يقول الشاب خالد في أغنيته » هي الحياة« :" سيحب بعضنا البعض ، هي الحياة، وسنرقص ، لازم الجرح يبرا بالدواء ". فأي دواء سيصلح لعلاج مرض الحروب المتتالية التي أعلنتها إسرائيل على الدول العربية منذ أن احتلت إسرائيل فلسطين بالقوة وبإزهاق أرواح مواطنيها الأصليين ؟ إسرائيل المدعومة من طرف الغرب وعلى رأسه الولاياتالمتحدة الوسيط الغير نزيه . فهو خصم وحكم في نفس الوقت ، الأمر الذي شوه مسالك المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين ، الطريق الصعب والشاق جدا، والطويل الذي ضاع في متاهاته العديد من القيادات الفلسطينية على رأسهم "ياسر عرفات"، الذي أعطى كل ما كان يملك من قوة وفكر وسعة صدر إبان حكمه من أجل صنع سلام مع الإسرائيليين الذين أضاعوا الكثير من الوقت في مناورات ستقودهم إلى الفشل طال الزمن أو قصر . فحساباتهم الضيقة وتضييقهم على الفلسطينيين بالحصار مرة وبإعلان الحرب مرة أخرى لا شك أنهم بها يسيئون إلى أنفسهم . فكبريائهم أصمَّ أذانهم وأعمى أبصارهم عن الحقيقة التي يتاجرون بها، وتقشعر أبدانهم لها كلما ذكَّرهم بها الذاكرون» المحرقة« . فهل يقبل الشعب اليهودي الموجود في كل بلدان الدنيا، والذي هرب أجداده من المعاناة والقهر والتهميش والتحقير في أوروبا ، ومن ديكتاتورية " هتلر" وإعداماته أن يفرضوا » محرقة أخرى « على الفلسطينيين في القرن الواحد والعشرين ؟ من يقبل من اليهود أو من غير اليهود بهذا؟ يقول الرئيس الأمريكي " إن من حق إسرائيل الدفاع عن نفسها " وتقول الحكومة الإسرائيلية إن من واجبها الدفاع عن شعبها، فهل من حق الفلسطينيين الدفاع عن أرضهم المغتصبة كذلك ؟ وهل من حق القياديين الفلسطينيين الدفاع عن شعبهم الفلسطيني بنفس حماس نتنياهو، وبنفس رؤية أوباما؟ فعندما ترمي الولاياتالمتحدة بكل ثقلها في ليبيا والصومال وأفغانستان والعراق وتهدد بضرب إيران من أجل محاربة التطرف، نراها تنكمش وتسكن وتتلاشى قوتها عندما يتعلق الأمر بانتهاكات إسرائيل للقانون الدولي مع تركيا ، وبفرضها حربا غير متوازنة مع الفلسطينيين ، وباغتيالاتها وخرقها لحقوق الإنسان فوق تراب دول ذات سيادة وكما حدث للقيادي المبحوح وغيره . إسرائيل حرة طليقة ، يدها طويلة قادرة على العبث في أي مكان في العالم ، بينما " وكأن" يد العرب مغلولة رغم إمكاناتهم الهائلة . وإن حدث أن استجاب الغرب على الفور في مجلس الأمن لَمََّا تعلق الأمر بقلب أنظمة عربية ، رأى الغرب أنها أصبحت غير نافعة بعد ثورة شعوبها عليها. وهنا يجب التنبيه ، إلى أن الغرب دعّم في وقت من الأوقات بعض الأنظمة العربية في مواجهة شعوبها ، ثم دعّم أثناء الربيع العربي شعوبا عربية في مواجهة أنظمتها . وهو التكتيك الذي سيُمهّد للغرب لفترة جديدة للتلاعب بالشعوب مرة وبالأنظمة الجديدة مرة أخرى ، بحيث قد يؤلب الشعوب على الأنظمة في حالة ممانعتها وقد يؤلب الأنظمة على الشعوب في حالة تطرفها حسب التعبير الغربي. من هنا يصعب جدا معرفة توجه سياسة الأنظمة العربية بدقة فيما يخص المسألة الفلسطينية وخاصة أزمة غزة . فلا أحدا يستطيع تحديد التوجه السياسي الدقيق لكل من مصر وتركيا وتونس وقطر فيما يتعلق بحل الصراع في فلسطين . إذ هل هذه الدول تحاول اللجوء إلى مسكنات من أجل هدنة قد تأتي بعدها حربا أخرى بعد حين ؟ أم هي تبحث عن حل دائم يتطلب مواجهة إسرائيل والغرب بحقائق من ضمنها حق الفلسطينيين في تمتعهم بالحياة الآمنة وبالاستقلال الفعلي الشامل والكامل؟ لكن يظهر أن الدول العربية -مرغمة - تُصدّر مسكنات للفلسطينيين على أساس التهدئة وإراحة الضمير ، في وقت هي كذلك تأخذ مسكنات أخرى يُصدّرها لها الغرب في شكل مساعدات و دعم و استثمارات . فلا أحد من الدول العربية يريد المواجهة – ليس الحربية لأن العرب غير مستعدين إلى أي حرب ولو فرضت عليهم – ولكن لمواجهة قانونية وتواصلية تمكن من ربط المصالح بالنتائج المصيرية للأمة. قد تُلوّح الجامعة العربية – هذه الأيام - أو أي مسؤول من هنا وهناك على وجوب اتخاذ مواقف حقيقية ضد إسرائيل قد تؤدي إلى إيقاف جميع محاولات التطبيع المقنن ومحاولات صنع السلام مع إسرائيل، دون اللجوء إلى ما تختزنه ذاكرة السياسيين وأرشيف الدول من مواقف سابقة . لقد سبق في 15/7/2006 للأمين العام للجامعة العربية السيد عمرو موسى أن أعلن في اجتماع لوزراء الخارجية العرب في القاهرة " أن عملية السلام في الشرق الأوسط قد ماتت " . فلم يريد العرب التناقض مع الواقع الذي يقول بأن إسرائيل لا ترغب في سلام مع العرب ؟ ولماذا يتشبث العرب بعملية السلام ولا يوقفون كل أشكال التطبيع مع الإسرائيليين قولا وعملا؟ إسرائيل تراهن على اللعب في ذاكرة الأجيال الصاعدة من الشعب الفلسطيني لتجعلهم يُسلِّمون بواقع تحاول إسرائيل فرضه بكل السبل : القوة ، الاقتصاد، والفكر. هي قالت أن عاصمتها القدس وهي تعمل من أجل ربح الرهان. إن حكومات إسرائيل تسيء إلى نفسها برفضها الانصياع للقانون الدولي وللقانون الإنساني، و بعدم توقيرها للشعب الفلسطيني ورفضها منحه كامل حقوقه . فهي تتصرف خارج المنطق وتفرض ديكتاتورية القرار على شعبها وعلى الشعب الفلسطيني . فاليهود والفلسطينيون محكوم عليهما بالتعايش وإلا فالحرب لن تضع أوزارها إلى الأبد إلى أن يحصل الشعب الفلسطيني على حقوقه ويدخل القدس كما هو وارد . فالذي يحارب من أجل استرجاع حقوقه ليس هو " هنية ولا الجعبري" وإنما الشعب الفلسطيني كله ، والذي سيتوارث القضية على مدى الأجيال إلى أن تحل. فالحكومات الإسرائيلية تأتي وتذهب ، وكل حكومة تتفنن في إظهار نفسها على أنها هي الأقوى في الدفاع عن أمن الإسرائيليين، الذين سينتفضون- يوما- على غرار انتفاضة الشعوب العربية في ربيعها ، ليعلوا أنهم مع السلام ومع التعايش . سينقضي- حتما- زمن القبة الحديدية بدخول أسلحة وصواريخ أفتك من صواريخ stinger على الخط . وقد يأتي فهم القيادات الإسرائيلية لمشكلة " القدس" متأخرا بعض الشيء ، لأن تشبث إسرائيل باستقطاب الغرب حولها وبانتفاعها بالمساعدات والدعم الأمريكي لها ، يحجب عنها الحقيقة الصر مدية التي تقول بوجوب رجوع القدسللفلسطينيين لأنهم أهلها وأصحابها. وستستمر يقينا محاولات الفلسطينيين ومن وراءهم العرب والمسلمون في البحث عن مخرج كي يتمتع الفلسطينيون بكامل حقوقهم داخل دولتهم المستقلة وعاصمتها القدس، رغم العراقيل التي تضعها إسرائيل أمام قوافل دعاة السلام . والسؤال إلى متى تتمنع إسرائيل وراء أعذار واهية بادعاءاتها الدفاع عن أمن إسرائيل ؟ فإسرائيل تستطيع صنع السلام . فهي تتوفر وبين أيديها كل الإمكانات ولكنها لا تريد ، وتفضل استمرار الصراع الذي ينمي " أنانيتها" ويجعل منها الطفل المدلل بين الغرب ، الذي يرى من الفلسطينيين كائنات دونيا ، تجرب فيهم إسرائيل آخر ما اخترعته من أسلحة فتاكة ، تحت أعين العالم الذي يدعي حقوق الإنسان والديمقراطية. ليس من حق إسرائيل ادعاء الدفاع عن أمن شعبها وحدها ، فمن حق الفلسطينيين الدفاع عن أنفسهم كذلك من الآثار النفسية التي تخلفها يوميا طائرات الاستطلاع الإسرائيلية ، ومن عمليات الاغتيال المتواترة بواسطة صواريخ الطائرات الحربية الإسرائيلية ، كما أن للفلسطينيين الحق في العيش دون أسوار الحصار وعمليات التضييق اليومية على المواطنين الفلسطينيين . لقد واكبت الشبكات العربية الانتخابات الأمريكية لحظة بلحظة ، وعلقت على نصرة نتنياهو لميت رومني ، وعلى حكاية انزعاج أوباما من نتنياهو . فحاول المحللون التنبأ بما سيأتي بين أوباما ونتنياهو من خلافات ، ونسي الكثيرون أن الرابط الإستراتيجية بين الولاياتالمتحدة وإسرائيل على قاعدة ثابتة ، وأن الولاياتالمتحدة لن تتخلى عن إسرائيل مهما كان الثمن . فالصراع بين الإسرائيليين والعرب ليس صراع إرادات قد يهدأ بتغيير القيادات السياسية وإنما هو صراعا استراتيجيا يروم المصالح الأمريكية بالمنطقة ويروم مصالح الإسرائيليين بالبحث عن الذات، والتأسيس لدولة يهودية قوية في محيط ضعيف ،يشكل سوقا للمنتجات الفكرية والمادية لإسرائيل والغرب ، في ظل تهافت العرب على الاستهلاك ورفض الإيمان بالمستقبل على خطى التكنولوجيات الحديثة وتجديد التفكير مع التحكم في الأصالة والعقيدة . لن يسترجع فلسطين أقوام يؤمنون بالرغيف السهل، ولكن يستطيع أولئك الذين يؤمنون بالعمل الشاق وبتطوير النفس أولا كي يتقنوا الحدادة . فلن تنفع جعجاعات الوعد والوعيد التي تنقلها وسائل الإعلام ، والتي تجعل المواطن الفلسطيني أو غير الفلسطيني يؤمن "خطأ" بأن الحل يملكه العرب ، وأن بإمكانهم فعل الكثير لانتزاع حق الفلسطينيين . فقد تجد إسرائيل ذريعة بعد ذريعة كي تهجم على الفلسطينيين، وتحاول الضرب بأقصى قوة كي تخلّف أعمق الأثر في نفوس الفلسطينيين وكي لا يعودوا مرة أخرى. فهي تؤمن بأن الإفراط في الرد وسيلة ردع ناجعة لفرض الأمن . وهي بذلك مخطئة لأن الاستشهاد أغلى ما يتمناه الفلسطيني على أيد إسرائيلية وهو يدافع عن مقدساته وأرضه. وما على إسرائيل إلى أن تفهم بأن الكرة في ميدانها منذ أن طرحت عملية السلام، لأن سلاح إسرائيل الحقيقي لجلب الأمن للإسرائيليين ليس هو السلاح وإنما " التعقل" والإيمان بأن من حق الفلسطينيين العيش بسلام وأمن كغيرهم من الشعوب . والمأمول أن تكون تحركات الجامعة العربية –هذه المرة- ومن ورائها الشعوب الديمقراطية المخلصة للقضية الفلسطينية صادقة ، تخلّف طحينا ملموسا يُخرج الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني من عنق الزجاجة نحو الحل الدائم الذي سيضمن للفلسطينيين كامل حقوقهم . فبدون شك سنسمع عن محاولات مصالحة وبالتالي عن محاولة إحياء عملية السلام ، فهل ستستجيب إسرائيل لدعوة الداعي وهي مؤمنة بأن بوابة الأمن هي السلام ؟ فالفلسطينيون مؤمنون " كشعب" أنهم منتصرون لا محالة. فهل تقبل إسرائيل تقاسم هذا الانتصار من الفلسطينيين بالإحسان لنفسها بتجنب الخوض الدائم في المغالطات لهضم حق الفلسطينيين . إن إسرائيل تكتب تاريخها الأسود بدماء أطفال ونساء وشيوخ فلسطين وهي تستعرض عضلات أسلحتها على شعب شبه أعزل كل عام مرتين أو أكثر. فمتى ستفهم إسرائيل أن الأمن يصنع بالسلام والعدل ولو مع من تعتبرهم إرهابيين بينما هم مقاومون يبحثون عن الحرية والاستقلال والعيش بأمان دون انزعاج تخلفه طائرات الاستطلاع والتجسس والمباغتة والغدر.