأيديولوجية يعني ضمنيا وكأن المجتمع المغربي أحسن حالا ورفاها... لولا تدخل الأجنبي الذي عرقل نموه وتطوره نحو مجتمع نموذجي فاضل... إن مثل هذه الرؤية تحاول حجب طبيعة الواقع المغربي سياسيا واجتماعيا واقتصاديا، وكذا طبيعة شرائحه الاجتماعية فضلا عن أنها ترفع الأفراد الإنسانيين الاجتماعيين من صعيد الواقع إلى صعيد المثال.
لم يكن بإمكان قوات الغرب الاستعماري أن تتسرب إلى الجهات التي انتهت باحتلالها، إلا لأنها كانت تراقب عن كثب عوامل تفككها على المستوى الداخلي مما ترتب عنه تفكك في العلاقات بين السلطة والخاضعين لها، مما أفقدها أهميتها أمام رعاياها، هذا ما حدث للإمبراطورية العثمانية، والأمر نفسه حدث بالمغرب.
وهكذا لم يكن التدخل الأجنبي إلا تتويجا لما آلت إليه الأوضاع الداخلية ونتيجة لانهيار الروابط بين السلطان والرعية انتهت إلى الاستنجاد به لحل المشاكل التي عجز المخزن عن حلها: ولم تكن الأسباب الخارجية إلا شروطا ساهمت وبعمق في تعميق الهوة بين السلطان ورعاياه، تلك هي الحقيقة التي يجب أن نعيها لدى الحديث عن ظاهرة "السيبة".
يتبع..
الحلقة القادمة: وظيفة السوسيولوجيا القروية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.